أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
السنة الأولى - من 27 أكتوبر سنة 1949 لغاية يونيه سنة 1950 - صـ 312

جلسة 9 من مارس سنة 1950

برياسة حضرة صاحب العزة أحمد حلمي بك وكيل المحكمة وحضور حضرات أصحاب العزة: عبد العزيز محمد بك ومحمد علي رشدي بك وعبد المعطي خيال بك ومحمد نجيب أحمد بك المستشارين.

( 81 )
القضية رقم 101 سنة 17 القضائية

ا - بيع. شرط اختيار الغير. العلاقة بين المشتري الذي يحتفظ بحق اختيار الغير وبين المشتري المستتر. تكييفها بأنها وكالة. غير جار على إطلاقه. أحكام الوكالة والأحكام التي يخضع لها شرط اختيار الغير. ما بينهما من اختلاف.
ب - وكالة. مخاصمة الوكيل. لا تصح دون ذكر اسم الأصيل أو دون توجيه الإجراءات إليه بوصفه وكيلاً. إنذار بالشفعة. إعلانه إلى المشتري الذي احتفظ بحق اختيار الغير دون إشارة فيه إلى صفته وكيلاً. لا ينصرف إلا إلى شخصه.
جـ - علم الشفيع بأسماء بعض المشترين دون بعض. هو علم تام بالنسبة إلى من علم بهم. تسري من تاريخه المواعيد بالنسبة إليهم. المواعيد تسري بالنسبة إلى من لم يعلم بهم من تاريخ علمه.
د - شفعة. عقار مبيع بشرط اختيار الغير. القضاء بعدم جواز الاحتجاج على الشفيع بما ترتب على هذا الاختيار من حقوق لمن أدخلوا في الشراء بعد تسجيل إنذار الشفعة وبعدم سقوط حقه في الشفعة لإدخالهم في الدعوى بعد الميعاد المقرر في القانون. صحيح.
هـ - مسقاة. اعتبارها خصوصية بناء على أسباب مؤدية إلى ذلك. لا يعيبه كونه لم يرد على ما تمسك به القائلون بأنها عمومية من أنها ثابتة في خرط المساحة أو أن آخرين ينتفعون بالري منها أو أن وزارة الأشغال أقامت عليها كوبريا. كل ذلك لا يمنع من كونها مسقاة خصوصية محملة بحق ارتفاق للغير.
و - شفعة. المفاضلة في حق الشفعة بين المشترين الذين أدخلهم المشفوع منه بحق الاختيار بعد تسجيل إنذار الشفعة وبين الشفيع. لا تجوز.
1 - إن تكييف العلاقة القانونية بين المشتري الذي يحتفظ بحق اختيار الغير وبين المشتري المستتر بأنها وكالة تجري أحكامها على الآثار التي تترتب على هذه العلاقة بين الطرفين وبالنسبة إلى الغير غير جار على إطلاقه، فإن بين أحكام الوكالة والأحكام التي يخضع لها شرط اختيار الغير والآثار التي تترتب عليه تنافراً، فإسناد ملكية المشتري المستتر إلى عقد البيع الأول رغم عدم وجود تفويض أو توكيل منه إلى المشتري الظاهر قبل البيع، وبقاء العين في ملكية المشتري الظاهر إذا لم يعمل حقه في الاختيار أو إذا أعمله بعد الميعاد المتفق عليه، وهي أحكام مقررة في شرط اختيار الغير، كلها تخالف أحكام الوكالة تماماً. ولئن كان الفقه والقضاء في فرنسا قد ذهبا في تبرير إسناد ملكية المشتري المستتر إلى عقد البيع الأول - وهو أهم ما يقصد من شرط اختيار الغير - إلى افتراض وكالة المشتري الظاهر عن الغير إلا أن ذلك ليس إلا مجازاً مقصوراً على حالة ما إذا أعمل المشتري حقه في اختيار الغير في الميعاد المتفق عليه مع البائع، أما قبل ذلك أو إذا لم يعمل هذا الحق أو أعمله بعد الميعاد فالافتراض يزول وتزول معه كل الآثار المترتبة على الوكالة.
2 - إن مخاصمة الوكيل لا تصح دون ذكر اسم الأصيل أو على الأقل دون توجيه الإجراءات إليه بوصفه وكيلاً. فإذا كان إنذار الشفعة الذي أعلن إلى المشتري الذي احتفظ بحق اختيار الغير لم يشر إلى صفته كوكيل فإنه لا ينصرف إلا إلى شخصه.
3 - إن علم الشفيع بأسماء بعض المشترين دون بعض لا يعتبر علماً ناقصاً لمجرد ذلك بل هو علم تام فيما يتعلق بمن علم بهم وتسري من تاريخه المواعيد التي نص عليها القانون لطلب الشفعة ولرفع الدعوى بها بالنسبة إليهم، ويبقى حق الشفيع قائماً بالنسبة إلى من عداهم منوطاً بعلمه بأسمائهم، ومن تاريخ هذا العلم تسري في حقه المواعيد المذكورة أيضاً.
4 - الشفعة في العقار المبيع بشرط اختيار الغير تخضع لأحكام هذا النوع من البيوع تكملها وتحد منها أحكام الشفعة. وحاصل ما اتفق عليه الرأي في أحكام البيع على شرط اختيار الغير أن عقد البيع يظل قائماً نافذاً في حق المشتري الظاهر إلى أن يعمل حقه في اختيار الغير. وإذا كان إعمال هذا الاختيار يسند شراء من يختاره إلى عقد البيع الأول ومن تاريخ انعقاده فيرتب له قبل البائع نفس الحقوق المقررة في عقد البيع المذكور فإنه يكسبه أيضاً حقوقاً قبل المشتري الظاهر إذ يحمل محله في جميع الحقوق والالتزامات المترتبة على عقد شرائه والتي كانت تظل متعلقة به لو أنه لم يعمل حقه في الاختيار. ولما كان مقرراً بالمادة 12 من قانون الشفعة أن الشفيع لا يحاج بأي حق اكتسبه الغير ضد المشتري بعد تسجيل إنذار الشفعة، فإنه إذا كان إنذار الشفعة قد سجل قبل الإنذار المعلن للشفيع الذي ثبت به تاريخ الاتفاق الذي عقد بين المشتري الأول وبين من أدخلهم معه في الشراء والذي قال فيه هذا المشتري إنه تنازل لهم عن بعض العقار المبيع له وهو ما يعتبرونه إعمالاً لحق اختيار الغير، كان الحكم الذي يقضي بعدم جواز الاحتجاج على الشفيع بما ترتب على هذا الاختيار من حقوق لمن أدخلوا في الشراء وبالتالي عدم سقوط حقه في الشفعة لإدخالهم في الدعوى بعد الميعاد المقرر في القانون حكماً قائماً على أساس قانوني صحيح لا يؤثر في صحته ما يكون قد اعتوره من تقريرات أخرى مخالفة للقانون.
5 - إذا كان الحكم قد استند في اعتبار المسقاة محل الدعوى مسقاة خصوصية إلى أدلة مؤدية إلى ذلك فإنه لا يعيبه كونه لم يرد على ما تمسك به القائلون بأنها ترعة عمومية من أنها ثابتة في خرط المساحة، أو أنها تروي أطياناً لأشخاص آخرين ومقام عليها كوبري إذ أن مجرد إثبات المسقاة في خرط المساحة لا يصلح دليلاً على أنها مسقاة عمومية، كما أن انتفاع ملاك آخرين بها بالري منها أو إقامة وزارة الأشغال كوبريا عليها - ذلك لا يمنع كونها مسقاة خصوصية محملة بحق ارتفاق للغير أو للمصلحة العامة.
6 - المفاضلة في حق الشفعة بين المشترين الذين أدخلهم المشفوع منه بحق اختيار الغير وبين من شفع منه لا تجوز، إذ الحقوق التي آلت إليهم بإعمال المشفوع منه لحق اختيار الغير بعد تسجيل إنذار الشفعة لا تسري على الشفيع فلا يحاج الشفيع بشرائهم ولا يعتبرون بالنسبة إليه مشترين مشفوعاً منهم يحق لهم دفع دعواه بأنهم أولى منه بالشفعة استناداً إلى المادة الثامنة من قانون الشفعة.


الوقائع

في يوم 24 من مايو سنة 1947 طعن بطريق النقض في حكم محكمة استئناف القاهرة الصادر في 26 من فبراير سنة 1947 في الاستئنافين رقمي 618 و648 س ق 64 وذلك بتقرير طلب فيه الطاعنون الحكم بقبول الطعن شكلاً ونقض الحكم المطعون فيه والقضاء أصلياً برفض دعوى المطعون عليه الأول واحتياطياً برفضها بالنسبة للقطعتين 72 و73 بحوض البربرية إذ أن شفعتها للطاعنين الثالث والرابع دون سواهما من الطرفين، ومن باب الاحتياط الكلي إحالة القضية على محكمة استئناف القاهرة وفي جميع الأحوال إلزام المطعون عليه الأول بالمصروفات وأتعاب المحاماة عن جميع مراحل التقاضي.
وفي 31 من مايو سنة 1947 أعلن المطعون عليهما بتقرير الطعن. وفي 12 من يونية سنة 1947 أودع الطاعنون أصل ورقة إعلان الخصوم بالطعن وصورتين مطابقتين للأصل من الحكم المطعون فيه ومذكرة بشرح أسباب الطعن وحافظة بمستنداتهم، وفي 29 منه أودع المطعون عليه الأول مذكرة بدفاعه مشفوعة بمستنداته طلب فيها أصلياً عدم قبول الطعن لسبق قبول الحكم واحتياطياً رفض الطعن وإلزام الطاعنين بالمصروفات وأتعاب المحاماة، وفي 15 من يولية سنة 1947 أودع الطاعنون مذكرة بالرد مشفوعة بمستنداتهم، وفي 30 منه أودع المطعون عليه الأول مذكرة بملاحظاته على الرد، ولم يقدم المطعون عليه الثاني دفاعاً.
وفي 26 من مارس سنة 1949 وضعت النيابة العامة مذكرتها وقالت فيها بقبول الطعن شكلاً ونقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية على محكمة استئناف القاهرة.
وفي 28 من أبريل سنة 1949 سمعت المرافعة في الدفع بعدم قبول الطعن على ما هو مبين بمحضر الجلسة.
وفي 9 من يونية سنة 1949 قضت المحكمة برفض الدفع بعدم قبول الطعن شكلاً وبقبوله شكلاً، وبفتح باب المرافعة في الموضوع لجلسة 10 من نوفمبر سنة 1949 الخ الخ.


المحكمة

ومن حيث إنه (الطعن) بني على ثمانية أسباب حاصل أولها أن الحكم المطعون فيه إذ استنبط المعنى المقصود من البند الثامن من عقد البيع الابتدائي المؤرخ في 18 من مارس سنة 1944 ورتب عليه آثاره القانونية الصحيحة فقرر أنه يتضمن شرطاً احتفظ بمقتضاه المشتري (الطاعن الثاني) بحق إدخال الغير في الصفقة حالاً محله أو مشتركاً معه وأنه يترتب على إعمال هذا الشرط أن يسند الاتفاق مع باقي المشترين المدخلين في الصفقة إلى تاريخ العقد الأول تأسيساً على قيام وكالة فعلية أو مفترضة بين المشتري الظاهر والمشترين الخفيين ثم فرع على قيام هذه الوكالة أن المشتري الظاهر يمثل المشتريين الخفيين في كل ما يتعلق بالبيع أو يتصل به، ومن ذلك إجراءات الشفعة، بحيث يعتبر طلب الشفعة الموجه إليه منصرفاً إليهم ومنتجاً أثره بالنسبة إليهم بحجة أنه إنما بوصفه أصيلاً ووكيلاً عنهم - إذ قضى الحكم بذلك يكون قد أخطأ في تطبيق القانون. ذلك أن الوكالة المفترضة لا تختلف عن الوكالة الصريحة في طبيعتها وفي الآثار المترتبة عليها. ومن المقرر أنه لا يجوز أن توجه إلى الوكيل إجراءات ولو كانت سابقة على الدعوى بل يجب أن توجه إلى الأصيل وإذا سلم جدلاً بالعكس فلا مناص من ذكر اسم الأصيل في هذه الإجراءات أو على الأقل توجيهها إليه بوصفه وكيلاً وإلا اعتبرت موجهة إليه بصفته الشخصية دون سواها ولا تنصرف إلى أية صفة أخرى. وإنذار الشفعة المعلن إلى عبد القادر منصور محمد حسن (الطاعن الثاني) في 29 من مارس سنة 1944 لم يذكر فيه أنه موجه إليه بصفته الشخصية وبصفته وكيلاً عمن اختارهم أو يختارهم وبذلك يكون أثره مقصوراً عليه بصفته الشخصية لا يتعداه إلى باقي المشترين. وحاصل السبب الثاني أن الحكم إذ قرر أنه لا يترتب على الإنذار المعلن من الطاعن الثاني في 2 من مايو سنة 1944 للمطعون عليه الأول سقوط حق هذا الأخير في الشفعة، لأن العلم الذي حمله إليه هو الإنذار كان علماً ناقصاً لم ينقل إليه أسماء جميع المشترين بل أسماء بعضهم فقط ولم يتوافر للشفيع العلم بأسماء المشترين جميعاً إلا بالإنذار الموجه إليه منهم في 25 من مايو سنة 1944 وعلى أثره أدخلهم في الدعوى - إذ قرر الحكم ذلك يكون قد أخطأ في تطبيق القانون. ذلك أن المواعيد التي ينص عليها القانون لطلب الأخذ بالشفعة ولرفع الدعوى بها تسري في حق الشفيع من وقت علمه بكل مشتر. وثابت من الإنذار المؤرخ في 2 من مايو سنة 1944 أن الطاعن الثاني أخبر المطعون عليه الأول بأنه تنازل للطاعنين الثالث والرابع عن بعض الأطيان موضوع عقد البيع الابتدائي لأنه إنما كان يشتري لنفسه ولحسابهما ولم يدخلهما المطعون عليه الأول (الشفيع) في الدعوى إلا في 6 و8 من يونية سنة 1944 أي بعد فوات الميعاد القانوني. وحاصل السبب الثالث أن الحكم إذ قرر أن البيع المؤرخ في 18 من مارس سنة 1944 يحوي شرطاً احتفظ بمقتضاه المشتري بالحق في اختيار الغير وإن من آثار هذا الشرط أن يسند شراء من أشركهم معه في الصفقة إلى ذات تاريخ العقد وأن يتلقوا حقوقهم من البائع مباشرة بمقتضى مشارطة البيع الأصلية ذاتها ثم عاد وقرر أن الحقوق التي آلت إلى باقي المشترين لا تسري على الشفيع لأنها لا تخرج عن أنها حقوق قبلها المشتري الأول فاكتسبها الغير ضده ولم تكشف للشفيع إلا بعد تسجيل إنذار الشفعة، إذ قرر الحكم ذلك يكون قد تناقض تناقضاً يبطله.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد قرر " أن المراد من النص الوارد في البند الثامن من عقد البيع المؤرخ 18 من مارس سنة 1944 هو أن يحتفظ المشتري بشرط إدخال الغير سواء بطريق الحلول أو بطريق مشاركته. وغني عن البيان أن الاتفاق على شرط إحلال الغير لا يستلزم صيغة معينة أو نصاً بذاته فكل ما يؤدي إليه من التعبيرات مثبت له ومدلل على قيامه... " وحيث إنه مع التسليم بأن البيع بشرط اختيار الغير جائز قانوناً متى كان التصريح باسم الغير حاصلاً في الميعاد المحدد في العقد الأول وكان العقد النهائي متفقاً مع هذا العقد في نصوصه، ومع التسليم بأن إقرار هذا الشرط يترتب عليه إسناد الاتفاق مع المشتري الثاني إلى تاريخ العقد الأول، وهذا الإسناد هو المقصود من الشرط وهو الذي عناه كل من البائع والمشتري عند التعاقد، مع التسليم بذلك كله فإن المحكمة لا تقر المشترين فيما رتبوه على هذه القاعدة القانونية من نتائج تتصل بالشفيع وما يحتمه عليه القانون من إظهار رغبته فى الشفعة لجميع المشترين فى الميعاد وإلا سقط حقه فيها. وحيث إن نظرية شرط اختيار الغير كما أقرها القضاء والفقه في فرنسا لا تستقيم إلا على أساس وكالة المشتري الأول عن المشتري الثاني وكالة فعلية أو مفترضة، وفي هذه الدعوى يؤكد المشتري الأول في إنذاره المعلن للشفيع في 2 مايو سنة 1944 أنه وقتما تعاقد في 18 مارس سنة 1944 كان يعمل بحسبانه وكيلاً عن محمد محمد بنه وعوض عبد النبي فقد جاء في الإنذار ما نصه " وبتاريخ 23 مارس سنة 1944 تنازل الطالب عن 17ف 1ط 14س إلى كل من محمد بنه وعوض عبد النبي مناصفة بينهما حيث إنه متفق في الأصل على مشتري هذه الصفقة لحساب الطالبين المذكورين بواقع الربع وفوضا الطالب في المشتري ولذلك صدر عقد البيع للطالب ولمن يرغب. وحيث إنه يتفرع عن قيام الوكالة أن المشتري الأول كان يمثل المشتري الثاني تمثيلاً تستلزمه وكالته في كل ما يتعلق بالبيع أو يتصل به ولما كان حق الشفعة وإجراءاتها مترتبة على هذا البيع ومتصلة به فإن مبادرة الشفيع إلى إظهار رغبته إلى المشتري الأول تنصرف حتماً إلى من وكله إذا كانت الصفة كلها لحساب الموكل أو تنصرف إليه وإلى موكله إذا تقاسماهما ولا مفر من التسليم بهذه النتيجة لأن المشتري الأول إما أن يكون وكيلاً فحسب أو يكون وكيلاً ومشترياً وفي كلتا الحالتين تبدو صفة الوكالة مهما استترت لأن في ثنايا شرط الاختيار ما يشف عنها ويشير إليها ومتى كان المشتري الأول يجمع بين الوكالة والإصالة فإن توجيه الإنذار إليه شامل للصفتين جامع لهما والمشتري الأول حينما تلقى الإنذار فإنما تلقاه باعتباره أصيلاً ووكيلاً والقول بغير ذلك يؤدي إلى تجريد المشتري الأول من صفة الوكالة لا لشيء سوى إبطال مفعول إنذار الشفعة مع ما في هذا التجريد من تحد لإرادة المشتري الأول والمشتري الثاني وقد انعقدت الوكالة بينهما لغرض معين وهو شراء العين المشفوع فيها - على أن في إغفال وكالة المشتري الأول تجاهلاً تاماً لأحكام نظرية التحفظ باختيار الغير ومتى عمل بمقتضى هذه الأحكام فلا معدي من النتيجة المحتومة وهي اعتبار طلب المواثبة المعلن إليه صحيحاً بالنسبة للصفقة كلها محدثاً أثره بالنسبة له ولموكله. وحيث إنه إذ تقرر ذلك فلا محل للبحث في إنذار 2 مايو فيما إذا كان المشتري الأول تعاقد في 23 مارس مع محمد محمد بنه وعوض عبد النبي وهل كان للشفيع أن يتغاضى عن حصول هذا العقد وقد أشار إليه الإنذار المذكور - لا محل لما أثاره الخصوم حول هذه الأمور لأن إنذار الشفعة الحاصل في 29 مارس أعلن في الميعاد القانوني لمشتري الأطيان فوقع صحيحاً سواء باعتبار المنذر إليه أصيلاً أو وكيلاً والشفيع غير ملزم قانوناً بأن يتقدم بأي طلب آخر للمواثبة فإذا هو فعل كان ذلك تزايد منه ".
وحيث إنه وإن كان فيما قرره هذا الحكم ما يخالف القانون من الوجوه الآتية: (أولاً) إن تكييف الحكم العلاقة القانونية بين المشتري الذي يحتفظ بحق اختيار الغير وبين المشتري المستتر بأنها وكالة تجري أحكامها على الآثار التي تترتب على هذه العلاقة بين الطرفين وبالنسبة للغير، هذا التكييف غير صحيح على إطلاقه لأن بين أحكام الوكالة والأحكام التي يخضع لها شرط اختيار الغير والآثار التي تترتب عليه تنافراً. فإن إسناد ملكية المشتري المستتر إلى عقد البيع الأول رغم عدم وجود تفويض أو توكيل منه إلى المشتري الظاهر قبل البيع، وبقاء العين المبيعة في ملكية المشتري الظاهر إذا لم يعمل حقه في الاختيار أو أعمله بعد الميعاد المتفق عليه. كل هذه الأحكام المقررة في شرط اختيار الغير تخالف أحكام الوكالة تماماً - وإن كان الفقه والقضاء في فرنسا قد ذهبا في تبرير إسناد ملكية المشتري المستتر إلى عقد البيع الأول - وهو أهم ما يقصد من شرط اختيار الغير - إلى افتراض وكالة المشتري الظاهر عن الغير. إلا أن ذلك ليس إلا مجازاً مقصوراً على حالة ما إذا أعمل المشتري حقه في اختيار الغير في الميعاد المتفق عليه مع البائع. أما قبل ذلك أو إذا لم يعمل هذا الحق أو أعمله بعد الميعاد فإن الافتراض يزول وتزول معه كل الآثار المترتبة على الوكالة. (ثانياً) إن مخاصمة الوكيل لا تصح دون ذكر اسم الأصيل أو على الأقل دون توجيه الإجراءات إليه بوصفه وكيلاً وثابت أن إنذار الشفعة الذي أعلن للطاعن الثاني لم يشر إلى صفته كوكيل فلا ينصرف إلا لشخصه. (ثالثاً) إن علم الشفيع بأسماء بعض المشترين دون البعض الآخر لا يعتبر علماً ناقصاً لمجرد ذلك بل هو علم تام فيما يتعلق بمن علم بهم وتسري من تاريخه المواعيد التي نص عليها القانون لطلب الشفعة ولرفع الدعوى بها بالنسبة إليهم. ويبقى حق الشفيع قائماً بالنسبة إلى من عداهم منوطاً بعلمه بأسمائهم ومن تاريخ هذا العلم تسري في حقه المواعيد المذكورة أيضاً - إلا أن الحكم وإن كان قد خالف القانون في تقريراته السابقة فقد أقام قضاءه أيضاً على سبب مستمد من تطبيق حكم المادة 12 من قانون الشفعة إذ قال " مهما تكن الحقوق التي يقول المشتري الأول إنها آلت لباقي المستأنفين (الطاعنين) لأنه كان فد اشترى لحسابهم وفقاً للبند الثامن من عقد البيع، فيكون لشرائهم أثر رجعي - كل هذه الحقوق لا تسري على الشفيع ولا يواجه بها إذ هي لم تخرج عن حقوق قبلها المشتري الأول فاكتسبها الغير ضده، ولم تكشف للشفيع إلا بعد تسجيل إنذاره ". وهذا النظر سديد. ذلك أن الشفعة في العقار المبيع بشرط اختيار الغير تخضع لأحكام هذا النوع من البيوع تكملها وتحد منها أحكام الشفعة. وحاصل ما اتفق عليه الرأي في أحكام البيع على شرط اختيار الغير أن عقد البيع يظل قائماً نافذاً في حق المشتري الظاهر إلى أن يعمل حقه في اختيار الغير، وإذا كان إعمال هذا الاختيار يسند شراء من يختاره إلى عقد البيع الأول ومن تاريخ انعقاده فيرتب له قبل البائع نفس الحقوق المقررة في عقد البيع المذكور فإنه يكسبه أيضاً حقوقاً قبل المشتري الظاهر إذ يحله محله في جميع الحقوق والالتزامات المترتبة على عقد شرائه والتي كانت تظل متعلقة به لو أنه لم يعمل حقه في الاختيار. ولما كان مقرراً بالمادة 12 من قانون الشفعة أن الشفيع لا يحاج بأي حق اكتسبه الغير ضد المشتري بعد تسجيل إنذار الشفعة وكان إنذار الشفعة قد سجل في 6 من أبريل سنة 1944 قبل الإنذار المعلن للشفيع في 2 من مايو سنة 1944 الذي ثبت به تاريخ الاتفاق الذي عقد بين الطاعن الثاني من ناحية والطاعنين الثالث والرابع من ناحية أخرى، والذي قال فيه الطاعن الثاني إنه تنازل لهما عن بعض العقار المبيع له وهو ما يعتبره الطاعنون إعمالاً لحق اختيار الغير - لما كان ذلك كذلك يكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بعدم جواز الاحتجاج على الشفيع بما ترتب على هذا الاختيار من حقوق لباقي الطاعنين وبالتالي عدم سقوط حقه في الشفعة لإدخالهم في الدعوى بعد الميعاد المقرر في القانون - إذ قضى الحكم بذلك يكون قضاؤه قائماً على أساس قانوني صحيح لا تؤثر عليه تقريراته الأخرى المخالفة للقانون ومن ثم يتعين رفض الأسباب الثلاثة الأولى للطعن.
وحيث إن محصل السبب الرابع أن الحكم أخطأ في تطبيق القانون وعاره قصور في التسبيب إذ لم يعتبر المسقاة المعروفة بمسقاة البكري والتي تفصل بين الأرض المشفوع بها والأرض المشفوع فيها فاصلاً مانعاً من الشفعة واعتبرها مسقاة خاصة، وإذ أغفل الرد على دفاع الطاعنين في هذا الشأن ومحصله أن المسقاة المذكور كانت ملكاً خاصاً للحكومة ثم خصصتها للمنفعة العامة بدليل: (أولاً) أنها تروي أطياناً لأشخاص آخرين ومقام عليها كوبري عام وتنتهي إلى عزبة. (ثانياً) أن وزارة المالية في البيع الصادر منها إلى المطعون عليهما قد حظرت عليهما التصرف في المساقي والمصارف والطرق. (ثالثاً) أنها ثابتة على خريطة المساحة منذ سنة 1918. (رابعاً) أن عبارة عقد التمليك الصادر من وزارة المالية للمطعون عليهما لا تفيد ملكية أيهما للمسقاة، فبالنسبة للقطعة التي اختص بها المطعون عليه الثاني ورد بالعقد أن حدها القبلي " مسقتان خصوصيتان بجسريهما فاصل " وبالنسبة للقطعة التي اختص بها المطعون عليه الأول ورد فيه أن حدها البحري " مسقاتان خصوصيتان بجسريهما فاصل " وتكرار ذكر المسقاة بجسريها في تحديد الجزء الذي اختص به كل من المشترين على ما هو ثابت من أن المسقاة بجسريها يتراوح قطاعها بين 12 متراً و8.5 متراً يدل على أنها غير محتسبة على أي من الطرفين وإلا لكان التعبير الواجب استعماله هو مسقاة مناصفة لا مسقاة فاصل إذ التعبير المذكور يشعر بأن المسقاة بجسريها هي الفاصل وأنها خارجة عن العين المبيعة.
وحيث إن هذا السبب مردود بأن الطاعنين لم يتحدوا لدى محكمة الموضوع بأن عقدي البيع الصادرين من مصلحة الأملاك إلى المطعون عليهما أو أن عقد البيع الصادر منها إلى المطعون عليه الثاني في سنة 1940 لم تشمل جميعاً المسقاة بوصفها مسقاة خصوصية تدخل فيما اشتراه المطعون عليهما. إنما انصب دفاعهم على أن ملكية المسقاة أضيفت إلى المطعون عليهما لزيادة الثمن بطريق غير مباشر وأنها مخصصة للمنفعة العامة، ومن ثم لا يعاب على الحكم استناده إلى إقرار الطاعنين وإلى تقرير الخبير للقول بأن المسقاة تدخل في عقود تمليك المطعون عليهما. والحكم إذ استند بعد ذلك إلى لائحة الترع والجسور لتقرير أن المسقاة المذكورة ليست عمومية لعدم توافر الشروط لاعتبارها كذلك لم يخطئ في تطبيق القانون. كما لا يعيبه أنه لم يرد على ما قاله الطاعنون في الاستدلال على أنها مسقاة عمومية. ذلك أن مجرد إثباتها في خرط المساحة من سنة 1918 لا يصلح دليلاً على ذلك كما أن انتفاع الملاك الآخرين بالري منها أو إقامة وزارة الأشغال كوبري عليها لا يعدو أنها وهي مسقاة خصوصية محملة بحق ارتفاق للغير أو للمصلحة العامة.
وحيث إن حاصل السببين الخامس والسابع أن الحكم قد أخطأ في تطبيق القانون إذ اعتبر الطريق الواقع شرقي كل من الأرض المشفوع بها والأرض المشفوع فيها سبباً من أسباب الشفعة لوجود حق ارتفاق المرور عليه لمنفعة الأرضين أخذاً بما أثبته الخبير من أن هذا الطريق يدخل في ملكية الطرفين، وإذ رتب الحكم على ذلك اعتبار الأرض المشفوع فيها مكونة من قطعة واحدة. ذلك أن هذا الطريق يصل بين جملة عزب وكفر الشناوي فهو مستطرق للجميع ويعتبر ملكاً عاماً، ويترتب على ذلك أنه يفصل أرض المطعون عليه الأول عن القطعتين 72 و73 بحوض البربرية فلا يتوافر له حق أخذهما بالشفعة في حين أن أرض الطاعنين الثالث والرابع متصلة بهاتين القطعتين كل الاتصال فضلاً عن باقي الأرض المشفوع فيها.
وحيث إن هذين السببين مردودان بأن الحكم أقام قضاءه بالشفعة على ثبوت الجوار وتبادل الارتفاق في المسقاة المشتركة بين الأرض المشفوع بها والأرض المشفوع فيها وهذا يكفي لحمله وهو إنما تحدث عن حق المرور على الطريق الواقع شرقي الأرضين لما قد يكون لهذا البحث من صلة بالنزاع الخاص بالتزاحم في الشفعة، وقد اعتمد الحكم تقرير الخبير في هذا الخصوص ورد على دفاع الطاعنين فيه وانتهى إلى القول بأنه دفاع فاسد. أما القول بأن الأرض المشفوع فيها ليست قطعة واحدة كما قرر الحكم المطعون فيه استناداً إلى تقرير الخبير فمردود أيضاً بأن عقد الطاعنين أنفسهم الصادر إليهم من المطعون عليه الثاني قد نص فيه على أن المقادير المبيعة لهم ومساحتها 68 فداناً تكون تحديداً واحداً وبذلك لا يصح القول بتجزئتها وتوافر الشفعة في بعضها دون البعض الآخر.
وحيث إن حاصل السبب السادس أن الحكم قد مسخ الوقائع الثابتة في الدعوى وشابه قصور في التسبيب. ذلك أنه وهو في صدد المفاضلة بين الشفيع والطاعنين الثالث والرابع باعتبارهما جارين لهما حق مزاحمة المطعون عليه الأول في الشفعة قد أغفل ما لأرضهما من حق ارتفاق الري على مسقاة البكري وحق المرور على الطريق المار شرقي الأرض المشفوع فيها - شأنهما في ذلك شأن الشفيع. كذلك أغفل اعتبار الفائدة التي تعود دائماً على صاحب الملك الأصغر من ضم الأرض المشفوع فيها إلى ملكه والثابت أن الطاعنين الثالث والرابع يملكان 19 فداناً في حين أن الشفيع يملك 52 فداناً.
وحيث إن هذا السبب مردود بأن المفاضلة في حق الشفعة بين الطاعنين الثالث والرابع من ناحية والشفيع المطعون عليه الأول من ناحية أخرى غير جائزة في هذه الدعوى. ذلك أن الحقوق التي آلت إليهما بإعمال الطاعن الثاني لحق اختيار الغير لا تسري على الشفيع كما سبق بيانه في الرد على السبب الثالث للطعن. ويترتب على ذلك أن لا يحاج الشفيع بشرائهما فلا يعتبران بالنسبة إليه مشتريين مشفوعاً منهما يحق لهما دفع دعواه بأنهما أولى منه بالشفعة استناداً إلى المادة الثامنة من قانون الشفعة، ومن ثم لم يكن الحكم في حاجة إلى بحث أوجه أولوية المطعون عليه الأول عليهما في حق الشفعة ويكون ما يعيبانه على الحكم من قصور في هذا الخصوص غير منتج.
وحيث إن حاصل السبب الثامن أن مما تمسك به الطاعنون لدى محكمة الموضوع هو أن جزء الأرض المشفوع بها المجاور للطريق الذي اعتبره الحكم سبباً من أسباب الشفعة ليس مملوكاً للمطعون عليه الأول بل لأخيه ولم يتعرض الحكم لهذا الدفاع مع أنه يترتب عليه انعدام حق المرور الذي جعله الحكم سبباً من أسباب الشفعة والمفاضلة وبذلك يكون قد شابه قصور يوجب نقضه.
وحيث إن هذا السبب غير مقبول لأن الطاعنين لم يتحدوا بالدفاع المشار إليه لدى محكمة الموضوع فلا يجوز لهم إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن الطعن على غير أساس ويتعين رفضه.