أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 5 - صـ 12

جلسة 12 من أكتوبر سنة 1953

المؤلفة من السيد رئيس المحكمة الأستاذ أحمد محمد حسن رئيسيا، وحضرات المستشارين: مصطفي حسن، وحسن داود، وأنيس غالى، ومصطفى كامل أعضاء.

(5)
القضية رقم 1041 سنة 23 القضائية

(أ) حكم. تسبيبه. جرائم الضرب. القصد الجنائي. لا يلزم التحدث عنه صراحة يكفي أن يكون هذا القصد مفهوما من عبارات الحكم وظروف الواقعة.
(ب) ضرب أفضى إلى عاهة. عدم إمكان تحديد قوة إبصار العين قبل الإصابة. لا يؤثر في قيام جريمة العاهة المستديمة.
1 - إن القصد الجنائي في جرائم الضرب يتحقق متى ارتكب الجانى الفعل عن إرادة وعلم بأن هذا الفعل يترتب عليه المساس بسلامة جسم المجني عليه أو بصحته ولا يلزم التحدث عنه بصراحة، بل يكفى أن يكون مفهوما من عبارات الحكم وظروف الواقعة.
2 - إن عدم إمكان تحديد قوة إبصار العين قبل الإصابة لا يؤثر في قيام جريمة العاهة المستديمة. وإذن فمتى كان الحكم قد أشار إلى فحوى التقارير الطبيبة بشأن إصابة عين المجني عليه، كما ذكر أدلة أخرى سائغة استخلصها من التحقيق واضحة الدلالة على أن تلك العين كانت تبصر قبل الحادث ثم فقدت معظم إبصارها بسبب الإصابة التي أحدثها بها الطاعن، فإن الجدل حول معرفة مدى قوة إبصار العين قبل الإصابة لا يكون له محل.


الوقائع

اتهمت النيابة العمومية الطاعن بأنه - أولا: أحدث بعبد العزيز عبد الحميد الإصابة المبينة بالتقرير الطبى والتى تخلفت لديه من جرائها عاهة مستديمة يستحيل برؤها هي فقد معظم إبصار العين اليمني، وثانيا: ضرب عمدا أنور صالح الشريف فأحدث به الإصابات المبينة بالتقرير الطبي وتحتاج لعلاج لا يزيد على العشرين يوما، وطلبت من قاضي الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمادتين 240/ 1 و242/ 1 من قانون العقوبات، فصدر قرار بذلك، وادعى عبد العزيز عبد الحميد بحق مدنى وطلب الحكم له قبل المتهم بمبلغ مائة جنيه على سبيل التعويض مع المصاريف والأتعاب. ومحكمة جنايات دمنهور قضت حضوريا عملا بمادتي الاتهام المذكورتين آنفا وبالمادة 32 عقوبات بمعاقبة المتهم بالسجن ثلاث سنوات على التهمتين، وبإلزامه بأن يدفع للمدعى بالحقوق المدنية مائة جنية على سبيل التعويض مع المصاريف، ومبلغ ثلثمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض الخ.


المحكمة

وحيث إن الوجه الأول يتحصل في أن الحكم المطعون فيه وقد دان الطاعن بأحداث العاهة والضرب قد أغفل ركن العمد في بيان الواقعة والتهمة، وهذا يعتبر نقصا في بيان ركن جوهري من أركان الجريمة التي عاقبت المحكمة الطاعن من أجلها، مما يبطل الحكم.
وحيث إن هذا الوجه مردود بأن القصد الجنائي في جرائم الضرب يتحقق متى ارتكب الجانى الفعل عن إرادة وعلم بأن هذا الفعل يترتب عليه المساس بسلامة جسم المجنى عليه أو صحته، وأنه لا يلزم التحدث عنه صراحة، بل يكفي أن يكون هذا القصد مفهوما من عبارات الحكم وظروف الواقعة، وهي كما أوردتها المحكمة في الحكم المطعون فيه تفيد أن الطاعن ارتكب الفعل المكون للجريمتين عن عمد - لما كان ذلك، فان ما يثيره الطاعن يكون على غير اساس.
وحيث إن حاصل الوجهين الثاني والثالث هو أن الحكم المطعون فيه لم يرد على دفاع الطاعن من أنه ما دامت لم تمكن معرفة مدى قوة إبصار العين اليمنى للمجنى عليه قبل الإصابة، فلا يمكن اعتبار الحالة التى انتهت إليها هذه العين بعد الإصابة عاهة مستديمة ومع تسلم الحكم بعدم إمكان التحقق على وجه التأكيد من قوة إبصار تلك العين قبل الإصابة، فانه اعتبر الواقعة جناية بالمادة 240 فقرة أولي من قانون العقوبات تأسيسا على أن إبصار العين قد فقد معظمه, وفي هذا تناقض يعتبر خطأ في التسبيب، خصوصا وقد سلم الحكم بوجود أثر رمد حبيبي قديم.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن يبين واقعة الدعوى، والأدلة التي استخلص منها ثبوتها، قد أشار إلى فحوى التقارير الطبية بشأن إصابة عين المجني عليه اليمني، كما ذكر أدلة أخرى سائغة استخلصها من التحقيق واضحة الدلالة على أن تلك العين كانت تبصر قبل الحادث ثم قررت معظم إبصارها بسبب الإصابة التي أحدثها بها الطاعن - لما كان ذلك، وكان عدم إمكان تحديد قوة إبصار العين قبل الإصابة لا يؤثر في قيام جريمة العاهة المستديمة، فإن الجدل الذي يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يكون له محل.
وحيث إن مبني الوجه الرابع هو أن الطاعن طلب اعتبار الواقعة جنحة معاقبا عليا بالمادة 241/ 1 من قانون العقوبات على أساس أن المجني عليه تعمد الإهمال في علاج نفسه حيث لم يذهب إلى طبيب رمدي، وإنما اكتفي بطبيب المركز الذى ليس اخصائيا في الرمد، وما دام قد تعمد ذلك، فقد انقطعت علاقة السببية بين الفعل والنتيجة، ولا يمكن أن يسأل الطاعن عن النتيجة المحتملة ما دامت هذه النتيجة قد وقعت بفعل المجنى عليه وتعمده، ولم ترد المحكمة على هذا الدفاع، فضلا عن أنها مسلمة في الحكم بصحة الوقائع الواردة به - ذلك يجعل الحكم قاصرا بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه رد على ما يثيره الطاعن بقوله: "ولا عبرة بما قرره الحاضر عن المتهم من أن إهمال المجني عليه في علاج عينه المذكورة هو الذى سبب له ضعف إبصارها فإنه فضلا عن أنه لم يثبت حدوث ذلك الإهمال، فانه لا يعفي المتهم من نتائج فعله، خصوصا أنه ثبت أن المجني عليه المذكور توجه للطبيب فور إصابته، ولم يكن في استطاعته أن يفعل أكثر من ذلك". ولما كان هذا الذى قاله الحكم يصلح ردا كافيا سواء من جهة الواقع أو القانون على ما أثاره الطاعن في هذا الخصوص، فان ما يثيره في هذا الوجه لا يكون له أساس.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس يتعين رفضه موضوعا.