أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 6 - صـ 846

جلسة 12 من أبريل سنة 1955

برياسة السيد الأستاذ مصطفى فاضل المستشار، وبحضور السادة الأساتذة: حسن داود، ومحمود ابراهيم اسماعيل، ومصطفى كامل، ومحمد عبد الرحمن يوسف المستشارين.

(259)
القضية رقم 46 سنة 25 القضائية

(أ) إثبات. استخلاص المحكمة واقعة الدعوى من مجموع عناصرها وأدلتها دون التقيد بدليل معين. من حقها.
(ب) فاعل. قتل عمد. اتفاق متهم مع آخرين على قتل شخص. إطلاق المتهم أعيرة نارية على المجنى عليه لم تصبه. وفاة المجنى عليه نتيجة أعيرة أطلقها عليه رفقاء المتهم. اعتبار المتهم فاعلا أصلياً فى جريمة القتل.
1- لمحكمة الموضوع أن تتبين الواقعة على حقيقتها وأن ترد الحادث إلى صورته الصحيحة من جماع الأدلة المطروحة عليها دون أن تتقيد فى هذا التصور بدليل بعينه أو بأقوال شهود بذواتهم.
2- إذ اتفق متهم مع آخرين على قتل شخص وأطلق هذا المتهم أعيرة نارية لم تصب المجنى عليه الذى توفى نتيجة أعيرة أطلقها عليه الآخرون، فإن المتهم يكون مسئولا عن جريمة قتل المجنى عليه باعتباره فاعلا أصليا فى حكم الفقرة الثانية من المادة 39 من قانون العقوبات على ما جرى عليه قضاء محكمة النقض، ذلك ما ساهم به من أفعال يعد من الأعمال التفنيذية فى الجريمة المذكورة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة 1- بدر محمد أحمد يونس (الطاعن) و2- فهمى جوده محمد و3- عطيه جوده فرحات بأنهم (أ) قتلوا عمدا كلا من صديق عبد المجيد عبد العال وأمين علام مع سبق الإصرار والترصد بأن بيتوا النية على قتلهما وأعدوا لذلك أسلحة نارية وتربصوا لهما فى زراعة أذرة فلما اقتربا منهم خرجوا من مكمنهم وأطلقوا عليهما مقذوفات نارية وأحدثوا بهما الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياتهما (ب) قتلوا عمدا وبدون مقتض الجواد المبين بالمحضر والمملوك لصديق عبد المجيد عبد العال. والمتهم الأول أحدث بمحمد عبد اللطيف الإصابة الموصوفة بالتقرير الطبى والتى تقرر لعلاجها مدة لا تزيد على العشرين يوما. وطلبت من غرفة الاتهام إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم بالمواد 230 و231 و232 و242/ 1 و355/ 1 من قانون العقوبات فقررت بذلك. وقد ادعت بهيه عبد اللطيف (زوجة القتل) بحق مدنى قبل المتهمين متضامنين وطلبت القضاء لها بقرش صاغ واحد تعويضا مؤقتاً. ومحكمة جنايات سوهاج قضت فيها حضورياً عملاً بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 32/ 2 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهم الأول (الطاعن) وبالمادتين 304/ 1 و 380/ 1 من قانون الإجراءات للباقين أولاً - بمعاقبته بالأشغال الشاقة المؤبدة وإلزامه أن يدفع للمدعية بالحق المدنى مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت. وثانيا- ببراءة فهمى جوده محمد وعطيه جوده فرحات مما أسند إليهما ورفض الدعوى المدنية قبلهما (وذلك على اعتبار أنه ساهم مع آخرين مجهولين فى قتل... الخ). فطعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

وحيث إن مبنى الوجه الأول من الطعن هو أن الحكم المطعون فيه اقتصر فى إثبات نية القتل على القول بأن الآلة المستعملة من شأنها إحداث القتل مع أنه يجب التدليل على أن المتهم كان ينتوى إزهاق روح المجنى عليه وهو ما قصر الحكم فى إيراده ويقول الطاعن فى الوجه الثانى إن الحكم المطعون فيه استند فى قضائه بإدانة الطاعن إلى تطابق أقوال الشهود بالنسبة لتصوير الحادث واتفاق عناصره الرئيسية مع الماديات التى ظهرت من المعاينة والتقارير الطبية ومن ذلك اتجاه رأس جثة الحصان ورأس جثة المجنى عليه وثبوت المطاردة العنيفة له ولم يعتبر باختلاف أقوال الشهود بالنسبة لاتجاه بعض الأعيرة أو كيفية العودة من الغيط واستند إلى اتفاق شهادتهم فى اتجاه المقذوف الذى أطلق على الحصان وموقف الضارب منه مع التقرير الطبى مع أن هذا التصوير لا يطابق الثابت في التحقيقات بشأن اتجاه الأعيرة التي أصابت المجني عليه الأول واتجاه المقذوف الذى أطلق علي الحصان وموقف الضارب منه وعدد الأعيرة التى أطلقت عليه ثم بشأن ما قيل عن موقع إصابة المجنى عليه الثانى سواء من أقوال الشهود أو من إجابات الطبيب الشرعي ولا يتفق مع الخلاف الذي قام بين الشهود فى التحقيق فى عدد الضاربين للحصان بالنار وعدد الأعيرة التى أطلقت عليه وهذا كله يعتبر فسادا فى الاستدلال يوجب نقض الحكم.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به جميع العناصر القانونية للجريمة التى دان الطاعن بها وساق على ثبوتها أدلة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتب عليها واستظهر توافر نية القتل لدى الطاعن فى قول: "إن شهود الإثبات شهدوا أن الحادث وقع من عدة فاعلين وهو ما يؤيده عنف المطاردة وطول أمدها وكثرة الإصابات والمصابين ومما شهدوا به من أن أحدهم أطلق عليه الرصاص فقتله وما دلت عليه ظروف الحادث من أنهم أتفقوا على ارتكابه واتحد قصدهم على نتائجة سواء فى ذلك قتل العمدة أو من يعترض سبيل قتله بدليل مساهمتهم فى الأفعال المكونة له والمؤدية إلى نتائجه من كونهم مسلحين فى مكان واحد ثم خروجهم معا واشتراكهم فى مطاردة العمدة يؤازر بعضهم بعضا وإطلاقهم الرصاص عليه هو وتابعه ومن ثم يكون المتهم الأول مسئولا عن قتل أمين علام نتيجة اشتراكه فى القصد مع باقى الجناة سواء أكان هو الذى أصابه أو أصابه مجهول منهم. وأن نية قتل المجنى عليهما ثابتة من أن الآلة التى استعملت فى الحادث من شأنها إحداث الموت وهى بندقية تطلق الرصاص أصابتهما فى مقتل من جسميهما". ولما كان هذا الذى أورده الحكم هو استخلاص سائغ من عناصر الدعوى يؤدى إلى ثبوت نية القتل لدى الطاعن - وكان الحكم المطعون فيه إذ تعرض لما يثيره الطاعن فى الوجه الثانى قد قال: "إن تهمة قتل العمدة (المجنى عليه الأول) ثابتة قبل المتهم الأول (الطاعن) ثبوتاً قاطعاً مما قرره شهود الإثبات من أنهم رأوه يطلق النار عليه فيصيبه ومن تحقق مشاهدتهم له بدليل إصابة أحدهم بطعنة من سونكى البندقية ومن تطابق أقوالهم بالنسبة لتصوير الحادث وإيراد عناصره الرئيسية واتفاقها مع الماديات التى ظهرت من المعاينة ومن التقارير الطبية ومن ذلك ما قرره من أن الحصان أصيب وهو قادم من زراعة العمدة متجهاً إلى الناحية البحرية وثبوت أن رأس الجثة كان فى هذا الاتجاه وبحرى تلك الزراعة وأن العمدة كان يهرب متجهاً إلى الناحية القبلية و ثبوت أن رأس جثته وجدت فى الاتجاه المذكور وأنه كانت هناك مطاردة عنيفة طويلة وهو ما يؤيده كثرة الأعيرة النارية التى أصابته واختلاف اتجاهاتها ووضعه عند إصابته بها ووجود فردة حذائه بجوار جثة الحصان ووجود جثته وهى بعيدة عنهما وأنه لقى حتفه فى زراعة الذرة وهو ما يؤيده وجود جثته بها وتلوث ملابسه بدماء غزيرة ووجود عمامته ومظلته بجوارها، وأنه كان أثناء المطاردة يسقط على الأرض وينهض وهو ما يؤيده وجود سحجات فى ركبته ووجهه ووجود إصابتين ناريتين به يجوز حدوث إحداهما أثناء السقوط والأخرى وهو فى حالة أنثناء وأن المتهم الأول ضربه بدبشك البندقية من الخلف وهو ما يؤيده وجود إصابات راضة شديدة بمؤخر رأسه تحدث من آله راضة ثقيلة فضلا عن اتفاق أقوال الشهود بالنسبة لعدد الأعيرة مع كثرة الإصابات النارية التى وجدت به واتفاق ما قرره بالنسبة لنوع السلاح ومسافة الإطلاق مع ما جاء بالتقرير الطبى ولا عبرة باختلاف أقوالهم بالنسبة لإتجاه بعض الأعيرة لأن اثنتين منها أصابتاه فى عضوين متحركين من جسمه ولأن إطلاق الأعيرة من الخلف لا يعنى حتما فى حالة المطاردة أن تصيب المجنى عليه من الخلف لأن الطبيعى فى هذه الحالة أن يتلفت وراءه بين وقت وآخر ليتبين مصيره يضاف إلى ذلك اتفاق ما قرره الشهود بالنسبة لإتجاة المقذوف الذى أطلق على الحصان وموقف الضارب منه مع التقرير الطبى البيطرى" - لما كان ذلك - وكان لمحكمة الموضوع أن تتبين الواقعة على حقيقتها وأن ترد الحادث إلى صورته الصحيحة من جماع الأدلة المطروحة عليها دون أن تتقيد فى هذا التصوير بدليل بعينه أو بأقوال شهود بذواتهم وكان ما أورده الحكم المطعون فى تصوير الحادث وفى ثبوته على ما سلف البيان سائغا ولا تناقض فيه وله أصله فى الأوراق فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الوجه من الطعن يكون على غير أساس.
وحيث إن مبنى الوجه الثالث هو غموض وصف الواقعة فتارة يعتبر الحكم الطاعن شريكا دون ذكر مواد الاشتراك وتارة أخرى يعتبره فاعلاً أصلياً وهذا الغموض مع التناقض فى معاملة الطاعن وفى تحديد موقفة وأساس مسئوليته فى الحادث هو مما يعيب الحكم ويوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه اعتبر الطاعن فاعلاً أصليا فى قتل المجنى عليهما إذ أثبت عليه اتفاقه مع باقى الجناة على القتل وأنه أطلق أعيرة نارية على المجنى عليهما أصابت العمدة على وجه اليقين كما استظهر الحكم، ولم تصب المجنى عليه الثانى ولما كان إطلاق هذه الأعيرة من الطاعن على المجنى عليه الثاني يجعله فاعلاً أصليا فى حكم الفقرة الثانية من المادة 39 من قانون العقوبات - على ما جرى عليه قضاء هذه الحكمة - إذ أن ما ساهم به من أفعال يعد من الأعمال التنفيذية فى جريمة قتل هذا المجنى عليه الثانى ولو لم يصب هذا الأخير من العيار الذى أطلقه عليه الطاعن بالذات ما دام تدبيره مع رفقائه من الجناة قد أنتج النتيجة التى قصدوا إحداثها وهى الوفاة. ومن ثم فلا يكون صحيحاً كل ما رتبه الطاعن على الظن بأن المحكمة اعتبرته شريكا فى قتل المجنى عليه الثانى- ولا محل كذلك للقول بأن الوصف الذى انتهت إليه المحكمة ينطوى على غموض وتناقض - لما كان ذلك - فإن هذا الوجه من الطعن يكون أيضاً على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.