أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
السنة الأولى - من 27 أكتوبر سنة 1949 لغاية 22 يونيه سنة 1950 - صـ 447

جلسة 20 من أبريل سنة 1950

برياسة حضرة صاحب العزة أحمد حلمي بك وكيل المحكمة وحضور حضرات أصحاب العزة: محمد علي رشدي بك وعبد المعطي خيال بك وسليمان ثابت بك ومحمد نجيب أحمد بك المستشارين.

(114)
القضية رقم 148 سنة 18 القضائية

ا - حكم. تسبيبه. أوراق مودعة مصرفاً باسم زوج. القضاء بأحقية زوجته لها باعتبارها من أموالها. إقامة ذلك على أسباب مبررة. النعي على الحكم بأن حقيقة وصف ما وقع من الزوج على فرض صحته هو تبديد لا غش. غير منتج.
ب - دين باسم زوج. القضاء به للزوجة باعتباره من مالها بناء على اعتراف المدين بأن الدين من مال الزوجة، وعلى شهادة الشهود فى التحقيق الذي أجرته المحكمة. لا مخالفة في ذلك للقانون.
جـ - شيك أصدره بائع أوراق مالية لأمر الزوج. القضاء بقيمته للزوجة بناء على ما ثبت للمحكمة من أن الأوراق المبيعة والصادر بثمنها الشيك ملك الزوجة. يصح.
1 - متى كان الحكم قد أقام بأحقية زوجة للأسهم والسندات والأموال التي كانت مودعة مصروفاً معيناً باسم زوجها، على اعتراف الزوج في تحقيقات أجرتها النيابة بأن هذه الأموال كانت مودعة مصارف أخرى باسم زوجته ثم سحبت وأودعها هذا البنك باسمه كما أودع الأموال الأخرى كالمصوغات خزانة فيه مستأجرة باسمه، وأن ادعاءه أن ذلك كان ضماناً لوفائها بمبالغ تسلمتها منه على عدة دفعات قبل زواجهما وبعده لم يقم على أي دليل، وكذلك على اعترافه في التحقيق الذي أجرته النيابة بضيق ذات يده وعجزه عن وفاء أجرة مسكنه بمنزل زوجته قبل الزواج بها مع ضآلة هذه الأجرة، وعلى وجود فواتير شراء الأوراق المالية وإيصالات إيداعها بالبنك، وكذلك مفاتيح الخزانة تحت يد الزوجة، وعلى أن صلة الزوجية والعلاقة الحسنة بينهما والثقة المتبادلة البادية في الأوراق وفي التحقيقات كانت تطوع له تسلم أموال زوجته بالغة ما بلغت لإيداعها باسمها في مصرف لتعطي ربحاً أكثر دون اقتضاء حصول الزوجة على مستند كتابي عليه بذلك، فهذه أسباب من شأنها أن تبرر النتيجة التي انتهى إليها الحكم، ويكون النعي على الحكم بمقولة إن حقيقة وصف ما وقع من الزوج إن صح هو تبديد لا غش غير منتج في الدعوى.
2 - إذ قضى الحكم لزوجة بدين اقترضه المدين من زوجها بناء على إقرار المدين بأن مديونيته هي للزوجة وعلى ما استخلصته المحكمة من ظروف الدعوى وملابساتها وأقوال الشهود الذين سمعوا أمام محكمة الدرجة الأولى من أن زوجها كان وكيلاً عنها في إدارة شئونها واستثمار أموالها وأن المال المقرض هو مالها، فهذا استخلاص سائغ ولا مخالفة فيه للقانون.
3 - إذا قضى الحكم للزوجة المذكورة بقيمة شيك أصدره بائع أوراق مالية لأمر الزوج ثمناً لهذه الأوراق بناء على ما ثبت للمحكمة من أن الأوراق المبيعة ملك الزوجة فهي صاحبة الحق في اقتضاء ثمنها وكانت الأدلة التي استند إليها تبرر النتيجة التي انتهى إليها، فلا يصح النعي عليه بالقصور في ذلك.


الوقائع

في يوم أول أغسطس سنة 1948 طعن بطريق النقض في حكم محكمة استئناف القاهرة الصادر يوم 9 من مايو سنة 1948 في الاستئنافين رقمي 347 س ق 63 و1159 س ق 64 وذلك بتقرير طلبت فيه الطاعنات الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية على محكمة الاستئناف لتفصل فيها من جديد دائرة أخرى وإلزام المطعون عليهما الأولى والثانية بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجات الثلاث..
وفي 3 و4 منه أعلن المطعون عليهم بتقرير الطعن، وفي 21 منه أودعت الطاعنات أصل ورقة إعلان الخصوم بالطعن وصورتين مطابقتين للأصل من الحكم المطعون فيه ومذكرة بشرح أسباب الطعن وحافظة بمستنداتهن، وفي 29 منه أودع المطعون عليهما الأولى والثانية مذكرة بدفاعهما مشفوعة بمستنداتهما طلبتا فيها رفض الطعن وإلزام الطاعنات بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، وفي 18 من سبتمبر سنة 1948 أودعت الطاعنات مذكرة بالرد، وفي 26 منه أودعت المطعون عليهما الأولى الثانية مذكرة بملاحظاتهما على الرد. ولم يقدم المطعون عليهم الثالث والرابع والخامس دفاعاً.
وفي 12 من فبراير سنة 1950 وضعت النيابة العامة مذكرتها وقالت فيها بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعنات بالمصروفات ومصادرة الكفالة الخ الخ.


المحكمة

ومن حيث إنه بني على سبعة أسباب يتحصل الأول منها في أن الحكم المطعون فيه إذ قضى للمطعون عليهما الأوليين بأحقيتهما للأسهم والسندات والأموال التي كانت مودعة في البنك التجاري الإيطالي باسم مورث الطاعنات جورج سرياني تأسيساً على أن المورث المذكور أوهم المطعون عليهما الأوليين بأنهما تستطيعان استغلال الأموال المودعة باسم زوجته المطعون عليها الأولى بفائدة أعلى من الفائدة التي كانت تدفعها البنوك المودعة بها تلك الأموال، وأن زوجته تحت تأثير هذا الإيهام سحبت هذه الأموال والودائع وسلمتها إليه لإيداعها البنك التجاري الإيطالي، إلا أنه بدلاً من أن يودعها باسمها أودعها باسمه - إذ قضى الحكم بذلك، كيف الفعل المنسوب إلى الورثة بأنه غش وتدليس مع أنه ـ إن صح ـ لا يعدو أن يكون تبديداً، وأنه لما كان هذا التكييف خاطئاً لاختلاف التدليس عن التبديد في أركانه وطرق إثباته يكون الحكم قد أخطأ في تطبيق القانون.
ومن حيث إن الحكم أقام قضاءه على اعتراف المورث في تحقيقات النيابة بأن الأموال المودعة المصارف كلها كانت باسم زوجته السيدة أولجا ولما سحبت أودعها البنك التجاري الإيطالي باسمه، كما أودع الأموال الأخرى كالمصوغات خزينة مستأجرة باسمه، وادعائه أن ذلك كان ضماناً لوفائها بمبلغ ستة آلاف من الجنيهات استلمته منه على عدة دفعات قبل الزواج الحاصل في 3 ديسمبر سنة 1937 بحوالي شهر ومبلغ ألفي جنيه بعد ذلك بحوالي سنة في سنة 1939 وعجزه عن إقامة أي دليل على ذلك، وعلى اعترافه في تحقيق النيابة "بضيق ذات يده وعجزه عن وفاء أجرة مسكنه بمنزل المطعون عليها الأولى قبل الزواج بها مع ضآلة الإيجار" وعلى "وجود فواتير شراء الأوراق المالية وإيصالات إيداعها بالبنك الإيطالي ووجود مفاتيح الخزانة تحت يد المطعون عليها الأولى" وعلى أن "صلة الزوجية والعلاقة الحسنة بينهما والثقة المتبادلة البادية في الأوراق وفي التحقيقات تبيح إثبات استلام سرياني أموال زوجته بالغة ما بلغا قيمتها بحجة إيداعها باسمها في مصرف ليعطي ربحاً أكثر بالبينة دون اقتضاء حصول الزوجة على مستند كتابي على زوجها بذلك" وعلى ما استخلصه من التحقيقات التي باشرتها محكمة أول درجة من أن المال مال المطعون عليهما وحدهما. ولما كانت تلك الأسباب من شأنها أن تبرر النتيجة التي انتهى إليها الحكم، وكانت الطاعنات لا يعبن على الحكم مخالفته قاعدة بذاتها من قواعد الإثبات - لما كان ذلك، كان النعي على الحكم بأن حقيقة وصف ما وقع من مورثهن، إن صح، تبديد لا غش غير منتج. ومن ثم يكون هذا السبب مرفوضاً.
ومن حيث إن مبنى السبب الثاني أن الحكم قد شابه القصور إذ لم يرد على ما استمسكت به الطاعنات من دفاع جوهري حاصله أن المطعون عليها الأولى عولت كما يستنتج من تحقيقات النيابة، على الرجوع فيما وهبته إلى زوجها من أموال استثمرها في شراء هذه الأوراق المالية بعد أن أشرف على الموت، لكي تستأثر بتركته كلها وتحرمهن من نصيبهن فيها.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بأن الطاعنات لم يقدمن صورة رسمية من تحقيقات النيابة المشار إليها في سبب الطعن. وفضلاً عن ذلك فإن المحكمة إذ قضت للمطعون عليهما بملكيتهما للمال المتنازع عليه للأسباب السائغة التي استندت إليها نفت في حدود سلطتها الموضوعية نية التبرع من جانب المطعون عليها الأولى بقولها "إنه لو كانت السيدة أولجا قد وهبت زوجها هذا المال لما لازمته كلما ذهب إلى البنك لاستلام شيء منه، ولما أبقى فواتير شراء السندات والأسهم وإيصالات إيداعها تحت يدها".
ومن حيث إن السبب الثالث يتحصل في أن الحكم إذ قضى للمطعون عليهما بأحقيتهما لكل ما تركه المورث من أموال دون أن يقضي للطاعنات بنصيبهن الشرعي فيما اشتراه مورثهن من أسهم وسندات بمبلغ البائنة (الدوطة) التي دفعتها له زوجته المطعون عليها الأولى، إذ قضى الحكم بذلك، جاءت أسبابه مشوبة بالقصور.
ومن حيث إن الحكم قال في هذا الخصوص: "بأنه طالما أنه (الزوج) كان معدماً وقت أن اتصل بالسيدة أولجا وتزوج بها لدرجة العجز عن سداد إيجار مسكنه لها وقدره 350 قرشاً شهرياً فإنه يكون من غير المفهوم أن يكون له مال خاص وقت الزواج، أما الدوطة وقدرها خمسمائة جنيه فإنه لم يثبت أنه أودع البنك هذا المبلغ بالذات مع ما أودع من أموال زوجته في تاريخ يقارب تاريخ الزواج، أما مبلغ الخمسمائة جنيه الذي اشترى به سندات دين موحد باسم سورياني في 16 فبراير سنة 1940 وأودعت البنك الإيطالي باسمه أيضاً في 19 منه فهي بعد الزواج بحوالي سنتين ونصف ولا يعقل أن يبقى الدوطة طوال هذه المدة بدون استغلال". وهذه الأسباب لا قصور فيها وهي تؤدي إلى ما انتهت إليه المحكمة في حدود تقديرها الموضوعي. ومن ثم يكون هذا السبب مرفوضاً.
ومن حيث إن السبب الرابع يتحصل في أن الحكم إذ قضى للمطعون عليهما بكامل الدين الذي اقترضه حسين لبيب من مورث الطاعنات أخذا بإقرار المدين بمديونيته للمطعون عليها الأولى لا لمورثهن، على خلاف ما يثبته سنده، قد خالف القانون.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بأن الحكم لم يبن قضاءه للمطعون عليهما بهذا الدين على إقرار المدين وحده في تحقيق النيابة بل على ما استخلصه من ظروف الدعوى وملابساتها وأقوال الشهود الذين سمعوا أمام محكمة أول درجة من أن مورث الطاعنات كان وكيلاً عن زوجته المطعون عليها في إدارة شئونها واستثمار أموالها، وأن المال المقرض هو مالها، ولما كان هذا الاستخلاص لا مخالفة فيه للقانون، كان النعي عليه بما ورد في هذا السبب لا مبرر له.
ومن حيث إن السبب الخامس يتحصل في أن الحكم قد شابه القصور إذ لم يبين علة قضائه للمطعون عليهما بقيمة الشيك الذي أصدره إميل ليفي لأمر مورثهن مع أن إصداره كان في مقابل ثمن الأوراق المالية التي باعها لحساب مورثهن.
ومن حيث إن الحكم قال في هذا الخصوص "وبما أنه ظاهر من الأوراق والتحقيقات أن سرياني عندما شعر بدنو أجله وانكشاف أعماله وبأن الأمر قد أصبح موضع تحقيق في النيابة بناء على شكوى أماليا أراد أن يتصرف سريعاً في السندات والأسهم التي كانت نتيجة اشتغاله بأموال أولجا فاستعان بالمطران كليمان نجاشي وبالسمسار إيلي كحيل وإميل ليفي على بيع هذه الأوراق المالية فبيع جزء منها بمبلغ 1090 جنيهاً لم يمهله عمره لاستلامها وسلم باقيها للمطران فأودعها خزانة خاصة ببنك الكريدي ليونيه" ثم قال "لهذا ترى المحكمة الحكم للمدعيتين أولجا وأماليا بأحقيتهما للأسهم والسندات المبينة بعريضة الدعوى وبهذا الحكم، وبالمبلغ الناتج من بيع بعضها وهو 1090 جنيهاً". ويبين من ذلك أن الحكم بني قضاءه على خلاف ما تدعيه الطاعنات على ما ثبت للمحكمة من أن الأوراق المالية التي باعها ليفي هي ملك المطعون عليهما ورتب على ذلك ثبوت حقهما في اقتضاء ثمنها. ولما كانت الأسباب التي استند إليها تبرر النتيجة التي انتهى إليها - لما كان ذلك كان لا محل للنعي عليه بالقصور.
ومن حيث إن السببين السادس والسابع يتحصلان في أن الحكم قد عاره بطلان جوهري من أربعة أوجه: (الأول) إذ استند إلى واقعة لا أساس لها في الأوراق بتقريره أن المطعون عليها الأولى تجهل القراءة والكتابة مع أنها معترفة في مذكرتها بأن حالتها حالة نقص في التعليم لا تصل إلى درجة الأمية. (الثاني) إذ أغفل دلالة القرينة المستمدة من احتراف المطعون عليها الأولى بالإقراض بالربا الأمر الذي يستبعد معه القول على خلاف ما ذهب إليه الحكم، بأن مورثهن غرر بها واستغل جهلها ولم يتكشف لها ذلك مدة أربع سنوات (الثالث) إذ أغفل دلالة الحكم السابق صدوره من المحكمة المختلطة على المطعون عليهما والدال على دأبهما على منازعة شركائهما في الميراث. (الرابع) إذ مسخ أقوال الشهود في التحقيقات.
ومن حيث إن هذين السببين بجميع أوجههما مردودان (أولاً) بأن الطاعنات لم يقدمن ما يثبت أن المطعون عليها الأولى تعرف اللغة الإيطالية التي كانت تحرر بها المعاملات مع البنك التجاري الإيطالي التي أودعت لديه الأموال والأوراق المالية بعد سبحها من البنوك الأخرى. (ثانياً) بالنسبة إلى الوجهين الثاني والثالث بأنه بحسب الحكم أن يقيم قضاءه على أسباب تحمله كما هو الحال في الدعوى، ولا يلزمه أن يرد على جميع ما يثيره الخصوم من حجج تعزيزاً لدفاعهم (ثالثاً) بالنسبة إلى الوجه الرابع بأنه عار عن الدليل إذ لم تقدم الطاعنات صوراً رسمية من التحقيقات المشار إليها في هذا الوجه.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن الطعن على غير أساس ويتعين رفضه.