أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 5 - صـ 737

جلسة 7 من يونيه سنة 1954

برياسة السيد المستشار ابراهيم خليل، وحضور السادة: مصطفى حسن، وحسن داود ومحمود اسماعيل وأنيس غالى المستشارين.

(244)
القضية رقم 620 سنة 24 القضائية

(ا) إثبات. شاهد. الاعتماد على قول له دون قول آخر. جوازه. أقوال الشهود فى التحقيقات. جواز الاعتماد عليها.
(ب) قتل عمد. سبق الاصرار والترصد. إثباتهما بأدلة مؤيدة إليهما. مثال.
(ج) نقض. طعن لا مصلحة منه. لا جدوى من إثارته. مثال.
1 - من المقرر أن للمحكمة فى سبيل تكوين عقيدتها أن تأخذ بما تطمئن إليه من أقوال للشاهد وتطرح قولا آخر له، ولا تثريب عليها فى الاستشهاد فى حكمها بشهادة أدلى بها الشاهد فى التحقيق ولول لم تتل بالجلسة ما دام الطاعن لم يطلب سماعه أو تلاوة أقواله وكانت هذه الأقوال مطروحة على بساط البحث فى جلسة المحاكمة وتناولها الدفاع عن الطاعن بالمناقشة.
2 - إذا كان الحكم قد استظهر ظرفى سبق الاصرار والترصد بقوله " إن سبق إصرار المتهمين الأول والثالث على ارتكاب جريمتهما ثابت من الباعث عليها وهو الثأر لقتيلهما من المجنى عليه ثابت مما تكشف عنه التحقيقات من ترقبهما المجني عليه وتعقبهما له وترصدهما إياه فضلا عن اتفاقهما مع بعض الأشخاص ممن كانوا معهم للاختفاء فى زراعة الذرة لقطع الطريق عليها وإنهاء حياته وخروج هؤلاء الآخرين على المجنى عليه وهو يجرى يلتمس النجاة وسدهم الطريق فى وجهه بينما كان يلاحقه المتهمان الأول والثالث شاهرين مسدسيهما للقضاء عليه ثم إطلاق المتهم الأول والثالث عدة أعيرة نارية على المجنى عليه أودت بحياته مما يقطع بأنهما ارتكبا جريمة القتل باصرار سابق ونية عقداها من قبل " - فإنه يكون قد دلل على توافر هذين الظرفين تدليلا سائغا.
3 - إذا كانت العقوبة التى قضت بها المحكمة على الطاعن تدخل فى نطاق العقوبة المقررة للقتل العمد من غير سبق إصرار ولا ترصد فلا يجدى الطاعن الاحتجاج بانتفاء هذين الظرفين.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بانه مع آخرين قتلوا عبد العال أحمد عطيفى عمدا مع سبق الاصرار على ذلك والترصد ببأن بيتوا النية على قتله وكمنوا له فى طريق مروره حتى إذا ما ظفروا به أطلقوا عليه عدة مقذوفات نارية وانهالوا عليه بالعصى قاصدين قتله فأحدثوا به الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياته - وطلبت إلى غرفة الاتهام إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم بالمواد 230 و231 و232 من قانون العقوبات فقررت بذلك. وقد ادعت سعاد حسين عن نفسها وبصفتها وصية على قصر القتيل بحق مدنى قبل المتهم الأول وطلبت القضاء لها قبله بمبلغ مائة جنيه بصفة تعويض مؤقت ومحكمة جنايات أسيوط قضت حضوريا عملا بالمواد 230 و231 و17 من قانون العقوبات بمعاقبة كمال محمود حسن بالأشغال الشاقة لمدة خمسة عشرة عاما. وبتاريخ 10 من نوفمبر سنة 1953 قضت المحكمة المذكورة فى الدعوى المدنية بالزام كمال محمود حسن بأن يدفع للمدعية بالحق المدنى سعاد حسين عن نفسها وبصفتها وصية على قصر المرحوم عبد العال أحمد عطيفى مبلغ مائة جنيه والمصاريف المدنية. فطعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض.. الخ.


المحكمة

.. وحيث إن مبنى الوجه الأول من أوجه الطعن هو أن الدفاع عن الطاعن اعتمد فى نفى التهمة عنه على الخلاف فى تصوير الحادث بين أقوال الشهود والطبيب الشرعى وعللت المحكمة هذا الخلاف بالنسبة إلى اتجاه الأعيرة بعلة لا سند لها من التحقيقات وردت عليه بالنسبة إلى مستوى كل من الطاعن والمجنى عليه ردا مبنيا على مجرد الظن والتخمين، أما الخلاف بالنسبة إلى نوع السلاح والمسافة التى أطلقت منها الأعيرة على المجنى عليه فلم تعن بالرد عليه فجاء الحكم على هذه الصورة معيبا بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى وأورد على ثبوتها فى حق الطاعن أدل من شأنها أن تؤدى إلى النتيجة التى انتهى إليها عرض لدفاع الطاعن ورد عليه بقوله: " إن ما يقوله المتهم الأول "الطاعن" فى دفاعه من أن تقرير الطبيب الشرعى خالف شهود الإثبات إذ حسب تصويرهم يتحتم أن يكون اتجاه المقذوف أفقيا فى جسم المجنى عليه أو من أعلى لأسفل قليلا ومن التقرير ثبت أن الاتجاه من أسفل إلى أعلى هذا القول مرود بأنه جانب الحقيقة المستفادة من ذلك التقرير على الوجه السالف ذكره وهو واضح الدلالة على ما تكشف للمحكمة من أن المتهم الأول عند ما أطلق مسدسه على المجنى عليه فأحدث به الجروح المنوه عنها بالتقرير الشرعى كان والمجنى عليه فى مستوى واحد وإنما كانت ماسورة مسدسه المصوبة إلى المجنى عليه ترتفع وتنخفض وفقا لحركة يده وقت إطلاق المقذوفات النارية من مسدس فجاء التصويب على ما ورد بذلك التقرير من تركيز الماسورة فى موضع منخفض عن مكان الإصابة الجسيمة أحيانا ومن تركيزها فى مستوى يعلو عن موضع الإصابة الجسمانية أحيانا أخرى" وما قالته المحكمة من ذلك للملاءمة بين ما شهد به شهود الإثبات وما أورده التقرير الطبى بصدد اتجاه الأعيرة ومستوى الطاعن بالنسبة لمستوى المجنى عليه وقت إطلاقها هو تعديل سائغ عقلا غذ أن مطاردة الطاعن للمجنى عليه وملاحقته للظفر به وإطلاق النار عليه مع محاولة هذا الأخير الفرار من الخطر المحدق بحياته قد تقتضى من الطاعن تحريك يده ارتفاعا وانخفاضا لإحكام تصويب فوهة المسدس إلى مواضع قاتلة من جسم فريسته - لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم نقلا عن التقرير الطبى من أن الأعيرة أطلقت على المجنى عليه من سلاح كالربفولفر أو الطبنجة الأتوماتيكية من مسافة تجاوزت حد التصويب القريب لا تقل عن نصف متر وقد تصل إلى عدة أمتار يتفق وشهادة شاهد الرؤية حسن حسن حسنين الثابتة بالحكم من أن الطاعن أطلق النار على المجنى عليه من مسدس ومن مسافة نحو مترين كان بين من محضر الجلسة المحاكمة أن الدفاع عن الطاعن لم يدع أن هناك خلافا بين أقوال الشهود والتقرير الطبى بشأن نوع السلاح والمسافة التى أطلقت منها الأعيرة حتى كانت المحكمة تتعرض له وترد عليه فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الوجه لا يكون له محل.
وحيث إن مبنى الوجهين الثانى والثالث هو أن الدفاع عن الطاعن بين للمحكمة أوجه الخلاف فى أقوال الشهود بالنسبة إلى التبليغ وأسماء المتهمين وكيفية ونوع الحادث ولكن الحكم لم يرد على هذا الدفاع وقال عن الشاهد أحمد محمد حماد عبارات تفيد تشكك المحكمة فى صدق شهادته، هذا فضلا عن أن المحكمة استندت فى إدانة الطاعن - ضمن ما استندت - إلى شهادة أحمد حسين ابراهيم، فى تحقيق النيابة باعتبارها مؤيدة لشهادة حسن حسن حسنين، وهو استنادا لا يجيزه القانون لعدم سماع شهادته بالجلسة ولعدم تلاوة أقواله ولأنه عدل عن تلك الأقوال أمام قاضى التحقيق وقال إنه لا يعرف عن الحادث شيئا، هذا إلى أن الطاعن أشار فى دفاعه أمام المحكمة إلى قصور التحقيق بالنسبة إلى بحث أسباب الجريمة وما إذا كان يبين المجنى عليه وغيره عداء أو خصومة غير المتهمين كما تمسك بانتفاء سبق الاصرار والترصد ولكن الحكم لم يتعرض لهذا الدفع ولم يرد عليه.
وحيث إنه لما كان يبين من الاطلاع على الحكم المطعون فيه أن المحكمة جزأت أقوال الشاهد أحمد محمد حماد وأخذت فيها بالشطر الذى صدقته وهو ما تعلق برؤيته للطاعن هو يطلق النار على المجنى عليه واطرحت ما عدا ذلك للأسباب التى ذكرتها، وكانت العيار التى ساقتها وأفادت بشككها فى بعض أقواله لا تنسحب إلا على ما لم تأخذ به من تلك الأقوال وكان من المقرر أن للمحكمة فى سبيل تكوين عقيدتها أن تأخذ بما تطمئن إليه من أقوال للشاهد, وتطرح قولا آخر له، ولا تثريب عليها فى الاستشهاد فى حكمها بشهادة أدلى بها الشاهد فى التحقيق ولول لم تتل بالجلسة ما دام الطاعن لم يطلب سماعه أو تلاوة أقواله وكانت هذه الأقوال مطروحة على بساط البحث فى جلسة المحاكمة, وتناولها الدفاع عن الطاعن بالمناقشة. لما كان ما تقدم, وكان الحكم قد استظهر ظرفى سبق الاصرار والترصد ودلل على توافرها موضوعا سائغا في قوله " إن سبق إصرار المتهمين الأول والثالث على ارتكاب جريمتهما ثابت من الباعث عليها وهو الثأر لقتيلهما محمود حسن والد المتهم الأول من المجنى عليه, وثابت مما تكشفت عنه التحقيقات من ترقبهما المجنى عليه, وتعقبهما له, وترصدهما إياه, فضلا عن اتفاقهما مع بعض الأشخاص ممن كانوا معهم للاختفاء فى زراعة الذرة لقطع الطريق عليها وإنهاء حياته وخروج هؤلاء الآخرين على المجنى عليه وهو يجرى يلتمس النجاة وسدهم الطريق فى وجهه بينما كان يلاحقه المتهمان الأول والثالث شاهرين مسدسيهما للقضاء عليه ثم إطلاق المتهم الأول والثالث عدة أعيرة نارية على المجنى عليه أودت بحياته مما يقطع بأنهما ارتكبا جريمة القتل باصرار سابق ونية عقداها من قبل ". لما كان ذلك, وكانت العقوبة التى قضت بها المحكمة على الطاعن، تدخل فى نطاق العقوبة المقررة للقتل العمد من غير سبق إصرار ولا ترصد فلا يجدى الطاعن الاحتجاج بانتفاء هذين الظرفين فإن ما يثيره فى طعنه لا يكون مقبولا.