أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 5 - صـ 905

جلسة 6 من يوليه سنة 1954

برياسة السيد الأستاد أحمد محمد حسن رئيس المحكمة، وحضور السادة: مصطفى حسن، وحسن داود، وأنيس غالى، ومصطفى كامل المستشارين.

(287)
الطعن رقم 470 سنة 23 القضائية

دعوى مدنية. مسئول عن الحقوق المدنية. المكلف بالرقابة يستطيع أن يخلص من المسئولية إذا أثبت أنه قام بواجب الرقابة أو أثبت أن الضرر كان لابد واقعا. الحكم بمسئوليته على أساس الخطأ المفترض. خطأ فى تطبيق القانون.
تنص الفقرة الثالثة من المادة 173 من القانون المدنى على "أن المكلف بالرقابة يستطيع أن يخلص من المسئولية إذا أثبت أنه قام بواجب الرقابة أو أثبت أن الضرر كان لابد واقعا ولو قام بهذا الواجب بما ينبغى من العناية". فإذا كان يبن مما أورده الحكم فى بيانه لواقعة الدعوى أن الحادث الذى وقع كان مفاجئا أثناء عبث المجنى عليه هو والمتهم وهما صديقان وقد بلغ المتهم ثمانية عشر عاما، فلم يكن حدوثه راجعا إلى نقص فى الرقابة من جانب الطاعن على ابنه المتهم، ومع ذلك قضى الحكم بمساءلة الطاعن مدنيا على أساس الخطأ المفترض وأن المتهم ما دام قاصرا فإن رقابة والده يجب أن تستمر بصورة تمنعه من إيقاع الضرر بغيره وإلا التزام بتعويض هذا الضرر - فإنه يكون مخطئا فى تطبيق القانون.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة جمال محمد أحمد أدهم بأنه ضرب صبره محمد على أحمد صبره عمد بآلة صلبة (سكين) فى عينه اليمنى فأحدث بها الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبى الشرعى والتى تخلف عنها عاهة مستديمة يستحيل برؤها هى فقد ما كانت تبصر به العين اليمنى قبل إصابتها وفقد ما كانت تبصر به العين اليسرى عدا إدراكها للضوء وإن كان ذلك نتيجة للالتهاب السمبتاوى المضاعف لإصابة العين اليمنى مما لا يمكن معه تقدير مدى العاهة بنسبة مئوية وأنه تسبب بعدم احتياطه وتحرزه فى إصابه المجنى عليه المذكور بأنه كان يزيل قماش سلك كهربائى بخنجر ولم يحتط ولم يتحرز أثناء عمله والمجنى عليه بجواره فأصاب الخنجر عين المجنى عليه محدثا بها الإصابة الموصوفة بالتقرير الطبى والتى أفقدت المجنى عليه بصر عينه اليمنى وأكثر بصر عينه اليسرى. وطلبت من غرفة الاتهام إحالة المتهم على محكمة الجنايات لمحاكمته بالمادة 240/ 1 - 1 و244/ 2 من قانون العقوبات. فقررت بذلك، وقد ادعى بحق مدنى محمد على أحمد بصفته ولى أمر ابنه المجنى عليه "صبره محمد على" قبل المتهم ووالده (محمد أحمد أدهم بصفته مسئولا عن الحقوق المدنية) وطلب القضاء له بمبلغ خسمة آلاف جنيه تعويضا. ومحكمة جنايات أسيوط قضت حضوريا عملا بالمادة 244 من قانون العقوبات بتغريم جمال محمد أحمد أدهم مبلغ عشرة جنيهات وإلزامه هو ومحمد أحمد أدهم متضامنين بأن يدفعا لمحمد على أحمد بصفته ولى أمر ولده صبره محمد على مبلغ 1000 جنيه (ألف جنيه) والمصاريف المدنية المناسبة ومبلغ خمسة جنيهات أتعابا للمحاماة ورفض ما عدا ذلك من الطلبات المدنية وأعفت المتهم من المصاريف الجنائية. فطعن المحكوم عليه ووالده المسئول عن الحقوق المدنية فى هذا الحكم بطريق النقض، كما طعن فيه أيضا المدعى بالحقوق المدنية..... الخ.


المحكمة

.. وحيث إن الطاعن الأول يعيب على الحكم المطعون فيه أنه أخطأ فيما ذكره عن الشاهدين مصطفى عبد العزيز وفؤاد عبد العزيز من أنهما أيدا رواية المجنى عليه من أن الحادث نجم عن اندفاع يد الطاعن بالمطواه أثناء تعريته سلكا كانا ممسكين به ذلك بأن المستفاد من شهادتهما بالتحقيقات وبالجلسة أنها تبحث عن استنتاج لا عن رؤية وباحتمال حدوث الإصابة بعين المجنى عليه من السلك لا من السكين هذا مع ملاحظة أن الطاعن لم يقل إن الإصابة بالسكين إلا بمحضر البوليس وبصورة مبهمة وقال فيما بعد إنها من الاصطدام بالسلك وعلى ذلك يكون الحكم معيبا فى الاستدلال أما ما رواه الحكم عن الدكتور مكارم سعد من أن المصاب أخبره بأن يد الطاعن اندفعت بالمطواه فأصابت عينه فهو قول لم يرد فى شهادة الطبيب المذكور بل ان الصورة الصحيحة المستمدة من التحقيقات وخاصة من البلاغ الذى أرسله للبوليس عن الحادث هى أن الإصابة من صدمة السلك - كذلك قصر الحكم عن استظهار صلة السبيبة بين الخطأ والإصابة إذ أن أحدا لم ينسب إلى الطاعن أى إهمال أو عدم احتياط ومع ذلك فان الحكم قد اسند إليه هذين العنصرين دون بيان لكيفية الإهمال ولا لصورة عدم الاحتياط وأن الحكم إذ استند إلى تقرير الطبيب الشرعى وإلى تقرير الطبيب محمد صبحى فى القول بحدوث الإصابة من السكين لم يلتفت إلى سبق حصول عملية جراحية فى العين المصابة بواسطة طبيب آخر مما يفسد الرأى فى كيفية حصول الإصابة إذ من الطبيعى أن تكون هذه القارير مبنية على الآثار الناشئة من استعمال السلاح فى العملية لا من اصطدام العين بسلك أو بسكين ومن غير الممكن لأحد من هذين الطبيبين أن يلاحظ أثرا من سلك قد ضاع بإجراء العملية.
وحيث إن طعن الطاعن الأول مردود بأن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمة التى دانه بها وساق على ثبوتها أدلة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها. لما كان ذلك فان الحكم المطعون فيه فيما دان فيه الطاعن الأول يكون سليما وما يثيره لا يعدو أن يكون جدلا فى موضوع الدعوى وتقدير الأدلة فيها مما لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض.
وحيث إن الطاعن الثانى هو المسئول عن الحقوق المدنية يقول فى طعنه إنه دفع أمام محكمة الموضوع بعدم مسئوليته بالاستناد إلى القانون المدنى الذى ينص على أن القاصر إذا بلغ سن الخامسة عشرة لا يكون بحاجة إلى رقيب كما أنه لم يثبت وقوع تفريط منه فى تعهد ابنه المتهم وتربيته وأن السماح لابنه المذكور البالغ من العمر ثمانية عشر عاما وقت الحادث بمزاملة أخوانه فى الدراسة لا يعتبر خطأ يؤاخذ عليه ولذا فإن تكليفه أن يمنع وقوع الحادث كما قال الحكم المطعون فيه مع أنه لم يكن موجودا أثناء وقوعه يعتبر تكليفا بالمستحيل يعيب الحكم كذلك دفع الطاعن بانعدام رابطة السببية بين مقضتى الرقابة وبين الضرر لأن الحادث كما سلم الحكم قد وقع فجأة وأن من مقتضى ذلك أن يخلص الطاعن من المسئولية تطبيقا لنص المادة 173 من القانون المدنى ولكن الحكم لم يرد على هذا الدفاع الهام.
وحيث إن الحكم المطعون فيه فى بيانه لواقعة الدعوى قال " ان المجنى عليه وقد كان تلميذا بالمدرسة الاسلامية بأسيوط تلاقى فى يوم 17 من أغسطس سنة 1950 بالمتهم الطالب بالمدرسة الثانوية الاميرية وفى طريقهما مرا بمنزل مصطفى عبد العزيز ووجدا به آخرين وكان هؤلاء يجلسون فى غرفة بالدور الأول تقع على الطريق فدخل المجنى عليه وزميله المتهم وانضما إلى من تواجدوا بمنزل مصطفى عبد العزيز وقد شاهدا مصطفى عبد العزيز ورشاد محمد أحمد منشغلين فى تعرية قطعة من السلك مما يحيطها من كسوة مكونة من نسيج وكاوتشوك وفى هذا الوقت كان فؤاد عبد العزيز حسنين قد أحضر مشروب الشاي لضيفه رشاد محمد أحمد ولشقيقه مصطفى عبد العزيز ولما رأى المجنى عليه والمتهم دخل إلى داخل المنزل لاحضار مشروب لهما وفى أثناء انشغال مصطفى عبد العزيز ورشاد محمد أحمد بشرب الشاى تناول المتهم وزميله المجنى عليه قطعة السلك والمطواة التى كان يجرى تعرية السلك بها وأمسك كل من المتهم والمجنى عليه بطرف من طرفى السلك وأمسك المتهم بالمطواة وعمل على تعرية السلك وفى أثناء انهماكه فى هذا العملية اندفعت يده بشده ناحية وجه زميله المجنى عيه فأصابت المطواه عينه اليمنى:" ولما كان يبين من هذا الذى أورد الحكم المطعون فيه أن الحادث الذى نشأ عنه الجرح كان مفاجئا أثناء عبث المجنى عليه هو والمتهم وهما صديقان وقد بلغ المتهم ثمانية عشر عاما فلم يكن حدوثه راجعا إلى نقص في الرقابة من جانب الطاعن على ابنه المتهم، لما كان ذلك وكانت الفقرة الثالثة من المادة 173 من القانون المدنى تنص على أن " المكلف بالرقابة يستطيع أن يخلص من المسئولية إذا أثبت أنه قام بواجب الرقابة أو أثبت أن الضرر كان لابد واقعا ولو قام بهذا الواجب بما ينبغى من العناية" فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بمساءلة الطاعن مدنيا بمقولة "إن مسئوليته شخصية أو ذاتية أساسها الخطأ المفترض وما دام المتهم قاصرا فإن رقابة والده يجب أن تستمر بصورة تمنعه من إيقاع الضرر بغيره وإلا التزم بتعويض هذا الضرر وما دام أنه قد قصر فى أداء هذا الواجب بحيث لم يمنع ابنه من ارتكاب الخطأ إذ ثبت أنه كان يعبث بالمطواة فأصابت عين المجنى عليه فالوالد مسئول ولا شك عن هذا الخطأ". إن الحكم إذ بنى مساءلة الطاعن على الأساس المتقدم بيانه يكون مخطئا فى تطبيق القانون. لما كان ذلك، وكانت طبيعة الواقعة كما أثبتها الحكم المطعون فيه ليس فيها ما يقتضى استظهاره فى هذا الخصوص إحالة الدعوى إلى التحقيق فانه يتعين القضاء بنقض الحكم المطعون فيه فيما قضى به ضد المسئول عن الحقوق المدنية ورفض الدعوى المدنية قبله وإلزامه رافعها بمصاريفها.
وحيث إنه متى قضى برفض الدعوى المدنية، فإنه يتعين لذلك رفض طعن المدعى بالحقوق المدنية.