أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 6 - صـ 1052

جلسة 31 من مايو سنة 1955

برياسة السيد الأستاذ مصطفى فاضل المستشار، وبحضور السادة الأساتذة: محمود ابراهيم اسماعيل، ومصطفى كامل، واسحق عبد السيد، ومحمود محمد مجاهد المستشارين.

(309)
القضية رقم 127 سنة 25 القضائية

(أ) إثبات. اختلاس أموال أميرية. قاعدة عدم جواز إثبات ما يخالف الكتابة بغير الكتابة. عدم سريانها فيما بين المتعاقدين فى حالة وجود غش أو تدليس. عدم سريانها من باب أولى على النيابة العامة.
(ب) اختلاس. الجناية المعاقب عليها بالمادة 112 ع. متى تتحقق؟
(ج) اختلاس أموال أميرية. المبلغ الذى يسلم إلى الصراف لتوريده فى الأموال الأميرية. يعتبر بمجرد التسليم من الأموال المذكورة.
1- فضلا عن أن قاعدة عدم جواز إثبات ما يخالف الكتابة بغير الكتابة لا تسرى بين طرفى العقد إذا كان هناك غش أو تدليس فإنه إذا توطأ متهم باختلاس أموال أميرية مع من سلمه هذه الأموال، وحررا عقد قرض لإخفاء جريمة اختلاس وقعت فعلا فما فعلاه من ذلك لا يعتبر من باب أولى حجة على النيابة العامة بوصفها ممثلة للهيئة الاجتماعية التى تضار بهذا التدليس ولا يمنعها من إثبات الحقيقة بكافة الطرق، الشأن فى ذلك شأن ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أن الاتفاق على جعل ما لا يعاقب عليه جنائيا من الإخلال بتنفيذ العقود المدنية فى متناول قانون العقوبات هو تدليس مخالف لقواعد النظام والآداب العامة يجوز إثبات حقيقة الأمر فيه والكشف عما يستره بجميع الطرق بما فيها البينة والقرائن مهما كانت قيمة العقد.
2- إن جناية الاختلاس المعاقب عليها بالمادة 112 من قانون العقوبات تتحقق متى كانت الأموال قد سلمت إلى الصراف بصفته هذه ولو لم يقيدها فى دفاتر أو لم يعط وصولات لمن سلموها إليه.
3- إن كل مبلغ يتسلمه الصراف لتوريده فى الأموال الأميرية يعتبر بمجرد تسلمه إياه من الأموال الأميرية.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: بصفته من مأمورى التحصيل "صراف ناحية البسلقون" اختلس مبلغ 269 جنيها من الأموال الأميرية التى تسلمت إليه بسبب وظيفته من عطيه حسنين محمد ابراهيم ومحمد عمر علام ومحمد ابراهيم حسن مرعى ومحمود سالم حسن غانم وعبد السلام رمضان سلطان وابراهيم على رحمه. وطلبت من قاضى الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمادة 112 من قانون العقوبات. فقرر بذلك، وفى أثناء نظر الدعوى أمام محكمة جنايات اسكندرية دفع الحاضر عن المتهم بعدم جواز سماع الشهود وقضت برفضه وحددت لنظر الموضوع جلسة أخرى. والمحكمة المذكورة بعد أن نظرت الدعوى قضت حضوريا عملا بمادة الاتهام مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم أيوب يوسف حنا بالحبس مع الشغل لمدة ستة أشهر وإلزامه بغرامة قدرها 269 جنيها. فطعن الوكيل عن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه أخطأ فى تطبيق القانون إذ قضى برفض الدفع بعدم جواز سماع الشهود ذلك بأن التهمة المسندة إلى الطاعن هى اختلاس أموال خصوصية حصلها بمقتضى وظيفته وقد أنكر استلامه لها باعتبارها أموالا حكومية وقال إنه أخذها من الشاكين على سبيل القرض فما كان يجوز إثبات تسليمها له كأموال أميرية إلا طبقا لقواعد الإثبات المدنية لأن طرق الإثبات تتعلق بالمادة المراد إثباتها لا بالمحكمة التى تقدم إليها الأدلة ولأن دفع الشاكين لما يدعونه أموالا أميرية إنما يكون على أساس عقد الوديعة أو الوكالة لإدخالها إلى خزانة الحكومة وهذا العقد يخضع فى إثباته لقواعد القانون المدنى، هذا إلى أن الحكم الصادر فى الدفع والحكم الصادر فى الموضوع جاءا قاصرى البيان معيبين فى التسبيب إذ خلطا بين الأموال الأميرية والأموال الخصوصية وأغفلا الرد على دفاع الطاعن بأن المال المسلم إليه ليس من الأموال الأميرية.
وحيث إنه لما كان الحكم المطعون فيه الصادر برفض الدفع بعدم جواز سماع الشهود قد استند فى قضائه إلى أمرين: الأول - هو قيام المانع الأدبى والمادى الذى حال دون الحصول على كتابة بالنسبة للمبالغ التى ليس بيد الشاكين سند كتابى عليها، والأمر الثانى - هو أن السندات التى حصل عليها الشاكون من الطاعن والتى تفيد مديونيته لهم بمبالغ على سبيل القرض تعتبر مقدمة ثبوت بالكتابة تبيح الإثبات بالبينة بأن سبب تسليم هذه المبالغ لم يكن قرضا بل كان لسداد الأموال الأميرية المطلوبة منهم، ولما كان تقدير قيام المانع من الاستحصال علي كتابة مثبتة للحق من شأن قاضي الموضوع وكان الحكم المطعون فيه قد أسس قضاءه بقيام هذا المانع على أسباب سائغة تؤدى إلى ما رتبه عليها فلا تجوز المجادلة فى ذلك أمام محكمة النقض.
ولما كان الحكم قد بين واقعة الدعوى فى قوله "إن المتهم فى خلال سنتى 1946 و1947 بناحية البسلفون مركز كفر الدوار وقد كان صرافا لتلك الناحية تسلمت إليه بصفته هذه المبالغ وبلغ مقدارها 269 جنيها من عطيه حسنين و.... وذلك لتوريدها للأموال الأميرية المطلوبة من هؤلاء الأشخاص فاختلسها لنفسه إلى أن نقل إلى ناحية أخرى وقد طالب الصراف الجديد هؤلاء الممولين بالأموال المطلوبة منهم وعندئذ أخبروه أنهم دفعوا تلك الأموال للمتهم (الطاعن) وتبين من بحث الدفاتر أنها لم تسدد فيها فاتصلوا بالمتهم حيث كان يعمل وقد حضر وحرر على نفسه إيصالات ببعض تلك المبالغ وسدد البعض الآخر له وقد قاموا بسداد الأموال من جانبهم وحصلوا أخيرا على ما سبق أن دفعوه للمتهم منه بعد الشكوى والتحقيق. وقد دفع المتهم التهمة بأن هذه المبالغ تسلمها من الشهود على سبيل السلفة وقد نفى الشهود ذلك وقالوا إنهم دفعوا تلك المبالغ إليه بصفته صرافا وسدادا للأموال ولم يكن من المعقول أن يقرضوه مالا فى حين أنهم مطالبون بسداد تلك الأموال للحكومة" ثم أورد الأدلة عليها من أقوال الشهود والقرائن وخلص إلى أن "دفاع المتهم غير مقبول لأنه صراف معين من قبل الحكومة لتحصيل تلك الأموال ولا يعقل أن يسلمه هؤلاء الممولون تلك المبالغ على سبيل القرض فى حين أنهم مطالبون بسداد نفس تلك المبالغ للحكومة والواقع أنها دفعت له لسدادها فى الأموال ولكنه آثر أن يبقيها لنفسه لينتفع بها وبعد أن انكشف أمره عندما نقل إلى جهة أخرى قام بسداد تلك الأموال إلى المجنى عليهم سواء نقدا أو بإيصالات وقد أقروا جميعا أنهم استعادوا تلك الأموال فهى قد سلمت إليه بصفته صرافا وبسبب تلك الوظيفة ويستوى فى ذلك أن تكون تلك الأموال أميرية أو خصوصية وقد أؤتمن عليها وسلمت إليه لسدادها فى الأموال الأميرية المطلوبة للحكومة ممن دفعها إليه من الممولين" لما كان ما تقدم وكان هذا الذى خلص إليه الحكم يفيد أنه أخذ بإقرارات الطاعن الكتابية واعتبرها دليلا على تسلم النقود موضوع الاختلاس ولم يأخذ بالسبب الوارد بها من أنه تسلم هذه النقود على سبيل القرض بناء على ما تبينه الحكم من ظروف الدعوى وأقوال الشهود. وكان ما انتهى إليه الحكم من ذلك صحيحا فى القانون، ذلك بأنه فضلا عن أن قاعدة عدم جواز إثبات ما يخالف الكتابة بغير الكتابة لا تسرى بين طرفى العقد إذا كان هناك غش أو تدليس فإنه إذا استبان للمحكمة فى حدود سلطتها الموضوعية كما هو الحال فى الدعوى أن الطرفين تواطآ معا وحررا عقود القرض لإخفاء جريمة اختلاس وقعت فعلا. فما فعلاه من ذلك لا يعتبر من باب أولى حجة على النيابة العامة بوصفها ممثلة للهيئة الاجتماعية التى تضار بهذا التدليس ولا يمنعها من إثبات الحقيقة بكافة الطرق، الشأن فى ذلك شأن ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أن الاتفاق على جعل ما لا يعاقب عليه جنائيا من الإخلال بتنفيذ العقود المدنية فى متناول قانون العقوبات هو تدليس مخالف لقواعد النظام والآداب العامة يجوز إثبات حقيقة الأمر فيه والكشف عما يستره بجميع الطرق بما فيها البينة والقرائن مهما كانت قيمة العقد. لما كان ما تقدم وكانت جناية الاختلاس المعاقب عليها بالمادة 112 من قانون العقوبات تتحقق متى كانت الأموال قد سلمت إلى الصراف بصفته المذكورة ولو لم يقيدها فى دفاتر أو لم يعط وصولات لمن سلموها إليه. وكان كل مبلغ يتسلمه الصراف لتوريده فى الأموال الأميرية يعتبر بمجرد تسلمه إياه من الأموال الأميرية - لما كان ما تقدم فإن الطعن يكون على غير أساس ويتعين رفضه.