أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 6 - صـ 817

جلسة 11 من أبريل سنة 1955

برياسة السيد الأستاذ مصطفى فاضل المستشار، وبحضور السادة الأساتذة: حسن داود، و مصطفى كامل، واسحق عبد السيد، و محمود مجاهد المستشارين.

(252)
القضية رقم 89 سنة 25 القضائية

(أ) إثبات. اطراح المحكمة أقوال من لا تثق به ولا تطمئن إلى صحة روايته من الشهود. الأخذ بما يرتاح إليه ضميرها مما تستخلصه بأسباب سائغة ويكون له أصل ثابت بالأوراق. جائز
(ب) حكم بالبراءة. تسبيبه. رده على كل دليل من أدلة الاتهام. غير لازم.
1- لمحكمة الموضوع أن تطرح أقوال من لا تثق به ولا تطمئن إلى صحة روايته من الشهود وأن تأخذ بما يرتاح إليه ضميرها ما دامت تستخلصه بأسباب سائغة عقلا ويكون له أصله الثابت بالأوراق.
2- إن محكمة الموضوع وهى تقضى بالبراءة غير ملزمة بالرد على كل دليل من أدلة الاتهام لأن فى إغفال التحدث عنها ما يفيد ضمنا أنها اطرحتها ولم تر فيها ما تطمئن معه إلى الحكم بالإدانة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضدهم بأنهم الأول والثانى قتلا عمدا محمد بحيرى نصر مع سبق الإصرار والترصد بأن بيتا النية على قتله وتربصا له فى مكان الحادث وأطلقا عليه خمسة أعيرة نارية قاصدين من ذلك قتله فأحدثا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياته والثالث والرابع اشتركا مع المتهمين الأول والثانى بطريقى الاتفاق والمساعدة فى ارتكاب جريمة القتل سالفة الذكر بأن اتفقا معهما على قتل المجنى عليه ورافقاهما إلى مكان الحادث لشد أزرهما فوقعت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة. وطلبت من قاضى الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم بالمواد 40/ 1 - 2 و41 و230 و231 و232 من قانون العقوبات. فقرر ذلك، وادعت هانم منصور نوار بحق مدنى قدره 1 قرش على سبيل التعويض قبل المتهمين جميعا بالتضامن. ومحكمة جنايات بنها قضت حضوريا عملا بالمادتين 304/ 1 و 381/ 1 من قانون الإجراءات ببراءة كل من محمد عبد العظيم نصار وأحمد عبد السميع نصار ومحمود نصر نصار وحسن نصر نصار مما أسند إليهم ورفض الدعوى المدنية المقامة قبلهم من المدعية بالحقوق المدنية هانم منصور نوار وإلزامها بمصروفاتها المدنية المناسبة. فطعنت النيابة العامة وهانم منصور نوار (المدعية بالحق المدنى) فى هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن المدعية بالحق المدنى هانم منصور نوار وإن قررت بالطعن فى الحكم بتاريخ أول يوليه سنة 1954 إلا أنها لم تقدم أسباب إلا فى 4 و7 من أغسطس سنة 1954 أي بعد انقضاء أربعين يوما من تاريخ صدوره فى 22 من يونيه سنة 1954 فيكون الطعن غير مقبول شكلاً.
وحيث إن الطعن المقدم من النيابة العامة قد أستوفى الشكل المقرر بالقانون.
وحيث إن مبنى الوجه الأول من الطعن هو أن الحكم المطعون فيه جاء مشوبا بفساد الاستدلال والخطأ فى الإسناد إذ أطرح ما قال به شاهدا الرؤية جابر محمد عبد الجليل وعبد الدايم منصور وباقى الشهود وصور الواقعة تصويرا آخر مؤداه أن المجنى عليه أصيب من يد شخص مجهول كان كامنا خلف سيارة نقل محملة بأقفاص الطماطم وأن هذا المجهول أطلق من مسدسه خمس رصاصات أصابت أربع منها المجنى عليه فى ظهره وأصابته الخامسة فى فخذه وتمكن من الفرار من غير أن يعرفه المجنى عليه أو يراه أحد واستدل على هذا التصوير بتقرير الصفة التشريحية والتقرير الاستشارى المقدم من الدكتور محمود ماهر وما أدلى به بالجلسة الدكتور كمال السيد الذى أجرى الصفة التشريحية والدكتور محمد عبد المنعم المفتش الفنى بمصلحة الطب الشرعى والدكتور محمود ماهر من أن إصابات المجنى عليه كلها من سلاح واحد ويد واحدة وأن الضارب كان إلى خلف المجنى عليه وفى مستوى أعلى منه وأن المعاينة أيدت ذلك فى حين أن تقرير الصفة التشريحية كما أثبته الحكم خلو مما يشير إلى أن الضارب شخص واحد وأن الذى استعمل فى القتل سلاح واحد ويدل فى بيانه - لاختلاف اتجاه العيار الخامس الذى أصاب الفخذ - على أن الجريمة وقعت من أكثر من شخص واحد وفى حين أن الطبيبين الشرعيين الدكتور كمال السيد والدكتور محمد عبد المنعم خالد لم يقطعا فى أقوالهما بالجلسة بأن كل إصابات المجنى عليه كانت من يد واحدة وسلاح واحد وأن المعاينة لا تؤيد ما ذهب إليه الطبيب الاستشارى.
وحيث إنه لما كان لمحكمة الموضوع أن تطرح أقوال من لا تثق به ولا تطمئن إلى صحة روايته من الشهود وأن تأخذ بما يرتاح إليه ضميرها ما دامت تستخلصه بأسباب سائغة عقلا ويكون له أصله الثابت بالأوراق وكان الحكم المطعون فيه قد ألتفت عن أقوال شاهدى الرؤية جابر محمد عبد الجليل وعبد الدايم منصور وغيرهما من الشهود لما قاله من "أن الطريقة التى سبق بها الشاهدان أن المشار إليهما كانت مريبة وأحاطت بها الشكوك وفسرها جابر محمد عبد الجليل بالجلسة بأنها كانت من إخراج عبد المقصود بحيرى وتأليفه..." وتعرض لأقوال الشهود فناقشها وفندها بأسباب سائغة عقلا وخلص إلى القول بأنه "يبين مما تقدم أن هؤلاء الشهود تضاربت أقوالهم فى التحقيقات رغم أن رئيس قوة المطاردة أثبت بادئ الأمر فى محضره ما سوف يدلى به هؤلاء الشهود فى التحقيقات على أن من جاء منهم بالجلسة عدل عن أقواله الأولى وذكر الدافع له على قولها فضلا عن تجافى تلك الأقوال مع منطق الأوراق ومع ما قامت الأدلة عليه من أن الأزمان والأوصاف التى قالوا بها فى التحقيقات لا تتمشى مع روايتهم فيها فإذا أضيف إلى هذا أنهم سيقوا إلى التحقيق يوم 26 من يونيه أى بعد الحادث بيومين كانت أقوالهم مثار الريب والشكوك ويتعين اطراحها إذ لا تطمئن المحكمة بعد هذا الذى بان لها بالجلسة ومن أوراق التحقيقات إلى أقوالهم الاولى". وكان الحكم قد خلص إلى "أن التصوير الصحيح المستمد من التقارير الطبية الشرعية المرافقة للأوراق وما أدلى به الاطباء الشرعيون ثم ما ثبت من معاينة مكان الحادث وما أدلى به ذات المجنى عليه فى التحقيقات عندما سئل لأول مرة إثر نقله إلى مستشفى الطبيب أن المجنى عليه كان فى طريق عودته إلى داره قبيل الغروب بدقائق معدودة لا تعدو الخمس إذ وصل إلى أمام سيارة النقل المحملة بأقفاص الطماطم وكان قد كمن الى الخلف منها مجهول لم تسفر عنه التحقيقات يحمل مسدسا من عيار 32 وأطلق عليه هذا المجهول الرصاصات الخمس التى أصابه منها أربع فى ظهره والخامسة بالفخذ دون أن يتمكن المجنى عليه من التعرف عليه أو التحقق منه إذ كانت الإصابات والضارب مختف وكان المجنى عليه يتجه إليه بظهره وجاءته الإصابة الخامسة بعد وقوعه أرضا وتمكن ذلك المجهول من الفرار بعد إرتكاب الحادث دون أن يتعرف عليه أحد" وكان الحكم قد أورد ما أثبته الدكتور كمال السيد فى تقرير الصفة التشريحية - ولم يطعن على ما أسنده إليه الحكم - وانتهى هذا التقرير إلى أن "الهيئة العامة لوحدات إصابة المجنى عليه تشير إلى أن كلا منها مطلق من سلاح نارى من النوع المعد للتعمير بالرصاصات - من غير تحديد لنوع صنف السلاح المستعمل على وجه التعيين … وأنه فى حالة الاعتدال ولحظة الإصابة تكون فوهة السلاح النارى المستعمل فى كل من أعيرة الظهر الأربعة مصوبة إلى المجنى عليه من مكان خلفه وإلى يمينه مع تركيز ماسورته فى مستوى يعلو موضع الإصابة الجسمانية. أما عيار الفخذ الأيسر فيكون السلاح فيه قد صوب نحو المجنى عليه من مكان أمامه وإلى يساره مع تركيز ماسورته فى مستوى منخفض عن موضع الإصابة الجسمانية مع العلم بأن الطرف السفلى من الجسم جزء حر الحركة فى مواضع شتى بحيث يتغير الاتجاه والمستوى باختلاف الأوضاع والحركات التى يتخذها هذا الطرف". ثم أورد الحكم أقوال هذا الطبيب الدكتور كمال السيد بالجلسة وبأنه انتهى فى ختام قوله إلى أنه عضد الرأى الذى أثبته الدكتور محمود ماهر فى تقريره من إمكان إصابة المجنى عليه بالمقذوفات الخمسة من آلة واحدة ومن شخص واحد وبالوصف الذى تضمنه هذا التقرير الاستشارى وأدلى بالحجج الفنية التى تؤيد الوجهة التى ذهب إلهيا الدكتور محمود ماهر. لما كان ذلك وكان ما ذكره الحكم من أقوال الدكتور كمال السيد بالجلسة يعتبر متما لتقرير الصفة التشريحية المقدم منه وله أصله الثابت بمحضر الجلسة بما يطابق ما ذكره الحكم نقلا عنه, وكان الحكم قد استند أيضا في تأييد تصويره إلي ما ذكره الدكتور محمد عبد المنعم خالد المفتش الفنى بمصلحة الطب الشرعى من أن "إصابات الظهر تجمعت فى أماكن قريبة مساحتها نحو 25 سم ومتفقة فى الاتجاه من الخلف واليمين ودرجة نفاذها متفقة أيضا ورجح حدوثها من يد واحدة فى وقت واحد، وأن الاصابة الخامسة يحتمل حدوثها من ذات اليد أيضا ونفس السلاح الذى أطلق المقذوفات الأربعة الأولى "وكان ما أورده الحكم من ذلك مطابقا لأصله الثابت بمحضر الجلسة، وكان الحكم قد بين ما أثبته المحقق فى معاينته لمكان الحادث وما جاء بها من وقوع الحادث على مقربة من الجراج ومن وجود سيارة نقل، وكان ما استخلصه الحكم من المعاينة ومن تقارير الأطباء من أن مطلق النار اتخذ من سيارة النقل ستارا ساعده على ارتكاب الجريمة والهرب دون أن يراه أحد - هو استخلاص سائغ عقلا. لما كان ذلك، فإن كل ما تثيره الطاعنة فى هذا الوجه يكون على غير أساس.
وحيث إن مؤدى الوجه الثانى من طعن النيابة هو أن الحكم مشوب بالتناقض وفساد الاستدلال إذ استخلص من أقوال الشاهد عبد الدايم منصور حجازى أنه لم ينظر المتهمين الأول والثانى فى حين أن أقواله كما أثبتها الحكم نفسه تدل على أنه قرر صراحة برؤيته لهذين المتهمين يطلقان النار على المجنى عليه وأنه عرفهما عندما استدارا نحوه.
وحيث إن هذا الوجه مردود بما أثبته الحكم عن هذا الشاهد بأنه "فى ذات اللحظة عاد ليقول إنه كان يسير مع جابر فى ذلك الوقت الذى ذكره وكان يقول له (أحمد عبد السميع ومحمد إن ما كناش اتخضينا كنا شفناهم فقال لى إن ما كناش كل واحد راح لحاله كانوا موتونا) تلك كانت كلماته حرفيا ولا شك أن فيها ما يحمل فى صراحة ووضوح نفى رؤية الشاهد للمتهمين الأول والثانى تلك الرؤية التى ذكرها فى صدر أقواله". وما قاله الحكم من ذلك لا يدل على تناقضه بل على تناقض الشاهد نفسه ويؤدى مع غيره من الأسباب السائغة التى ذكرها إلى اطراح رؤية هذا الشاهد، ومن ثم فإن النعى بهذا الوجه يكون فى غير محله.
وحيث إن حاصل الوجه الثالث من هذا الطعن هو أن الحكم جاء قاصر التسبيب، ذلك بأنه أورد فى بيانه للواقعة ما قرره المجنى عليه للكونستابل السيد طنطاوى عن اتهمامه للمتهمين الأولين ثم ما قرره فى تحقيق النيابة من أن الأول خرج عليه أثناء سيره فى الطريق قبيل الغروب وأطلق عليه النار من مسدس أصابه فى ظهره وأنه التفت خلفه ورآه، وأن هذا المتهم أطلق عليه عيارا خامسا من الأمام - وبرغم أهمية هذا الدليل فان الحكم أسقطه من حسابه ولم يتناوله بأى رد.
ولما كان الحكم فيما ساقه من أقوال المجنى عليها أمام الكونستابل السيد طنطاوى عن اتهام المتهمين الأول والثانى بإطلاق المقذوفات النارية عليه ثم أقواله فى تحقيق النيابة عن إطلاق المتهم الأول وحده كل الأعيرة الخمسة عليه قد أفاد تناقض المجنى عليه وعدم الاطمئنان إلى أقواله وكان الحكم قد عرض فى عدة مواضع منه إلى تناقض أقوال شاهدى الرؤية جابر محمد عبد الجليل وعبد الدايم منصور حجازى وغيرهما من الشهود بعضها مع بعض وتناقضها مع أقوال المجنى عليه وخلص إلى "إنه ليس أدل على مبلغ الشك فى رواية الشهود وعلى تخاذل هذه الرواية وعدم تماسكها من انحرافها عن ماديات الدعوى سواء التقارير الطبية الشرعية المرافقة للأوراق أو ما أدلى به من سمع من الأطباء الشرعيين بالجلسة فضلا عن مجافاة تلك الأقوال لما ثبت فى معاينة مكان الحادث..." وكان الحكم قد انتهى بأسباب سائغة إلى استخلاص تصوير الواقعة بأن مجهولا هو الذى أصاب المجنى عليه من فتحة خلف سيارة النقل باطلاق خمس رصاصات من مسدسه أصابه أربعة منها فى ظهره وأصابته الخامسة فى فخذه بعد سقوطه دون أن يتعرف عليه المجنى عليه أو يراه أحد، فان ما أورده الحكم من هذا التصوير يعتبر بذاته اطراحا لأقوال المجنى عليه وتفنيدا لها. لما كان ذلك، وكانت محكمة الموضوع وهى تقضى بالبراءة غير ملزمة بالرد على كل دليل من أدلة الاتهام لأن فى إغفال التحدث عنها ما يفيد ضمنا أنها اطرحتها ولم تر فيها ما تطمئن معه إلى الحكم بالإدانة فإن الطعن بهذا الوجه يكون أيضا غير سديد.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن المقدم من النيابة العامة على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.