أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 5 - صـ 714

جلسة 25 من مايو سنة 1954

برياسة السيد الأستاذ أحمد محمد حسن رئيس المحكمة، وحضور السادة الأساتذة: مصطفى حسن، ومحمود إبراهيم اسماعيل، وأنيس غالى، ومصطفى كامل المستشارين.

(237)
القضية رقم 256 سنة 24 القضائية

(ا) عقوبة. مجرد اعتقاد المحكمة خطأ أنها طبقت فى حق المتهمين المادة 17 من قانون العقوبات. لا يكسبهم حقا فى تخفيض العقوبة طبقا لهذه المادة.
(ب) نية القتل. إثباتها بما يؤدى إلى ذلك. مثال.
(ج) معاينة. ندب النيابة لإجرائها. عدم اعتراض الطاعن على ذلك لا بطلان.
(د) إثبات. محكمة الموضوع غير ملزمة بسماع شهود لم يطلب المتهم سماعهم عن وقائع ترى أنها واضحة وضوحا كافيا.
1 - إذا كانت المحكمة قد ظنت خطأ أنها عاملت المتهمين بالرأفة حسبما تخوله لها المادة 17 من قانون العقوبات فإن هذا الخطأ لا يكسب الطاعنين حقا فى تخفيض العقوبة إعمالا لهذه المادة وفى حدود التطبيق الصحيح للقانون متى كانت أسباب الحكم ليس فيها ما يدل على أن المحكمة كانت لا تزال فى حرج من النزول بالعقوبة عن القدر الذى قضت به على كل من المتهمين وتكون العقوبة المقضى بها هى التى رأتها مناسبة للواقعة وهى حرة من أى قيد.
2 - إذا كانت المحكمة قد قالت بشأن نية القتل " إنها ثابتة لدى الطاعنين من أن كلا منهما استعمل سلاحا ناريا قتالا وأنهما أطلقا النار من سلاحيهما بقصد الإجهاز عليهما أخذا بالثأر الذى أشارت إليه فيما أوردته من مؤدى شهادة زوجة المجنى عليه" فإن هذا البيان مجزئ فى التدليل على قصد القتل لدى الطاعنين.
3 - إذا كانت المحكمة قد ندبت النيابة لإجراء معاينة وكان هذا الندب قد تم بحضور محامى الطاعنين دون اعتراض منه كما أنه لم يثير بشأنه اعتراضا فى جلسة المرافعة التالية لحصوله وكان الحكم ليس فيه ما يدل على أن المحكمة استندت فى إدانة الطاعنين إلى هذه المعاينة - فإن ما ينعاه الطاعنان على هذا الإجراء لا يكون مقبولا.
4 - لمحكمة الموضوع أن تمتنع عن سماع شهادة شهود عن وقائع ترى أنها واضحة وضوحا كافيا. ومتى كان الطاعنان لم يعترضا على تلاوة أقوال من لم تسمعه المحكمة من الشهود ولم يتمسكا بسماع أحد منهم فليس لهما أن يعيبا على الحكم عدم سماع شهادة الشهود الذين أمرت المحكمة بتلاوة أقوالهم.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما: الطاعن الأول مع آخرين قتلوا منتصر نصر محمد عمدا مع سبق الإصرار بأن بيتوا النية على قتله وأطلقوا عليه مقذوفات نارية من بنادق أعدوها لذلك قاصدين قتله فأحدثوا به الإصابات الموضحة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياته - والطاعن الثانى مع آخرين حكم ببراءتهما - شرعوا فى قتل مجاهد منتصر نصر عمدا ومع سبق الإصرار بأن بيتوا النية على قتله وأطلقوا عليه مقذوفات نارية من بنادق أعدوها لذلك، فأحدثوا به الإصابات الموضحة بالكشف الطبى وخاب أثر الجريمة لسبب خارج عن إرادتهم، وهو إسعاف المجنى عليه بالعلاج وطلبت إلى قاضى الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما بالمواد 230 و231 و45 و46 و242/ 2 من قانون العقوبات، قرر بذلك. وقد ادعى بحق مدنى كل من 1 - حميدة سالم محمد وطلبت القضاء لها قبل الطاعن الأول بمبلغ 100 جنيه بصفة تعويض. و2 - مجاهد منتصر وطلب القضاء له قبل الطاعن الثانى بمبلغ مائة جنيه بصفة تعويض ومحكمة جنايات أسيوط قضت حضوريا عملا بالمادة 234/ 1 من قانون العقوبات بالنسبة للطاعن الأول وبالمواد 45 و46 و234/ 1 من القانون المذكور بالنسبة للثانى معاقبة سيد أبو زيد ابراهيم بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنين وإلزامه بأن يدفع لحميدة سالم مبلغ 100 جنيه والمصاريف المدنية وبمعاقبة محمد على الدين بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنين وإلزامه بأن يدفع لمجاهد منتصر مبلغ 30 جنيها والمصاريف المدنية وذلك على اعتبار أن المتهمين (الطاعنين) فى الزمان والمكان سالفى الذكر - أولهما سيد أبو زيد ابراهيم قتل عمدا منتصر نصر محمد محمد بأن أطلق عليه عيارا ناريا من بندقية أعدها لذلك بقصد قتله فأحدث به الإصابات المبينة بالتقرير الطبى والتى أودت بحياته - وثانيهما محمد على الدين شرع فى قتل مجاهد منتصر عمدا بأن أطلق عليه مقذوفات نارية من بندقية أعدها لذلك بقصد قتله، فأحدث به الإصابات المبينة بالتقرير الطبى وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه وهو إسعاف المجنى عليه بالعلاج وقد طبقت المحكمة المادة 17 عقوبات بالنسبة لهما. فطعن الطاعنان فى هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

.. حيث إن الطعن قد استوفى الشكل المقرر بالقانون بالنسبة للأوجه الخمسة الأول، أما بالنسبة للوجه السادس المقدم بتاريخ 24 من نوفمبر سنة 1953 فإنه غير مقبول شكلا لوروده بعد الميعاد القانونى.
وحيث إن الحاضر عن الطاعنين ذكر فى مرافعته أن المحكمة قد أخطأت فى تطبيق القانون حين حكمت على المتهمين بالعقوبة المغلظة رغم قولها فى الحكم أنها عاملتهما بالرأفة وطبقت المادة 17 من قانون العقوبات.
وحيث إن ما يقوله الطاعن مردود بأن المحكمة وإن كانت قد ظنت خطأ إنها عاملت الطاعنين بالرأفه - حسبما تخوله لهما المادة 17 من قانون العقوبات، إلا أن هذا الخطأ لا يكسب الطاعنين حقا فى تخفيض العقوبة إعمالا لهذه المادة وفى حدود التطبيق الصحيح للقانون، وذلك بأن المحكمة قد أحلت نفسها من الحرج الذى توهمته عندما ما قالت فى حكمها إنها طبقت المادة 17 كانت تستطيع توقيع عقوبة أخف مما قدرته وليس فى أسباب الحكم ما يدل على أنها كانت لا تزال فى حرج من النزول بالعقوبة عن هذا القدر الذى قضت به على كل من المتهمين وتكون العقوبة المقضى بها هى التى رأتها مناسبة للواقعة وهى حرة من أى قيد ومن ثم يكون ما ينعاه الطاعن على الحكم فى هذا الشأن غير سديد.
وحيث إن محصل الوجه الأول من الطعن أن الحكم المطعون فيه قاصر البيان ذلك أن المحكمة استندت فى الاستدلال على نية القتل باستعمال بنادق وحصول الإصابة من هذه الأسلحة مع أن جميع المتهمين. ومنهم من قالت المحكمة إنه لم يقصد قتلا - استعملوا البنادق، فضلا عن أن مواضع الإصابات من جسم المجنى عليهما لا تعد من المقاتل.
وحيث إن الحكم بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية لجنايتى القتل العمد والشروع فيه اللتين دانت بهما الطاعنين وأورد على ثبوتها فى حقهما أدلة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها بما فى ذلك نية القتل التى قالت المحكمة إنها ثابتة لدى الطاعنين من أن كلا منهما استعمل سلاحا ناريا قتالا وأطلق الطاعن الأول النار من سلاحه على المجنى عليه منتصر نصر محمد، كما أطلق الطاعن الثانى النار من سلاحه على ابنه مجاهد منتصر بقصد الإجهاز عليهما أخذا بالثأر الذى أشارت إليه فيما أوردته من مؤدى شهادة زوجة المجنى عليه الأول وهذا البيان الذى أورده الحكم مجزئ فى التدليل على قصد القتل لدى الطاعنين.
وحيث إن الطاعنين يعيبان فى الوجه الثانى على الحكم المطعون فيه قصور التسبيب، إذ قالت المحكمة إن وفاة القتيل نشأت من النزيف الحادث من تمزق الشريان والوريد الفخذى دون أن تعين أى الفخذين خصوصا أن زوجة القتيل ذكرت فى التحقيق أن الطاعن الأول هو الذى أصاب زوجها فى فخذه اليمنى ونسبت لآخر إصابة الفخذ اليسرى، وأنه وإن كانت الشاهدة قد قالت أمام المحكمة أن إصابات الفخذين كليهما من الطاعن الأول إلا أن المحكمة لم تبين ما يسوغ ترجيحها لرواية الشاهدة التى أخذت بها، وفوق ذلك فان الشاهد عبد الرحمن منصور لم يتمكن من الرؤية كما قال الدفاع عن الطاعنين وذكر الشاهد نفسه فى التحقيق أنه عرف المتهمين من ظهورهم ولم تناقشه المحكمة عن كيفية تحققه منهم فى هذه الظروف.
وحيث إن ما جاء بهذا الوجه مردود بأن الحكم المطعون فيه أثبت ما شهدت به زوجة القتيل أمامها من أن زوجها أصيب من عيار الطاعن الأول وحده، ثم أيدت المحكمة هذه الشهادة بما جاء بالتقرير الطبى من أن القتيل أصيب بسبعة جروح نارية ستة منهما بمنتصف مقدم الفخذ اليسرى، وواحد بمنتصف الفخذ اليمنى وكلها تحدث من عيار واحد وأن الوفاة نشأت مما أحدثته مقذوفات هذا العيار من تمزق بالشريان الوريد الفخذى وما نشأ عن ذلك من نزف دموى - لما كان ذلك وكان الحكم لم يسند إلى الشاهد عبد الرحمن منصور أنه رأى المتهمين من ظهورهم كما يقول الطاعنان وإنما استخلص الحكم من شهادته أنه خف إلى مكان الحادث على الصراخ فوجد منتصر نصر مصابا وأشارت له زوجته على المتهمين فشاهد الطاعن الأول ومعه آخران وهو يجرون حاملين بنادق، لما كان ذلك فإن ما يثيره الطاعنان فى هذا الوجه لا يعدو أن يكون جدلا فى واقعة الدعوى وأدلة الثبوت فيها مما يستقل قاضى الموضوع بالفصل فيه دون معقب.
وحيث إن مبنى الوجه الثالث إن المحكمة ندبت النيابة لعمل معاينة عن محل الحادث فأجرت النيابة هذه المعاينة وتمسكت بنتيجتها كدليل إثبات كما استندت المحكمة إليها فى حكمها بإدانة الطاعنين وهذا الإجراء من جانب المحكمة مخالف للقانون لأن النيابة قد استنفدت سلطتها فى تحقيق القضية بمجرد تقديمها للمحكمة والأصل أن المحكمة تباشر كل تحقيق تراه بمعرفتها فيما عدا ما استثناه الشارع بنص المادة 294 من قانون الإجراءات الجنائية حيث إجاز للمحكمة أن تندب أحد أعضائها أو أى قاض آخر للتحقيق، وحيث إن المادة 223 من قانون الإجراءات الجنائية تنص فى فقرتها الأولى على ما يأتى: "فى غير الأحوال المشار إليها فى المادة السابقة يسقط الحق فى الدفع ببطلان الإجراءات الخاصة بجمع الاستدلالات أو التحقيق بالجلسة فى الجنح والجنايات إذا كان للمتهم محام وحصل الإجراء بحضوره بدون اعتراض منه " لما كان ذلك. وكان يبين من الاطلاع على محضر جلسة 23 من أبريل سنة 1953 أن محامى الطاعنين قال: " إن المعاينة التى قررت النيابة إجراءها لم تتم والدفاع يلتمس أن تندب المحكمة من تراه لمعاينة منازل الطرفين بالنسبة للشارع فى واقعتى القتل والشروع فيه " فقررت المحكمة تأجيل القضية وكلفت النيابة بعمل معاينة عن مكان الحادث لبيان موضع المتهمين والشهود، وبذا فقد كان ندب النيابة لإجراء المعاينة قد تم بحضور محامى الطاعنين دون اعتراض منه كما أنه لم يثر بشأن اعتراضا فى جلسة المرافعة التالية لحصوله على أنه مع ذلك فليس فى الحكم ما يدل على أن المحاكم استندت فى إدانة الطاعنين إلى هذه المعاينة - لما كان ذلك جميعه, فإن ما ينعاه الطاعنان فى هذه الوجه لا يكون مقبولا.
وحيث إن مبنى الوجه الرابع أن الطاعنين استشهدا شهود نفى على أنهما كانا مبينين عن مكان الحادث وقت وقوعه فشهدوا لمصلحتها ولكن المحكمة لم تأخذ بشهادتهم وبررت ذلك بقولها إن هؤلاء الشهود لم يسمعوا إلا بعد مضى ثلاثة شهور على وقوع الحادث فى حين أن الطاعنين استشهدا بهؤلاء الشهود عند القبض عليهما، ولا ذنب لهما فى تراخى المحقق فى سماعهم.
وحيث إن ما جاء بهذا الوجه مردود بما قاله الحكم من أن المحكمة لا تثق بأقوال شهود النفى فأطرحتها لما اطمأنت إليه مما شهد به شهود الإثبات من وجود الطاعنين بمكان الحادث ومقارفتها إياه، ولا يعيب الحكم ما قاله من أن شهادتهم قد أديت بعد مضى فترة طويلة كانوا فيها عرضة للتأثير عليهم.
وحيث إن الطاعنين يبنيان الوجه الخامس على ما يقولانه من أن شهود الإثبات حضروا جميعا أمام المحكمة كما هو ثابت بمحضر الجلسة فسمعت المحكمة البعض منهم وأمرت بتلاوة أقوال البعض الآخر مع أن التلاوة لم تشرع إلا بالنسبة لمن غاب من الشهود.
وحيث إن المحكمة قد سمعت خمسة من شهود الإثبات وناقشتهم فى تفصيلات وقائع الدعوى، ولما كان من حقها بمقتضى الفقرة الأخيرة من المادة 273 من قانون الإجراءات الجنائية "أن تمتنع عن سماع شهادة شهود عن وقائع ترى أنها واضحة وضوحا كافيا" وكان الطاعنان لم يعترضا على تلاوة أقوال من لم تسمعه المحكمة من شهود ولم يتمسكا بسماع أحد منهم، فليس لهما أن يعيبا على الحكم عدم سماع الشهود الذين أمرت بتلاوة أقوالهم.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.