أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 3 - صـ 883

جلسة 29 من أبريل سنة 1952

برياسة حضرة صاحب السعادة أحمد محمد حسن باشا رئيس المحكمة، وبحضور حضرات أصحاب العزة: أحمد حسني بك وكيل المحكمة ومحمد أحمد غنيم بك وباسيلي موسى بك ومصطفى حسن بك المستشارين.

(329)
القضية رقم 350 سنة 22 القضائية

إثبات. وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم. يخضع لسلطة قاضي الموضوع.
إن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم مما يخضع لقاضي الموضوع بغير معقب عليه فيه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في ليلة 17 من أغسطس سنة 1949. بدائرة قسم الدرب الأحمر محافظة القاهرة. ضرب عمداً سعيد محمد رزق فأحدث به الإصابة المبينة بالتقرير الطبي الشرعي والتي تخلفت من جرائها لدى المجني عليه عاهة مستديمة يستحيل برؤها هي فقد جزء من عظام الجمجمة الواقية لخلايا المخ مما يجعله عرضة للالتهابات والتأثيرات الجوية، وتقلل من كفاءته للعمل غير أنه نظراً لخطورة ما قد ينتج عن هذه الإصابة من مضاعفات فإنه ليس من المتيسر تحديد مداها بتقدير رقمي من النسبة المئوية، وطلبت إلى قاضي الإحالة إحالته إلى محكمة جنايات القاهرة لمحاكمته بالمادة 240/ 1 من قانون العقوبات، فقرر بذلك ومحكمة جنايات القاهرة قضت بتاريخ 15 من ديسمبر سنة 1951 عملاً بمادة الاتهام بمعاقبة أحمد محمد أحمد الشهير بالعربي بالسجن لمدة ثلاث سنوات. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... حيث إن الوجه الأول من هذا الطعن يتحصل في قول الطاعن إن المحكمة بعد أن أثبتت في صدر محضر جلسة المحاكمة غياب شاهدي الإثبات الثاني والرابع واكتفاء النيابة والدفاع بأقوالهما في التحقيقات وبعد تلاوة قرار الإحالة وسماع طلبات النيابة وشهادة المجني عليه ومناقشة المحكمة والدفاع لشهادته. بعد كل ذلك، قال حاجب المحكمة أن الشاهدين الغائبين قد حضرا فسمعتهما المحكمة وأخذت في حكمها بشهادتهما وذلك على الرغم من اعتراض الدفاع واعتماداً على ما أثبته بمحضر الجلسة من أن الحاجب احضر الشاهدين من خارج الجلسة إذ حضرا متأخرين: وأنه لما كانت المحكمة قد عولت فيما أثبتته من ذلك على ما قرره الحاجب وكان قول الحاجب بان الشاهدين كانا خارج الجلسة لا يكفي في نفي احتمال سبق وجودهما داخلها ومتابعتهما إجراءات المحاكمة السابقة على سماعهما الأمر الذي يجعل شهادتهما ساقطة. فإن الحكم المطعون فيه إذ أخذ في أسبابه بهذه الشهادة، يكون معيباً متعيناً نقضه.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على محضر الجلسة التي نظرت فيها الدعوى أنه بنداء القضية حضر المتهم وحضر الشهود إثباتاً ونفياً عدا الشاهدين الثاني والرابع وحضر مع المتهم محاميه، وأن النيابة والدفاع اكتفيا بأقوال هذين الشاهدين بالتحقيق فمضت المحكمة في نظر الدعوى، فتلي قرار الإحالة وطلبت النيابة عقاب المتهم بالمواد الواردة بهذا القرار، وسئل المتهم عن تهمته فأجاب عنها بما تدون بالمحضر، ثم سمعت شهادة المجني عليه وناقشه الدفاع، كما ناقشته المحكمة وبعد تمام أقواله قال الحاجب: " الشاهدان الغائبان حضرا الآن" فسمعا في دوريهما دون اعتراض ما، من الطاعن أو محاميه، بل لقد ناقش محاميه أول هذين الشاهدين، كما ناقشه الطاعن نفسه، وبعد سماع باقي الشهود ومرافعة النيابة ترافع محامي المتهم فطلب له البراءة وتكلم في موضوع الدعوى وكان كل ما تعرض به المشاهدين المشار إليهما قوله: " واليوم حضر بعض الشهود بعد أن ثبت غيابهم ولا أدري أين كانوا" فأثبتت المحكمة بمحضر الجلسة الملاحظة الآتية: " أحضرا الحاجب الشاهدين اللذين لم يحضرا من أول الجلسة وأحضرهما من خارج الجلسة إذ حضرا متأخرين ولم يكونا بدخل الجلسة" وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم مما يخضع لقاضي الموضوع بغير معقب عليه فيه، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الوجه من طعنه يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن يقول في الوجه الثاني إن مرجان محمد مصطفى أحد شهود الإثبات في الدعوى شهد بالجلسة أن الجاني شخص آخر غير الطاعن فلما ناقشته المحكمة في مخالفة هذه الشهادة لأقواله السابقة في تحقيق النيابة ولما سبق أن شهد به في محاكمة أخرى أكد أن شهادته أمام المحكمة هي الصحيحة وأنها لم تصدر منه بتأثير الطاعن وأنه إنما شهد بما يخالفها من قبل لأنه كان حينئذ على عداء مع الطاعن. وأنه لما كان ذلك فما كان يسوغ للمحكمة أن تعتبر الشاهد المذكور فيما شهد به أمامها شاهد زور ثم تستند في إدانة الطاعن إلى أقوال هذا الشاهد تحقيق النيابة ومحضر المحاكمة السابقة وفي حين يؤكد الشاهد نفسه أن ما قرره أمام المحكمة كان هو الصحيح وأن ما قاله غير ذلك كان مخالفاً للحقيقة.
وحيث إن هذا الوجه مردود بأن لمحكمة الموضوع، عند تعدد أقوال الشاهد أن تأخذ من هذه الأقوال بما تطمئن إليه وتعتقد بصحته ولو كان صادراً في التحقيقات وأن تطرح منها ما لم تطمئن إليه ولم تعتقد بصحته ولو كان صادراً أمامها بالجلسة وذلك بصرف النظر عما يقرره الشاهد نفسه من أن قولاً معيناً له هو الصحيح، دون غيره من أقوال.
وحيث إن الطاعن يقول في الوجه الثالث إنه لما كانت شهادة الشاهدين الثاني والرابع قد وقعت باطلة، كما كانت شهادة شاهد الإثبات الثالث مرجان محمد مصطفى لم يكن من الجائز اعتماد المحكمة عليها بعد إدانته بشهادة الزور فإنه لا يكون باقياً مما استدل به الحكم على الطاعن إلا أقوال شاهد الإثبات الخامس فؤاد محمد أحمد وأقوال المجني عليه. ولما كانت شهادة أولهما سماعية وكانت أقوال المجني عليه في واقعها لا تخالف في شيء أقوال شهود نفي الطاعن وكان الحكم لم يرد علي ما تمسك به الدفاع من أن الطاعن لم يكن هو الجاني وأن الواقعة حدثت ليلاً في مكان غير مضاء وفي الزحام وأن المجني عليه لم يكن طرفاً في الشجار ولم يكن لدى الطاعن ما يدعوه للاعتداء عليه، ولم يرد كذلك على ما أثاره الدفاع من حصول التعدي ابتداء على الطاعن من عبد الرحمن السيد بدوي وأخيه واستفزازه بهذا التعدي، الأمر الذي كان يدعو إلى تبرئته إذا اعتبر دفاعاً شرعياً أو إلى استعمال الرأفة معه إذا رأت المحكمة إدانته. لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه يكون قاصرا التسبيب.
وحيث إنه لا أساس لما يقوله به الطاعن من بطلان شهادة شاهدي الإثبات الثاني والرابع، كما أنه لا يمنع المحكمة من الأخذ بما سبق أن قرره الشاهد من أقوال في تحقيق النيابة وفي محاكمه سابقة أن تكون قد حكمت عليه للشهادة زوراً أمامها بالجلسة، لما كان ذلك، وكان ما اطمأنت إليه المحكمة وأخذت به من أدلة الإثبات يفيد بذاته الرد على ما يثيره الطاعن من أنه لم يكن هو الجاني، وكان الطاعن لم يتمسك أمام المحكمة بقيام حالة الدفاع الشرعي لديه، وكانت الواقعة كما أثبتها الحكم ليس فيها ما يفيد قيام هذه الحالة، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الوجه يكون بدوره في غير محله.
وحيث إنه لكل ما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.