أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 3 - صـ 324

جلسة 25 من ديسمبر سنة 1951
(125)
القضية رقم 434 سنة 21 القضائية

برياسة حضرة صاحب السعادة أحمد محمد حسن باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات أصحاب العزة: أحمد حسني بك وإبراهيم خليل بك ومحمد أحمد غنيم بك وإسماعيل مجدي بك المستشارين.

أ - رشوة. اعتراف الراشي. إعفاؤه من العقاب لا يجوز الحكم له بمبلغ الرشوة الذي قدمه أو بتعويض.
ب - رشوة. الغرامة الواجب الحكم بها على مقتضى نص المادة 108 من قانون العقوبات هي غرامة نسبية تحدد حسب مقدار ما استولى عليه كل من المرتشين.
1 - إن جريمة الرشوة قد أثمها القانون لكونها صورة من صور اتجار الموظف بوظيفته وإخلاله بواجب الأمانة التي عهد بها إليه. ولما كان الراشي هو أحد أطراف هذه الجريمة يساهم فيها بتقديم الرشوة إلى الموظف لكي يقوم أو يمتنع عن القيام بعمل من أعمال وظيفته فإنه لا يصح أن يترتب له حق في المطالبة بتعويض عن جريمة ساهم هو في ارتكابها. ولا يؤثر في ذلك ما نص عليه القانون من إعفاء الراشي والمتوسط إذا أخبر السلطات بالجريمة أو اعترف بها. وإذن فالحكم للراشي الذي أعفاه القانون من العقاب بتعويض مدني وبمبلغ الرشوة الذي قدمه يكون مجانباً للصواب متعيناً نقضه.
2 - إن القانون قد نص في المادة 108 من قانون العقوبات على أن "من رشا موظفاً والموظف الذي يرتشي ومن يتوسط بين الراشي والمرتشي يعاقبون بالسجن ويحكم على كل منهم بغرامة تساوي قيمة ما أعطى أو وعد به". وإذن فالغرامة الواجب الحكم بها على مقتضى صريح النص هي غرامة نسبية تحدد حسب مقدار ما استولى عليه كل من المرتشين.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما بناحية طامية مركز سنورس مديرية الفيوم المتهم الأول - بصفته موظفاً عمومياً (كونستابل نقطة بوليس طامية والقائم برئاستها) قبل من محمد حسن محمد مبلغ جنيهين على سبيل الرشوة لامتناعه عن عمل من أعمال وظيفته وهو عدم القبض عليه وعدم ضبط السكر الذي كان بمخزنه وتحرير محضر عن ذلك. والمتهم الأول أيضاً بصفته سالفة الذكر قبل من محمد حسن محمد السابق الذكر مبلغ خمسين جنيها على سبيل الرشوة لامتناعه عن عمل من أعمال وظيفته وهو عدم تحرير محضر ضده لتقديمه له مبلغ الجنيهين موضوع الجريمة الأولى والمتهم الثاني: توسط بين محمد حسن محمد وبين المتهم الأول في إتمام جريمة الرشوة الثانية آنفة الذكر بأن استلم مبلغ الخمسين جنيهاً من أمين عبد اللطيف وقام بتسليمه للمتهم الأول، فوقعت الجريمة بناء على تلك الوساطة وطلبت من قاضي الإحالة إحالتهما على محكمة الجنايات لمحاكمتهما بالمواد 103 و104 و108/ 1 من قانون العقوبات فقرر بذلك وقد ادعى محمد حسن محمد بحق مدني قبل المتهمين متضامنين وطلب أن يحكم له عليهما بمبلغ مائة جنيه على سبيل التعويض. ومحكمة جنايات الفيوم قضت عملاً بمواد الاتهام مع تطبيق المادتين 32 و17 من قانون العقوبات - بمعاقبة محمد سعيد عبد العزيز بالسجن لمدة ثلاث سنوات وتغريمه مبلغ 52 جنيهاً ومعاقبة محمد السيد حسين بالحبس مع الشغل لمدة سنتين وتغريمه مبلغ 50 جنيهاً وألزمت المتهمين متضامنين بأن يدفعا للمدعي بالحق المدني مبلغ 60 جنيهاً على سبيل التعويض والمصاريف المدنية المناسبة. فطعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض...الخ.


المحكمة

...حيث إن الطاعن الأول يقول إن الحكم المطعون فيه جاء قاصراً في بيان الأدلة على جريمة الرشوة. ذلك بأن المحكمة قالت إنه استولى على جنيهين على سبيل الرشوة مقابل عدم تحرير محضر للراشي وأنه عرض الأمر بعد ذلك على الضابط وأبلغه بواقعتي ضبط السكر وتقديم الرشوة له فأمره بعمل محضر والقبض على مقدم الرشوة ولم تعلل المحكمة كيف اجترأ الطاعن على مخالفة هذا الأمر بل إن ما ذكرته تعليلاً لعدم تحرير الطاعن للمحضر يؤيد دفاعه من أنه رد المبلغ إلى صاحبه. أما واقعة استيلائه على مبلغ الخمسين جنيهاً بعد ذلك من الراشي على سبيل الرشوة مقابل امتناعه من تحرير محضر للراشي لتقديمه مبلغ الرشوة الأولى فإن الثابت من التحقيقات أن المبلغ لم يقدم إليه هو بل قدم إلى الطاعن الثاني الذي وجهت إليه تهمة التوسط في الرشوة وكل الدلائل تقطع بأن لا صلة بين هذه الواقعة وبين تصرف الطاعن في أمر الراشي بعد ضبطه. ثم إن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون إذ قضى للراشي بوصفه مدعياً بالحقوق المدنية بالتعويض في حين أن الضرر المدعي به ليس ناشئاً من الجريمة مباشرة ولا يرد على ذلك أن المدعي دفع مبلغ الرشوة إلى الطاعن وإنه يطالب برده. ذلك لأن مبلغ الرشوة إنما دفع إلى الموظف لغرض غير مشروع فلا تصح المطالبة برده ولا الادعاء بحصول ضرر يستوجب أي تعويض آخر. ويضيف الطاعن أن الحكم أخطأ في القضاء على كلاً الطاعن والوسيط بغرامة قدرها خمسون جنيهاًُ فوق الجنيهين اللذين أنفرد بهما الطاعن إذ لا يصح في القانون أن يتكرر الحكم بالغرامة عن مبلغ واحد وكان يجب القضاء عليهما معاً بمبلغ الخمسين جنيهاً وعلى الطاعن بمبلغ الرشوة التي دين بالاستيلاء عليها وحده. ويقول الطاعن الثاني إن المحكمة دانته بجريمة التوسط في الرشوة بمقولة إنه سلم مبلغ الخمسين جنيهاً للطاعن الأول مقابل امتناعه عن تحرير محضر للراشي وقد بنت حكمها بصحة هذه الواقعة على مجرد الظن والافتراض دون أن تقيم دليلاً على ذلك مستمداً من التحقيقات.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر فيه العناصر القانونية للجريمة التي دين بها الطاعنان وأورد على ثبوتها أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها. ولما كان الأمر كذلك فإن ما يثيرانه في هذا الصدد لا يخرج في حقيقته عن المجادلة في موضوع الدعوى وتقدير الأدلة فيها مما تختص به محكمة الموضوع بلا معقب عليها فيه.
وحيث إنه عما جاء بالطعن في صدد الدعوى المدنية فإن جريمة الرشوة قد أثمها القانون لكونها صورة من صور اتجار الموظف بوظيفته وإخلاله بواجب الأمانة التي عهد بها إليه. لما كان ذلك وكان الراشي هو أحد أطراف هذه الجريمة يساهم فيها بتقديم الرشوة إلى الموظف لكي يقوم أو يمتنع عن القيام بعمل من أعمال وظيفته فإنه لا يصح أن يترتب له حق في المطالبة بتعويض عن جريمة ساهم هو في ارتكابها. ولا يؤثر في ذلك ما نص عليه القانون من إعفاء الراشي والمتوسط إذا أخبر السلطات بالجريمة أو اعترف بها. ولذا فإن الحكم حين قضى في الدعوى المدنية بمبلغ الرشوة والتعويض عن ذلك لم يصادف الصواب ويتعين لذلك نقضه والقضاء بعدم قبول الدعوى المدنية لعدم مشروعية سببها.
وحيث إنه عن الغرامة المقضي بها فإن القانون قد نص في المادة 108 من قانون العقوبات على ما يأتي: "من رشا موظفاً والموظف الذي يرتشي ومن يتوسط بين الراشي والمرتشي يعاقبون بالسجن ويحكم على كل منهم بغرامة تساوي قيمة ما أعطى أو وعد به". لما كان ذلك، فإن الغرامة الواجب الحكم بها على مقتضى صريح النص المشار إليه هي غرامة نسبية تحدد حسب مقدار ما استولى عليه كل من المرتشين ويكون الحكم حين قضى بالغرامة على النحو الوارد به قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً.
وحيث إنه لذلك يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.