أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 6 - صـ 891

جلسة 26 من إبريل سنة 1955

برياسة السيد الأستاذ مصطفى فاضل المستشار، وبحضور السادة الأساتذة: حسن داود، ومحمود ابراهيم اسماعيل، واسحق عبد السيد، ومحمود عبد الرحمن يوسف المستشارين.

(266)
القضية رقم 28 سنة 25 القضائية

(أ) إثبات. اعتراف. تقديره. موضوعى.
(ب) حكم بالبراءة. يكفى لسلامته أن يتضمن ما يدل على عدم اقتناع المحكمة بالإدانة وارتيابها فى أقوال الشهود.
1- لمحكمة الموضوع مطلق الحرية فى تقدير الاعتراف وكونه صحيحاً أو غير صحيح، شأنه فى ذلك شأن سائر أدلة الدعوى.
2- يكفى لسلامة الحكم بالبراءة أن يتضمن ما يدل على عدم اقتناع المحكمة بالإدانة وارتيابها فى أقوال الشهود وهى ليست مكلفة بعد ذلك بأن تفصل هذه الأقوال التى لم تأخذ بها ولم تر فيها ما يصح التعويل عليه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضدهم: بأنهم الأول والثانى - سرقا النقود والأوراق المبينة بالمحضر والمملوكة لمحمود محمد بيه بطريق الإكراه بأن أوثقاه وخنقاه باليد فشلا بذلك مقاومته وتمكنا من إتمام السرقة - والثالث - اشترك مع المتهمين السابقين بطريق الاتفاق والمساعدة فى ارتكاب الجريمة سالفة الذكر بأن اتفق معهما على ارتكابها وساعدهما فى تنفيذها بأن أستدرج المجنى عليه إلى المكان الذى وقعت به السرقة وأوقفه به وتخلى هو عن مقاومته مما يسهل للمتهمين الأولين ارتكاب الجريمة فوقعت بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة وطلبت من قاضى الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم بالمواد 315/ 2 و40/ 2 - 3 و41 من قانون العقوبات. فقرر بذلك وادعى محمود محمد بيه بحق مدنى قدره قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت قبل المتهمين بالتضامن. ومحكمة جنايات المنصورة قضت حضورياً عملاً بالمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات والمادتين 356 و357 من قانون المرافعات ببراءة المتهمين مما أسند إليهم وبرفض الدعوى المدنية وإلزام رافعها بمصاريفها وثلثمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة عنها. فطعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن مبنى الطعن أن الحكم فيه أخطأ فى الاسناد وشابه القصور إذ استند فى قضائه ببراءة المطعون عليهم إلى أن الطاعن تردد فى بيان أسم من كان مع المطعون عليه الثانى فقال أول الأمر إنه المطعون عليه الثالث ثم اتهم فى البلاغ الذى قدمه بتاريخ 24 من مارس سنة 1949 المطعون عليهما الأول والثالث مع أن هذا البلاغ لا شأن له بالسرقة وإنما هو شكوى من تهريب المواشى المشتركة بين الطاعن وبين المشكوين وأنه لم يأخذ باعتراف المطعون عليه الثالث بمقولة إنه كان نتيجة الاعتداء عليه من البوليس وأن الكشف الطبى أثبت وجود إصابات به مع أنه يبين من ذلك الكشف أنه لا توجد أية إصابات به، إذا أسند إلى المرسى المتولى أنه شهد بما يكذب رواية المدعى فى حين أن أقوال الشاهد المذكور تؤيد وقوع السرقة، وإذا أفترض الحكم واقعة لا أساس لها فيما قاله من أن حافظة المجنى عليه ضاعت فادعى حصول سرقتها ليتوصل من ذلك إلى إثبات ديونه التى كانت مستنداتها بتلك الحافظة، وإذا عرضت المحكمة إلى الدليل المستخلص من أقوال مدينى الطاعن فقال إنهم اختلفوا على واقعة شراء بعض السندات المسروقة دون بيان لمواضع الخلاف فى هذه الأقوال.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على المفردات التى أمرت المحكمة بضمها أن المجنى عليه (الطاعن) اتهم فى بلاغه المؤرخ فى 24 من مارس سنة 1949 المطعون عليه الأول مع الثالث وآخر يدعى عبد الغفار جاد لم يسبق له اتهامه وأسند إلى هؤلاء الثلاثة بعبارة واضحة أنهم سرقوا أوراقه ونقوده، لما كان ذلك، وكان ما ذكره الحكم من تلون المجنى عليه فى اتهامه للمطعون عليهم متفقاً مع أقواله الثابتة فى الأوراق، وكان الحكم قد طرح الاعتراف المنسوب إلى المطعون عليه الثالث للاعتبارات السائغة التى أوردها ومنها أن المتهم المذكور عاد فأنكر اعترافه ووصف الحكم ما قاله من أن اعتداء وقع عليه من البوليس أنه مجرد زعم، وكان ما ذكره الحكم من مرور وقت على توقيع الكشف الطبى على المتهم لا يؤثر فى النتيجة التى انتهى إليها من أن هذا الاعتراف عديم القيمة على كل حال، لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع مطلق الحرية فى تقدير الاعتراف وكونه صحيحاً أو غير صحيح، شأنه فى ذلك هو شأن سائر أدلة الدعوى، وكان يبين من أقوال الشاهد المرسى المتولى فى تحقيق النيابة أن ما أسنده الحكم إليه من أقوال تشكك فى صحة الاتهام مردود لأصله الثابت فى هذا التحقيق - وكان الحكم قد تحدث عن أقوال الشهود من مدينى الطاعن فى قوله "إنه يبدو من مطالعة أوراق الدعوى أن المدعى المدنى (الطاعن) بعد إجراء التحقيق بمعرفة البوليس والنيابة وفوات أكثر من أربعة شهور على بلاغه الأول وشعوره بأن روايته التى ذكرها بها غير قابلة للتصديق أوعز إلى حسان عبد العزيز شعلان بتقديم بلاغ مؤرخ فى 2 يوليه سنة 1949 ضد محمد عبد الباقى يوسف صور فيه هذا الأخير بأنه نصاب وأنه أحضر إليه عقد شركة جاموسة بينه وبين المدعى بالحق المدنى وأوهمه أنه اتفق مع هذا الأخير على أن يحل محله فى تلك الشركة فدفع له الشاكى مبلغاً من ثمن الجاموسة وبعدئذ حضر له المدعى بالحق المدنى وأفهمه أن عقد الشركة الذى قدم له مسروق منه فحققت الشكوى وفتح باب التحقيق ثانية فى وجه المدعى بالحق المدنى وعندئذ أتى بشهود جدد هو والشاكى تناقض بعضهم فى كثير من أقواله تناقضاً بينا يحمل فى طياته الكذب وقرر البعض الآخر أنه لا يعلم شيئاً عما استشهد عليه، ولا أدل على عدم صدق تلك الرواية الجديدة عن المستندات المسروقة من أن عقداً واحداً أو سنداً واحداً مما زعم المدعى المدنى سرقته لم يظهر فى عالم الوجود بل كلما سئل أحد من هؤلاء الشهود عما تم بشأن سند أو عقد يتحدث عنه أدعى أنه مزق أو حرق مما يقطع بعدم جدية أقوالهم" وكان ما أثبته الحكم من ذلك مؤدياً إلى ما انتهى إليه من عدم الثقة بأقوال الطاعن وشهوده، وكان يكفى لسلامة الحكم بالبراءة أن يتضمن ما يدل على عدم اقتناع المحكمة بالإدانة وارتيابها فى أقوال الشهود وهى ليست مكلفة بعد ذلك بأن تفصل هذه الأقوال التى لم تأخذ بها ولم تر فيها ما يصح التعويل عليه، لما كان ذلك فإن ما يثيره الطاعن يتمخض عن جدل موضوعى حول أدلة الاتهام ومناقشة صلاحيتها لإقناع المحكمة وهو ما يختص به قاضى الموضوع بلا معقب.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.