أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
السنة الأولى - من 27 أكتوبر سنة 1949 لغاية يونيه سنة 1950 - صـ 220

جلسة 2 من فبراير سنة 1950

برياسة حضرة صاحب العزة أحمد حلمي بك وحضور حضرات أصحاب العزة: محمد علي رشدي بك وعبد المعطي خيال بك وعبد الحميد وشاحي بك وسليمان ثابت بك المستشارين.

( 61 )
القضية رقم 77 سنة 18 القضائية

ا - دعوى غير مباشرة. احتفاظ المدين بحرية التصرف في الحق المطالب به فيها. نفاذ تصرفه في حق الدائن وحق مدين المدين في التمسك به في مواجهته. شرطه: عدم قيام الغش. والتواطؤ بين المدين ومدينه للأضرار بحق الدائن. قيام الغش. للدائن أن يطعن في تصرف المدين بالدعوى البوليسية.
ب - دعوى غير مباشرة. دعوى بوليسية. لا يجوز الجمع بينهما. يجوز للدائن استعمالها متعاقبتين. يجوز رفع الدعوى البوليسية كدعوى عارضة أثناء قيام الدعوى المباشرة.
1 - إنه وإن كان المدين الذي يرفع دائنه باسمه الدعوى غير المباشرة يبقى محتفظاً بحرية التصرف في الحق المطالب به فيها، ومن ثم يكون هذا التصرف نافذاً في حق الدائن - شأنه فيه شأن المدين الذي صدر منه - ويكون للخصم المرفوعة عليه الدعوى (مدين المدين) حق التمسك به في مواجهة الدائن، إلا أن ذلك مقيد بشرط عدم قيام الغش والتواطؤ بين الخصم والمدين للأضرار بحقوق الدائن، ففي هذه الحالة يحق للدائن أن يطعن في تصرف المدين بالدعوى البوليسية.
2 - إنه وإن كانت الدعوى غير المباشرة والدعوى البوليسية تختلفان كل منهما عن الأخرى في أساسها وشروطها وآثارها، ومن ثم لا يجوز الجمع بينهما في آن، إلا أنه يجوز للدائن أن يستعملهما متعاقبتين إحداهما بعد الأخرى، وليس من الضروري أن ترفع الدعوى البوليسية استقلالاً بل يصح رفعها كدعوى عارضة أو إثارتها كمسألة أولية ولو أثناء قيام الدعوى غير المباشرة متى كانت ظروف دفاع الدائن تستلزم ذلك. فإذا كان الدائن عند ما ووجه في دعواه المباشرة من ناظر الوقف بمصادقة مدينه على حساب الوقف قد دفع بأن هذه المصادقة باطلة لصدورها غشاً وتدليساً وبالتواطؤ بين المدين وبين ناظر الوقف، فإنه لا يكون قد جمع بين الدعوى غير المباشرة وبين الدعوى البوليسية في آن، وإنما هو أثار الدعوى البوليسية كمسألة أولية فهو بهذا قد استعمل الدعويين على التعاقب، ويكون من المتعين الفصل في الدعوى البوليسية. وإذا كانت المحكمة قد قصرت بحثها على الدعوى غير المباشرة واعتبرت مصادقة المدين نافذة في حقه بمقولة إنه لم يرفع الدعوى البوليسية فإنها تكون قد أغفلت الفصل في دفاعه ويكون حكمها قد أخطأ في تكييف هذا الدفاع وتعين نقضه.


الوقائع

في يوم 27 من أبريل سنة 1948 طعن بطريق النقض في حكم محكمة استئناف القاهرة الصادر يوم 25 من يناير سنة 1948 في الاستئناف رقم 199 س ق 64 وذلك بتقرير طلب فيه الطاعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة الدعوى على محكمة استئناف القاهرة وإلزام المطعون عليهم بالمصروفات وأتعاب المحاماة عن درجات التقاضي الثلاث الخ الخ.


المحكمة

ومن حيث إنه بني على سببين - حاصل أولهما أن المحكمة أخطأت في التكييف القانوني لدفاع الطاعن في شأن مصادقة مدينة على حساب الوقف، ذلك أنها كيفت هذا الدفاع بأنه مجرد تمسك من الطاعن بأن توقيعه الحجز التنفيذي تحت يد المطعون عليه الأول على ما في ذمته لمدين الطاعن (مورث المطعون عليهما الأخيرين) في تاريخ سابق على مصادقته على الحساب من شأنه أن يجعل هذه المصادقة لا تسري في حقه، وهذا ما ساقها إلى أن تخطئ محكمة الدرجة الأولى بقولها إن الحجز ليس من شأنه أن يزيد في حقوق الطاعن بوصفه دائناً أو أن يرتب له مركزاً ممتازاً عن مدينه في مواجهته بتصرفات هذا الأخير، مع أن واقع الأمر أن التكييف السليم لدفاع الطاعن، كما يستخلص من ظروف الدعوى وأوراقها وعلى الخصوص صحيفة افتتاحها ومذكراته فيها، هو أن هذا الدفاع إنما انصب على أن مصادقة مدين الطاعن على الحساب كانت مصادقة زائفة تنطوي على الغش والتدليس إضراراً بحقوقه، ولذلك كان اتجاه الطاعن دائماً في ظل الدعوى البوليسية مظهراً توافر شروطها ومطالباً بعدم التعويل على مصادقة المدين على الحساب، ولم يتمسك في دفاعه بأي حق يقرره له الحجز زيادة على ماله أو أية ميزة يستمدها منه على باقي الدائنين مما نعاه عليه الحكم. وحاصل السبب الآخر أن المحكمة أخطأت في تطبيق القانون، ذلك أنها حصرت دعوى الطاعن في نطاق الدعوى غير المباشرة، فاعتبرت مصادقة المدين على الحساب نافذة في حقه، وبذلك أبت أن تنزل على وقائع الدعوى حكم الدعوى البوليسية، بمقولة إنه لم يرفع هذه الدعوى، مع أن القانون لا يتطلب أن يكون رفعها على استقلال أو بشكل معين، كما أنه ليس هناك ما يمنع من إثارتها في صورة دفع أو دفاع أثناء نظر الدعوى غير المباشرة، وأنه في دفاعه إنما قصد مباشرة الدعوى البوليسية، ولا أدل على ذلك من طعنه صراحة على مصادقة مدينه على الحساب بصدورها غشاً وتدليساً وبالتواطؤ بينه وبين المطعون عليه الأول للأضرار بحقوقه كما جاء في السبب الأول.
ومن حيث إنه وإن كان المدين يرفع دائنه باسمه الدعوى غير المباشرة يبقى محتفظاً بحرية التصرف في الحق المطالب به فيها، ومن ثم يكون هذا التصرف نافذاً في حق الدائن، شأنه فيها شأن المدين الذي صدر منه، وللخصم المرفوعة عليه الدعوى (مدين المدين) حق التمسك به في مواجهة الدائن، إلا أن ذلك مقيد بشرط عدم قيام الغش والتواطؤ بين الخصم والمدين للأضرار بحقوق الدائن، وفي هذه الحالة يحق للدائن أن يطعن في تصرف المدين بالدعوى البوليسية.
ومن حيث إنه وإن كان كل من الدعوى غير المباشرة والدعوى البوليسية تختلف عن الأخرى في أساسها وشروطها وآثارها ومن ثم لا يجوز الجمع بينهما في آن واحد، إلا أنه يجوز للدائن أن يستعملهما متعاقبتين كل منهما بعد الأخرى، وليس من الضروري أن ترفع الدعوى البوليسية استقلالاً بل يصح رفعها كدعوى عارضة أو إثارتها لمسألة أولية ولو أثناء قيام الدعوى غير المباشرة، متى كانت ظروف دفاع الدائن تستلزم ذلك.
ومن حيث إنه يبين من المستندات المودعة في الطعن أن دفاع الطاعن في شأن مصادقة مدينه (مورث المطعون عليهما الأخيرين) على حساب الوقف عن المدة من 6 من مارس سنة 1937 لغاية آخر يناير سنة 1938، وعن المدة من أول فبراير سنة 1938 لغاية آخر يونيه سنة 1939 ومصادقة المطعون عليهما الأخيرين على حساب المدة من أول يوليو سنة 1939 لغاية وفاة مورثهما في 8 من سبتمبر سنة 1940، إنما بني على أن هذه المصادقات باطلة لصدورها غشاً وتدليساً وبالتواطؤ بين المدين وورثته من بعده وبين المطعون عليه الأول للأضرار بحقوقه، وهو دفاع يفيد أن الطاعن عندما ووجه في دعواه غير المباشرة من المطعون عليه الأول بهذه المصادقات طعن عليها بالدعوى البوليسية، وبذلك أثار هذه الدعوى كمسألة أولية فأصبح الفصل فيها لازماً وعليه يتوقف الحكم في الدعوى الأصلية، ذلك أنه إن نجح في الدعوى البوليسية صارت المصادقات غير نافذة في حقه وتعين السير في الدعوى غير المباشرة، وهو في هذا الدفاع لم يجمع بين الدعويين في آن واحد وإنما استعملهما على التعاقب.
ومن حيث إنه لما كانت المحكمة قد اعتمدت في قضائها على أن الطاعن لم يرفع الدعوى البوليسية، وبذلك حصرت بحثها في الدعوى، في نطاق الدعوى غير المباشرة وحكمت فيها على هذا الأساس وحده مغفلة الفصل في دفاع الطاعن المشار إليه - لما كان ذلك كذلك يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تكييف دفاع الطاعن مما يتعين معه نقضه.