أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 5 - صـ 546

جلسة 20 من أبريل سنة 1954

برياسة السيد الأستاذ أحمد حسن رئيس المحكمة، وحضور السادة: مصطفى حسن، ومحمود ابراهيم اسماعيل، وأنيس غالىن ومصطفى كامل المستشارين.

(185)
القضية رقم 255 سنة 24 القضائية

إثبات. الاختلاف بين أقوال الشاهد والحيز الفنى فى تحديد المسافات. لا يهدر شهادة الشاهد.
إن تحديد الأشخاص للمسافات أمر تقديرى، وليس من شأن الاختلاف فى ذلك بين أقوال الشهود ورأى الخبير الفنى أن يهدر شهادة الشاهد ما دامت المحكمة قد اطمأنت إلى صحتها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه بناحية دلجا مركز دير مواس مديرية أسيوط، قتل زكى جرجس مجلى عمدا مع سبق الإصرار - بأن إنتوى قتله وأعد لذلك سلاحا ناريا "بندقية" وترصد له فى طريق عودته حتى إذا ما ظفر به أطلق عليه أعيرة نارية قاصدا من ذلك قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياته. وطلبت من غرفة الاتهام إحالته على محكمة الجنايات لمعاقبته بالمواد 230 و231 و232 من قانون العقوبات. فقرر بذلك، ومحكمة جنايات أسيوط قضت حضوريا عملا بالمادتين 230 و231 من قانون العقوبات مع تطبيق المادة 17 من نفس القانون بمعاقبة المتهم عبد الحكيم أحمد موسى بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة، وأعفت المتهم من المصروفات الجنائية. وقد استبعدت المحكمة ظرف الترصد، فطعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض.. الخ.


المحكمة

.. وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه، قصور أسبابه، إذ عولت المحكمة على شهادة ستة من شهود الإثبات حضر ثلاثة منهم فى أثناء ارتكاب الحادثة وصورها، بأن ثلاثة أعيرة أطلقت على المجنى عليه، أصابه أولها فسقط من فوق ناقة كان يركبها، ثم أطلق عليه عياران آخران على مسافة متر واحد، وقد ظهر من تقرير الطبيب الشرعى أن الأعيرة الثلاثة أصابت المجنى عليه، وهو فى مستوى أعلى من مستوى الضارب، على خلاف ما قرره أولئك الشهود، وقالت المحكم إن التقرير الطبى الشرعى أيد أقوال الشهود، وهو ما يخالف الثابت فى الأوراق، وفضلا عن ذلك، فإن ما ذهب إليه الحكم من تعليل الخلاف بين ما قرره الشهود والتقرير الطبى، بأن جسم المجنى عليه، وهو على ظهر الناقة كان يتحرك من ناحية إلى أخرى، هذا التعليل غير منتج لأن حركة الجسم لا تؤثر فى مستوى الضارب عند إطلاق الأعيرة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى وأورد أدلة سائغة على ثبوتها فى حق الطاعن مستخلصا من أقوال الشهود فى التحقيقات، ومما شهد به أحدهم بالجلسة من أن الطاعن عندما أطلق الأعيرة الثلاثة على المجنى عليه، وهو يركب ناقته، وكان على مقربة منه، كما ذكر الحكم - أخذا بما جاء بتقرير الطبيب الشرعى - أن إصابات المجنى عليه حدثت من مقذوفات ناري ثلاثة أصاب أحدها الساق اليسرى من بعد يقل عن متر، وأن الطبيب الشرعى يرجح فنيا حصول إصابة الجنب والمجنى عليه راكب (جملا) وضاربه على الأرض، وعقبت المحكمة بقولها، إن ما أثبته الطبيب الشرعى يؤيد ثبوت التهمة على الطاعن، ثم تعرض الحكم بعد ذلك، لما أثاره الدفاع عن الطاعن وردده فى طعنه، من وجود خلاف بين أقوال شهود الرؤية، وما قرره الطبيب الشرعى عن اتجاه الأعيرة، ورد على ذلك بقوله "إن المحكمة ترى أنه ليس ثمة مقنع" "فى هذا الذى أثاره الدفاع فقد يختلف الرأى فى بعض النقط والأمور التافهة مثلا، حين تعدد الأعيرة مثل الواقع، والحاصل فى هذه الدعوى وإطلاقها فورا إثر بعضها، وطبيعي أن جسم المجنى عليه، وهو يقع من فوق الناقة (وهذا هو الأمر الذى سلم به التقرير الطبى) كان يتحرك من ناحية لأخرى، كما أن تلك التفاصيل الدقيقة التى ينعى عليها الدفاع فى أقوال الشهود لا تؤثر في عقيدة المحكمة واقتناعها ولا سيما أن المتهم كان على مقربة من المجنى عليه........ " لما كان ذلك وكان تقدير أقوال الشهود والظروف التى وقع فيها الحادث، مما يرجع لقاضى الموضوع بغير معقب، فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الوجه لا يكون مقبولا.
وحيث إن الطاعن يبنى الوجه الثانى على أن الحكم معيب لفساد الاستدلال ذلك بأن الشاهد محمد ابراهيم عبد الحليم قرر فى التحقيق أن العيار الأول أصاب المجنى عليه من الخلف والثانى أصابه من الأمام، والمسافة عند إطلاق العيارين أكثر من متر، وأن العيار الثالث اصابه بعد وقوعه على الأرض على بعد سنتيمترات من صدره، فجاء التقرير الطبى يناقض أقوال الشاهد عن المسافات ومسار الأعيرة فى جسم المجنى عليه، وأضاف الطاعن إلى ذلك قوله إن الشاهد المذكور قرر أنه رأى الضارب يطعن المجنى عليه بسكين، ولم يثبت عن التقرير الطبى وجود أثر لإصابة طعنية.
وحيث إن ما يقوله الطاعن فى صدد الاختلاف فى تصوير اتجاه الأعيرة، قد سبق الرد عليه، أما ما يقوله من أن الشاهد محمد ابراهيم عبد الحليم شهد بأنه رأى الضارب يطعن المجنى عليه بسكين، فإن ما أثبته الحكم عند بيان الواقعة أن الشاهد المذكور قرر فى تحقيقات النيابة، أنه رأى مع الطاعن سكينا لا يعرف إن كان أصاب بها المجنى عليه أم لا. لما كان ذلك، وكان يبين مما أوردتة المحكمة أن إطلاق الأعيرة التى أصابت المجنى عليه، كان عن قرب، وكان تحديد الأشخاص للمسافات أمرا تقديريا، وليس من شأن الاختلاف فى ذلك بين أقوال الشاهد، ورأى الخبير الفنى، أن يهدر شهادة الشاهد، ما دامت المحكمة قد اطمأنت إلى صحتها مؤيدة بباقى عناصر الإثبات التى أوردتها فى حكمها’، لما كان ذلك، فإن ما جاء بهذا الوجه يكون ورادا على مسائل موضوعية، مما لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض.
وحيث إنه لما تقدم يكن الطعن على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.