أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 3 - صـ 303

جلسة 19 من ديسمبر سنة 1951
(117)
القضية رقم 254 سنة 21 القضائية

برياسة حضرة صاحب السعادة أحمد محمد حسن باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات أصحاب العزة: أحمد حسني بك وإبراهيم خليل بك ومحمد أحمد غنيم بك وإسماعيل مجدي بك المستشارين.

إثبات. الاعتماد في إدانة المتهم على حكم آخر دون بيان اقتناع المحكمة بأسباب ذلك الحكم. فساد في الاستدلال يستوجب نقضه. وحدة الواقعة. نقض هذا الحكم بالنسبة إلى أحد الطاعنين يقتضي نقضه بالنسبة للطاعن الآخر.
الإثبات في المواد الجنائية إنما يقوم على اقتناع القاضي نفسه بناء على ما يجريه في الدعوى من التحقيق بحيث لا يجوز له أن يؤسس حكمه على رأي غيره. وإذن فإذا كان الحكم المطعون فيه قد أسس ثبوت الخطأ عن الطاعن على مجرد صدور حكم نهائي عليه في مخالفة، وذلك دون أن تحقق المحكمة هذا الخطأ وتفصل هي في ثبوته لديها وحجبت بذلك نفسها عن تمحيص دفاع المتهم- فإن حكمها يكون فاسد الاستدلال مما يعيبه ويوجب نقضه. ونقض هذا الحكم بالنسبة إلى هذا الطاعن يقتضي نقضه بالنسبة إلى الطاعن الآخر الذي لم يقدم أسباباً لطعنه بعد اطلاعه على الحكم وذلك لوحدة الموضوع واقتضاء لحسن سير العدالة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما بدائرة مركز المحلة الكبرى: أولاً - المتهم الأول - تسبب خطأ من غير قصد ولا تعمد في قتل أحمد كامل بركات وعلي محمد الدسوقي وزكي أحمد سعيد وإصابة السيد فرج الرمادي وبديعة السيد عبد النبي وكان ذلك ناشئاً عن إهماله وعدم احتياطه بأن قاد السيارة بسرعة فانقلبت في المصرف وغرق الثلاثة الأول وأصيب باقي المجني عليهم فحدثت بهم الإصابات الموصوفة بالكشف الطبي والتي أدت إلى وفاة الثلاثة الأول ثانياً - المتهم الأول أيضاً قاد السيارة بسرعة ينجم عنها الخطر ثالثاً - المتهم الأول أيضاً لم يحمل رخصة السيارة - رابعاً - المتهم الأول أيضاً قاد السيارة بدون رخصة قيادة خامساً - المتهمين الأول والثاني قبلا بالسيارة الأجرة ركاباً أكثر من المقرر سادساً - المتهم الثاني عهد بسيارته لشخص غير حائز على رخصة، وطلبت عقابهما بالمواد 238 و244 من قانون العقوبات 8 و9 و17 و32 و47 و53 سيارات وقد ادعى كل من حفظيه مصطفى وأحمد سعيد سلطان بصفته ولياً شرعياً على أولاد ابنه المجني عليه بحق مدني قبل المتهمين وطلبا القضاء لهما عليهما بمبلغ 500 جنيه بصفة تعويض. ومحكمة جنح المحلة الجزئية قضت ببراءة المتهمين من التهمة الأولي ورفض الدعويين المدنيتين الموجهتين إليهما وألزمت كل مدع بمصروفات دعواه المدنية ثانياً - ببراءة المتهم الأول من التهمة الثانية وذلك عملاً بالمادة 172 من قانون تحقيق الجنايات. ثالثاً - تغريم المتهم الأول 100 قرش عن التهمة الثالثة و100 قرش عن التهمة الرابعة و100 قرش عن التهمة الخامسة رابعاً ـ تغريم المتهم الثاني 100 قرش عن التهمة الخامسة و100 قرش عن التهمة السادسة بلا مصروفات جنائية. وذلك عملاً بمواد الاتهام. فاستأنفت النيابة كما استأنف المدعي بالحق المدني. ومحكمة طنطا الابتدائية قضت عملاً بمواد الاتهام بإلغاء الحكم المستأنف بالنسبة للتهمة المرفوع عنها الاستئناف وحبس كل من المتهمين ستة شهور مع الشغل وإلزامهما متضامنين بأن يدفعا للمدعي بالحق المدني الشيخ أحمد سعيد سلطان بصفته ولياً شرعياً على أولاد ابنه المرحوم زكي سعيد مبلغ 30 جنيهاً والمصروفات المدنية المناسبة عن الدرجتين. فطعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

...حيث إن الوجه الأول من طعن الطاعن الثاني يتحصل في أن الحكم المطعون فيه لم يرد على ما دفع به الطاعن من أنه لم يحضر الحادث وأن المتهم الأول وهو خفير عنده قد أخذ السيارة في غيابه وبغير علمه ودون أن يعهد هو بقيادتها إليه. لم يرد الحكم المطعون فيه على هذا الدفاع ودان الطاعن بالقتل والجرح الخطأ على أساس أنه قبل بسيارته ركاباً أكثر من المقرر لها وعهد بقيادتها إلى المتهم الأول حالة أنه غير حائز على رخصة قيادة مخالفا في كلا الأمرين لائحة السيارات وأن محكمة أول درجة قد دانته بهاتين المخالفتين جاز حكمها قوة الشيء المحكوم فيه مما لا يجوز بعده للمتهم الثاني - الطاعن - أن يعود فيتحلل منهما بالإنكار ويقول الطاعن إنه ما كان يجوز للمحكمة الاستئنافية أن تستند إلى حجية حكم محكمة الدرجة الأولى في موضوع المخالفتين المذكورتين دون أن تتحرى هي عن حقيقة الأمر فيهما إذ الواضح أن الطاعن قد اقتصرت عنايته أمام محكمة الدرجة الأولى عن الدفاع عن نفسه في دعوى الجنحة فلم يبد دفاعاً في دعوى المخالفتين.
وحيث إنه يتضح من الاطلاع على محضر الجلسة وعلى الحكم المطعون فيه أن الدفاع عن الطاعن قد دفع أمام المحكمة الاستئنافية بأنه ليس مسئولاً عن الحادث إذ لم يكن موجوداً فيه وأن المتهم الأول قد أخذ السيارة بغير علمه وأن الحكم المطعون فيه إذ قضى بإدانة الطاعن قال في ذلك: "وحيث أن خطأ المتهم الثاني ثابت أيضاً من أنه قبل بسيارته ركاباً أكثر من العدد المقرر لها وأنه عهد بسيارته لشخص غير حائز على رخصة قيادة مخالفاً هو الآخر بدوره أحكام اللائحة المشار إليها وقد أدانته محكمة الدرجة الأولى في هاتين التهمتين للأسباب الواردة في حكمها وقضت بتغريمه مائة قرش عن كل تهمة منهما بحكم نهائي - ولا يجوز لهذا المتهم بعد أن أثبت عليه الحكم الابتدائي على هذا النحو أنه كان بالسيارة وأنه قبل بها ركاباً أكثر من حمولتها وعاقبه على ذلك أن يعود فيحاول التحلل من ذلك بمجرد إنكاره، إذ أن حكم محكمة أول درجة في هذا الشأن قد حاز قوة الشيء المقضي فيه، ولا سبيل إلى الطعن عليه بأي طريق من الطرق بل هو حجة قاطعة بكل ما جاء به" ويبين مما تقدم أن المحكمة وهي بسبيل الفصل في جنحة القتل والجرح الخطأ وإثبات الخطأ على الطاعن لم تتحقق بنفسها هذا الخطأ وحجبت نفسها عن تمحيص دفاعه سالف الذكر بحجة صدور حكم نهائي عليه في المخالفتين المشار إليهما بوجه الطعن، ثم قضت بإدانته في دعوى الجنحة المذكورة مستندة في توافر ركن الخطأ في حقه إلى ذلك الحكم. ولما كان الإثبات في المواد الجنائية إنما يقوم على اقتناع القاضي نفسه بناء على ما يجري به في الدعوى من التحقيق بحيث لا يجوز له أن يؤسس حكمه على رأي غيره ما لم يكن هو قد اقتنع بهذا الرأي. ولما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه إذ قال بثبوت الخطأ على الطاعن وأطرح دفاعه فيه بمقولة صدور حكم نهائي عليه في المخالفتين المسندتين إليه دون أن يقول هو إنه اقتنع بأسباب هذا الحكم، يكون الحكم المطعون فيه قد جاء فساد الاستدلال بما يعيبه ويوجب نقضه، وذلك من غير حاجة للبحث في الوجه الثاني من الطعن.
وحيث إن نقض الحكم للوجه المتقدم بالنسبة إلى هذا الطاعن يقتضي نقضه بالنسبة إلى الطاعن الأول الذي لم يقدم أسباباً لطعنه بعد اطلاعه على الحكم وذلك لوحدة الموضوع واقتضاء لحسن سير العدالة.