أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
السنة الأولى - من 27 أكتوبر سنة 1949 لغاية 22 يونيو سنة 1950 - صـ 64

جلسة أول ديسمبر سنة 1949

برياسة حضرة صاحب العزة أحمد حلمي بك وحضور حضرات أصحاب العزة: عبد العزيز محمد بك ومحمد علي رشدي بك وسليمان ثابت بك ومحمد نجيب أحمد بك المستشارين.

( 18)
القضية رقم 69 سنة 18 القضائية

تدليس. حكم ببطلان عقد قسمة أرض بناؤه على ما ثبت من أن أحد طرفي القسمة قد استصدره في أثناء قيام دعوى الملكية المرفوعة منه على من يدعى الاستحقاق في بعض الأرض المقسومة وبعد أن علم ما يدخل من هذه الأرض في ملك مدعي الاستحقاق وأنه أفهم الطرف الآخر غير ما علمه لكي يختص هو بما يخرج معظمه عن ملك مدعي الاستحقاق. هذه حيلة تفسد رضاء الطرف الآخر.
إذا كان الحكم قد قضى ببطلان عقد قسمة أرض رسا مزادها على المقتسمين لما شاب رضا أحد طرفي القسمة من تدليس بانياً ذلك على ما ثبت من أن الطرف الآخر استصدر هذا العقد في أثناء قيام دعوى الملكية المرفوعة منه على الوقف الذي كان يدعي استحقاق بعض هذه الأرض وبعد أن أدرك من مراجعة مستندات الوقف ما يدخل من هذه الأرض في ملكيته وما يخرج عنها، وأنه أخفى هذا عن قسيمة بل أفهمه - وهو يجهل مواقع الأطيان المدعي استحقاقها ونسبتها للأرض المشتركة - غير ما علم كي يختص هو في عقد القسمة بما يخرج معظمه عن ملك الوقف ويختص قسيمة بما سيكون مآله الاستحقاق، ففي هذا الذي أثبته الحكم ما يكفي لاعتباره في حكم المادة 136 مدني (قديم) حيلة تفسد رضا من خدع بها.


الوقائع

في يوم 19 من أبريل سنة 1948 طعن بطريق النقض في حكم محكمة استئناف مصر الصادر يوم 18 من نوفمبر سنة 1947 في الاستئناف رقم 259 س ق63، وذلك بتقرير طلبت فيه الطاعنات قبول الطعن شكلاً ونقض الحكم المطعون فيه بكامل أجزائه، وفي موضوع الاستئناف الحكم بقبول الدفع الخاص بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها وبرفض دعوى المطعون عليها واحتياطياً الحكم في الموضوع بإلغاء الحكم الابتدائي الصادر من محكمة شبين الكوم في القضية رقم 242 سنة 1943 وبرفض طلبات المطعون عليها، وعلى سبيل الاحتياط الكلي الحكم بإحالة الدعوى على محكمة استئناف مصر للحكم فيها مجدداً من دائرة أخرى - مع إلزام المطعون عليها بصفتها بالمصروفات والأتعاب عن جميع مراحل التقاضي ومع حفظ كافة الحقوق الأخرى الخ الخ.


المحكمة

ومن حيث إن السبب الأول يتحصل في أن الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدفع بعدم قبول الدعوى لسبق الفصل فيها من محكمة مصر المختلطة في القضية رقم 3078 س ق65 قد خالف القانون، لاتحاد الموضوع والأشخاص والسبب في الدعويين.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بما أثبته الحكم في القضية رقم 3078 س ق 65 الصادر من محكمة مصر المختلطة إذ أورد أن الطاعنات كن فيما سبق رفعن دعوى أمام محكمة مصر المختلطة على ناظرة وقف عبد الغفار التي تعرضت لهن وللمحجور في ملكية حوالي 67 فداناً رسا عليهم مزادها وطلبن فيها اعتبار الأطيان الراسي مزادها على المحجور غير تابعة للوقف المشمول بنظر المدعي عليها واحتياطياً إذا ثبت أنها وقف الحكم برد الثمن... وقد قضت المحكمة المختلطة في 22/12/1936 بتبعية نحو 49 فداناً للوقف ورد ثمن هذا المقدار للراسي عليهم المزاد، على أن يكون ثلث المبلغ للطاعنات والباقي للمحجور، وقد بدا للقيمة على المحجور أن الحكم، بتوزيعه الثمن المسترد على هذا الوجه، يكون قد قضى باعتبار ما بقي من الأطيان بغير استحقاق ملكاً للراسي عليهم المزاد على الوجه أيضاً أي أن ما يقرب من السبعة عشر فداناً الباقية يكون ثلثها للطاعنات والباقي للمحجور - فرقعت القيمة الدعوى رقم 3078 س ق65 أمام محكمة مصر المختلطة طالبة تفسير الحكم الصادر من المحكمة المختلطة في 22/6/1936 بهذا المعنى، وقسمة الأطيان على ما يقتضيه هذا التفسير أي على أن يكون الثلثان للمحجور والثلث للطاعنات... الخ ما ورد في طلباتها. وقد دفعت الطاعنات بعدم اختصاص المحاكم المختلطة بنظر الدعوى لأنه ليس بين الخصوم من هو أجنبي، فقضت المحكمة برفض هذا الدفع لأن الدعوى دعوى تفسير حكم صادر من المحكمة المختلطة فهي بهذه المثابة من اختصاصها وقضت في الموضوع برفض الدعوى لأن التفسير الذي تذهب إليه القيمة لا تحتمله عبارة الحكم الصادر في سنة 1936، لأن الحكم المذكور بتوزيعه المبلغ المسترد من الثمن على الراسي عليهم المزاد بنسبة الثلث للطاعنات والثلثين للمحجور، ما قصد الفصل في نزاع بين الراسي عليهم المزاد بعضهم البعض، وإنما وزع المبلغ وفقاً لما بدا له من مستندات الدعوى وأن المحكمة "لم تفكر وقتئذ في الفصل في مآل الـ17 فداناً وكسور الحرة وإنما فصلت في مبلغ من النقود". وأنه: "يتبين من هذه الظروف أن تفسير القيم للحكم الصادر في 22 من ديسمبر سنة 1936 تفسير خاطئ وعلى هذا يكون طلبه اعتبار المحجور مالكاً لثلثي السبعة عشر فداناً وكسور على غير أساس وكذا دعوى القسمة التي بناها على هذا الطلب.....". ويتضح من هذا أن الطلبات في الدعوى الحالية وهي بطلان عقد القسمة المؤرخ في 13 من سبتمبر سنة 1934 وتثبيت ملكية المحجور إلى ثلثي القطعة البالغة 17 فداناً وكسوراً، هي طلبات لم تفصل فيها المحكمة المختلطة التي ما قضت برفض دعوى المحجور إلا باعتبارها دعوى تفسير وأن التفسير المزعوم غير مستساغ فالدعويان مختلفتان موضوعاً وسبباً.
ومن حيث إن السبب الرابع يتحصل في أن الحكم المطعون فيه إذ قضى ببطلان عقد القسمة لما شاب رضا المحجور من تدليس وغلط قد أخطأ في تفسير الواقع والقانون فضلاً عما شابه من قصور، فلم يبين الحكم ما هي الطرق الاحتيالية التي سلكتها الطاعنات لإفهام المحجور أو التأثير عليه للوصول إلى العقد الذي صدر منه وما هي الأدلة التي استند إليها، ومجرد كتمان بعض الوقائع لا يكفي قانوناً لتوافر "الحيلة" كركن من أركان التدليس، سيما مع انتقاء سوء نية الطاعنات، الأمر الذي لم يعن الحكم بالتثبيت منه، فهو لم يقم الدليل على أن الطاعنات كن يعملن وقت إجراء القسمة في 13 من سبتمبر سنة 1934 بما ستؤول إليه دعواهن على الوقف، ولم يطلعن حتى ذلك الحين على مستندات الخصم.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بأن الحكم المطعون فيه بني قضاءه ببطلان العقد لما شابه من تدليس على ما ثبت له من أن الطاعنات دون المحجور هن اللاتي رفعن في مارس سنة 1933 دعوى الملكية على الوقف الذي كان يدعي استحقاق الأطيان الراسي مزادها على الطاعنات والمحجور، وأنهن بعد أن اطلعن على مستندات الوقف وعلمن منها ما يدخل من الأطيان الراسي مزادها في هذه المستندات وما يخرج عنها أخفين ما علمن على شريكهن واستصدرن منه في 13/9/1934 ( أي بعد أن سلخت دعوى الملكية نحو العام) عقد القسمة بعد أن أفهمنه - وهو يجهل مواقع الأطيان الموقوفة ونسبتها للأرض المشتركة - أن ما سوف يختص به بمقتضى عقد القسمة لا تشمله دعوى الوقف. وقد أثبت الحكم المطعون فيه أن المحجور لو علم الحقيقة وأن معظم ما اختص به بمقتضى عقد القسمة يدخل في مستندات الوقف وأن معظم ما اختصت به الطاعنات يخرج عنها، أنه لو علم ذلك لما رضى بالتعاقد - وفي هذا الذي أثبته الحكم ما يكفي لاعتباره في حكم المادة 136 مدني (قديم) حيلة تفسد رضا من خدع بها، والحكم لم يقف عند حد القول بأن مجرد كتمان الطاعنات للوقائع الجوهرية التي ذكرها يعتبر تدليساً بل أثبت أيضاً توافر وسيلة إيجابية أخرى وهي أن الطاعنات أفهمن المحجور أن ما سوف يختص به بمقتضى عقد القسمة غير مهدد بخطر الاستحقاق، وعلى ذلك يصبح عديم الجدوى - لعدم الحاجة إليه في صورة الدعوى الحالية - البحث فيما إذا كان مجرد الكتمان يكفي لتوافر الركن المادي للتدليس، وقد أثبت الحكم بما لقاضي الموضوع من سلطة تقديرية أن المحجور ما كان ليرضى بالتعاقد لو علم غير ذلك الذي أفهم، كما أثبت الحكم توافر قصد الخديعة أو التضليل بما استظهره من أن الطاعنات - بعد أن أدركن من مراجعة مستندات الوقف، مدعي الاستحقاق، ما يدخل فيها من الأطيان المشتركة وما يخرج عنها - أخفين ما علمن عن شريكهن بل وأفهمنه غير ما علمن كي يختصصن في عقد القسمة بما هو خارج معظمه عن الوقف ويختص هو بما سيكون مآله الاستحقاق، أما ادعاء الطاعنات أن الحكم المطعون فيه أثبت خلاف الواقع من اطلاعهن على مستندات الوقف قبل استصدارهن عقد القسمة قولاً منهم إن هذه المستندات لم تكن في 13/9/1934 (تاريخ عقد القسمة) قدمت في الدعوى التي رفعت في مارس سنة 1933 فهو ادعاء لم يؤيد بدليل.
ومن حيث إنه برفض السبب الرابع من أسباب الطعن تصبح مناقشة ما بقى من أسباب الطعن عديمة الجدوى، إذ بالحكم من الأسباب ما يكفي لحمله وتبرير ما قضى به.
ومن حيث إنه لذلك يتعين رفض الطعن.