أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 5 - صـ 494

جلسة 12 من أبريل سنة 1954

برياسة السيد رئيس المحكمة أحمد محمد حسن، وبحضور السادة: اسماعيل مجدى، ومصطفى حسن، وحسن داود، ومحمود ابراهيم اسماعيل المستشارين.

(167)
القضية رقم 208 سنة 24 القضائية

نقض. المصلحة من الطعن. رأفة. تقديرها يكون بالنسبة إلى الواقعة الجنائية لا وصفها القانونى.
إذ كانت المحكمة قد اعتبرت المتهمين جميعا فاعلين فى جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد عاملتهم بالمادة 17 من قانون العقوبات وأوقعت عليهم عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة, فإنه لا يكون لهم جدوى من القول بأن الوصف الصحيح للفعل الجنائى هو مجرد الاشتراك فى هذه الجناية، لأن عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة التى قضى عليهم بها مقررة فى القانون للاشتراك فى القتل عمدا مع سبق الإصرار، ولا يغير من ذلك أن تكون المحكمة قد طبقت المادة 17 من قانون العقوبات فى حقهم، إذ إن تقدير ظروف الرأفة إنما يكون بالنسبة إلى الواقعة الجنائية التى ثبت لدى المحكمة وقوعها لا بالنسبة إلى وصفها القانونى، ولو أنها رأت أن تلك الظروف كانت تقتضى منها النزول بالعقوبة إلى أكثر مما نزلت إليه لما منعها من ذلك اعتبارها الطاعنين جميعا فاعلين، فهى إذ لم تفعل ذلك تكون قد رأت تناسب العقوبة التى قضت بها مع الواقعة التى أثبتها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم بناحية نجع عزوز مركز دشنا مديرية قنا 1 - قتلوا خليفة عبد الرحمن أبو زيد عمدا مع سبق الاصرار على ذلك والترصد بأن عقدوا النية على قتله فأعد كل منهم لذلك سلاحا ناريا (بندقية) وانتظروه فى حقله وأطلقوا عليه عدة أعيرة نارية قاصدين من ذلك قتله فاصابه أحدها وأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياته و2 - شرعوا فى قتل عبد الرحيم سعيد ابراهيم عمدا مع سبق الاصرار على ذلك والترصد بأن بيتوا النية على قتله فأعد كل منهم لذلك سلاحا ناريا (بندقية) وانتظروه فى حقله وأطلقوا عليه عدة مقذوفات نارية قاصدين من ذلك قتله فأصابة بعضها وأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الطبى الشرعى وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادتهم فيه وهو مداركة المجنى عليه بالعلاج 3 - شرعوا فى قتل محمد محمود محمد أبو زيد عمدا مع سبق الاصرار والترصد بأن بيتوا النية على قتله فأعد كل منهم لذلك سلاحا ناريا (بندقية) وانتظروه فى حقله واطلقوا عليه عدة أعيرة نارية قاصدين من ذلك قتله فأصابه اثنان منهما وأحدثا به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبى الشرعى وخاب أثر الجريمة لسب لا دخل لإرادتهم فيه وهو مداركة المجنى عليه بالعلاج 4 - شرعوا فى قتل محمد أحمد عمر عمدا مع سبق الإصرار والترصد بأن بيتوا النية على قتله وأعد كل منهم لذلك سلاحا ناريا (بندقية) وانتظروه فى حقله وأطلقوا عليه عدة أعيرة نارية قاصدين من ذلك قتله وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادتهم فيه وهو عدم إحكام الرماية، وطلبت من غرفة الاتهام إحالة المتهمين على محكمة الجنايات لمعاقبتهم بالمواد 45 و46 و230 و231 و232 عقوبات. فقررت ذك، وادعى محمد أحمد عمر ومحمد محمود محمد وعبد الرحيم سيد ابراهيم بحق مدنى قدره 100 جنيه على سبيل التعويض قبل المتهمين بالتضامن، ومحكمة جنايات قنا قضت حضوريا عملا بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 32/ 2 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من المتهمين سليم محمد محمود وابراهيم محمد محمود وسلامه محمد يونس وسليم محمد يونس وحسن عثمان محمد بالاشغال الشاقة المؤبدة وبإلزامهم بأن يدفعوا متاضمنين للمدعين بالحق المدنى مبلغ 100 جنيه والمصروفات المدنية و 300 قرش مقابل أتعاب المحاماة.
فطعن الطاعنون فى هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

.. وحيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه اعتبر الطاعنين جميعا فاعلين لجرائم القتل العمد والشروع فيه التى دانهم بها وذلك على أساس أن تلك الجرائم ارتكبت مع سبق الاصرار والترصد، وأن هذين الظرفين متوافران من أن الطاعنين كانوا كاملين للمجنى عليهم فى ساقية مع أن أحد المجنى عليهم وهو محمد محمود محمد قرر فى تحقيق النيابة الطاعنين كانوا عندما هاجموهم سائرين فى حقل مزروع قمحا مما ينفى كمونهم فى الساقية، وأن الحكم حين نفى ما قام عليه الدفاع من أن الواقعة كانت شجارا بين الفريقين ولم تكن نتيجة سبق الإصرار ولا ترصد - قال إن التحقيقات خالية مما يؤيد هذا النظر مع إن إشارة التبليغ عن الحادث وأقوال العمدة ورجال الحفظ فى التحقيق تدل على أن أعيرة نارية كثيرة كانت تطلق من الفريقين من أهالى البلدتين فى المزارع كأنها الحرب وأن إطلاق الأعيرة كان مستمرا إلى وقت إرسال الإشارة فيكون الحكم فيما قرره من ذلك قد أخطأ فى الاسناد.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر فيه أركان جرائم القتل والشروع فى القتل عمدا مع سبق الاصرار بما اثبته فى حقهم جميعا من إصرارهم على قتل المجنى عليهم وترصدهم لهم فى مكان اعتادوا المرور به حتى إذا ما اقبلوا بادروهم باطلاق النار عليهم من أسلحة نارية أعدوها لتنفيذ الجريمة المتفق عليها بينهم وكانوا يقصدون من ذلك قتلهم وقد قتلوا أحدهم وخاب أثر الجريمة بالنسبة إلى باقى المجنى عليهم. وإذ تعرض الحكم لنظر فى سبق الاصرار والترصد قد أورد على ثبوتها فى حق الطاعنين أدلة من شأنها أن تؤدى إلى النتيجة التى رتبها عليها، وكان من ذكره من كمونهم للمجنى عليهم فى الساقية الواقعة فى ارض فريق المجنى عليهم فى الصباح الباكر الذى اعتادوا المرور فيه على زراعتهم المناسبة حلول موسم الحصاد حتى إذا ما وصوا إليها خرج عليهم الطاعنون من مكمنهم وبادروهم باطلاق النار - ما ذكره الحكم من ذلك قد رده إلى أصله من الأوراق حتى بالنسبة إلى المجنى عليه محمد محمود محمد الذى أشار إليه الطاعنون فى طعنهم إذ بين محضر الجلسة أنه شهد أنهم إنما كانوا كامنين لهم فى تلك الساقية لا سائرين فى زراعة القمح المجاورة لها، ولما كان للمحكمة أن تعول على شهادة الشاهد أمامها وأن تلتفت عما يكون قد قرره فى التحقيقات الأولية. ما دامت قد اطمأنت إلى شهادته بالجلسة, وكان الحكم قد تعرض للدفاع القائم على تصوير الواقعة بأنها مشاجرة بين الفريقين ورد عليه بما يفنده استنادا إلى ما ذكره من أن جميع المصابين من فريق المجنى عليهم إذ لو أنها كانت معركة بين الفريقين لحدثت الإصابات بين أفراد كل منهما. ولما كان ما يقوله الطاعنون بشأن إشارة التبليغ عن الحادث وما قرره رجا ل الحفظ فى التحقيق ليس من شأنه أن يهدم ما ذهب إليه الحكم من تصويره للواقعة، فان ما يثيرونه لا يكون إلا مجادلة فى واقعة الدعوى وتقدير الأدلة فيها مما لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض.
وحيث إن الطاعنين ينعنون أخيرا على الحكم المطعون فيه أنه عين الجريمة التى ارتكبها كل منهم ولم يكتف باعتباره فاعلا أصليا لها واعتبار الباقين شركاء له بالاتفاق أو المساعدة، بل ذهب إلى حد عدهم جميعا فاعلين أصليين فى جميع الجرائم مع أنه على أسوأ الفروض - وقد قرر الحكم أن أحد الطاعنين هو الذى ارتكب جريمة القتل - كان يجب لكي يعتبر باقى الطاعنين فاعلين أصليين فى تلك الجريمة أن يبن أنهم ساهموا فى القتل بفعل يصل إلى حد الشروع فيه وأن يثبت عليهم أنهم أطلقوا على المجنى عليه القتيل أعيرة صوبوها نحوه بالذات قاصدين من ذلك قتله، ولكن الحكم لم يقل شيئا من ذلك بل ذكر على لسان المجنى عليهم انهم كانوا يسيرون فأطلق الطاعنون الخمسة عليهم أعيرة نارية ولم يصيبوا أحدا فتفرق المجنى عليهم هاربين وتعقب واحد من الطاعنين المجنى عليه الأول فقتله وتعقب الآخرون باقى المجنى عليهم وشرعوا فى قتلهم - وأنه متى كان الأمر كذلك وكان اقصى ما يوصف به فعل الطاعنين لو صح ما ذهب إليه الحكم من توافر سبق الإصرار والترصد، هو الاشتراك فى جناية القتل، وكانت المحكمة قد رأت من ظروف الحادث ما دعاها إلى تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات فان أثر ذلك فى عقوبة الشركاء لا يتفق مع العقوبة التى قضى بها عليهم.
وحيث إنه لا جدوى للطاعنين مما يثيرونه من جدل فى هذا الشأن لأن عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة التى قضى عليهم بها مقررة فى القانون للاشتراك فى القتل عمدا مع سبق الاصرار مما يستوجب رفض الطعن تطبيق للمادة (433) من قانون الإجراءات الجنائية، ولا يغير من ذلك أن تكون المحكمة قد طبقت المادة 17 من قانون العقوبات فى حقهم إذ أن تقدير ظروف الرأفة إنما يكون بالنسبة إلى الواقعة الجنائية التى ثبت لدى المحكمة وقوعها لا بالنسبة إلى وصفها القانون ولو أنها رأت أن تلك الظروف كانت تقتضى منها النزول بالعقوبة إلى أكثر مما نزلت اليه لما منعها من ذلك اعتبارها الطاعنين جميعا فاعلين فهى إذ لم تفعل ذلك تكون قد رأت تناسب العقوبة التى قضت بها مع الواقعة التى اثبتتها.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.