أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
السنة الأولى - من 27 أكتوبر سنة 1949 لغاية 22 يونيه سنة 1950 - صـ 436

جلسة 20 من أبريل سنة 1950

برياسة حضرة صاحب العزة أحمد حلمي بك وكيل المحكمة وحضور حضرات أصحاب العزة: عبد المعطي خيال بك وسليمان ثابت بك ومحمد نجيب أحمد بك ومصطفى فاضل بك المستشارين.

(112)
القضية رقم 111 سنة 18 القضائية

ا - دعوى. إقامتها على سندين: أصلي واحتياطي. الحكم فيها على أساس السند الاحتياطي. لا تثريب في ذلك. مثال.
ب - اختصاص .قضاء استثنائي. يجب حصر اختصاصه في أضيق حدوده. دعوى ببطلان عقد صادر من مصري إلى ابنة أخيه المدعي بأنها مصرية. لا يجوز إقامة القضاء فيها على أساس وجود صالح أجنبي.
جـ - اختصاص. مدع مصري. طرحه النزاع على المحكمة المختلطة مسلماً بالجنسية الأجنبية لخصميه ومتابعة نظر الدعوى أمامها حتى فصل فيها بحكم صادر انتهائياً. لا يجوز له من بعد أن يطرح النزاع من جديد أمام المحكمة الوطنية بحجة أنه لم تثبت الجنسية الأجنبية لخصميه.
1 - القاضي غير ملزم باتباع ترتيب معين في بحث وجوه الدفاع التي يطرحها عليه خصوم الدعوى، فلا تثريب عليه إن هو سلك في البحث طريقاً دون آخر للوصول إلى النتيجة التي انتهى إليها متى كان قضاؤه مقاماً على أسباب كافية لحمله.
فإذا كان مدار النزاع في الدعوى هو ولاية المحاكم المختلطة بنظر الدعوى بسبب الجنسية الأجنبية لأحد الخصوم فأقامت المحكمة قضاءها بولايتها بنظر الدعوى على أساس السند الاحتياطي وهو وجود صالح أجنبي فيها فلا تثريب على المحكمة في ذلك.
2 - كل قضاء استثنائي يجب - بحسب القواعد العامة - حصر اختصاصه في أضيق حدوده وعدم التوسع فيه. وكل ما لا يكون اختصاصه به مقرراً بالنص الصريح الذي لا شبهة فيه يجب رده إلى القضاء الأصلي العام. وعلى هذا فالدعوى ببطلان عقد صادر من مصري إلى ابنة أخيه المدعي بأنها مصرية - وهي لا تعد من قبيل ما هو منصوص عليه بالمادة 13 من لائحة ترتيب المحاكم المختلطة - لا يجوز إقامة القضاء فيها على أساس وجود صالح أجنبي.
3 - ما دام المدعي المصري هو الذي طرح النزاع على المحكمة المختلطة مسلماً بالجنسية الأجنبية لخصميه وعلى هذا الاعتبار تابع نظرها أمامها حتى انتهت بحكم نهائي منها - فلا يقبل منه بعد ذلك أن يتنكر لهذا الحكم بعد أن حاز قوة الأمر المقضي ويطرح النزاع من جديد على المحاكم الوطنية بحجة أن خصميه لم يثبت أنهما ينتميان إلى جنسية أجنبية مستنداً في ذلك إلى شهادة من وزارة الداخلية.


الوقائع

في يوم 16 من يونية سنة 1948 طعن بطريق النقض في حكم محكمة استئناف القاهرة الصادر يوم 28 من مارس سنة 1948 في الاستئناف رقم 609 س ق 64 وذلك بتقرير طلب فيه الطاعنان الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وتأييد الحكم الابتدائي الصادر بتاريخ 22 من ديسمبر سنة 1946 واحتياطياً إعادة القضية إلى دائرة استئنافية أخرى للفصل فيها من جديد وإلزام المطعون عليهم بالمصروفات وأتعاب المحاماة.
وفي 21 منه أعلن المطعون عليهم بتقرير الطعن.
وفي 29 منه أودع الطاعنان أصل ورقة إعلان الخصوم بالطعن وصورتين مطابقتين للأصل من الحكم المطعون فيه ومذكرة بشرح أسباب الطعن وحافظة بمستنداتهم.
وفي 18 من يولية سنة 1948 أودع المطعون عليهم مذكرة بدفاعهم مشفوعة بمستنداتهم طلبوا فيها رفض الطعن وإلزام الطاعنين بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وفي أول أغسطس سنة 1948 أودع الطاعنون مذكرة بالرد.
وفي 29 من ديسمبر سنة 1949 وضعت النيابة العامة مذكرتها وقالت فيها بقبول الطعن شكلاً ورفض السبب الأول موضوعاً وبنقض الحكم المطعون فيه بالنسبة للسبب الثاني وإحالة الدعوى على محكمة استئناف القاهرة للفصل فيها مجدداً من دائرة أخرى وإلزام المطعون عليهم بالمصروفات الخ الخ.


المحكمة

ومن حيث إنه بني على سببين، حاصل أولهما أن الحكم المطعون فيه إذ قضى بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها من المحاكم المختلطة لم يقم قضاءه على أن هذه المحاكم كانت ذات ولاية بنظر الدعوى بسبب الجنسية الأجنبية لأحد أطرافها، وهو ما كان مدار النزاع المطروح على المحكمة، وإنما أقام قضاءه بذلك على وجود صالح أجنبي، وهو ما ساقه المطعون عليهم من قبيل الاحتياط، ولما كان الحكم قد عزف عن الفصل في مسألة جنسية ماري طميه، وهي المسألة التي كانت مطروحة على المحكمة بصفة أساسية، واقتصر على التحدث عن الصالح الأجنبي فإنه يكون باطلاً لقصور أسبابه.
ومن حيث إن هذا النعي مردود بأن القاضي غير ملزم باتباع ترتيب معين في بحث وجوه الدفاع التي يطرحها عليه خصوم الدعوى، وأنه متى أقام قضاءه على أسباب كافية لحمله فلا تثريب عليه إن هو سلك في البحث طريقاً دون آخر للوصول إلى النتيجة التي انتهى إليها.
ومن حيث إن حاصل السبب الثاني هو خطأ الحكم في تفسير القانون وتأويله عند بحث نظرية الصالح الأجنبي التي بنى عليها ولاية المحاكم المختلطة بنظر الدعوى، وذلك أنه حمل نص المادة 13 من لائحة ترتيب المحاكم المختلطة من المعاني فوق ما تحتمل، فقد ورد النص فيها باختصاص هذه المحاكم بدعوى صحة الرهن المقرر لمصلحة أجنبي على عقار يملكه أو يضع اليد عليه مصري، وبإجراءات التنفيذ الجبري على العقار المرهون، وتوزيع ثمنه. وهو نص استثنائي يلزم عدم التوسع في تفسيره وقصره على الأحوال المنصوص عليها فيه. وتفريعاً على ذلك تكون دعوى بطلان العقود الصادرة من المرحوم نخلة خياط إلى الست ماري طميه وهي قائمة بين مصريين من اختصاص المحاكم الوطنية دون غيرها.
ومن حيث إن هذا النعي في محله، ذلك أن المحاكم المختلطة على ما جرى به قضاء هذه المحكمة هي محاكم استثنائية مؤقتة، وكل قضاء استثنائي من الواجب بحسب القواعد العامة حصر اختصاصه في أضيق حدوده وعدم التوسع فيه. وكل أمر لا يكون اختصاصه فيه مقرراً بالنص الصريح الذي لا شبهة في معناه وجب رده إلى القضاء الأصلي العام. ولما كانت الدعوى ببطلان العقود الصادرة في سنة 1926 من المرحوم نخلة خياط إلى ابنة أخيه السيدة ماري خياط زوجة جبرائيل طميه واعتبارها وصية مستورة ليست من قبيل ما هو منصوص عليه بالمادة 13 من لائحة ترتيب المحاكم المختلطة، فإن الحكم المطعون فيه إذ أقام قضاءه بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها من محكمة الاستئناف المختلطة في 5 من مارس سنة 1935 على أساس أنها كانت ذات ولاية بنظرها بسبب وجود صالح أجنبي، يكون قد أخطأ في القانون. إلا أنه رغم هذا الخطأ فإن النتيجة التي انتهى إليها سليمة في ذاتها، ذلك أن السيدة منة عياش مورثة الطاعنين هي التي اختصمت السيدة ماري خياط وزوجها جبرائيل طميه أمام محكمة الإسكندرية المختلطة في الدعوى رقم 2521 سنة 56 ق باعتبارهما من رعايا اليونان طالبة الحكم ببطلان العقود الصادرة في سنة 1926 من المرحوم نخلة إلى ابنة أخيه السيدة ماري خياط واعتبارها وصية. وفي 21 من فبراير سنة 1933 حكم في الدعوى ابتدائياً لصالحها، فاستأنفت السيدة ماري خياط وزوجها جبرائيل طميه الحكم المذكور أمام محكمة الاستئناف المختلطة باعتبارهما من رعايا دولة اليونان كما وصفتهما مورثة الطاعنين، وقيد استئنافهما برقم 453 سنة 58 ق. واستأنفته كذلك فرعياً السيدة منة عياش، وتابعت الدعوى أمام محكمة الاستئناف المختلطة دون أن تثير أي نزاع في جنسية خصميها حتى فصل فيها نهائياً في 5 مارس سنة 1935 لصالح السيدة ماري خياط وزوجها. ولما كانت السيدة منة عياش هي التي طرحت النزاع على المحكمة المختلطة الأجنبية مسلمة بالجنسية الأجنبية لخصميها وعلى هذا الاعتبار تابعت نظرها أمامها حتى نهايتها فلا يقبل منها بعد ذلك أن تتنكر للحكم الصادر فيها وقد حاز قوة الأمر المقضي لطرح النزاع من جديد أمام المحاكم الوطنية بحجة أنه لم يثبت أن جبرائيل طميه وزوجته مارى خياط ينتميان إلى جنسية أجنبية مستندة في ذلك إلى شهادة من وزارة الداخلية صادرة في 29 من مارس سنة 1945 بعد أن سلمت هي بجنسيتهما الأجنبية وعلى أساس هذا التسليم صدر حكم نهائي في الدعوى لصالح خصميها , ومن ثم يتعين رفض الطعن.