أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
السنة الأولى - من 27 أكتوبر سنة 1949 لغاية يونيه سنة 1950 - صـ 189

جلسة 19 من يناير سنة 1950

برياسة حضرة صاحب العزة أحمد حلمي بك وحضور حضرات أصحاب العزة: عبد العزيز محمد بك وعبد المعطي خيال بك وعبد الحميد وشاحي بك ومحمد نجيب أحمد بك المستشارين.

( 54 )
القضية رقم 39 سنة 18 القضائية

ا - وقف. حارس. له على المال الموقوف من السلطة ما للناظر. الترخيص بغير إذن من القاضي في إحداث بناء بأرض الوقف لمصلحة الوقف. إلزام الوقف بمصاريف البناء. في محله.
ب - حكم.تسبيبه. قصور. مثال.
جـ - إثبات. إقامة الحكم على عدم جدوى الإثبات بالبينة. لا مخالفة فيه لقواعد الإثبات. هذا أمر متعلق بتقدير الدليل.
د - عقد. عقد اتفاق بين الحارس على الوقف وبين المستأجر منه على أن مصاريف الإنشاء والتجديد تكون بحسب تقديرها وقت إجرائها. يجب إعمال هذا العقد دون نظر إلى ما زاد على قيمة الأرض ولا إلى ارتفاع أسعار المهمات.
هـ - بناء. بحسن نية في أرض الغير. حق الاختيار المنصوص عليه في المادة 65 مدني قديم. مخول لصاحب الأرض لا للباني.
1 - للحارس على مال موقوف من السلطة ما للناظر عليه، فهو يملك التحدث عن شؤون الوقف إلا أن يحد الحكم الذي أقامه من مهمته. فإذا كان الحكم الذي أقام الحارس لم يقيده في الإدارة فإنه يكون له - كناظر الوقف - سلطة الترخيص بغير إذن من القاضي في إحداث بناء في الوقف ليكون لجهة الوقف متى كان في ذلك مصلحة تعود على الوقف أو على المستحقين، وللمأذون في إحداث عمارة بوقف متهدم أن يرجع في غلة الوقف بما أنفق، ولا يعتبر ذلك من قبيل الاستدانة على الوقف فمتى كان الحكم قد استند إلى أسباب مسوغة في تقريره أن ترخيص الحارس في البناء كان لمصلحة الوقف والمستحقين وبناء على ذلك ألزم الوقف بمصاريف البناء الذي أحدث في الوقف لمحدثه فإنه لا يكون قد أخطأ.
2 - إذا ندبت المحكمة خبيراً لبيان حصة كل من الوقفين محل الدعوى في العين المؤجرة لتحديد نصيب كل منهما في تكاليف البناء الذي أحدث، فلم يبين الخبير ذلك، ومع هذا أخذت المحكمة بهذا التقرير دون أن تبين سبب عدولها عن إيجاب تنفيذ الحكم التمهيدي ولا علة قضائها بإلزام الوقفين معاً بمصاريف البناء مما مفاده أنها ألزمتهما بها مناصفة، فإن حكمها يكون قاصر البيان في هذا الخصوص قصوراً يستوجب نقضه.
3 - إذا كان هذا الحكم لم يحفظ لنظار هذين الوقفين حقهم في الرجوع بقيمة الأنقاض والمخلفات التي كانت بعين الوقف وقت التأجير على أساس أنه كان من اللازم إثبات حالتها وقتئذ حتى يمكن الرجوع بها، فإنه لا يكون قد خالف قواعد الإثبات إذ هو لم يقم قضاءه على أساس أنه لا يجوز الإثبات في هذه الحالة إلا بدليل معين بل أقامه على عدم جدوى الإثبات بالبينة، وهذا أمر يتعلق بتقدير الدليل في الدعوى مما يستقل به قاضي الموضوع.
4 - إذا كان عقد الاتفاق المبرم بين الحارس على الوقف وبين المستأجر صريحاً في أن الحراسة ملزمة بدفع جميع المصاريف التي صرفت في الإنشاء والتجديد بالوقف حسب تقديرها بواسطة خبير في وقت إنشائها، فإنه يكون من المتعين على المحكمة أن تأخذ بأحكام هذا العقد دون نظر إلى ما زاد في قيمة الأرض ولا إلى ارتفاع أسعار المهمات والأدوات وقت رفع الدعوى إذ العقد قانون المتعاقدين.
5 - إن ما نص عليه في المادة 65 من القانون المدني القديم في صدد البناء بحسن نية في أرض الغير من حق الاختيار بين دفع قيمة البناء مستحق الهدم وبين دفع مبلغ مساو لما زاد في قيمة الأرض بسبب ما حدث بها إنما هو مخول لصاحب الأرض لا للباني.


الوقائع

في يوم 6 من مارس سنة 1948 طعن بطريق النقض في حكم محكمة استئناف القاهرة الصادر يوم 23 من فبراير سنة 1947 في الاستئناف رقم 851 س ق 61 وذلك بتقرير طلب فيه الطاعنان قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع نقض الحكم المطعون فيه والحكم في موضوع الاستئناف برفض دعوى المطعون عليها، واحتياطياً إحالة الدعوى على محكمة استئناف القاهرة وإلزام المطعون عليها في الحالتين بالمصروفات وأتعاب المحاماة. وفي 8 من مارس سنة 1948 أعلنت المطعون عليها بتقرير الطعن - وفي 25 منه أودع الطاعنان أصل ورقة إعلان المطعون عليها بالطعن - وصورتين مطابقتين للأصل من الحكم المطعون فيه ومذكرة بشرح أسباب الطعن وحافظتين بمستنداتهما - وفي 5 من أبريل سنة 1948 أودعت المطعون عليها مذكرة بدفاعها طلبت فيها رفض الطعن وإلزام الطاعنين بالمصروفات وأتعاب المحاماة - وفي 21 من أبريل سنة 1948 أودع الطاعنان مذكرة بالرد مشفوعة بمستنداتهما.
وفي 22 من نوفمبر سنة 1949 وضعت النيابة العامة مذكرتها وقالت فيها بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة الدعوى على محكمة استئناف القاهرة وإلزام المطعون عليها بالمصروفات الخ الخ.


المحكمة

ومن حيث إن واقعة الدعوى تتحصل - على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه - في أن الشركة المطعون عليها استأجرت من الخواجة ميشيل مقصود بوصفه حارساً قضائياً على وقفي الركبدار والشبراوية بمقتضى عقدين مؤرخين في 18 من ديسمبر سنة 1932 و31 من مايو سنة 1935 خربتين متلاصقتين بإيجار شهري قدره 250 قرشاً عن الأولى و50 قرشاً عن الثانية وذلك لمدة ثلاث سنوات عن الأولى نهايتها ديسمبر سنة 1935 ولمدة سنة عن الثانية نهايتها في مايو سنة 1936 قابلة للتجديد الضمني وقد نص في العقدين على أن الغرض من الإيجار إقامة مصنع ميكانيكي وأن من حق المستأجر أن يشيد المباني اللازمة لذلك ويوصلها للمجاري ويقيم الأسقف اللازمة بعد رفع الأتربة التي كانت مكدسة بجميع الأعيان المؤجرة كما نص على أنه في حالة طلب الإخلاء في نهاية أي مدة تتجدد لها الإجارة يكون المؤجر ملزماً بجميع المصروفات التي صرفت في الإنشاء والتجديد حسب تقريرها بواسطة خبير في وقت إنشائها. وقد أقامت المطعون عليها ورشة كلفتها مبالغ طائلة من مبان وأسقف وما إليها إلا أن الوقف عندما تسلم أعيانه من الحارس أعلن المطعون عليها بالإخلاء في نهاية المدة الأولى واستصدر حكماً بذلك. فرفعت المطعون عليها دعوى أمام المحكمة المختلطة بطلب تعيين خبير لتقدير قيمة الأعمال التي قامت بها فقدرها الخبير بمبلغ 946 جنيهاً و190 مليماً وقدرت المحكمة له مبلغ 99 جنيهاً و850 مليماً أتعاباً فيكون المجموع 1045 جنيهاً و256 مليماً ثم رفعت المطعون عليها الدعوى الحالية أمام محكمة مصر الابتدائية بطلب مبلغ 1045 جنيهاً و256 مليماً مع الفوائد ثم عدلت الطلبات إلى مبلغ 1171 جنيهاً و275 مليماً وقضت المحكمة بتاريخ 30 من يناير سنة 1944 بإلزام ناظري الوقف - الطاعنين - بأن يدفعا إلى المطعون عليها مبلغ 141 جنيهاً و908 مليمات وفوائده بواقع 5% حتى تمام الوفاء فاستأنفاه طالبين إلغاء الحكم المستأنف والحكم أولاً بعدم قبول الدعوى الابتدائية قبل وقف الشبراوية واحتياطياً رفضها وبالنسبة إلى وقف الركبدار رفض الدعوى - فقضت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف. فطعن فيه ناظر الوقف بطريق النقض.
ومن حيث إن الطعن بني على سببين - حاصل الأول منهما أن الحكم المطعون فيه أخطأ في القانون من تسعة وجوه: (الأول) في تقريره أنه يدخل في سلطة الحارس على أعيان الوقف الترخيص للمستأجر في المطالبة بما أنفقه في إقامة المنشآت على أرض الوقف عند الإخلاء مع أن مثل هذا الترخيص لا يملكه ناظر الوقف ولا الحارس عليه إلا بإذن من القاضي الشرعي. (والثاني) في قوله " بأن أعيان الوقف قبل إيجارها لم تكن تدر ريعاً إطلاقاً، وإنه من حسن إدارة الحارس تعمير هذه الأعيان الخربة حتى يمكن الحصول على ريع منها ". ذلك لأنه فضلاً عن أن ما أجراه المستأجر لم يكن تعميراً بل تغييراً لمعالم الوقف مما لا يجوز القيام به إلا بإذن القاضي الشرعي، فهو لا يعتبر من أعمال الإدارة التي يملكها الحارس. (والثالث) في تقريره " بأن إنشاء هذه المباني قد تم تحت أعين أصحاب الشأن فيه ولم يعترضوا عليه في حينه مما يعتبر رضاءً به " - مع أن التحدث على شئون الوقف لا يملكه أحد من نظاره أو المستحقين فيه بل هو من سلطة القضاء الشرعي. هذا فضلاً عن أن بعض المستحقين قدموا وقت هدم المباني وقبل إقامة المنشآت إلى البوليس شكوى وما كانوا يستطيعون الاعتراض بأكثر من ذلك. (والرابع والخامس) في أن محكمة الاستئناف بناءً على تحديهما بأن وقف الشبراوية لا شأن له في النزاع - قضت تمهيدياً في 9 من ديسمبر سنة 1945 بتعيين خبير لتطبيق حجج الوقفين على العين موضوع عقد الإيجار لمعرفة ما إذا كانت تابعة للوقفين معاً أو لأحدهما، وإن كان الأول فما حصة كل وقف فيها وما يخصه. وأن الخبير باشر المأمورية وعلى الرغم مما أثبته في تقريره من أن جميع ما جاء بحجتي وقف الشبراوية لا ينطبق على العين موضوع عقد الإيجار فإن الحكم قد اعتمد هذا التقرير مع قصوره عن بيان حصة كل وقف في العين المؤجرة كما قضى بإلزام الوقفين معاً - دون أن يبين الأساس الذي بني عليه هذا الإلزام. (والسادس) في إهدار الحكم حق الطاعنين في الرجوع بقيمة الأنقاض والمخلفات التي كانت بعين الوقف وقت التأجير. بحجة عدم إثبات حالتها في سنة 1932 - وإن حصر الحكم لوجه الإثبات على هذا النحو مخالف للقانون ذلك أن وجود هذه الأنقاض ليس إلا حالة مادية يجوز إثباتها بأي طريق من طرق الإثبات. (والسابع) في أن الحكم إذ قضى بصحة عقد الإيجار الذي أبرمه الحارس - مع أنه مشوب بالغبن الفاحش - خالف أحكام الشريعة الإسلامية. (والثامن) في أن الحكم - بفرض صحة عقد الإيجار - أخطأ في القانون من ناحيتين: الأولى - في عدم تطبيقه أحكام العقد المبرم بين الحارس والمطعون عليها وهي صريحة في أن المؤجر لا يلتزم إلا بقيمة المنشآت وقت تشييدها وقد قدرها خبير دعوى إثبات الحالة بمبلغ 946 جنيهاً و190 مليماً كما قدرها الخبير الذي عينته محكمة أول درجة بمبلغ 979 جنيهاً و217 مليماً. والثانية - في تقريره - على غير ما تقضي به المادة 65 من القانون المدني القديم - الخيار بين دفع قيمة المهمات والأدوات وأجرة العملة وبين دفع ما زاد في قيمة الأرض بسبب ما حدث بها للباني لا لمالك الأرض. (والتاسع) في أن الحكم إذ استند في قضائه إلى قواعد العدل ولإنصاف طبق هذه القواعد في غير ما وضعت له. وكان من الواجب عليه الحكم بمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية.
ومن حيث إنه عن الوجهين الأول والثاني فإن الحكم قال " تبين من الاطلاع على حكم الحراسة أن للحراسة إدارة أعيان الوقف وقبض الريع والإيجار وإيداعه خزانة الحكومة - وإنه من المقرر أن الحارس القضائي على أعيان الوقف له حق إيجار الوقف بنفس السلطة التي يملكها ناظر الوقف - وإن الحارس في القضية الحالية قد أجر أعيان الوقف للشركة المستأنف عليها (المطعون عليها) في حدود سلطته المنوه عنها سابقاً إذا لم يقم دليل من جانب المستأنفين (الطاعنين) على أن الإيجار وقت التعاقد كان ينطوي على غبن فاحش وإن ما يثيره المستأنفان بشأن تصريح الحارس للمستأجرة بإقامة مبان على أعيان الوقف وترخيصه لها بالاستيلاء على جميع المصاريف التي صرفت في الإنشاء والتجديد وقد تبين من الاطلاع على تقرير الخبير المعين أمام الدرجة الأولى أن أعيان الوقف قبل إيجارها لم تكن تدر ريعاً إطلاقاً ولا شك أن من حسن الإدارة تعمير هذه الأعيان الخربة حتى يمكن الحصول على ريعها لما في ذلك من مصلحة للمستحقين ومن ثم يكون الحارس قد عمل على مصلحة الوقف بحسن إرادته وليس في تصريحه للمستأجرة بالاستيلاء على المصاريف التي صرفت في الإنشاء والتجديد طبقاً لنصوص عقد الإيجار ما يخالف القانون أو يخرج عن حدود سلطته ". وهذا الذي قاله الحكم لا خطأ فيه إذ للحارس على مال موقوف من السلطة ما لناظره فهو يملك التحدث على شئون الوقف إلا أن يحد الحكم الذي أقامه مهمته - والحكم الذي أقيم الحارس بموجبه لم يقيده في الإدارة. ولازم ذلك أن يكون له كناظر الوقف سلطة التصريح بغير أمر من القاضي بإحداث بناء في الوقف ليكون لجهة الوقف كلما كان في البناء مصلحة تعود على الوقف أو على المستحقين. وللمأذون بإحداث العمارة في وقف متهدم أن يرجع في غلة الوقف بما أنفق ولا يعتبر ذلك من قبيل الاستدانة على الوقف. ولما كان الحكم المطعون فيه قد استند إلى أسباب سائغة في تقريره أن تصريح الحارس بالبناء كان لمصلحة الوقف والمستحقين يكون الطعن عليه من هذه الناحية غير سديد. أما ما يتحدى به الطاعنان من أن ما أجرته المطعون عليها يعتبر تغييراً لمعالم الوقف فهو غير مقبول منهما إذ لم يقدما ما يثبت أنهما تمسكا بهذا الوجه لدى محكمة الموضوع.
ومن حيث إن الوجه الثالث مردود بأن ما أورده الحكم في هذا الخصوص ليس إلا تزيداً.
ومن حيث إنه عن الوجهين الرابع والخامس فإن الحكم قال " إن المستأنفين ادعيا أمام هذه المحكمة بأن أعيان الوقف المؤجرة غير تابعة لوقف الشبراوية فقضت بتاريخ 9/ 12/ 1945 و23/ 12/ 1945 بندب خبير لتطبيق حجج الوقفين على العين موضوع عقد الإيجار لمعرفة ما إذا كانت تابعة للوقفين معاً أو لأحدهما وإن كان الأول فما حصة كل وقف فيه ". ثم قال " إنه تبين من الاطلاع على تقرير الخبير أن العين موضوع النزاع لا تتبع الركبدار بل تتبع الوقفين معاً وترى المحكمة الأخذ بهذا التقرير للأسباب المبينة به ".
ومن حيث إنه يبين من تقرير الخبير المقدمة صورته الرسمية لهذه المحكمة أنه لم يبين حصة كل من الوقفين في العين المؤجرة مع أن الحكم الذي نقضه أوجب بيانها ليحدد نصيب كل منهما في تكاليف البناء. ولما كان الحكم المطعون فيه قد انساق وراء تقرير الخبير دون أن يبين سند عدوله عن إيجاب تنفيذ الحكم التمهيدي، ولا علة قضائه بإلزام الوقفين معاً، مما يستفاد منه أنه ألزمهما مناصفة بما قضى به مع خلو تقرير الخبير من هذا التحديد - لما كان ذلك فإن الحكم يكون قاصر البيان في هذا الخصوص قصوراً يستوجب نقضه.
ومن حيث إنه عن الوجه السادس، فإن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه في هذا الخصوص قال " أما القول بوجود أنقاض ومخلفات كانت لجهة الوقف وقت بدأ التأجير فكان من اللازم إثبات حالتها سنة 1933 حتى يمكن الرجوع بها على المدعي وذلك أمر لم يثبت ولم يقم به من يمثل الوقف مما لا يجدي الآن بحثه ".
وهذا الذي قرره الحكم لا خطأ فيه. إذ أنه لم يقم قضاءه على أساس أنه لا يجوز الإثبات في هذه الحالة إلا بدليل معين بل أقامه على عدم جدوى الإثبات بالبينة وهذا مما يتعلق بتقدير الدليل في الدعوى وهو مما يستقل به قاضي الموضوع ويتعين رفض هذا الوجه.
ومن حيث إن الوجه السابع مردود بما قرره الحكم من انتفاء الغبن لأسباب سائغة.
ومن حيث إنه عن الوجه الثامن فإن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه أقام قضاءه بإلزام الطاعنين بما قضى به، تأسيساً على أن المطعون عليها كانت حسنة النية وقت البناء على أرض الوقف، وأن لها الحق في اقتضاء قيمة المنشآت التي زادت في قيمة الاستغلال - طبقاً لتقدير الخبير لها - مستحقة النزع، معتبراً في التقدير أن هذه الخامات والمهمات منزوعة من أماكنها ومعروضة للبيع وتخضع لأسعار الوقت الحاضر " يناير سنة 1944 " التي ارتفعت وزادت في قيمة الأرض نفسها، كما قرر أن للباني حسن النية أن يطالب بقيمة المنشآت إذا كان معتقداً أنه المالك وإذا كان مستأجراً أو حائزاً أو محتكراً فليس يسوغ للمالك أن يطلب إزالة شيء مما ذكر بل يكون مخيراً بين دفع قيمة المهمات والأدوات وأجرة العملة (مستحقة البقاء) وبين دفع ما زاد في قيمة الأرض بسبب ما حدث بها. فإذا زادت قيمة الأرض بزيادة قيمة المنشآت وقت الرغبة في نزع ما أنشئ وجب على المالك أن يعوض المستأجر حسن النية قيمة تلك المنشآت التي زادت قيمتها وارتفعت أسعارها وقت رفع الدعوى. ولم يأخذ الحكم بتقدير الخبير لقيمة المنشآت مستحقة البقاء وهو التقدير المرتبط بزمان الإنشاء في تاريخه الذي يبتدئ من سنة 1933 إلى نحو سنة 1936 وتخضع أسعاره لأسعار ذلك الوقت.
ومن حيث إنه لما كان عقد الاتفاق المبرم بين الحارس والمطعون عليها والمثبتة نصوصه في الحكم، صريحاً في أن الحراسة " ملزمة بدفع جميع المصاريف التي صرفت في الإنشاء والتجديد حسب تقديرها بواسطة خبير في وقت إنشائها " كان من المتعين على محكمة الموضوع أن تأخذ بأحكامه إذ هو قانون المتعاقدين دون نظر إلى ما زاد في قيمة الأرض ولا إلى ارتفاع أسعار المهمات والأدوات وقت رفع الدعوى. وفضلاً عن مخالفة الحكم في هذا الخصوص لأحكام العقد فإنه - وقد استند إلى المادة 65 من القانون المدني (القديم) - أخطأ في تطبيقها بجعله حق الاختيار للباني لا لمالك الأرض ويتعين لذلك قبول هذا الوجه ونقض الحكم في خصوصه.
ومن حيث إن الوجه التاسع مردود بأن إشارة الحكم إلى قواعد العدل والإنصاف إنما جاء تزيداً لم يترتب الحكم عليه أثراً.
ومن حيث إن مما ينعاه الطاعنان على الحكم في السبب الثاني قصوره في التسبيب. ذلك أن الطاعنين دفعا أمام محكمة الاستئناف ببطلان عمل الخبير المعين في الدعوى، لتعمده إجراء المعاينة في غيبتهما وأن الحكم مع كونه أخذ برأي الخبير أغفل الرد على هذا الدفع.
ومن حيث إن الطاعنين دفعا أمام محكمة الاستئناف في مذكرتهما المقدمة لجلسة 7 من يناير سنة 1947 ببطلان عمل الخبير امام شعبان بك لمباشرته المأمورية وإجرائه المعاينة في غيبتهما. ولم يرد بالحكم إشارة لهذا الدفع. ولما كان ثبوته مما يتغير له وجه الحكم في الدعوى، كان إغفاله قصوراً يوجب نقض الحكم.
ومن حيث إن بقية الأوجه التي اشتمل عليها السبب الثاني ليست إلا ترديداً لما جاء في السبب الأول مما سبق الرد عليه ومن حيث إنه لما سبق بيانه يتعين نقض الحكم في خصوص الوجهين الرابع والخامس من السبب الأول والوجه الأول من السبب الثاني ورفض ما عدا ذلك.