أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 5 - صـ 138

جلسة اول ديسمبر سنة 1953

المؤلفة من السيد رئيس المحكمة أحمد محمد حسن رئيسا، والسادة المستشارين: اسماعيل مجدي، وحسن داود، ومحمود ابراهيم اسماعيل، وأنيس غالى أعضاء.

(42)
القضية رقم 1337 سنة 23 القضائية

دفاع شرعي. حدوده. تجاوز حدود الدفاع
متي كانت المحكمة قد رأت أن المتهم كان في حالة دفاع شرعى عن نفسه، ثم وازنت بين الاعتداء الواقع عليه والذى خوّل له حق الدفاع الشرعى وبين ما أتاه في سبيل هذا الدفاع ورأت أنه قد تجاوز حدود ذلك الدفاع، متي كان ذلك وكانت الواقعة كما أثبتها المحكمة في حكمها ليست من الأحوال التي نص القانون على أنها تبيح القتل العمد في سبيل الدفاع الشرعى، وكانت المحكمة قد أقامت حكمها على أسباب سائغة تتفق مع الوقائع التي أثبتها - فإنه لا يصح مجادلتها فيما انتهت إليه في حدود سلطتها التقديرية وفي ضوء الفهم الصحيح للقانون.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه قتل محمود قريش الشهير بالطاعون عمدا بأن طعنه بآلة حادة في انحاء مختلفة من جسمه قاصدا من ذلك قتله فأحدث به الإصابات الموضحة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته، وطلبت من قاضى الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمادة 234/ 1 من قانون العقوبات، فقرر بذلك, وقد ادعى حسين حسن قريش بصفته وليا طبيعيا على أولاد ابنه (المجنى عليه) وأمونه محمود حجاج (زوجته) وسيده محمود حجاج (والدته) بحق مدني قدره قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت قبل المتهم. ومحكمة جنايات القاهرة قضت فيها حضوريا عملا بالمواد 61 و234/ 1 و245 و249 و251 من قانون العقوبات مجتمعة باعتبار الواقعة جنحة منطبقة على المادة 251 من قانون العقوبات وبمعاقبة المتهم السيد حنفى مصطفى بالحبس مع الشغل لمدة سنتين وإلزامه بأن يدفع للمدعين بالحق المدني مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف المدنية ومبلغ عشرين جنيها مقابل أتعاب المحاماه. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض .... الخ.


المحكمة

.... وحيث إن مبنى الطعن هو أن المحكمة فوق أنها أخطأت حين اعتبرت أن اعتداء الطاعن هو الذى أدى وحده إلى موت المجني عليه مع أن هناك عوامل أخرى ساعدت على الوفاة، فإنها كذلك قد خالفت القانون حين أنكرت على الطاعن حقه في الدفاع الكامل عن نفسه الذى يجيز له القتل العمد ويبرره لمجرد أن غريمه لم يكن يحمل سلاحا آخر غير الكرسي وأنه لم يكن متفوقا عليه في الشجار كأن الطاعن يلزم أن ينتظر حتى يبدو له تفوق خصمه أو ينتظر حتي يستعيض غريمه عن الكرسي بسلاح آخر، كما أن المحكمة غفلت عن الحقيقة القانونية التي تقضى بأن العبرة في تقدير الاعتداء هي نسبية يرجع فيها إلى حالة الشخص الذى فوجئ به لا إلى تقدير المحكمة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى قد تعرض لمسئولية الطاعن فقال "وحيث إن كل ما تبين من وقائع هذا القضية وقرائتها من مبررات الدفاع الشرعى من جانب المتهم يتحصل على ما ثبت من مجموع الأدلة السابق سردها - في أن المجنى عليه وهو في حالة سكر باد وفي وقت متأخر من الليل قرب انتهاء حفلة ساهرة في الكازينو مر بالمتهم وهو جالس مع آخر إلى منضدة في ذلك الكازينو وقد سيطرت على نفسه الضغينة القائمة بينه وبين المتهم لتضرره من مزاحمته إياه في عمله وسبق الحكم عليه كما تقدم لضربه إياه بالحبس حكما عدل في الاستئناف بتاريخ 25/ 3/ 1950 إلى غرامة ولسبق تقديم المتهم الشكوى ضده إلى البوليس بعد واقعة الضرب المذكورة كما سيطرت على المجنى عليه نزعة إلى الشر والاعتداء على النفس مما تشير إليه سوابقه في هذا النوع من الأجرام، فلما مر المجني عليه بالمتهم في ذلك الظرف وهو جالس مع شخص على وئام مع كل من الطرفين وهو "على حسن طلب" دفعته حالة السكر التي كان عليها إلى أن يسئ إلى المتهم ويتهجم عليه فبدأ بتوجيه عبارات التهكم موجها الخطاب إلى جليس المتهم، ثم ما لبث أن قبض على أحد الكراسي الموضوعة في المحل ورفعه قاصدا ضرب المتهم به ولكن الكرسي سقط من يده لما كان عليه من حالة السكر فأمسك بالكرسي مرة أخرى وهاجم المتهم للاعتداء عليه به فحمل المتهم كرسيا واجهه به واشتبك الاثنان في مشاجرة لم يكن المجني عليه يحمل سلاحا أو آلة أو أداة مما يخشي أن يستعمله في ضرب المتهم فيما عدا الكرسي الذى واجهه المتهم بكرسي مثله، ولم يتبين أن المجنى عليه ضرب المتهم فعلا أو أوقعه على الأرض في خلال ذلك الشجار أو تفوق عليه في الاعتداء فيما عدا مهاجمته إياه بالكرسي كما تقدم وإحداثه به السحج الصغير المبين بالتقرير الطبى أعلى الحاجب الأيسر، ولراجح مما جاء بتقرير الطبيب الشرعى أن هذه الإصابة نتجت من ضربة المتهم بقبضة يده التي يلبس بها الخاتم ويضاف إلى ذلك السحج الذى وجد بالشفة العليا للمتهم وهو ما يحدث من خدشة ظفر ولم يتبن من أي وجه آخر برغم ما ثبت من الضغينة السابقة وحالة السكر التي كان عليها المجنى عليه ونزعته الشريرة أنه أتى من الأفعال في وقت وقوع هذه الحادثة بالذات ما يبرر المتهم قتله بالكيفية السابق بيانها استنادا إلى أنه كان أمام فعل من جانب المجنى عليه يحق للمتهم بتقدير من جانبه مستساغ عرفا أن يتخوف أن يحدث به الموت أو جراح بالغة، ولا ترى المحكمة مع كل ما تقدم أنه كان في الظروف السابق بيانها ما يبرر ما حصل من مبالغة المتهم في الاعتداء على المجني عليه بضربه بالآلة الحادة الضربات القوية والعديدة التي أوقعها على رأسه خصوصا مع عدم استعمال المجني عليه في مهاجمته سوى الكرسي وقد قابله المتهم يحمل كرسيا مثله وسوى قبضة يده التي يلبس بها الخاتم ومع وجود أشخاص عديدين على مقربة منه في المحل منهم صديقه الجالس معه ولا يسع المحكمة في هذه الظروف أن تأخذ بأن المتهم قد ألجأته إلى ارتكاب تلك الأفعال ضرورة وقاية نفسه من خطر جسيم على النفس على وشك الوقوع وإنما ترى المحكمة من كل ما تقدم شرحه أن المتهم وإن كان في حالة دفاع شرعي عن نفسه في وقت الحادثة إزاء مهاجمة المجني عليه إياه بالكيفية وفي الظروف السابق بيانها مما كان يبرر من جانبه مقابلة ذلك التهجم بالقوة والضرب بالقدر اللازم لدفع الخطر المائل أمامه إلا أنه في الواقع قد بالغ فيما وقع منه من اعتداء على المجني عليه مبالغة لم يكن لها مبرر مقبول بالنسبة إلى تقدير الموقف تقديرا مستساغا من جانبه وإن لم يكن متعمدا تلك المبالغة إذ أنه لم يكن هناك ما يبرر طعن المجني عليه أو وخزه أو ضربه بالالة الحادة فكان بذلك في الوضع الذى حدده الشارع في المادة 251 من قانون العقوبات وتري المحكمة عملا بهذه المادة ولما تراه من ظروف الواقعة أن تحكم على المتهم بالحبس بدلا من العقوبة المقررة في القانون لجناية القتل العمد، وأن تعتبر الواقعة بهذا المعنى جنحة تعدى حدود حق الدفاع الشرعي" ويبين من هذا أن المحكمة قد رأت أن المتهم كان في حالة دفاع شرعى عن نفسه، ثم وازنت بين الاعتداء الواقع عليه والذى خوّل له حق الدفاع الشرعي وبين ما أتاه في سبيل هذا الدفاع ورأت أنه قد تجاوز حدود ذلك الحق - لما كان ذلك، وكانت الواقعة كما أثبتتها المحكمة في حكمها ليست من الأحوال التي نص القانون على أنها تبيح القتل العمد في سبيل الدفاع الشرعي، وكانت المحكمة فيما انتهت إليه بعد موازنتها للاعتداء الواقع من المجنى عليه ومن المتهم قد أقامت حكمها على أسباب سائغة تتفق مع الوقائع التي أثبتتها، فانه لا يصلح مجادلتها فيما انتهت إليه في حدود سلطتها التقديرية وفي ضوء الفهم الصحيح للقانون، ولا يؤثر في ذلك ما يقوله الطاعن من أن عوامل أخرى قد ساعدت على وفاة المجنى عليه، فإن الحكم قد أثبت في حقه ارتكاب جريمة القتل بجميع أركانها القانونية - لما كان ذلك فإن الطعن لا يكون سوى جدل موضوع الدعوى مما لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه موضوعا.