أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 6 - صـ 851

جلسة 12 من أبريل سنة 1955

برياسة السيد الأستاذ مصطفى فاضل المستشار، وبحضور السادة الأساتذة: حسن داود، ومحمود ابراهيم اسماعيل، واسحق عبد السيد، ومحمود مجاهد المستشارين.

(260)
القضية رقم 83 سنة 25 القضائية

(أ) نقض. أسباب موضوعية. تقدير صفة الاستعجال للمسائل التى تنظرها لجنة الشئون الوقتية المؤلفة طبقاً للمادة 33 من المرسوم بقانون رقم 188 سنة 1952 فى شأن استقلال القضاء. متروك للجنة المذكورة.
(ب) إجراءات. ما نصت عليه المادة 370 أ. ج من قواعد بشأن انعقاد محاكم الجنايات. هى قواعد تنظيمية. مخالفتها. لا بطلان.
(ج) دفاع. محام. حضور محام واحد مع المتهم بجناية أمام محكمة الجنايات. يكفى.
(د) دفاع. محام. تقدير استعداده. موكول إليه.
(هـ) نقض. أسباب موضوعية. اعتراف. تقدير صحته. موضوعي.
(و) إجراءات. إثبات. اعتراف. توقيع المتهم على اعترافه الثابت فى محضر التحقيق. غير لازم ما دام المحضر وقعا عليه من المحق والكاتب.
(ز) إثبات. شهادة. اعتراف. الأخذ باعتراف متهم على آخر. الأخذ ببعض الاعتراف دون البعض الآخر. جائز.
(ح) قتل عمد. فاعل. اتفاق المتهم مع آخرين على قتل المجنى عليهم وسرقة ما معهم وإصرارهم السابق على القتل وشد أزر أحدهم بوجود الباقين معه فى مكان الحادث وقت مقارفة الجرائم وإعداد الحفرة لدفن الضحايا وإهالة التراب عليهم بعد سرقة نقودهم. اعتبار المتهم فاعلاً أصلياً. صحيح.
(ط) نقض. رأفة. عقوبة مبررة. انتفاء المصلحة من الطعن. مثال فى جريمة قتل عمد يستوجب عقاب فاعله بالإعدام.
1- إن تقدير صفة الاستعجال للمسائل التى تنظرها لجنة الشئون الوقتية التى تقضى المادة 33 من المرسوم بقانون رقم 188 لسنة 1952 فى شأن استقلال القضاء بتأليفها فى كل محكمة، هو مما يدخل فى سلطة اللجنة المذكورة.
2- إن المادة 370 من قانون الإجراءات الجنائية فيما نصت عليه من تحديد تاريخ افتتاح كل دور من أدوار انعقاد محاكم الجنايات قبله بشهر بقرار من وزير العدل بناء على طلب رئيس محكمة الاستئناف، ونشر هذا القرار فى الجريدة الرسمية، لم تهدف إلا إلى وضع قواعد تنظيمية فى الأحوال العادية التى لا تطرأ فيها ضرورة توجب الاستعجال، ولا يترتب على مخالفتها لهذا السبب أي بطلان.
3- لا يلزم فى القانون أن يحضر مع المتهم بجناية أمام محكمة الجنايات أكثر من محام واحد.
4- إن استعداد المحامى موكول تقديره إليه حسبما يمليه عليه ضميره وتقاليد مهنته.
5- إن تقدير عدم صحة ما يدعيه متهم من أن اعترافه نتيجة التعذيب والإكراه مما يدخل فى سلطة محكمة الموضوع تستقل به بغير معقب عليها ما دامت تقيمه على أسباب سائغة عقلا.
6- لا يلزم أن يوقع المتهم على الاعتراف الصادر منه والمثبت بمحضر التحقيق ما دام المحضر موقعا عليه من المحقق والكاتب.
7- للمحكمة أن تأخذ باعتراف متهم على آخر وببعض اعتراه دون البعض الأخر ما دامت قد وثقت بما أخذت به واطمأنت إلى صحته من غير أن تكون ملزمة بتأييد ما اقتنعت به بأدلة أخرى.
8 - إذا كان الحكم قد بين ما ساهم به المتهم مع آخرين من اتفاقهم على قتل المجنى عليهم وسرقة ما معهم وإصرارهم السابق على القتل وشد أزر أحدهم بوجود الباقين معه فى مكان الحادث وقت مقارفة الجرائم وإعداد الحفرة لدفن الضحايا وإهالة التراب عليهم بعد سرقة النقود والمصوغات التى كانت معهم واقتسامها فيما بينهم، فإن الحكم إذ بين ذلك وأقام الدليل عليه يكون قد أصاب فى اعتبار ذلك المتهم فاعلاً أصلياً لا شريكا ولو كانت وفاة المجنى عليه لم تنشأ إلا من فعل متهم آخر.
9- لا جدوى للطاعن مما يتمسك به من اعتبار ما وقع منه اشتراكا ما دامت العقوبة المقضى بها عليه مبررة بحكم المادة 235 من قانون العقوبات لمن يشارك فى جريمة القتل المستوجب عقاب فاعله بالإعدام، ولا عبرة بكون المحكمة قد نصت فى حكمها على تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات ما دام تقدير العقوبة يكون بالنسبة إلى ذات الواقعة الجنائية وما دام الحكم قد أثبت أن الطاعن فاعل أصلى لا شريك.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم بناحية قسم العطارين محافظة الاسكندرية قتلوا إحسان أحمد نوفل وعبد المسيح معوض الجوهرى وسعيد محمد شلبى ومجهولة عمدا مع سبق الإصرار بأن بيتوا النية على قتلهم وأعدوا لذلك آلات حادة وراضة قاتلة وأنهالوا ضرباً على كل منهم قاصدين من ذلك القتل فأحدثوا بهم الاصابات المبينة بالتقارير الطبية الشرعية و التى أودت بحياتهم وكان القصد من ذلك سرقة ما معهم من أموال الأمر المنطبق على نص المادة 317/ 5 عقوبات. وطلبت إلى غرفة الاتهام إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم بالمواد 230 و231 و232/ 3 عقوبات. فقررت بذلك. ومحكمة جنايات الاسكندرية قضت حضورياً عملاً بالمواد 13 و230 و231 و 234/ 1 - 3 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهمين الأول والثانى وبالمواد 230 و231 و234/ 1 - 3 و17 من نفس القانون بالنسبة إلى المتهمين الثالث والرابع. أولاً - بمعاقبة كل من محمد عبد العزيز محمد وأحمد على حسن بالاعدام شنقا. وثانياً - بمعاقبة كل من: أحمد مصطفى عباده وعبد السلام ابراهيم المرشدى بالأشغال الشاقة بالمؤبدة. فطعن الطاعنون فى هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... من حيث إن الطاعن الثالث وإن قرر بالطعن فى الميعاد إلا أنه لم يقدم لطعنه أسبابا فطعنه يكون غير مقبول شكلاً.
وحيث إن الطعون المقدمة من باقى الطاعنين قد استوفت الشكل المقرر بالقانون.
وحيث إن الوجه الأول من طعن الطاعن الأول محمد عبد العزيز محمد ويشترك معه فيه الطاعن الثانى أحمد على حسن يتحصل فى أن إجراءات تشكيل محكمة الجنايات التى أصدرت الحكم المطعون فيه وإجراءات تحديد دور انعقادها قد وقعت باطلة مما يجعل المحكمة لا ولاية لها فى إصدار الحكم ذلك بأن المحكمة شكلت بقرار من رئيس محكمة الاستئناف ولجنة الشئون الوقتية بها لنظر هذه الدعوى فى شهر أغسطس أي فى العطلة القضائية على غير ما قررته الجمعية العمومية وخلافا لأحكام المادتين 366 و367 من قانون الإجراءات والمادتين 32 و33 من قانون استقلال القضاء والمواد من 42 إلى 47 من قانون نظام القضاء وفى حين أن لجنة الشئون الوقتية غير مختصة بتشكيل محكمة الجنايات، هذا إلى أن قرار وزير العدل بتحديد دون انعقاد محكمة الجنايات ابتداء من 21 من أغسطس سنة 1954 لم يصدر إلا في 7 من أغسطس سنة 1954 بينما تقضي المادة 370 من قانون الإجراءات أن يحدد الدور قبل افتتاحه بشهر وأن ينشر عنه في الجريدة الرسمية إلا أن النشر لم يحصل إلا في 23 من أغسطس سنة 1954 أما قرار وزير العدل الصادر فى 25 من مايو سنة 1954 بتخويل لجنة الشئون الوقتية حق تعيين القضايا المستعجلة التى يصح نظرها فى العطلة الصيفية فمخالف للقانون إذ ليس له أن يفوض غيره فى تعيين القضايا التى تنظر فى زمن العطلة.
وحيث إنه لما كانت محكمة الجنايات التى أصدرت الحكم المطعون فيه مشكلة من وكيل محكمة استئناف الاسكندرية وأثنين من مستشاريها طبقاً للمادة الرابعة من قانون نظام القضاء رقم 147 لسنة 1949 والمادة 366 من قانون الاجراءات وكانت المادة 42 من قانون نظام القضاء تخول الجمعية العمومية لمحكمة الاستئناف ندب مستشارى المحكمة للعمل بمحاكم الجنايات وكانت المادة 33 من المرسوم بقانون رقم 188 لسنة 1952 فى شأن استقلال القضاء تقضى بتأليف لجنة فى كل محكمة تسمى "لجنة الشئون الوقتية" من رئيس المحكمة رئيسا ووكيلها أو من يقوم مقامه وأقدم قاضيين فيها وتقوم بمباشرة سلطة الجمعية العمومية عند تعذر دعوتها أثناء العطلة القضائية فى المسائل المستعجلة وكان تقدير صفة الاستعجال للمسائل التى تنظرها اللجنة هو مما يدخل فى سلطتها فضلا عن أن نظر قضايا المحبوسين ينطوى بطبيعته على هذه الصفة وكان الأصل طبقا للمادة 369 من قانون الإجراءات أن تنعقد محاكم الجنايات كل شهر ما لم يصدر قرار من وزير العدل يخالف ذلك، لما كان ذلك فان تشكيل محكمة الجنايات التى نظرت دعوى الطاعنين بقرار من لجنة الشئون الوقتية أثناء العطلة القضائية وبموافقة وزير العدل لا يكون مخالفا للقانون. ولما كانت المادة 370 من قانون الاجراءات فيما نصت عليه من تحديد تاريخ افتتاح كل دور من أدوار انعقاد محاكم الجنايات قبله بشهر بقرار من وزير العدل بناء على طلب رئيس محكمة الاستئناف وينشر هذا القرار فى الجريدة الرسمية، لم تهدف إلى وضع قواعد تنظيمية فى الأحوال العادية التى لا تطرأ فيها ضرورة توجب الاستعجال ولا يترتب على مخالفتها لهذا السبب أي بطلان. لما كان ذلك، فإن كل ما يثيره الطاعنان الأول والثانى فى هذا الوجه يكون غير سديد.
وحيث إن مبنى الوجه الثانى من طعن الطاعن الأول هو أن المحكمة أخلت بدفاعه حين أبت إجابة محاميه الأستاذ حسين كامل إلى ما طلبه من تأجيل القضية ليستعد فيها وتركته ينسحب من مهمة الدفاع عنه اكتفاء بوجود محام آخر أظهر استعداده للمرافعة وهو الأستاذ وليم اسكاروس رغما عن أنه كان يعتبرهما وحدة لا يصح تجزئتها فى المدافعة عنه وبذلك فوتت عليه حقه فى إبداء دفاعه متماسكا بواسطة محامية. ومبنى الوجه الثالث هو بطلان المحاكمة لحصولها فى ظل حملة ظالمة قام بها الرأى العام ممثلاً فى الصحافة والإذاعة ضد الطاعن وكان من شأنها التأثير فى المحكمة وفى الشهود.
وحيث إنه يبين من محضر الجلسة أن الأستاذين حسين كامل ووليم اسكاروس حضرا موكلين عن الطاعن الأول وقال الأستاذ حسين كامل إنه يلتمس التأجيل شهر أو شهرين لاستكمال الاستعداد وقال الأستاذ وليم اسكاروس إنه مستعد وسألت المحكمة المتهم (الطاعن الأول) عن المحامى الذى يريده منهما فقال "أنا ما أعرفش وده شغلهم" وكرر الأستاذ وليم قوله بأنه مستعد وانسحب الأستاذ حسين كامل على أثر ذلك وأثبتت المحكمة أن المتهم (الطاعن) لم يعارض وبعد تحقيق الدعوى ترافع الأستاذ وليم اسكاروس مرافعة مستفيضة فى يومين.
وحيث إنه لما كان غير لازم فى القانون أن يحضر مع المتهم بجناية أمام محكمة الجنايات أكثر من محام واحد، وكان الأستاذ وليم اسكاروس الذى استمر فى موقف الدفاع قد أبدى استعداده للمرافعة وترافع فعلاً، ولما كان استعداد المحامى موكولا تقديره إليه حسبما يمليه عليه ضميره وتقاليد مهنته وكان الطاعن لم يتمسك بمحاميه الآخر الأستاذ حسين كامل ولم يصر على إجابته إلى ما طلبه من التأجيل ولم يعترض على انسحابه، فان المحكمة لا تكون قد أخلت بدفاعه فى شئ. ولما كان ما يسوقه الطاعن الأول فى الوجه الثالث هو من قبيل الكلام المرسل الذى لا يشتمل على أمور معينة، وكان الحكم وإجراءات المحاكمة خالية مما يدل على تأثر المحكمة أو الشهود بذلك الذى يقوله الطاعن عما ذكرته الصحافة والإذاعة عن الجرائم المسندة إليه، فإن ما يثيره فى هذا الوجه يكون أيضاً على غير أساس.
وحيث إن مبنى الوجه الرابع من طعن هذا الطاعن هو أن الحكم قد أخذه بالاعتراف المنسوب إليه فى حين أنه اعترف مشوب ذلك بأنه لم يوقع على الاعتراف الذى أثبته المحقق فى ملحوظة مستقلة ولما نوقش فيه اضطرب فى تفصيلاته وكان الأولى بالمحكمة أن تعتبر تخبطه دليلاً على براءته وأن تطرح هذا الاعتراف كما اطرحته النيابة بصدد ما قاله فيه عن اسناد واقعة قتل سعيد شلبى الحلاق إلى أحمد المرشدى هذا إلى أن الاعتراف المذكور كان وليد التعذيب الذى أوقعه به رجال البوليس والذى أخبر به المحقق ودلل عليه بوجود آثار دماء فى جلبابه إلا أن المحكمة لم تعن بتحقيق ذلك وجاء الحكم قاصراً فى الرد على ما تمسك به من حصول الاعتراف نتيجة التعذيب حين قال بأنه أدلى باعترافه أمام النيابة بعد انقطاع صلته بالبوليس بينما أن أثر الرهبة فى نفسه ظل مستمراً وكان رجال البوليس يروحون ويغدون أمامه فى غرفة تحقيق النيابة لملاحقته بالارهاب حتى يدلى بما لقنوه من أقوال خارج الغرفة. ومبنى الوجه الخامس هو أن الحكم حين أخذ الطاعن باعتراف متهم آخر وببعض اعترافه هو دون البعض الآخر قد جاء قاصراً عن بيان الأدلة التى استند إليها فى تكوين اقتناعه للتحقق من أن لها أصلا فى الأوراق وأنها منسجمة مع باقى الأدلة الأخرى - ومؤدى الوجه السادس هو أن الحكم أخطأ فى القانون إذ دان الطاعن بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار فى حين أن من أركان هذه الجريمة إزهاق روح إنسان حتى ولم يثبت أن العظام الآدمية التى عثر عليها فى المشتل هى لأشخاص ماتوا متأثرين بكسور الرأس التى شوهدت بجماجم ثلاثة منهم لاحتمال أن تكون الوفاة قد حصلت قبل حدوث إصابات الرأس أو أن تكون الكسور نتيجة فعل المتوفى نفسه فيما لو كان قد تعاطى مخدراً قويا سبب له نوبة عصبية دفعته إلى تحطيم رأسه ثم مات نتيجة المخدر وقد جاء تقرير الطبيب الشرعى غير قاطع فى معرفة سبب الوفاة ولم يكن فى وسع علم الطبيب الكشف عن السبب الحقيقى بعد أن بلى الجسم ولم تبق منه سوى العظام.
وحيث إنه لما كان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية لجرائم القتل العمد مع سبق الإصرار التى دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها فى حقه أدلة من شأنها أن تؤدى إلى النتيجة التى انتهى إليها وتعرض لاعتراف الطاعن الأول فبسطه تفصيلا ودلل على أنه لم يكن وليد أى تعذيب أو إكراه وفند ما ادعاه الطاعن من ذلك بأدلة سائغة إذ قال: "إنه بالرجوع إلى محضر التحقيق تبين أن المتهم الثانى استجوب استجوابا مطولا دون فى صفحات عديدة وأدلى فيه بأقوال مؤداها أن المتهم الأول (الطاعن الأول) هو مرتكب أفعال القتل فى الجرائم جميعاً ولما أن أنتهى استجوابه وووجه بالمتهم الأول الذى اعترف فى المواجهة بارتكاب جميع الجرائم بالاشتراك مع بقية المتهمين وآخر هو أحمد المرشدى فبدأ وكيل النيابة المحقق فى استجوابه على الأثر وأن وجود المتهم الأول أمام النيابة طيلة الوقت الذى استجوب فيه المتهم الثانى يجعله بمنأى من التأثير الخارجى أيا كان نوعه ويجعل الاعتداء المدعى به إن صح وقوعه غير متصل بما أدلى به من اعتراف وأقوال وبذا تنعدم رابطة السببية بين الاعتداء المزعوم وبين الاعتراف والأقوال المسندة إلى ذلك المتهم ... وأن المحكمة فضلاً عما تقدم فإنه لا يفوتها أن تناقش أقوال المتهم الأول فى شأن التعذيب المدعى به كواقعة مادية مستقلة عن الأقوال التى أدلى بها فى التحقيقات".
وبعد أن بين الحكم ما أثبته التقرير الطبى الشرعى بالطاعن من الإصابات وما ذكره الطاعن عنها قال: "إنه بمقارنة ما ثبت من التقرير الطبى الشرعى بأقوال المتهم يبين أن المواضع التى أشار إليها هذا الأخير وهى البطين والأضلاع لا أثر بها على الاطلاق يؤيد مدعاه كما أن المتهم لم يدع بأنه ضرب فى ساقه بحذاء. وحيث إن المتهم فى أقواله بشأن التعذيب أشهد الأستاذ أحمد عياد المحامى الحاضر مع المتهم الثالث ولكن هذا لم يؤيده فى روايته ومن هذا يبين بوضوح وجلاء أن ادعاء المتهم الأول بالتعذيب لا أساس له على الاطلاق.." ثم تعرضت المحكمة للادعاء بالاعتداء على زوجة الطاعن الأول فبينت أنها لم تدل بشكواها إلا بعد أسبوع من استجوابها وبعد أن تقدمت شكوى المحامى عن زوجها وقارنت بين ادعائها وبين ما وجد بها من أثر وانتهت إلى استخلاص سائغ "بأن الإصابة الثابتة بالتقرير الطبى لا تتفق ووصف الاعتداء الذى قالت به الزوجة ومن ثم فإن المحكمة تطرح هذا الادعاء ولا تأخذ به". ولما كان ما قطع به الحكم من عدم صحة ما ادعاه الطاعن من أن الاعتراف نتيجة التعذيب والاكراه داخلا فى سلطة محكمة الموضوع تستقل به بغير معقب عليها ما دامت قد أقامته على أسباب سائغة عقلا وكان غير لازم أن يوقع الطاعن على الاعتراف الصار منه فى مواجهته مع المتهم الثانى والذى أثبت فى ملحوظة بمحضر التحقيق عن هذه المواجهة ما دام المحضر موقعا عليه من المحقق والكاتب ولما كان للمحكمة أن تعول فى إدانة الطاعن الأول وغيره من المتهمين على ما اطمأنت إليه من اعترافاته واعترافات الطاعن الثانى فى التحقيق وعلى باقى الأدلة السائغة التى أوردتها بغير رقابة عليها من محكمة النقض ما دام لذلك أصله الثابت بالأوراق وكان للمحكمة أن تأخذ باعتراف متهم على آخر وببعض اعترافه دون البعض الآخر ما دامت قد وثقت بما أخذت به واطمأنت إلى صحته من غير أن تكون ملزمة بتأييد ما أقتنعت به بأدلة أخرى. لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد أقامت الحجة علي ارتكاب الطاعن الأول لجرائم القتل المستندة إليه بما ساقته من أدله مستساغة عقلا ومنها اعترافه واعتراف الطاعن الثاني بضرب الضحايا علي الرأس ببلطة ثم مواراتهم التراب في أرض المشتل الذى يشتغل به مع باقي الطاعنين حيث وجدت هياكله العظمية فإن اسناد الحكم إلي تقرير الطبيب الشرعي من أن العظام التي عثر عليها هي لآدمين ومن ترجيح حصول وفاتهم نتيجة كسور الرأس التي شوهدت بالجماجم التي وجدت به, لا يكون فيه أى قصور أو فساد في الاستدلال فضلا عن أن ما أخذ به الحكم من ذلك هو مما يتعلق بالموضوع ولا تصح مناقشته أما محكمة النقض. لما كان ذلك، فإن كل ما يثيره في الأوجه المذكورة يكون غير سديد.
وحيث إن باقي الأوجه التي يرتكن إليها الطاعن الأول ويشاركه فيها الطاعن الثاني تتحصل في أن الحكم المطعون فيه مشوب بالقصور والتناقض وفساد الاستدلال من غير بيان لهذه المآخذ اعتمادا علي أنه ستقدم مذكرة شارحه لها دون أن تقدم هذه المذكرة وأن تحقيق النيابة قد شابه البطلان لا شتراكها في الاكراه علي الاعتراف وأن الحكم قد أخطأ في استنتاج أن أعمال القتل والسرقة والحفر، تتطلب مجهود أربعة أشخاص على الأقل وأخطأ فيما استند إليه من اشتغال الطاعنين بالمشتل للتدليل على أنهما من ضمن القتلة رغم أنصرافهما عنه فى بعض الأيام فى جهات أخرى كالقبارى ورصيف المحطة ورغم عدم تحديد تاريخ كل حادث على وجه القطع واليقين وعدم التدليل على وجود جميع المتهمين بالمشتل وقت ارتكاب الحوادث كلها واشتراكهم فيها.
وحيث إنه لما كانت المآخذ التى رمى بها الحكم بالقصور والتناقض وفساد الاستدلال هى من قبيل الكلام المرسل وكان يقتضى للرد عليها أن تكون مبنية على وجه التحديد فإنه يتعين عدم قبولها. ولما كان النعى على تحقيق النيابة بالبطلان لاشتراكها فى الاكراه متصلا بالوجه الرابع فهو جدير بالرفض لما سلف بيانه عند الرد على هذا الوجه. ولما كانت باقى المآخذ لا تعدو أن تكون جدلاً واقعياً فيما استخلصته المحكمة بأسباب سائغة فى العقل والمنطق مما تستقبل به ولا تقبل مناقشته أمام محكمة النقض، فان هذه الأوجه جميعاً تكون على غير أسا وواجبة الرفض.
وحيث إن طعن الطاعن الثانى - فيما عدا الأسباب المشتركة بينه وبين الطاعن الأول والتى سبق الرد عليها - يتحصل فى أن الحكم المطعون فيه إذ دانه بالجرائم المسندة إليه قد شابه فساد فى الاستدلال ذلك بأنه استند إلى اعتراف الطاعن الأول فى حين قد ثبت كذب هذا الاعتراف بالنسبة لمتهم آخر أسمه أحمد المرشدى استبعدته النيابة من الاتهام كما استند إلى وجود جثث القتلى فى أرض المشتل حيث يعمل الطاعن مع باقى المتهمين وإلى حصول القتل فى زمن كانوا جميعاً يعملون فيه بالمشتل فى حين أن ذلك لا يؤدى حتما إلى مقارفته هذه الجرائم، هذا إلى أن الحكم ارتكن إلى قيام اتفاق جنائى بين الطاعن وباقى المتهمين دون أن يدلل على هذا الاتفاق أو يبين توافر أركانه القانونية.
وحيث إنه لما كان من حق محكمة الموضوع تجزئة الاعتراف والأخذ بما تطمئن إليه منه كما سبق القول، فإنه لا يعيب الحكم أن تكون المحكمة قد اطرحت جانبا من اعتراف الطاعن الأول تبين لها كذبة وأخذت بجانب آخر من اعترافه وثقت بصحته وارتاح ضميرها إليه. ولما كان ما ارتكن إليه الحكم من وجود جثث المجنى عليهم مدفونة فى المشتل حيث يعمل الطاعنون ومن ثبوت حدوث القتل فى زمن كانوا فيه يشتغلون جميعاً فى هذا المشتل وما استنتجه من ذلك من مقارفتهم لجرائم القتل - فضلاً عن أنه فى الظروف والملابسات التى بينها الحكم - استنتاج سائغ فى العقل فإنه لم يكن الدليل الوحيد الذى استند إليه بل كان من ضمن الأدلة العديدة السائغة التى أوردها الحكم ومن بينها اعترافات هذا الطاعن والطاعن الأول. ولما كان غير صحيح ما يقوله الطاعن من أن الحكم استند إلى قيام اتفاق جنائي بينه وبين باقى الطاعنين مما نصت عليه المادة 48 من قانون العقوبات حتى يطالب بالتدليل عليه واستظهار أركانه بل إن الواضح من مطالعة الحكم أنه حين تحدث عن اتفاق الطاعنين على قتل المجنى عليهم وسرقة ما يحملون من نقود ومصوغات كان يدلل على مساهمتهم فى ارتكاب كل من هذه الجرائم وبيان دور كل منهم فيما قارفه من الأعمال التنفيذية التى تتكون منها باعتبارهم جميعاً فاعلين أصليين لها طبقاً للمادة 39 من قانون العقوبات كما كان يدلل على توافر سبق الإصرار لديهم جميعاً. لما كان ذلك فإن كل هذه الأوجه تكون على غير أساس.
وحيث إن مبنى الوجه الأول من طعن الطاعن الرابع هو أن الحكم أخطأ فى تطبيق القانون إذ اعتبره فاعلاً أصلياً بمقولة إن هناك اتفاقاً بينه وبين باقى الطاعنين على ارتكاب جرائم القتل والسرقة فى حين أن الاتفاق هو من طرق الاشتراك فى الجريمة ولو اعتبر شريكا لنزلت العقوبة إلى الأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن تطبيقاً للمادة 17 من قانون العقوبات التى تقيدت بها المحكمة.
وحيث إنه كان الحكم المطعون فيه قد بين ما ساهم به هذا الطاعن مع باقي الطاعنين من اتفاقهم علي قتل المجني عليهم وسرقة ما معهم وإصرارهم السابق على القتل وشد أزر الطاعن الأول بوجود الباقيين معه فى المشتل وقت مقارفة الجرائم وإعداد الحفرة لدفن الضحايا وإهالة التراب عليهم بعد سرقتهم النقود والمصوغات التى كانت معهم واقتسامها فيما بينهم، فإن الحكم إذ بين ذلك وأقام الدليل عليه يكون قد أصاب فى اعتبار الطاعن فاعلاً أصلياً لا شريكا ولو كانت وفاة المجنى عليهم لم تنشأ إلا من فعل الطاعن الأول وحده. لما كان ذلك، وكان لا جدوى للطاعن مما يتمسك به من اعتبار ما وقع منه اشتراكاً ما دامت العقوبة المقضى بها عليه مبررة بحكم المادة 235 من قانون العقوبات لمن يشارك فى جريمة القتل المستوجب عقاب فاعله بالإعدام ولا عبرة بكون المحكمة قد نصت فى حكمها على تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات ما دام تقدير العقوبة يكون بالنسبة إلى ذات الواقعة الجنائية وقد أثبت الحكم على ما سبق بيانه أن الطاعن فاعل أصلى لا شريك. لما كان ذلك، فإن النعى بهذا الوجه يكون غير سديد.
وحيث إن حاصل الوجهين الثانى والثالث من هذا الطعن هو أن الحكم أخطأ فى القانون حين دان الطاعن باعتباره فاعلاً أصلياً للجرائم المسندة إليه من غير أن يبين الأفعال المادية التى قارفها والتى يمكن اعتبارها بدءا فى التنفيذ، هذا إلى أن ما نسبه إليه من أعمال الحفر ودفن المجنى عليهم هى أعمال لاحقة للقتل وتعتبر جريمة قائمة بذاتها ولا تعتبر من الأعمال المكونة لجريمة القتل.
وحيث إن هذين الوجهين مردود أن بما سبق بيانه فى الرد على الوجه الأول مما أثبته الحكم من اتفاق الطاعنين جميعاً على قتل المجنى عليهم بقصد السرقة وإصرارهم السابق على القتل ووجودهم فى مكان الحادث مع الطاعن الأول الذى باشر فعل القتل بنفسه ثم سرقتهم جميعاً ما كان يحمله المجنى عليهم من نقود وأشياء ثمينة واقتسامها فيما بينهم أما ما ذكره الحكم عن اشتراك الطاعن الرابع مع الباقين فى أعمال الحفر والدفن فكان بسبيل بيان ما قام به من الأعمال تنفيذاً للجرائم المسندة إليهم ولم يكن الحفر والدفن وحدهما هما اللذان نسبهما الحكم إلى الطاعن الرابع بل ذكرهما بالإضافة إلى باقى الأعمال ومن ثم يكون هذان الوجهان أيضاً على غير أساس.
وحيث إن مؤدى الوجهين الرابع والسادس من هذا الطعن هو أن الحكم شابه قصور فى التدليل على اشتراك الطاعن الرابع مع باقى المتهمين فى الجرائم المسندة إليهم وأن الحكم كان فاسد الاستدلال ومخطئاً فى القانون حين اتخذ من رؤية الطاعن للواقعة وعدم التبليغ عنها طريقاً من طرق الاشتراك ودليلاً عليه.
وحيث إنه لما كان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتحقق به مساهمة الطاعن الرابع فى الجرائم المسندة إليه التى دانه بها وتتوافر به العناصر القانونية لهذه الجرائم ولاعتباره فاعلاً لا شريكا وأورد على ثبوتها فى حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها وكان غير صحيح ما ذكره الطاعن من أن الحكم استدل عليه بمجرد الرؤية وعدم التبليغ. لما كان ذلك فإن النعى بهذين الوجهين يكون غير سديد.
وحيث إن مبنى الوجه الخامس من هذا الطعن هو أن الحكم المطعون فيه أخذه بما نسبه إليه الطاعن الأول فى اعترافه فى حين أن هذا الاعتراف كان وليد الاكراه.
وحيث إن هذا الوجه مردود بما سلف بيانه فى الرد على الوجه الرابع من طعن الطاعن الأول مما يبين منه أن المحكمة اطرحت ما ادعاه ذلك الطاعن من اكراهه على الاعتراف بأسباب سائغة وأنها كانت فى حدود سلطتها التقديرية حين عولت على ما أخذت به من هذا الاعتراف بالنسبة لذلك الطاعن وغيره من الطاعنين ومنهم الطاعن الرابع ومن ثم يكون هذا الوجه أيضاً واجب الرفض.
وحيث إن المحكمة لا تلتفت لباقى الأسباب المقدمة من الطاعن الرابع نظراً لتقديمها بعد الميعاد.
وحيث إنه لكل ما تقدم تكون الطعون المقدمة من الطاعنين الأول والثانى والرابع على غير أساس ومتعينة الرفض موضوعاً.