أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
السنة الأولى - من 27 أكتوبر سنة 1949 لغاية 22 يونيو سنة 1950 - صـ 48

جلسة أول ديسمبر سنة 1949

برياسة حضرة صاحب العزة أحمد حلمي بك وحضور حضرات أصحاب العزة: عبد العزيز محمد بك وعبد الحميد وشاحي بك وسليمان ثابت بك ومحمد نجيب أحمد بك المستشارين.

(13)
القضية رقم 205 سنة 17 القضائية

ا - نقض. تقرير الطعن. بسط أسباب الطعن بشيء من الاختلاط. لا يبطل الطعن ما دام ذلك ليس من شأنه أن يفقد كل سبب كيانه.
ب - إثبات. الاعتماد في إثبات صورية عقد على إمضاء موقع به أمام الكاتب المختص على كتاب مدونه في دفتر التصديق على الإمضاءات. هذا اعتماد على سند كتابي صالح للاحتجاج به على الموقع وعلى خلفائه.
جـ - عقد. تفسيره. عقد صدر في يوم تال لعقد آخر. تقرير المحكمة أن بين العقدين معاصرة ذهنية وأن العقد الأخير وإن وصف بأنه تراد أو تفاسخ هو ورقة ضد تفيد صورية العقد الأول. مسألة موضوعية.
د - إثبات. ورقة ضد غير مسجلة. جواز الاحتجاج بها على طرفيها ولو كانت في صيغة تفاسخ. تجوز مواجهة الغير بها متى ثبت علمه بها.
هـ - غير. إثبات. بائع صوري لمورث البائع. يعتبر من الغير بالنسبة إلى العقد الصادر من هذا البائع.
و - صورية. الباعث عليها ليس من أركان الدعوى بها.
1 - إذا كان الطاعن قد ذكر في تقرير الطعن أن أسباب طعنه هي الخطأ في تطبيق القانون والقصور، وبسط هذه الأسباب بشيء من التداخل، فهذا التداخل، وإن كان مما يحسن تجنبه، لا يبطل صحيفة الطعن ما دام أنه ليس من شأنه اختلاط الأسباب اختلاطاً يضيع معالمها ويفقد كلا منها كيانه.
2 - إذا كان الحكم لم يعتمد في إثبات صورية عقد البيع محل الدعوى على شهادة من واقع دفتر التصديق على التوقيعات بل اطلعت المحكمة على كتابة مدونة في الدفتر المذكور بها إمضاء للمقر وقع به أمام الكاتب المختص فإنه يكون قد اعتمد على سند كتابي صالح للاحتجاج به على الموقع وعلى خلفائه لا على صورة لمحرر عرفي مجردة من أية قيمة في الإثبات.
3 - لمحكمة الموضوع بما لها من سلطة في تفسير العقود وتقدير الوقائع أن تقرر أن العقد محل الدعوى، وإن صدر في يوم تال لعقد آخر، بينه وبين العقد الآخر معاصرة ذهنية، وأن العقد الأخير، وإن وصف بأنه تراد أو تفاسخ، هو في حقيقته حسبما انعقدت عليه نية الطرفين ورقة ضد تفيد صورية العقد الأول.
4 - إن ورقة الضد غير المسجلة يجوز الاحتجاج بها على طرفيها ولو كانت في صيغة تفاسخ متى كان من الثابت أنها ليست في حقيقتها تفاسخاً بل إقراراً بصورية عقد آخر أفرغ في صورة تفاسخ، كما أنها يصح أن يواجه بها الغير ولو كانت غير مسجلة متى ثبت علمه بها.
5 - البائع الصوري لمورث البائع، يعتبر من الغير بالنسبة إلى العقد الصادر من هذا البائع لأنه لم يكن طرفاً فيه ولا ممثلاً.
6 - الباعث على الصورية ليس ركناً من أركان الدعوى بها فعدم صحة الباعث الذي أورده مدعي الصورية ليس من شأنه وحده رفض دعواه.


الوقائع

في يوم 18 من ديسمبر سنة 1947 طعن بطريق النقض في حكم محكمة - استئناف مصر الصادر يوم 2 من يناير سنة 1947 في الاستئناف رقم 346 س ق61 وذلك بتقرير طلب فيه الطاعن نقض الحكم المطعون فيه ورفض دعوى المطعون عليه مع إلزامه بجميع المصروفات والأتعاب عن جميع مراحل التقاضي الخ الخ.


المحكمة

ومن حيث إن النيابة العمومية دفعت ببطلان صحيفة الطعن لعدم تفصيل الأسباب كما تقضي بذلك المادة 15 من قانون إنشاء محكمة النقض.
ومن حيث إن هذا الدفع مردود بأن الطاعن وإن كان ذكر أن أسباب طعنه هي الخطأ في تطبيق القانون والقصور وبسط هذه الأسباب بشيء من التداخل الذي كان يحسن تجنبه إلا أن هذا التداخل ليس من شأنه كما تذهب النيابة اختلاط الأسباب اختلاطاً ضيع معالمها وأفقدها الكيان المستقل.
ومن حيث إن وقائع الدعوى تتحصل في أن المطعون عليه أقام دعواه على أنه نظراً لظروف خاصة بينها باع صورياً إلى المرحوم محمد الساسي 45/1 من وابور الحليج ملكه بمقتضى عقد حرر وسجل في 12 من يونيه سنة 1926، وحرر الطرفان ورقة ضد أفرغت في صورة إقرار من المشتري وقع عليه أمام كاتب التصديق على التوقيعات بمحكمة مصر الابتدائية في اليوم التالي أي في 13 من يونيه سنة 1926 ذكر فيه أنه قد رد المبيع وتسلم من البائع ما دفعه من ثمن، بعد هذا توفى المرحوم محمد الساسي - وأقر ورثته جميعاً عدا الست فهيمة بصورية عقد البيع الصادر لمورثهم من المطعون عليه، أما الست فهيمة فباعت نصيبهاً فيما ادعت أنه آل إليها من مورثها إلى الطاعن بمقتضى عقد بيع حرر في 30 من يونيه سنة 1936، فرفع المطعون عليه الدعوى طالباً إلغاء العقد الصادر منه للمرحوم محمد الساسي في 12 من يونيه سنة 1926 وإلغاء العقد الصادر من الست فهيمة للطاعن في 30 من يونيه سنة 1936 ومحو التسجيلات وتثبيت ملكيته إلى جزء من 45 وابور الحليج - وذلك لصورية العقدين المذكورين... وقد قضى لمصلحته بأن العقد الصادر منه للمرحوم محمد الساسي هو عقد صوري وذلك بناء على الإقرار الصادر من محمد الساسي والثابت ملخصه في دفتر التصديق على التوقيعات في 13 من يونيه سنة 1926 والذي يقر فيه برد البيع - كذلك قضى بأن عقد البيع الصادر من الست فهيمة إلى الطاعن هو عقد صوري للأدلة التي تجمعت لدى المحكمة من شهادة شهود وقرائن قررت المحكمة جواز الاستدلال بها لأن المطعون عليه من الغير الذي يجوز له إثبات صورية عقد الطاعن بغير دليل كتابي.
ومن حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ اعتمد في إثبات صورية عقد البيع الصادر من المطعون عليه للمرحوم محمد الساسي على شهادة بما هو وارد في دفتر التصديق على التوقيعات، أو على ما دون بهذا الدفتر قد أخطأ في تطبيق القانون الذي لا يجعل لصورة محرر عرفي قيمة في الإثبات.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بأن المحكمة لم تكتف بالشهادة المستخرجة عما هو مدون بدفتر التصديق على التوقيعات بل قررت الانتقال إلى محكمة مصر الوطنية بحضور طرفي الخصومة للاطلاع على ملخص الإقرار المدون بدفتر التصديق على التوقيعات وعلى التوقيع المنسوب للمرحوم محمد الساسي وقد تم الانتقال وتبين لها أن ما هو وارد بالشهادة مطابق لما هو ثابت بالدفتر الذي ضم لأوراق الدعوى واطلعت عليه المحكمة، ولم ينكر أحد من ورثة المقر هذا الإقرار إذ ذكر الحكم المطعون "أن ما ورد في التلخيص المدون بهذا الدفتر ما يغني عن تقديم ذات الإقرار لتفهم قصد العاقدين منه إذ اشتمل على خلاصة ما تم عليه الاتفاق بينهما - وبما أن ورثة المقر وبخاصة البائعة للمستأنف (الطاعن) لم تطعن على هذا الإقرار بأي طعن ولم تنكره ولم تدع حصول ما ينفيه أو ينقضه فيكون مفعول هذا الإقرار ما زال قائماً وملزماً لمن صدر منه وبالتالي ورثته..." وظاهر من هذا أن الحكم لم يعتمد في الإثبات على صورة لمحرر عرفي مجردة من أي قيمة في الإثبات بل على ما اطلع عليه من كتابة دونت في دفتر التصديق على الإمضاءات وتحمل إمضاء للمقر وقع به أمام الكاتب المختص أي على سند كتابي صالح للاحتجاج به على الموقع وعلى خلفائه.
ومن حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون لأنه أعتبر إقرار 12 من يونيه سنة 1926 ورقة ضد تفيد صورية عقد البيع الصادر من المطعون عليه للمرحوم محمد الساسي في 12 من يونيه سنة 1926 لأن هذا الإقرار كما هو صريح لفظه تقايل وتفاسخ، فلا يعتبر ورقة ضد كما أنه بوصفه تفاسخاً لا أثر له حتى بين المتعاقدين إلا بالتسجيل، وهو لم يسجل، فلا يصح أن يحاج به الطاعن.
ومن حيث إن الوجه الأول من هذا السبب مردود بأن الحكم المطعون فيه بعد أن استعرض صيغة الإقرار وتاريخه قرر "أن العبرة في تفسير العقود بتوخي المقاصد والمعاني لا الألفاظ والمباني كما أنه ليس باللازم الضروري لورقة الضد أن يتم تحريرها في نفس الزمان والمكان الذي يتحرر فيه التعاقد الظاهر بل العبرة بما عقد عليه العاقدان النية وبما قصداه منها حال تحريرها فإن دلت الظروف والملابسات على أن تحريرها كان تنفيذاً وتقريراً لما تراضيا عليه واتفقا عليه بادئ ذي بدء وقت تحريرها العقد الظاهر وكانت قريبة العهد به بحيث لا تحتاج إلى نية وقصد جديدين كانت بلا شك تنطوي على معنى ورقة الضد"، "ثم أورد الحكم القرائن المتعددة السائغة التي استنبط منها "أن الإقرار المذكور لا ينطوي إلا على أنه ورقة ضد مفسرة وموضحة لحقيقة العقد الأول المؤرخ في 12 يونيه سنة 1926 ولقصد المتعاقدين فيه..." ولا جدال في أن لمحكمة الموضوع بما لها من سلطة تفسير العقود وتقدير الواقع أن تقرر أن العقد وإن حرر في يوم تال لعقد آخر إلا أن ثمت معاصرة ذهنية بين العقدين وأن العقد الآخر وإن وصف بأنه تراد أو تفاسخ إلا أنه في حقيقته - حسبما انعقدت عليه نية الطرفين - ورقة ضد تفيد صورية العقد الأول.
ومن حيث إن الوجه الثاني من هذا السبب مردود بأن ورقة الضد يجوز الاحتجاج بها على الطرفين ولو كانت غير مسجلة، حتى ولو كانت في صيغة تفاسخ، متى كان من الثابت أنها ليست في حقيقتها تفاسخاً بل إقراراً بصورية عقد آخر أفرغ في صورة تفاسخ كما أن هذه الورقة يصح أن يواجه بها الغير كالطاعن - ولو كانت غير مسجلة متى ثبت علمه بها - وهو ما أثبته الحكم المطعون فيه.
ومن حيث إن الطاعن ينعى أيضاً على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون لإباحته للمطعون عليه إثبات صورية العقد الصادر للطاعن من الست فهيمة بكافة طرق الإثبات بمقولة إن المطعون عليه ليس من الغير بالنسبة إلى هذا التصرف.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بأن المطعون عليه - وهو البائع صورياً لمورث البائعة للطاعن - يعتبر من الغير بالنسبة إلى العقد الصادر من الست فهيمة للطاعن لأنه لم يكن طرفاً ولا ممثلاً فيه.
ومن حيث إن السبب الأخير من أسباب الطاعن يتحصل في أن الحكم المطعون فيه قد شابه قصور في استدلاله على صورية عقد الطاعن وعلى سوء نيته وفي عدم رد على ما ذكره الطاعن من عدم صحة الأسباب الدافعة للصورية التي ذكرها المطعون عليه بخصوص العقد الذي صدر منه للمرحوم محمد الساسي.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بأن الحكم المطعون فيه أوفى على الغاية في استدلاله على صورية عقد الطاعن بما استخلصه من أقوال شهود المطعون عليه الذين سمعوا أمام محكمة أول درجة ومما بان للمحكمة من عدم صحة الأقوال التي أدلى بها شاهد الطاعن كل هذا مؤيد بالقرائن العديدة التي ذكرها، كما استخلص علم الطاعن بورقة الضد مما "ثبت من شهادة شهود المدعي ( المطعون عليه) من أن الطاعن قد علم قبل شرائه بوجود هذه الورقة الغير مسجلة ومن ثم تكون حجة عليه لأن شراءه مع هذا العلم سوء نية وغش والقانون لا يحميها..." أما تعييب الحكم بأنه لم يعن بتمحيص الباعث الذي ادعاه المطعون عليه لصورية عقده فمردود بأن الباعث على الصورية ليس ركناً من أركان الدعوى بها وعلى فرض عدم صحة الباعث الذي ذكره مدعي الصورية فليس من شأنه هذا وحده رفض دعواه.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه.