أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 5 - صـ 305

جلسة 8 من فبراير سنة 1954

المؤلفة من السيد رئيس المحكمة أحمد محمد حسن رئيسا، والسادة المستشارين: مصطفى حسن، وحسن داود، وأنيس غالى، ومصطفى كامل أعضاء.

(98)
القضية رقم 2404 سنة 23 القضائية

تزوير. القصد الجنائي. تحققه.
إن القصد الجنائى فى جريمة التزوير يتحقق بتعمد تغير الحقيقة فى محرر تغييرا من شأنه أن يسبب ضررا وبنية استعماله فيما غيرت من أجله الحقيقة فيه، وليس أمرا لازما التحدث صراحة واستقلالا فى الحكم عن هذا الركن ما دام قد أورد من الوقائع ما يدل على قيامه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة: 1 - محمد عبد الوارث أحمد و2 -سالمان مهران سالمان (الطاعن)، بأنهما أولا - اشتركا مع مجهول بطريق الاتفاق والتحريض فى ارتكاب تزوير فى محررات عرفية عبارة عن إيصالات نسبا صدورها كذبا إلى فروع بنك التسليف وبنك مصر واستمارات حيازة وذلك بطريق الاصطناع ووضع بيانات وإمضاءات وأختام مزورة ثانيا - بددا المبالغ المبينة بالمحضر والمملوكة لشوقى عبد العال وأحمد على أحمد عبد الوهاب، وعبد العال أبو زيد وهمام حسين أبو زيد وذلك إضرارا بهم وكانت قد سلمت إليهما على سبيل الوكالة للتوريد المقرر من القمح نيابة عنهم. وطلبت عقابهما بالمواد 40/ 1 - 2 و41 و211 و215 و341 من قانون العقوبات. ومحكمة أبو تيج الجزئية قضت فيها حضوريا عملا بمواد الاتهام بحبس كل من المتهمين ثلاثة شهور مع الشغل وكفالة 300قرش لكل من المتهمين بلا مصاريف جنائية مع تطبيق المادة 32 من قانون العقوبات. فاستأنف المتهمان كما استأنفت النيابة. ومحكمة أسيوط الابتدائية قضت فيهما حضوريا بتعديل الحكم المستأنف وبحبس كل من المتهمين ثلاثة شهور مع الشغل عن التهمتين بلا مصاريف مع تطبيق المادة 32 من قانون العقوبات. فطعن الطاعنان فى هذا الحكم بطريق النقض. ومحكمة النقض بعد ان أتمت سماعه قضت فيه بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة أسيوط الابتدائية لتحكم فيها من جديد دائرة استئنافية أخرى. ومحكمة أسيوط الابتدائية قضت فيها حضوريا بتعديل الحكم المستأنف وحبس كل منهما شهرين مع الشغل عن تهمة التزوير وببراءتهما من تهمة التبديد بلا مصاريف جنائية. فطعن الأستاذ محمد حماد الحسنيى المحامى الوكيل عن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن الطاعن يعيب على الحكم المطعون فيه فى الوجهين الأول والثانى أنه شابه القصور فى بيان أركان جريمة التزوير التى دين باعتبارة شريكا فيها، فقد جاء الحكم خلوا من ذكر الأدلة على ثبوت التزوير فى حقه لا سيما فيما يتعلق بالقصد الجنائى إذ يشترط في جريمة التزوير أن يثبت علم المتهم بأنه يغير الحقيقة فى المحرر وإنه يجب توافر ثبوت هذا العلم علما يقينيا كما يجب على المحكمة أن تتحدث صراحة عنه فالتهمة موضوع المحاكمة موصوفة بأن الطاعن مع المتهم الأول اشتركا مع مجهول فى تزوير إيصالات توريد قمح وقد قطع تقرير قسم التزييف أن هذه الإيصالات لم تكتب بيد الطاعن فكان يتعين على المحكمة عند قضائها بإدانته أن تورد العناصر التى أدت إلى إقتناعها بقيام هذا العلم عند الطاعن محيطا بجميع أركان الجريمة ومقترنا بنية استعمال المحرر المزور الأمر الذى خلا منه الحكم. وحيث إن الحكم المطعون فيه إذ عرض لمسئولية الطاعن قال:" وحيث إن تزوير هذه الإيصالات ثابت من خطابات بنك التسليف ومن نسبة صدورها إلى أمين شونة غير موجودة أصلا وهى شونة بنى أحمد ومن وضع توقيعات مزورة لموظفى البنك إذ قرر البنك أنها ليست صادرة من الموظفين الحقيقيين المنوط بهم استلام القمح ومن اشتمالها على واقعة مزورة وهى واقعة التوريد إذ قرر البنك أنه لم يحصل توريد من المجنى عليهم اطلاقا بأيه شونة من شون المنيا وبذلك يكون التزوير قد حصل باصطناع هذه التصاريح وبوضع إمضاءات مزورة عليها وبجعلها تتضمن واقعة مزورة فى صورة واقعة صحيحة وأن صاحب المصلحة فى هذا التزوير هما المتهمان وذلك لما تبين من أقوال المجنى عليهم والشهود سالفى الذكر من أن المتهمين المذكورين هما اللذان استلما التصاريح من المجنى عليهم بقصد توريد القمح نيابة عنهم واستلما فروق الأسعار ثم ردا التصاريح إلى المجنى عليهم لإيهامهم بحصول التوريد ثم تبين أن هذه التصاريح مزورة وبذلك يكونان قد اشتركا مع الفاعل الأصلى المجهول فى تزوير هذه التصاريح ليبررا حصولهما على فروق الأسعار وذلك بطريق الاتفاق مع هذا الفاعل المجهول على ارتكاب التزوير". ويبين من ذلك أن الحكم قد استظهر أن الطاعن اشترك بطريق الاتفاق مع آخرين في ارتكاب جريمة التزوير باحدى الطرق المنصوص عليها في القانون وهو الاصطناع وأن ذلك كان بقصد تبرير الحصول على فروق الأسعار. ولما كان القصد الجنائى فى جريمة التزوير يتحقق بتعمد تغير الحقيقة فى محرر تغييرا من شأنه أن يسبب ضررا وبنية استعماله فيما غيرت من أجله الحقيقه فيه، وكان التحدث صراحة واستقلالا فى الحكم عن هذا الركن ليس أمرا لازما ما دام قد أورد من الوقائع ما يدل على قيامه. لما كان ذلك، فإن ما يثيره الطاعن يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل الوجهين الثالث والخامس هو أن تهمة الاشتراك فى تزوير الإيصالات المنسوبة للطاعن تتضمن واقعتين الأولى - خاصة بإيصالين للمجنى عليهما عبد العال أبو زيد وتمام حسن أبو زيد - وقد استعرض الحكم بالنسبة إليهما أقوال المجنى عليهما المذكورين والعمدة بما يفيد أن المتهم الأول والطاعن عما اللذان أخذا تصاريح الحيازة وهما اللذان عادا إليهما وسلما كلا منهما الايصال المزور مع أن هذه الواقعة لم يعلم عنها الطاعن شيئا قبل المحاكمة ولم يحصل معه أى تحقيق بشأنها وأنما اقتصرت مناقشته على الواقعة الثانية - ولذا فلا تجوز محاكمته عن تهمة لم يحصل معه أى تحقيق بشأنها وقد أبدى الطاعن هذا الدفع أمام المحكمة ولكنها أغفلته ولم ترد عليه. أما الواقعة الثانية فهى الخاصة بإيصالين للمجنى عليهما أحمد على أحمد وشوقى عبد العال إذ استعرض الحكم أقوالهما بمحضر تحقيق البوليس بما يفيد أن المتهم الأول هو الذى استلم منهما تصاريح الحيازة وفرق السعر وهو الذى عاد وسلم كلا منهما الإيصال المزور دون أن يشير إلى الطاعن بأية إشارة ولكن المحكمة فى معرض تدليلها على ثبوت تهمة الاشتراك ضد الطاعن اتخذت من واقعة تسليم المجنى عليهم الإيصالات المزورة أساسا لتكوين عقيدتها بالإدانة فاستندت فى هذا الإثبات إل أقوال المجنى عليهم رغم تناقضها بالنسبة إلى الطاعن.
وحيث إن ما يثيره الطاعن فى الشق الأول مردود بأن القانون لا يستوجب تحقيقا ابتدائيا فى مواد الجنح بل يجوز رفع الدعوى العمومية مباشرة من النيابة ولو بغير تحقيق سابق. وما يثيره فى الشق الثانى مردود كذلك بأن الحكم بين الأدلة التى عول عليها فى ثبوت واقعة تزوير الإيصالين الخاصين بأحمد على أحمد وشوقى عبد العال قبل الطاعن، ولذا فان ما يثيره فى هذين الوجهين لا يكون له أساس.
وحيث إن حاصل الوجه الرابع هو أن الطاعن دفع أمام المحكمة بأن تهمة التزوير قد انصبت على جهة خيالية لا وجود لها إذ أنه ثبت عدم وجود شونة لبنك التسليف ببلدة بنى أحمد المزعوم توريد كميات القمح موضوع الاتهام إليها أن مثل هذه الورقة قد نشأت معدومة ولا ضرر منها وأن التزوير لا يكون فى إسناد شئ إلى شخص خيالى لا وجود له ولكن المحكمة أغفلت هذا الدفاع القانونى الهام ولم ترد عليه.
وحيث إن هذا الوجه مردود بأن الإيصالات المزورة قد نسبت إلى بنك التسليف الزراعى وهو جهة معلومة يحتمل أن تضار من هذا التزوير حيث جاءت الإيصالات معنونة باسم البنك وتحمل أرقاما مسلسلة، هذا إلى أن الواقعة كما أثبتها الحكم تتوافر فيها أركان جريمة النصب والعقوبة الموقعة على الطاعن تدخل فى نطاق العقوبة المقررة لهذه الجريمة.
وحيث إن مبنى الوجه السادس هو أن الحكم السابق على النقض للمرة الأولى قضى بحبس الطاعن ثلاثة شهور عن تهمتى التزوير والتبديد فجاء الحكم المطعون فيه أخيرا وقضى ببراءته من تهمة التبديد وبحبسه شهرين عن تهمة التزوير وبذلك يكون الحكم قد زاد فى مقدار العقوبة المقضى بها على الطاعن عن جريمة التزوير إذ أن القضاء الأول معناه أن الحكم صادر عليه بالحبس شهرا ونصف شهر عن كل جريمة فمتى قضى بعد ذلك ببراءته من إحداهما فكان ينبغى ألا يحكم عليه بأكثر من شهر ونصف عن جريمة التزوير.
وحيث إن ما يثيره الطاعن فى هذا الوجه مردود بأنه ما دامت العقوبة التى أنزلها به الحكم الجديد لم تسوى مركزه عما كان قد حكم عليه به بالحكم المنقوض فإن الحكم يكون سليما ويكون هذا الوجه على غير أساس، ما دامت العقوبة فى الحدود المقررة بالقانون للجريمة.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير اساس ويتعين رفضه موضوعا.