أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
السنة الأولى ( من 27أكتوبر سنة 1949 لغاية 22 يونيه سنة 1950) - صـ 3

جلسة 28 من مايو سنة 1950

برياسة حضرة صاحب العزة أحمد فهمي إبراهيم بك وكيل المحكمة وحضور حضرات أصحاب العزة: أحمد حلمي بك وكيل المحكمة وأحمد حسني بك وفهيم إبراهيم عوض بك وعبد العزيز محمد بك ومحمد علي رشدي بك وعبد المعطي خيال بك وسليمان ثابت بك وإبراهيم خليل بك ومحمد نجيب أحمد بك ومصطفى فاضل بك المستشارين.

(1)
الطلب رقم 28 سنة 19 القضائية

عزل القضاة. المادتان 10 و11 من قانون استقلال القضاء الغرض منهما عدم إسباغ ضمانة عدم القابلية للعزل على القضاة إلا بعد انقضاء ثلاث سنين من تعيينهم. عزل القاضي الذي يتضح عدم صلاحيته قبل انقضاء المدة المشار إليها. لا يكون إلا بموافقة مجلس القضاء. سلطة مجلس القضاء في ذلك لم توضع لها قيود ولم ترسم لها إجراءات. سماع أقوال القاضي المطلوب عزله بناء على هاتين المادتين. غير لازم. سلطة المجلس في هذه الصورة تختلف عن سلطة مجلس التأديب.
إن قانون استقلال القضاء إذ نص في المادتين العاشرة والحادية عشرة منه على أن قضاة المحاكم الابتدائية يكونون غير قابلين للعزل متى أمضوا ثلاث سنوات في القضاء، وعلى أنه "لا يجوز عزل أحد من قضاة المحاكم الابتدائية الذين لم يمض على تعيينهم المدة المشار إليها في المادة السابقة إلا بموافقة مجلس القضاء الأعلى" - كان يهدف إلى عدم إسباغ ضمانة عدم قابلية الحديثين من رجال القضاء للعزل إلا بعد انقضاء فترة معينة قدر أنها تكفي لتفهم حالتهم وتكشف عن مدى صلاحيتهم وتجعل من اجتازها بسلام أهلاً لهذه الحصانة وجديرًا بهذا الحق، كما رأى ألا تنفرد السلطة التنفيذية بالبت في شأن هذه الصلاحية بل وكل القول الفصل فيها إلى رأي مجلس القضاء الأعلى، فجعل موافقته شرطًا أساسيًا للعزل من وظيفة القضاء.
وهذه السلطة التي يباشرها مجلس القضاء الأعلى إعمالاً للمادة 11 من قانون استقلال القضاء تختلف في جوهرها عن سلطة مجلس التأديب المنصوص عليها في المواد 50 وما بعدها من هذا القانون، إذ لم توضع لها قيود ولم ترسم لها إجراءات - على خلاف الحاصل في حالة التأديب - بل جاء النص في خصوصها عامًا مطلقًا شاملاً كل ما يراه مجلس القضاء من أسباب، كعدم النزاهة أو الاستقامة أو العناية بالعمل أو عدم توافر الأهلية العلمية أو غير ذلك مما يراه المجلس عدم صلاحية لتولي القضاء، ولم يوجب سماع أقوال القاضي ولا دفاعه عما يسند إليه من ذلك أمام المجلس، بل ترك للمجلس أن يتخذ من الإجراءات ما يراه مؤديًا إلى تكوين عقيدته في أمر القاضي، فإن شاء سمع أقواله وإن شاء اعتمد على ما يستقيه من المعلومات التي يشهد بها ملف خدمته أو غيره من الأوراق.


الوقائع

في 29 من يولية سنة 1947 رفع الطالب هذه الدعوى أمام مجلس الدولة قيدت برقم 307 سنة أولى القضائية بعريضة أعلنت للمدعى عليهما في 4 من أغسطس سنة 1947 طالبًا قبولها شكلاً وفي الموضوع: (أولاً) إحالة الدعوى على التحقيق لإثبات عدم صحة الوقائع المنسوبة إليه وإساءة استعمال السلطة. (ثانيًا) إلغاء المرسوم الصادر بتاريخ 19 مايو سنة 1947 بعزل الطالب ورفع اسمه من سجل قيد أسماء رجال القضاء وكذلك إلغاء القرار الوزاري الصادر في 27 مايو سنة 1947. (ثالثًا) الحكم له بتعويض مؤقت قدره جنيه واحد عما أصابه من ضرر حتى يفصل في الدعوى. (رابعًا) الحكم له بمصاريف الدعوى ومقابل أتعاب المحاماة مع حفظ كافة الحقوق الأخرى، وبعد إيداع المذكرات والمستندات قرر المجلس بجلسة 17 من نوفمبر سنة 1949 إحالة هذه الدعوى على محكمة النقض منعقدة بهيئة جمعية عمومية تطبيقًا لقانون نظام القضاء.
وبجلسة 21 من مايو سنة 1950 المعينة أخيرًا لنظر الدعوى سمعت المرافعة على ما هو مدون بمحضر الجلسة الخ.


المحكمة

ومن حيث إن وقائع الدعوى تتحصل في أن الطالب عين وكيلاً للنائب العام في الدرجة الثالثة في 20 من أبريل سنة 1942 ثم رقى إلى الدرجة الثانية في 25 من يونية سنة 1944 وفي 15 من سبتمبر سنة 1946 عين قاضيًا في الدرجة الثانية بالمحاكم الابتدائية وألحق بمحكمة قنا الكلية.
وفي 11 من مايو سنة 1947 رفعت وزارة العدل إلى مجلس الوزراء مذكرة بطلب عزله لأمور عزيت إليه قالت عنها إنها تحرتها وثبتت لها صحتها وإنها تتنافى مع كرامة القضاة ومحصلها:
ا) إن حضرته كان يثبت في استمارات بدل السفر أنه لم يكن يستعمل الاستراحات الحكومية مع أنه كان يبيت باستراحة محكمة ادفو التي ندب للعمل فيها ليستولى بذلك على بدل سفره كاملاً دون أن يخصم المستحق للحكومة.
ب) وأنه صرف أجرًا لعربات ببلدة "دشنا" حيث لا توجد عربات، ولما أن نبهه أحد كتبة الحسابات إلى أن إثبات ذلك يخالف الواقع كتب بدل أجرة العربة أجرة مشال مع أنه اقتضى أجرة المشال في نفس الاستمارة. وبذلك يكون قد قبض أجرة المشال مرتين ثم عاد في استمارات لاحقة لها إلى اقتضاء أجور عربات في نفس البلدة.
جـ) وأنه قبض مصروفات حمالين بمحطة قنا لم يدفعها فعلاً إذ أنه استأنف سفره بنفس القطار من مصر إلى ادفو ولم يتخلف في محطة قنا.
د) وأنه اتصل بمنزل تحوطه الشبهات.
وقد استدعى الأمر تحري سيرته قبل عمله في القضاء فثبت أنه كان يعمل ببنك مصر من سنة 1933 إلى سنة 1938 وأنه استقال بعد أن قدمت في حقه شكاوى تفيد عدم دفعه ثمن ما يستهلك من حاجيات، وأنه كان يواجه زوجة وكريمات جار له بما يؤذي حياءهم، وأنه بعد أن اشتغل بالمحاماة عين في النيابة العمومية سنة 1942 ولم تكن سيرته فيها بأحسن منها في بنك مصر إذ شكا أهالي مركز العياط، حيث كان يعمل، من تصرفاته في تحقيق بعض القضايا ونسبوا إليه الرشوة واتصاله بالنساء وقد قال عنه حضرة المحامي العام إنه منذ كان يعمل معه كان يحوم حوله كثير من الشبهات.
وقد بان من التفتيش على عمله القضائي أنه ضعيف في قضائه.
ونظرًا إلى أن هذا في مجموعه لا يتفق وما يجب أن يكون عليه القاضي من خلق وعلم، وعملاً بنص المادة 10 من القانون رقم 66 لسنة 1943 "استقلال القضاء" التي تجيز عزل القاضي قبل انقضاء ثلاث سنوات من تاريخ تعيينه، عرضت وزارة العدل أمر الطالب على مجلس القضاء الأعلى وفقًا لأحكام المادة 11 من القانون المشار إليه بمذكرة مفصلة، فكان قراره في 6 من جمادى الآخرة سنة 1366 الموافق 27 من أبريل سنة 1947، الموافقة على عزله.
وفي 19 من مايو سنة 1947 صدر مرسوم بعزل الطالب من وظيفته، وفي 27 من الشهر المذكور صدر قرار وزاري تنفيذًا لهذا المرسوم باعتبار عزله ابتداءً من التاريخ التالي لإعلانه كتابة بهذا القرار ورفع اسمه من سجل قيد أسماء رجال القضاء في المحاكم الابتدائية من التاريخ المذكور.
ومن حيث إنه ثابت من مطالعة ملف الطالب السري، المقدم من وزارة العدل، أن الوزير طلب في أبريل سنة 1947 إلى رئيس مجلس القضاء الأعلى عرض أمر الطالب على المجلس للنظر في حالته والبت في صلاحيته للبقاء في منصبه بالتطبيق لأحكام المادة 11 من قانون استقلال القضاء رقم 66 لسنة 1943.
وقد أرفق الوزير بكتابه هذا مذكرة - عن حالة الطالب - متضمنة ما هو منسوب إليه مستخلصة مما أجراه حضرة وكيل التفتيش القضائي بوزارة العدل من تحريات. وبعد أن اطلع مجلس القضاء الأعلى على هذه المذكرة والتحريات المرافقة لها، وافق على العزل في 27 من أبريل سنة 1947.
ومن حيث إن الطالب يطلب القضاء له: (أولاً) بإحالة الدعوى على التحقيق لإثبات عدم صحة الوقائع المنسوبة إليه وإساءة استعمال السلطة. (ثانيًا) إلغاء المرسوم الصادر بتاريخ 19 من مايو سنة 1947 بعزله. (ثالثاً) الحكم له بتعويض مؤقت قدره مبلغ جنيه واحد عما أصابه من ضرر حتى يفصل في الدعوى الخ - مؤسسًا طلباته هذه على أن المرسوم الصادر بعزله وكذلك القرار الوزاري الصادر تنفيذًا له صدرا باطلين للأسباب الآتية:
(أولاً) لأنه لم يمكن من الدفاع عن نفسه وسماع أقواله أمام مجلس القضاء.
(ثانيًا) مخالفته للقانون موضوعًا لانعدام الأساس القانوني بسبب عدم صحة الوقائع التي نسبت إلى الطالب.
(ثالثًا) مخالفته للقانون بسبب ما وقع فيه من إساءة استعمال السلطة.
ومن حيث إنه ثابت من مطالعة مذكرة حضرة وكيل التفتيش القضائي والأوراق المقدمة من وزارة العدل إلى مجلس القضاء الأعلى أنه وإن كانت الأفعال المسندة إلى الطالب مستمدة من تقرير وكيل التفتيش المؤسس على التحريات التي قام هو بها - ومن ملف خدمة المدعي الداخلي والسري - بل ومن ذات الإيضاحات التي أدلى بها المدعي إلى وكيل التفتيش القضائي، فإنه ثابت أيضًا بذات التقرير - الذي كان تحت نظر مجلس القضاء ومحل تقديره - أن الطالب عندما بدت بوادر مؤاخذته على ما صرف بغير حق كبدل السفر طلب إلى وكيل نيابة ادفو أن يقرر - على خلاف الواقع - أنه كان يبيت بمنزل - وليس في الاستراحة الحكومية - فصارحه وكيل النيابة بأنه "لا يرتضي لذمته أن يقول غير الواقع" كما أن الطالب كان يمحو ويثبت في كشوف مصاريف انتقالاته ويبالغ في بعضها بما يجعل ما يقبضه منها لا يتفق وحقيقة ما يدفعه. ويقول وكيل التفتيش القضائي في تقريره إنه رجع إلى هذه الكشوف المرافقة لطلبات الصرف - وقد قدمت ضمن الأوراق إلى هذه المحكمة - وأذونها فوجد الكثير من المبالغ الواردة فيها محل تعديل وتبديل كما أن الكثير منها يزيد على المقرر لمثله في حسابات المحاكم بل إن المحو والإثبات أديا في بعض الحالات إلى صرف الأجرة عن عمل واحد مرتين، وأن الطالب قد اعترف له بأن علة هذا الإجراء "إن ما تسمح الخزينة بصرفه قانونًا لا يتناسب مع ما ينصرف فعلاً وإنه بهذا يوازن في كشوفه بين ما يدفعه وما يقبضه وإن تجافى كشف مطلوبة مع الواقع".
ومن حيث إن قانون استقلال القضاء - إذ نص في المادتين العاشرة والحادية عشرة منه على أن "قضاة المحاكم الابتدائية يكونون غير قابلين للعزل متى أمضوا ثلاث سنوات في القضاء" وعلى أنه "لا يجوز عزل أحد من قضاة المحاكم الابتدائية الذين لم يمض على تعيينهم المدة المشار إليها في المادة السابقة إلا بموافقة مجلس القضاء الأعلى" كان يهدف إلى عدم إسباغ ضمانة عدم قابلية الحديثين من رجال القضاء للعزل إلا بعد انقضاء فترة معينة، قدر أنها تكفي لتفهم حالتهم وتكشف عن مدى صلاحيتهم وتجعل من اجتازها بسلام أهلاً لهذه الحصانة وجديرًا بهذا الحق - كما رأى أن لا تنفرد السلطة التنفيذية بالبت في شأن هذه الصلاحية، بل وكل القول الفصل فيها إلى رأي مجلس القضاء الأعلى، فجعل موافقته شرطًا أساسيًا للعزل من وظيفة القضاء.
ومن حيث إن هذه السلطة التي يباشرها مجلس القضاء الأعلى إعمالاً للمادة 11 من قانون استقلال القضاء - تختلف في جوهرها عن سلطة مجلس التأديب المنصوص عليها في المواد 50 وما بعدها من القانون المشار إليه. إذ أوجب القانون في التأديب إعلان القاضي بعريضة تشتمل على التهمة والأدلة المؤيدة لها، وإعلانه للحضور أمام المجلس (م58) كما أوجب سماع طلبات النيابة العمومية - ودفاع القاضي المرفوعة عليه الدعوى - على أن يكون القاضي آخر من يتكلم (م64) وأجاز للقاضي أن يحضر بشخصه أو ينيب عنه محاميًا، وأوجب أن يكون الحكم الصادر في الدعوى التأديبية مشتملاً على الأسباب التي بني عليها وأن تتلى أسبابه عند النطق به في جلسة سرية (م65) وبين العقوبات التأديبية التي يجوز توقيعها على القضاة وهي توجيه اللوم والعزل (م66) كما نص على أن "كل فعل يزري بشرف القضاة أو يخل بكمال حريتهم في آرائهم يكون جزاؤه العزل" وأن "من يحكم عليه بالعزل يجوز لمجلس التأديب أن يحرمه من كل حقه أو بعضه في المعاش أو في المكافأة" (م67) - وهذا يغاير ما قرره بالنسبة إلى سلطة مجلس القضاء إذ لم يضع مثل هذه القيود ولم يرسم لها إجراء معينًا غير موافقة المجلس على العزل، ولهذا جاء نصه من حيث عمومه وإطلاقه شاملاً لكل ما يراه مجلس القضاء من أسباب، كعدم النزاهة أو الاستقامة أو العناية بالعمل أو عدم توافر الأهلية العلمية أو غير ذلك مما يراه المجلس - وهو مؤلف من كبار رجال القضاء - حسب تقديره - من أن مقترفها غير أهل لولاية القضاء - ولهذا لم ير الشارع موجبًا لتنظيم إجراءاتها ولم يوجب سماع أقوال القاضي ولا دفاعه عنها أمام المجلس، تاركًا له أن يتخذ من الإجراءات ما يراه مؤديًا إلى تكوين عقيدته في أمر القاضي. ولما كان أمر العزل متروكًا لموافقة المجلس فهو يملك بغير شبهة أن يقرر سماع أقوال القاضي المطلوب عزله متى رأى لزومًا لذلك، كما له أن يستقي معلوماته التي يبنى عليها قراره مما يشهد به ملف الخدمة أو غيره من الأوراق - ويكتفي بذلك دون حاجة إلى أي استيضاح أو دفاع - لما كان ذلك، كان نعي الطالب على المرسوم الصادر بعزله بحجة أنه قد حرم من حق الدفاع وبذلك شابه البطلان لا يستند إلى سبب من القانون.
ومن حيث إنه عن السببين الثاني والثالث - فهما مردودان: أولاً بأن التهم المسندة إلى الطالب، والتي استوجبت فصله بقرار من مجلس الوزراء بعد موافقة مجلس القضاء، وإن كان بعضها يبدو من الهنات لو نظر إلى ضآلة المبالغ التي استولى عليها الطالب بغير حق - إلا أنها مع ذلك تعتبر بالغة الخطورة لصدورها من قاض مما لا يصح معه وصف هذا القرار بالتعسف إن هو رأى في التصرفات التي ثبت على المدعي بعضها باعترافه - وبعضها بما أدلى به بعض زملائه في التحريات التي قام وكيل التفتيش القضائي بإجرائها - وفيما تبين من فحص ملف خدمته من أنه ضعيف في قضائه معيب في سلوكه وتصرفاته - إذ رأى أن في ثبوت هذه التصرفات ما يخل بالمثل العليا التي يجب أن لا ينحرف عنها القاضي وإلا أصبح غير أهل للقضاء.
ومن حيث إنه يخلص من كل ذلك أن الطلب برمته على غير أساس متعين الرفض.