أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 5 - صـ 117

جلسة 25 من نوفمبر سنة 1953

المؤلفة من السيد رئيس المحكمة الأستاذ أحمد محمد حسن رئيسا، والسادة المستشارين: مصطفي حسن، وحسن داود، وأنيس غالى، ومصطفى كامل أعضاء.

(40)
القضية رقم 1400 سنة 23 القضائية

إثبات. شهادة. لا يشترط أن تكون واردة على الحقيقة المطلوب إثباتها بأكملها وبجميع تفاصيلها.
لا يشترط في شهادة الشاهد أن تكون واردة على الحقيقة المطلوب إثباتها بأكملها وبجميع تفاصيلها على وجه دقيق، بل يكفى أن يكون من شأن شهادة الشاهد أن يؤدى إلى تلك الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه المحكمة يتلاءم به ما قاله الشاهد بالقدر الذى رواه مع عناصر الإثبات الأخرى المطروحة أمامها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلا من: 1 - عدلى حسن حسين النحاس (الطاعن) و2 - حبيب عطا الله الحمامصي و3 - سعيد حبيب الحمامصي بأنهم في يوم 25 من أغسطس سنة 1952 الموافق 14 من ذى الحجة سنة 1371 بناحية بندر أخميم مديرية جرجا: المتهم الأول قتل عمدا عياد مرجان بسادة بأن انتوى قتله وأعد لذلك سلاحا (مسدسا) وأطلق عليه منه عيارين ناريين قاصد من ذلك قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته وذلك مع سبق الإصرار والترصد. المتهمان الثاني والثالث اشتركا مع المتهم الأول في ارتكاب الجناية سالفة الذكر بأن اتفقا معه على ارتكابها وحرضاه على ذلك وتوجها معه لشد أزره فوقعت الجريمة بناء على ذلك، وطلبت من غرفة الاتهام إحالتهم على محكمة الجنايات لمعاقبتهم بالمواد 230 و231 و232 و40 و41 و230 م231 و232 من قانون العقوبات. فقررت بذلك في أول نوفمبر سنة 1952. وقد ادعى مرجان بسادة (والد القتيل) بحق مدنى قبل المتهم الأول بمبلغ مائة جنيه مؤقتا. ومحكمة جنايات سوهاج قضت فيها حضوريا عملا بالمادة 234/ 1 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهم الأول (الطاعن): أولا - بمعاقبته بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنين وإلزامه بأن يدفع للمدعى بالحق المدنى مبلغ مائة جنيه والمصروفات المدنية ومبلغ خمسمائة قرش أتعابا للمحاماة وقد استبعدت بذلك ظرفي سبق الإصرار والترصد. وثانيا: ببراءة كل من حبيب عطا الله الحمامصي وسعيد حبيب الحمامصي مما أسند إليهما برفض الدعوى المدنية قبلهما وأعفت جميع المتهمين من المصروفات الجنائية وذلك عملا بالمادتين 381/ 1 و304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض..... الخ.


المحكمة

..... وحيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ استدل على إدانة الطاعن بشهادة شاهد الرؤية الذى قال إن الطاعن والمجني عليه كانا واقفين وجها لوجه يتحدثان حديثا هادئا كأنهما صديقان عندما سمع صوت العيار النارى الذى أصاب المجنى عليه، واستند مع ذلك إلى تقرير الطبيب الشرعى وما قاله هذا الطبيب في الجلسة من أن اتجاه العيار من الخلف واليسار إلى اليمين والأمام يميل يسيط لأسفل يكون متناقضا، لأن ما ورد بالتقرير الطبي يسقط شهادة الشاهد إلا أن الحكم تلمس لهذا التناقض سببا هو انحراف المجنى عليه إلى اليمين لاتقاء الإصابة مع أنه لا أثر واقعة الانحراف فى التحقيق ولا فى الجلسة ولم تطرح عند المحاكمة وأنه لا يوجد سبب يدعو الطاعن لارتكاب الجريمة ولا شأن له بالمنازعات التي قيل بقيامها بين المتهمين الآخرين المحكوم ببراءتهما وبين المجنى عليه وأن تحريات ضابط المباحث مبنية على أساس فاسد إذ ليس صحيحا ما قاله من أن سبب الحادث يرجع إلى اشتراك الطاعن مع القتيل في سرقة 700 شوال من البصل مملوكة لكامل الحواش من عائلة القتيل، وأن المجنى عليه احتفظ بالأجولة حتى لا يتطرق إليه الشك نظرا لصلة القرابة مع أن القتيل وإن كان لقبه الحواش إلا أنه لا يمت إلى المجنى عليه في سرقة البصل بصلة القرابة، بل هما من دينين مختلفين وإن اتحدا لقبا وأن المحكة أتت بسبب من عندها حين أشارت في حكمها إلى شكوى قدمت من القتيل ضد المتهمين الثلاثة وإلى معاملات بين المجني عليه والطاعن نشأ من أجلها نزاع بينهما وحين قالت إن الطاعن ظلّ يلاحق المجني عليه ليطالبه بماله قبل حتى التقى به يوم الحادث وأخذ يناقشه الحساب ثم تطور الخلاف بينهما فأخرج الطاعن مسدسه وأطلق منه شريكه عيارين، على أن ما ذكرته من ذلك يناقض شهادة شاهد الرؤية الذي لم يسمع أي مناقشة بيهما بل قال إن حديثهما كان عاديا، ويضيف الطاعن أنه قرر في التحقيق أنه كان يببت في الليلة السابقة على يوم الحادث في زراعته مع شاهد النفي وبقي فيها حتى حضر الخفير وقبض عليه. وقد سئل شاهد النفي في التحقيق فصادق الطاعن على أقواله إلا أن الحكم لم يشر إلى هذا الدفاع بشئ لم يرد على شهادة شاهد النفي الذى سمعته المحكمة أيضا مع أنها تهدم شهادة شاهد الرؤية التي هي وليدة التهديد، إذ ورد على لسانه أن ضابط المباحث وهو يبحث عنه أثناء تحرياته هدد والده وأراد أن يأخذه إلى المركز في سيارة البوليس لولا أن أخاه حضر إليه وأخذه إلى ضابط المباحث حيث أدلي إليه بأقواله، كما أن محامى المدعى بالحق المدنى أبدى في الجلسة عند بدء سماع هذا الشاهد أن هناك وساطه لدى الشاهد لكي يتلاعب بشهادته مما جعل الشاهد يصر على أقواله التي أخذت المحكمة بها مع كونها باطلة عديمة القيمة. ويقول الطاعن أيضا إن الحكم استند إلى أقوال الشهود أمام النيابة وقاضي التحقيق وأهدر ما دار بالجلسة من مناقشات ومرافعات ودفاع عن الطاعن فلم يشر إلى شئ من ذلك مما يعتبر إهدارا باق الدفاع وللأصول الأولية للمحاكمات الجنائية.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة القتل العمد التي دان الطاعن بها بما تتوافر به جميع عناصرها القانونية، وإذ تعرض في بيان الأدلة التي أوردها على ثبوتها في حقه إلى شهادة شاهد الرؤية ذكر من مؤداها "أنه أثناء مروره شاهد المتهم "الطاعن" والمجنى عليه واقفين في الطريق العام وحدهما وجها لوجه، لا يفصلهما عن بعضهما أكثر من نصف متر وهما يتحادثان حديثا هادئا فألقي عليهما التحية فرداها عليه وما أن أصبح أمام منزل جده حتى سمع عيارا ناريا ينطلق في المكان الذى يقف فيه المجني عليه والمتهم وأنه لما كان منزل جده يقع في منحن يحجبه قليلا عن مكان المجنى عليه والمتهم فقد ارتد إلى الخلف قرابة مترين حتي انكشف له مكان الحادث وعندئذ رأي المتهم يطلق على المجني عليه عيارا ثانيا من سلاح نارى صغير يمسكه في يده لم ير منه الشاهد إلا ماسورة بيضاء، ويضيف شاهد أنه لم يمض بين العيارين إلا اللحظة التي ارتد فيها إلى الخلف. وأن المتهم فر مواليا وجهه إلى الناحية البحرية التي كان يقف الشاهد فيها، وأنه خشى أن يعتدى عليه المتهم بسبب رويته له فجرى هو الآخر أمامه ثم دلف إلى أقرب منزل وجده مفتوحا في طريقه حيث خر مغشيا عليه من شدة الرعب وقال أن المجني عليه حينما أصيب جرى قليلا إلى الجهة القبلية ثم سقط "ثم ذكر الحكم" أن أقوال شاهد الرؤية وتصويره للحادث قد تأيدت بتقرير الصفة التشريحية. وما أدلي به الطبيب الشرعى في الجلسة وما تبين من أن أصابات المجني عليه حدثت من عيارين ناريين في الراجح اطلقا من سلاح مششخن كالمسدس وأن أحد هذين العيارين أصاب القطن الأيسر واستقر المقذوف بجوار البطن من الجهة اليمني وكان اتجاه العيارين من الخلف واليسار إلى اليمين والأمام مع ميل بسيط لأسفل وكان الضارب لهذا العيار على مسافة قريبة جدا في حدود بضع سنتيمترات نظرا لوجود تمزق صليبي وعلامات قرب الإطلاق كالاحتراق والاسوداد، أما العيار الثاني فقد هف الملابس دون أن يصيب الجسم" وحين تعرض الحكم لما استخلصه من ثبوت الجريمة في حق الطاعن من أدلة الدعوى مجتمعة قال: "إن التهمة ثابتة لدى المحكمة من مجموع الأدلة السالفة الذكر التي جاءت متساندة حيث بدأت ببلاغ المجني عليه ثم برؤية الشاهد فكرى للحادث وقت وقوعه ورؤيته للسلاح المستعمل ثم بمنطق المجنى عليه لكل من أبيه ونائب العمدة ثم بشهادة الشهود الذين رأوا شاهد الرؤية يفر مذعورا وخلفه المتهم، ومن تأييد التقرير الطبي لأقوال الشاهد الرؤية فيما يتعلق بالمسافة التي كانت بين المجنى عليه والمتهم وقت الإطلاق وسير المقذوف الذى يتفق مع موقف الضارب والمضروب مع انحراف المجني عليه يسيرا إلي اليمين لاتقاء الإصابة عندما هم المتهم بضربه ثم من آثار الاحتراق الشديد الذى شوهد بملابس المجني عليه عند فتحة الدخول مما يؤيد شهادة شاهد الرؤية". ولما كان يبين من ذلك أن المحكمة قد تعرضت للتناقض الذى صوره الطاعن في طعنه بين تقرير الصفة التشريحية وبين شهادة شاهد الرؤية وفسرته تفسيرا مقبولا مستخلصا من الأدلة المطروحة أمامها، إذ لا يشترط في شهادة الشاهد أن تكون واردة على الحقيق المطلوب إثباتها بأكملها وبجميع تفاصيلها على وجه دقيق، بل يكفي أن يكون من شأن شهادة الشاهد أن تؤدى إلى تلك الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه المحكمة يتلاءم به ما قاله الشاهد بالقدر الذى رواه مع عناصر الإثبات الأخرى المطروحة أمامها، ومنها تقرير الصفة التشريحية عن موقف القاتل من المجني عليه ولما كان يبين من محضر الجلسة أن ما قاله الدفاع عن الطاعن من تهديد لشاهد الرؤية لحمله على أداء شهادته وعما أبداه محامى المدعى بالحق المدني في الجلسة عند بدء سماع ذلك الشاهد مما كان له أثر في نفسه - ما قاله الدفاع من ذلك إنما أورده في مرافعته بالجلسة في معرض تجريح شهادة ذلك الشاهد في التحقيق وحمل المحكمة على عدم التعويل عليها فإن المحكمة إذ أخذت بها قد أفادت بذلك أنها اطمأنت إليها ولم تأخذ بدفاع المتهم في شأنها، ولما كان الباعث على القتل ليس من عناصر هذه الجريمة وبذا فلا تكون المحكمة ملزمة بتقصيه في حكمها ما دامت قد أثبتت وقوع الجريمة متوافرة الأركان ممن دانته بها، وكان ما ذكرته المحكمة من الأسباب التى دفعت الطاعن إلى قتل المجنى عليه قد ردته إلى أصله من الأوراق كما أشارت إلى القضية التي اتهم فيها الطاعن وآخر بسرقة البصل وما كان من تصرف النيابة فيها وكان لا عبرة بعد ذلك بما يكون قد ورد في تحريات ضابط المباحث من صلة القرابة بين القتيل وبين المجنى عليه في تلك القضية، إذ أنه ليس جوهريا ولا مؤثرا فيما قالته المحكمة من قيام الباعث عند الطاعن على قتل المجنى عليه بسبب ما أسمته معاملات بينهما وغدره به في قسمة المتحصل منها - ولما كان للمحكمة أن تعول على أقوال شاهد في التحقيق دون ما شهد به أمامها في الجلسة إذ الأمر مرجعه إلى اطمئنانها إلى الدليل الذى أخذت به، وكانت غير ملزمة بالرد استقلالا على دفاع المتهم الموضوعي في كل ما يثيره من ذلك أو على ما قاله شاهد النفي الذى تقدم به إذ يكون ردها علي ذلك مستفادا من قضائها بادانته للأسباب التي بينتها - لما كان ذلك، فان ما ينعاه الطاعن لا يكون سوى مجادلة في واقعة الدعوى وفي تقدير الأدلة فيها مما لا يقبل أمام محكمة النقض.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه موضوعا.