أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 5 - صـ 626

جلسة 12 من مايو سنة 1954

برياسة السيد الأستاذ أحمد حسن رئيس المحكمة، وحضور السادة اسماعيل مجدى وحسن داود ومحمود ابراهيم اسماعيل وأنيس غالى المستشارين.

(211)
القضية رقم 226 سنة 24 القضائية

(ا) إثبات. حرية المحكمة فى تكوين عقيدتها.
(ب) عاهة. مدى جسامة العاهة ليس ركنا من أركان الجريمة.
(جـ) عقوبة. وقف التنفيذ. وجوب الحكم بوقف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات بعد العمل بالقانون رقم 435 لسنة 1953.
(د) دعوى مدنية. تقدير قيام المسئول عن الحقوق المدنية بواجب الرقابة المطلوبة منه، من شأن محكمة الموضوع.
1 - لمحكمة الموضوع الحرية فى تكوين عقيدتها من عناصر الدعوى كافة إذ الأمر فى ذلك رجعه إلى اطمئنانها.
2 - يكفى أن تبين لمحكمة الدليل على إحداث المتهم للاصابة وعلى حدوث العاهة نتيجة لتلك الإصابة أما مدى جسامة العاهة فليس ركنا من أركان الجريمة.
3 - إن مدة وقف تنفيذ العقوبة قد عدلت بمقتضى القانون رقم 435 لسنة 1953 الذى جرى به العمل من 9 من سبتمر سنة 1953 من خمس سنوات إلى ثلاث. فيتعين إعمالا لنصوص هذا القانون وباعتباره القانون الأصلح للمتهم طبقا للمادة الخامسة من قانون العقوبات القضاء بجعل هذه المدة ثلاث سنوات تبدأ من تاريخ الحكم المطعون فيه.
4 - تقدير قيام المسئول عن الحقوق المدنية بواجب الرقابة على ابنه أو عدم قيامه بها من شأن محكمة الموضوع.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأن ضرب إبراهيم عبد الهادى الشقنقيرى عمدا بعصا على عينه اليسرى فأحدث به الاصابات المبينة بالتقرير الطبى والتى تنشأ عنها عاهة مستديمة يستحيل برؤها هى نقص كبير فى قوة إبصار تلك العين وطلبت من غرفة الاتهام إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمادة 240/ 1 من قانون العقوبات فقررت بذلك. وادعى السيد عبد الهادى الشقنقيرى بصفته وليا طبيعيا على ابنه ابراهيم عبد الهادى الشقنقيرى وطلب الحكم له قبل المتهم متضامنا مع الدكتور عبد اللطيف علوان بصفته مسئولا عن الحقوق المدينة بمبلغ عشرة آلاف جنيه على سبيل التعويض مع المصاريف وأتعاب المحاماة. ومحكمة الجنايات مصر قضت حضوريا عملا بالمواد 240/ 1 و55 و56 و17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالحبس مع الشغل لمدة ستة أشهر وأمرت بوقف تنفيذ هذه العقوبة لمدة خمس سنين ابتداء من اليوم. وبإلزامه ووالده الدكتور عبد اللطيف علوان متضامنين بأن يدفعا للمدعى المدنى عبد الهادى الشقنقيرى بصفته مبلغ ألف جنيه والمصاريف المدنية وعشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات. فطعن المحكوم عليهما (المتهم والمسئول عن الحقوق المدنية) فى هذا الحكم بطريق النقض.. ألخ.


المحكمة

.. وحيث إن مبنى الطعن المقدم من الطاعن الأول هو أنه دفع التهمة بأنه كان فى منزله بالعباسية مع جيمع أفراد عائلته فى الوقت الذى قيل بوقوع الحادث فيه فى ضاحية مصر الجديدة واستشهد على ذلك بشاهدين صادقاه على قوله فى التحقيقات وأمام المحكمة ولكن المحكمة قالت فى حكمها إن الواقعة ثبتت لها من التحقيقات وشهادة الشهود مع أن ما استخلصته المحكمة من شهادة شهود الإثبات لا يؤدى قطعا إلى إدانة الطاعن بالذات فان كل ما قرروه هو أن المعتدى طالب بالكلية الحربية وعلقوا معرفته على عرضه عليهم فى حين أن المحكمة قد استبعدت الدليل المستمد من استعراف الشهود عليه أثناء علمية العرض. كما أن الحكم لم يرد على ما جرح به الطاعن شهادة الشاهد تحسين محمود شاهين وعولت المحكمة على شهادته رغم ما جاء بحكمها عنه من تجريح من أنه من ذوى السيرة المعوجة - ثم أن ما استخلصته المحكمة عن كيفية استحضار الشهود للأدلاء بشهاداتهم أمام محقق البوليس من أنه لا يدعو للريبة فى شهاداتهم يخالف الثابت بالأوراق مما يفيد أن هؤلاء الشهود لم يروا المعتدى وقت اعتدائه ولا الحادث حين حصوله كذلك دفع الطاعن بأن الثابت بتقرير الطبيب الشرعى يفيد أن بالعين جسما أبيض هى عتامة قديمة على العين. وبعد ذلك سئل الدكتور محمد صبحى بالجلسة فقرر أن المجنى عليه يبصر حاليا بنسبة 6/ 36 ولكن المجنى عليه يتعمد عدم الإبصار. ولهذا عدلت المحكمة وصف التهمة من فقد الابصار إلى نقص كبير بها ومن هذا يبين أن المحكمة لم تسجل هذه النقطة كما ينبغى، ودفع الطاعن أيضا بأن المجنى عليه لا يزال يبصر بدرجة 6/ 9 كما جاء بتقرير المدرسة الابتدائية عند التحاقه بها فى سنة 1944 وأن لا تأثير من الاصابة على العين وأن الاستمرار فى المذاكرة أثر على قوة إبصار العين ولهذا جاء بتقرير الطبيب الشرعى أنه ليس من المتيسر تحديد مدى هذه العاهة بتقرير رقمى ولكن المحكمة لم تستجل هذه النقطة أيضا جلاء كافيا.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمة التى دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها أدلة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها، وتعرض لأوجه الدفاع التى أثارها الطاعن ورد عليها بما يفندها. لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع الحرية فى تكوين عقيدتها من عناصر الدعوى كافة إذ الأمر فى ذلك مرجعه إلى اطمئنانها وبحسب المحكمة أن تبين الدليل على إحداث المتهم للاصابة وعلى حدوث العاهه نتيجة لتلك الاصابة أما مدى جسامة العاهة فليس بركن من أركان الجريمة. لما كان ما تقدم فان ما يثيره الطاعن لا يعدو أن يكون جدلا فى موضوع الدعوى وتقدير الأدلة فيها مما لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض ويكون الطعن بذلك على غير أساس ويتعين رفضه موضوعا إلا أنه لما كانت مدة وقف تنفيذ العقوبة قد عدلت بمقتضى القانون رقم 435 لسنة 1953 الذى جرى به العمل من 9 من سبتمبر سنة 1953 من خمس سنوات إلى ثلاث فإنه يتعين إعمالا لنصوص هذا القانون وباعتباره القانون الأصلح للمتهم طبقا للمادة الخامسة من قانون العقوبات نقض الحكم فيما قضى به بالنسبة لمدة وقف تنفيذ العقوبة والقضاء يجعل هذه المدة ثلاث سنوات تبدأ من تاريخ الحكم المطعون فيه.
وحيث إن الطاعن الثانى ينعى على الحكم المطعون فيه أنه أخطأ فى قضائه بالزامه بالتعويض المدنى باعتباره مسئولا عن الحقوق المدنية ذلك بأنه دفع هذه المسئولية بأنه نشأ ولده تنشئة حسنة وأن الحادث على فرض صحته قد حصل فجأة بغير مقدمات وفى غيبته فالأصل أنه لا يسأل فى هذه الحالة لأنه كان يستحيل عليه أن يمنع وقوعه. إلا أن المحكمة افترضت خطأ الطاعن بمجرد وقوع الحادث باعتباره قرينة لا تقبل إثبات العكس وفى ذلك مخالفة لنص الفقرة الثالثة من المادة 173 من القانون المدنى كما خلطت المحكمة بين ما نسب إلى من يقع تحت الرقابة من إهمال أو رعونة وبين ما يفترض من تقصير فى الرقابة ينسب إلى من كلف بها وهذا غير جائز بحسب التقنين الجديد.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حين عرض لمسئولية الطاعن الثانى المدنية قال: "أنه ثبت للمحكمة من التحقيقات التى جرت فى الدعوى وأوراقها أن المتهم الأول كان فى وقت ارتكاب تلك الجناية قصرا وقدرت سنه بتسع عشرة سنة وقد كان فى تلك الحالة فى حاجة إلى الرقابة وكان فى كنف والده القائم على تربيته والذى تجب عليه رقابته قانونا وله عليه ولاية النفس شرعا. وقد ثبت من التحقيق أن المتهم كان فى وقت الحادثة فى إجازة نصف السنة التى بدأت من ظهر يوم أول فبراير سنة 1951 وتمتد إلى الساعة العاشرة من صباح يوم 16 منه وكان فى هذه الاجازة مقيما بمنزل والده القائم على تربيته الذى هو فى كنفه فلم يكن فى هذه الإجازة تحت اشراف المدرسة - وحيث إنه وإن كان من المقرر بنص القانون أن المكلف بالرقابة يستطيع التخلص من المسئولية إذا أثبت إنه قام بواجب الرقابة أو أثبت أن الضرر كان لا بد واقعا ولو قام بهذا الواجب بما يقتضى من العناية فان الثابت فى هذه الدعوى هو أن ارتكاب المتهم الأولى للجناية المذكورة كان مرجعه إلى ما انطوت عليه طباعه من وشراسة فى الخلق وجنوح إلى العدوان ولا شك أن الأب بما له من الرقابة على ابنه مفروض عليه أن يروض ابنه على السلوك المستقيم ويغرس فى نفسه الصفات الحميدة ويجنبه الشر والعدوان وليس فى هذه الدعوى مع ذلك ما ينفى الخطأ الذى افترض الشارع ضمنا حصوله من جانب المكلف بالرقابة باعتبار أنه قد قصر فى أداء هذا الواجب وليس فيهما فى هذه الظروف ما يسعف والد المتهم الأول فى التخلص من المسئولية المدنية بمقتضى حكم الفقرة الثالثة من المادة 173 من القانون المدنى سواء بطريق إثبات أنه قام بواجب الرقابة أو بطريق إثبات أن الضرر كان لا بد واقعا ولو قام بهذا الواجب بما ينبغى من العناية إذ أنه مع ثبوت الجناية المسندة إلى ابنه المتهم الأول فى هذه الدعوى بما انطوت عليه من الجنوح إلى العدوان وشراسة الطبع فى وقت ارتكابه إياها ومع ما هو مفروض عليه فى تربية ابنه ورقابته من تقويم ورعاية لا يمكن أن يكون الحاقه إياه بالمدارس بغير تقصير فى ذلك أو انفاقه عليه وتربيته بالقدر البادى فى الدعوى وهو القدر الذى يدل عليه ويستلزمه ما كان من تدرجه فى مراحل التعليم وهذا هو كل ما بدا فى هذه الدعوى فى هذا الشأن - لا يمكن أن يكون ذلك كله كافيا فى ظروف هذه القضية للدلالة على أن والد المتهم الأول قام بواجب الرقابة المشار إليها بما ينبغى من العناية - إذ أن ما ينم عنه ارتكاب المتهم للجناية المذكورة كما تقدم ينفى مع ما سلف ذكره قيام والده بواجب الرقابة بالعناية اللازمة كما أنه يدل من جهة أخرى دلالة واضحة على توافر علاقة السبية بين الضرر وبين تقصير الوالد فى واجب الرقابة كما تقدم". ولما كان تقدير قيام المسئول عن الحقوق المدنية بواجب الرقابة أو عدم قيامه بها من شئون محكمة الموضوع وكان ما قاله الحكم المطعون فيه قى ذلك سائغا فانه تتحقق به مسئولية الطاعن الثانى مدينا ويكون ما يثيره فى طعنه على غير أساس ويتعين لذلك رفضه موضوعا.