أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 6 - صـ 1094

جلسة 7 من يونيه سنة 1955

برياسة السيد الأستاذ مصطفى فاضل المستشار، وحضور السادة الأساتذة: حسن داود، ومحمود إبراهيم اسماعيل، ومحمود محمد مجاهد، ومحمد محمد حسنين المستشارين.

(321)
القضية رقم 435 سنة 25 القضائية

(أ) إثبات. اعتراف. اعتماد المحكمة على اعتراف المتهم فى محضر ضبط الواقعة رغم عدوله عنه. جائز.
(ب) اختلاس مهمات حكومية. متى تتم الجريمة؟
(ج) عقوبة. اختلاس أموال أميرية. الغرامات النسبية التى نصت عليها المادة 112ع. طبيعتها. عدم تعددها بتعدد المتهمين.
1- للمحكمة أن تعتمد فى حكمها على اعتراف المتهم فى محضر ضبط الواقعة رغم عدوله عنه بعد ذلك ما دامت قد اطمأنت إلى صحته.
2- إن جريمة اختلاس مهمات حكومية تتم بمجرد إخراج المهمات من المخزن الذى تحفظ فيه بنية اختلاسها.
3- إن الغرامة التي نصت عليها المادة 112 من قانون العقوبات هي من الغرامات النسبية التي أشارت إليها المادة 44 من القانون المذكور، ويحكم بها علي المتهمين معا بحيث لا يستطاع التنفيذ عليهم جميعا بأكثر من مقدارها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة:1- عنتر أبو المعاطى دسوقى و2- محمد ابراهيم حسنين (الطاعنين الأول والثانى) و3- محمد عبد الله عبد الرحمن و4- عبد الحميد بيومى عبد المعطى (الطاعن الثالث) و5- على مهران حسين و6- عطيه سيد حسين (الطاعنين الرابع والخامس) و7- محمد عطيه سيد حسين: بأنهم المتهم الأول: بصفته أمين مخزن بالسكة الحديد، اختلس خمسة عشر جوالا مملوءة بالنحاس وخراطة السبيكة المبينة الوصف والقيمة بالمحضر والمسلمة إليه بسبب وظيفته. والمتهمون من الثانى إلى السابع اشتركوا معه فى ارتكاب الجريمة سالفة الذكر بطريقى الاتفاق والمساعدة بأن اتفقوا معه وساعدوه فى الأعمال المجهزة والمسهلة والمتممة لارتكاب الجريمة فوقعت بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة والمتهمان الأول والسادس: شرعا فى إعطاء رشوة للعسكرى فؤاد عبد الخالق حسن، بأن قدم له المتهم الأول مبلغ مائة قرش، وقدم له المتهم السادس مائتى قرش لكى يمتنع عن القيام بعمل من أعمال وظيفته، وهو تفتيش السيارة التى كانت تحمل المضبوطات، ولم يقبل منهما هذه الرشوة. وطلبت النيابة العامة من غرفة الاتهام إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم بالمواد 111 و112 و40/ 2 - 3 و41 و45 من قانون العقوبات، فقررت بذلك. ولدى نظر الدعوى أمام محكمة جنايات القاهرة طلبت النيابة الحكم بانقضاء الدعوى العمومية بالنسبة للمتهم الثالث لوفاته، فقضت المحكمة بذلك، ثم أنهت سماع الدعوى، وقضت حضوريا ببراءة محمد عطيه سيد حسين مما أسند إليه عملا بالمادتين 304/ 1 و381/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية وثانيا: بمعاقبة كل من عنتر أبو المعاطى ومحمد ابراهيم حسنين وعطية سيد حسين بالسجن لمدة أربع سنين وبمعاقبة كل من عبد الحميد بيومى عبد المعطى وعلى مهران حسن بالسجن لمدة ثلاث سنين، وبتغريم كل منهم سبعين جنيها، وأمرت بمصادرة مبلغ الرشوة، وذلك لأن عنتر أبو المعاطى دسوقى فى الزمان والمكان سالفى الذكر أولا: بصفته أمين مخازن السكة الحديد اختلس كمية من النحاس القديم وبرادة السبيكة المبينة الوصف والقيمة بالمحضر والمسلمة إليه بسبب وظيفته باعتباره أمينا عليها. وثانيا: شرع فى إعطاء رشوة للعسكرى فؤاد عبد الخالق حسن بأن قدم له مبلغ مائة قرش لكى يمتنع عن القيام بعمل من أعمال وظيفته وهو تفتيش السيارة التى كانت تحمل المهمات المختلسة، ولم يقبل العسكرى منه هذه الرشوة، الأمر المنطبق على المواد 45 و111 و112 من قاون العقوبات ولأن محمد إبراهيم حسين و عبد الحميد بيومي عبد المعطي وعلي مهران حسين اشتركوا مع عنتر أبو المعاطى السوقي في ارتكاب جريمة الاختلاس سالفة الذكر بطريقي الاتفاق والمساعدة، بأن اتفقوا معه علي ارتكابها وساعدوه في الأعمال المجهزة والمسهلة والمتممة لارتكاب الجريمة بناء علي هذا الاتفاق وتلك المساعدة الأمر المنطبق علي المواد 40/ 2 - 3 و41 و112 من قانون العقوبات. ولأن عطية سيد حسين أولا: اشترك مع عنتر أبو المعاطى الدسوقى فى ارتكاب جريمة الاختلاس سالفة الذكر بطريقى الاتفاق والمساعدة بأن اتفق معه على ارتكابها وساعده فى الأعمال المجهزة والمسهلة والمتممة لارتكاب الجريمة، فوقعت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة. وثانيا: شرع فى إعطاء رشوة للعسكرى فؤاد عبد الخالق حسن بأن قدم له مبلغ مائتى قرش لكى يمتنع عن القيام بعمل من أعمال وظيفته وهو تفتيش السيارة التى وجدت بها المهمات المختلسة، ولم يقبل العسكرى منه هذه الرشوة، الأمر المنطبق على المواد 40/ 2 - 3 و41 و45 و111 و112 و32/ 2 من قانون العقوبات.
فطعن المحكوم عليهم الخمسة فى هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

وحيث إن الطعون المقدمة من الطاعنين الأربعة الأولين قد استوفت الشكل المقرر بالقانون.
وحيث إن الوجه الأول من الطعن المقدم من عنتر أبو المعاطى دسوقى "الطاعن الأول" يتحصل فى أن الحكم المطعون فيه مشوب بالقصور والفساد فى الاستدلال، وانطوى على الإخلال بحق الطاعن فى الدفاع إذ دان الطاعن بتهمة اختلاس كمية من مهمات السكة الحديد استنادا إلى اعترافه بارتكاب الجريمة لليوزباشى أحمد ابراهيم، مع أن الطاعن أنكر هذا الاعتراف فى جميع مراحل التحقيق، وطلب من المحكمة سماع شهود نفى يشهدون بأنه كان يصرف أجور العمال بمخازن عموم بولاق يوم الحادث إلى الساعة 15ر2 بعد الظهر ثم قصد مكان الحادث فى الساعة 40ر2 حيث وجد السيارة التى كانت بها الأشياء المختلسة مضبوطة، فلم تجبه المحكمة إلى طلبه، ودفع بأن الاعتراف مختلق عليه من العسكرى فؤاد عبد الخالق، وأنه ينفيه أن المتهم عطيه سيد حسين لم يذكر أن الطاعن توجه معه بصحبة باقى المتهمين إلى منزله للاتفاق على ارتكاب الجريمة وإنما اعترف أن الذى رافقه هما المتهمان الثانى والثالث، كما ينفى الاعتراف أن جرد المخازن أسفر عن وجود جميع محتوياتها كاملة، فلم تأخذ المحكمة بذلك.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر معه العناصر القانونية لجريمة الاختلاس التى دان الطاعن بها، وذكر الأدلة التى استخلص منها ثبوتها، وهى تؤدى إلى ما رتبه عليها، وتحدث عن اعتراف الطاعن الأول فقال: "ولما سئل المتهم الأول بمعرفة اليوزباشى أحمد ابراهيم أدلى باعتراف مفصل مؤداه أن المتهمين محمد ابراهيم حسنين وعلى مهران حسين فاتجاه فى أمر اعطاء عطية سيد حسين بعض محتويات المخزن الذى فى عهدته من نحاس قديم وبرادة سبيكة مقابل مبلغ من المال لم يحدداه له، ووعده محمد ابراهيم حسنين باقتسام المبلغ الذى سيدفعه عطيه سيد حسين، وأنهما فى اليوم السابق على الحادث طلبا منه أن يصحبهما إلى المقهى لمقابلة عطيه، فذهب معهما وصحبهم المتهم الثالث محمد عبد الله عبد الرحمن الذى توفى إلى مقهى بجهة الأزبكية، وهناك قابلوا المتهم السادس عطيه سيد حسين حيث اتفقوا معاً على أن يحضر بسيارته فى اليوم التالى أى فى يوم الحادث بعد انصراف الموظفين لاستلام كمية من المهمات من المخزن الذى فى عهدته، وأضاف المتهم الأول إلى ذلك أن عطيه سيد حسين وابنه محمد حضرا بالسيارة تنفيذا للاتفاق حوالى الساعة 2، ودخلا بها إلى المخازن، وكان هو والمتهمان الثالث محمد عبد الله عبد الرحمن والخامس على مهران حسين فى انتظارهما، وكان المتهم الثانى محمد ابراهيم حسنين يجلس فى المخازن فى انتظار حضور عطيه سيد حسين، ولما وصل هذا الأخير اتجه إلى حيث قابل محمد ابراهيم حسنين وقام المتهمان الثالث محمد عبد الله عبد الرحمن والرابع عبد الحميد بيومى عبد المعطى بوضع الجوالات المضبوطة داخل صندوق السيارة، ووقف هو - أى المتهم الأول - على الناصية بين حوش المخازن والطريق الموصل لها لمراقبة العساكر المكلفين بالحراسة، والعمل على منع اقترابهم من المخازن حتى يتم وضع المهمات بالسيارة، وكان المتهم الخامس على مهران حسين يقف لنفس الغرض على مقربة منه، وأنه بعد أن تم وضع المهمات المختلسة بالسيارة أسرع هو وعلى مهران حسين إلى البوابة لمساعدة قائد السيارة فى الخروج ولما أن وصلت السيارة أصر العسكرى فؤاد عبد الخالق حسن على تفتيشها، فدفع عطيه سيد حسين للعسكرى المذكور مبلغ ثلاثة جنيهات ليتركه يمر بالسيارة، ولكن العسكرى لم يقبل، وأصر على تفتيش صندوقها الخلفى" - لما كان ذلك وكانت المحكمة قد بينت الأدلة التى تؤيد هذا الاعتراف، وخلصت إلى القول بأن: "كل ذلك يؤكد صحة اعتراف المتهم الأول الذى أدلى به فى محضر ضبط الواقعة عن واقعة الاختلاس ولا تعتد المحكمة بعدوله عن هذا الاعتراف بعد أن تبينت صحته جملة وتفصيلا" وكان للمحكمة أن تعتمد فى حكمها على اعتراف المتهم فى محضر ضبط الواقعة رغم عدوله عنه بعد ذلك، ما دامت قد اطمأنت إلى صحته، فإنه لا محل للمجادلة فيما استقر فى عقيدة المحكمة فى صدد الاعتراف واطمئنانها إليه واتخاذه أساس للادانة بعد أن أوردت من الأدلة ما يؤيده، وفندت دفاع الطاعن بأدلة مقبولة - ولما كانت المحكمة قد اطمأنت إلى صحة اعتراف الطاعن، وإلى ما قرره الشهود واعتراف المتهمون عن وجوده فى مكان الحادث قبل حضور سيارة المتهم عطيه سيد، فإنه لا تثريب عليها إذا لم تر ما يدعو إلى إجابته إلى ما طلبه من سماع شهود نفى يشهدون بأنه كان يصرف أجور العمال فى إدارة عموم المخازن، خصوصا مع ما هو ثابت بمحضر الجلسة من أن الطاعن المذكور لم يعلن هؤلاء الشهود، ولم يطلب إلى المحكمة التصريح له باعلانهم طلبا جازما، بل اكتفى بالقول بعد سماع شهود الإثبات والمرافعة فى الدعوى بأنه، "إذا رأت المحكمة من باب الاحتياط استدعاء الشهود الذين ذكرتهم أنهم رأوا عنترا يصرف مرتبات العمال بمكان يبعد عن محل الحادث بنصف ساعة على الأقل". ومثل هذا القول لا يقتضى من المحكمة ردا. ولما كان الحكم قد رد على ما أثاره الطاعن بشأن جرد المخازن بقوله: "وحيث إن استناد الدفاع إلى ما أثبتته لجنة الجرد المشكلة من السيدين فريد عبد المسيح وأحمد حلمى البديوى من عدم ظهور عجز فى عهدة المتهم الأول، فمردود بما قرره هذان الشاهدان فى محضر التحقيق، من أن المهمات المختلسة ترد عادة إلى المخازن مختلطة بمهمات أخرى، ومن واجب المتهم الأول فرز قطع النحاس القديمة وبرادة السبيكة، وإضافة ما يتم فرزه إلى عهدته وإثباته بدفاتر المخزن، ولكن المتهم بدلا من أن يفعل ذلك عمد إلى اختلاس الكميات المضبوطة بعد فرزها، وليس معنى هذا أنها تكون خارجة عن عهدته، ما دامت لم تقيد فى الدفاتر، بل أنها تنتقل إلى عهدته بمجرد فرزها من المهمات الأخرى التى تكون مختلطة بها". وكان ما قاله الحكم من ذلك سديدا، فإن هذا الوجه من الطعن يكون على غير أساس. ويتحصل الوجهان الثانى والثالث والوجه الثانى من الطعن المقدم من الطاعن الثانى فى أن الحكم أخطأ فى تطبيق القانون من وجهين، الأول: إذا اعتبر جريمة الاختلاس تامة مع أنه على فرض ثبوت هذه الجريمة على الطاعن باعترافه، فإن الوصف الحقيقى للواقعة أنها شروع فى اختلاس، لا جريمة تامة، إذ أن السيارة ضبطت بما احتوته من أشياء مختلسة داخل أسوار المخازن - الوجه الثانى: إذ لم يقض برد الأشياء المختلسة، مع أنه اعتبر أن الجريمة تامة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه تناول الشق الأول من هذا الطعن ورد عليه بقوله: "وحيث إن ما أثاره الدفاع عن وصف الجريمة وطلب اعتبارها شروعا فى اختلاس مهمات حكومية بمقولة إن تلك المهمات قد ضبطت داخل أسوار المخازن، أى أنها كانت لا تزال فى حوزة الحكومة عند ضبطها، فغير صحيح قانونا، إذ أن جهة الاختلاس تتم بمجرد إخراج المهمات من المخزن الذى تحفظ فيه بنية اختلاسها، وفى واقعة الدعوى لم يقف الأمر عند حد إخراج المهمات من المخزن، بل أنها سلمت تسليما ماديا للمتهم السادس شريك المتهم الأول فى جريمته، بل أنها أخفيت داخل صندوق السيارة المملوكة للمتهم السادس، فأصبحت بذلك فى حيازته وخرجت نهائيا من يد الأمين عليها، ومن ثم تكون الواقعة جريمة اختلاس لمهمات حكومية، لا مجرد شروع فى الجريمة" - لما كان ذلك، وكان ما قاله الحكم فى هذا الشأن صحيحا فى القانون، وكان اعتبار الجريمة تامة لا يتعارض مع عدم القضاء برد الشئ المختلس، ما دام أنه ضبط وتم استرداده من حوزة الطاعنين فإن هذين الوجهين لا يكون لهما محل. ويتحصل الوجهان الرابع والخامس فى أن الحكم شاب أسبابه القصور إذ قدر المهمات المختلسة بمبلغ 60 جنيها، مع أن مصلحة السكة الحديد قدّرتها بمبلغ 12 جنيها و670 مليما، وإذ اعتبر جريمة الشروع فى الرشوة ثابتة من أقوال العسكرى فؤاد عبد الخالق، مع أن أقواله لم تتأيد بأى دليل يبرر اقتناع المحكمة بها، ولما كانت المحكمة استندت فى تقدير المهمات المختلسة إلى ما شهد به مفتش المخازن فريد عبد المسيح بخيت وأمين المخزن أحمد حلمى البديوى، وكان لهذا التقدير أصل ثابت فى الأوراق، وكان ما أورده الطاعن فى شأن أخذ المحكمة بأقوال العسكرى فؤاد عبد الخالق متعلقا بتقدير الدليل فى جريمة الرشوة مما تستقل به محكمة الموضوع - لما كان ما تقدم، فإن الطعن يكون على غير أساس ويتعين رفضه.
وحيث إن مبنى الوجه الأول من الطعن المقدم من محمد ابراهيم حسنين "الطاعن الثانى" يتحصل فى أن الحكم أخطأ فى تطبيق القانون، إذ قضى بتغريم كل من المحكوم عليهم مبلغ سبعين جنيها، مع أن هذه الغرامة لا تتعدد بتعدد المتهمين.
وحيث إن هذا الوجه سديد فى القانون، ذلك بأن الغرامة التى نصت عليها المادة 112 عقوبات هى من الغرامات النسبية التى أشارت إليها المادة 44 من قانون العقوبات، ويحكم بها على المتهمين معا بحيث لا يستطاع التنفيذ عليهم جميعا بأكثر من مقدارها، ويتعين لذلك نقض الحكم فيما قضى به من تغريم كل من الطاعنين مبلغ سبعين جنيها، وإلزامهم جميعا بغرامة واحدة قدرها سبعون جنيها، ولا يؤثر فى ذلك أنه لم يتمسك بهذا الوجه غير الطاعنين الثانى والرابع، لأن وحدة الواقعة تقتضى نقض الحكم بالنسبة لجميع الطاعنين فيما يختص بالغرامة المقضى بها على كل منهم.
وحيث إن الوجه الثالث يتحصل فى أن الحكم شاب أسبابه القصور إذ فاته عند الرد على دفاع الطاعن من أنه لم يكن موجودا بمكان الحادث أن شهادة العسكرى فؤاد عبد الخالق ومضمونها أنه كان منوطا به أيضا حراسة البابين 5 و6 وما هو ثابت بالدفاتر من أن الجنديين الآخرين الشاهدين كانا يوم الحادث يقومان بحراسة أبواب أخرى غير الباب رقم 4، ومؤدى ذلك أنهم قد لا يرون الطاعن عند خروجه من باب آخر، ومع ذلك أخذ الحكم بهذه الأقوال دليلا على وجود الطاعن بالمخازن وقت الحادث.
وحيث إن الحكم المطعون فيه فند ذلك الدفاع بقوله: "وحيث إن هذا الدفاع لا يستند إلى أساس ذلك أن العسكرى فؤاد عبد الخالق والأومباشى حسين حسين دخان قد شهدا أنهما كانا مكلفين بحراسة الباب رقم 4 وحده، وهو الباب المخصص لخروج موظفى المخازن والعمال، وأنهما فى ذلك اليوم لم يشاهدا المتهم الثانى يبرح المخازن وقت انصراف الموظفين" - لما كان ذلك، وكان للمحكمة أن تأخذ بما يدلى به الشهود فى الجلسة دون التحقيقات الأولية متى اطمأنت إلى صحتها، فما يثيره الطاعن لا يعدو أن يكون جدلا فى تقدير الأدلة مما تستقل به محكمة الموضوع. ويتحصل الوجه الرابع فى أن الحكم أخطأ فى تطبيق القانون إذ قبل الاثبات بالبينة، مع أن قيمة المهمات قدرت بمبلغ 70 جنيها أو 80 جنيها، فلم يكن يصح إثبات تسليمها للطاعن إلا بدليل كتابى.
وحيث إن هذا الوجه مردود بأن المحكمة استندت فى إثبات ذلك إلى اعتراف الطاعن الأول بأن الاختلاس حصل من المهمات التى كانت فى عهدته بالمخزن.
وحيث إن الوجه الخامس يتحصل فى أن للطاعن المذكور أن يتمسك بكل ما كان للطاعن الأول الحق فى التمسك به، وقد سبق مناقشة ما تمسك به الطاعن الأول عند الرد على الطعن المقدم منه.
وحيث إن مبنى الطعن المقدم من الطاعن عبد الحميد بيومى عبد المعطى هو أن المحكمة وهى فى صدد إقامة الدليل على اشتراك الطاعن فى جريمة الاختلاس ذكرت لفظ "يشير" وهو يحمل معنى الشك، ولم تفند ما دفع به الطاعن من أنه يشتغل عتالا فى المصلحة وخاضع فى جميع تصرفاته لأوامر رئيسه الطاعن الأول.
وحيث إن المحكمة عرضت لهذا الدفاع وردت عليه ردا كافيا فقالت. "وأضاف الدفاع إلى ذلك أنه على فرض أن المتهم اشترك فى وضع المهمات بالسيارة، فإن ذلك لا يدل على اشتراكه فى الجريمة فانه إنما فعل ذلك تنفيذا لأمر المتهم الأول وهو رئيسه، ولم يكن يعلم أن المهمات مختلسة، وهذا الدفاع فى غير محله إذ الثابت من أقوال المتهم السابع محمد عطيه سيد حسين أن المتهم الرابع هو الذى قام بوضع المهمات داخل صندوق السيارة، كما ثبت من شهادة العسكرى فؤاد عبد الخالق أن ذلك المتهم وكان فى انتظار قدوم السيارة عند البوابة مع المتهمين الأول والثالث والخامس، وأنهم انصرفوا إلى المخازن عقب دخولها مما يشير إلى اتفاقهم معا على اختلاس المهمات يؤيد ذلك ما جاء على لسان المتهمين الأول والسابع من أن أولهما مع المتهم الخامس وقفا يرقبان الطريق بين المخازن والبوابة ساعة وضع المهمات بالسيارة بمعرفة المتهم الرابع، مما يؤكد علم هذا الأخير بأن المهمات مختلسة. ولم يجرح ذلك المتهم أحدا من الشهود أو المتهمين الأول والسابع بشئ، ومن ثم تكون تهمة الاشتراك فى الاختلاس ثابتة ضده" - لما كان ذلك وكانت المحكمة استظهرت علم الطاعن بأن المهمات مختلسة، وتبينت ثبوت اشتراكه فى الاختلاس، فلا محل للقول بأنها أوردت ما يحمل معنى الشك فى الاتهام، ويكون هذا الطعن على غير أساس.
وحيث إن الوجهين الأولين من الطعن المقدم من على مهران حسين "الطاعن الرابع" يتحصلان فيه أن الحكم أخطأ فى تطبيق القانون، إذ قضى بتعدد الغرامة وباعتبار الواقعة اختلاسا تاما، وقد سبق الرد على ذلك.
وحيث إن الوجه الثالث يتحصل فى أن الحكم المطعون فيه شاب أسبابه القصور، إذ استخلص اشتراك الطاعن، من تواجده مع المتهمين فى اليوم السابق على الحادث، مع أن وجوده معهم وقت الحادث كان فى مكان عمله، ومع أن توسطه بين المتهمين والعسكرى إنما كان لمنع إتمام الجريمة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه عرض لدفاع الطاعن ورد عليه ردا سائغا فقال: "وحيث إن الدفاع عن المتهم الخامس على مهران حسين قد ذهب إلى أنه اشترك مع العسكرى فؤاد عبد الخالق فى ضبط السيارة وأن تدخله لإعادة المهمات المضبوطة إلى المخازن لا يدل على اشتراكه فى الجريمة، بل إنه عمل على منع إتمام الجريمة باعادة المضبوطات إلى مصدرها، كما انتهى الدفاع إلى أن الواقعة على فرض ثبوتها لا تخرج عن كونها شروعا فى الجريمة، وهذا الدفاع ينقضه ما قرره المتهمون الأول والسادس والسابع من أن هذا المتهم اشترك مع أولهم ومع المتهمين الثانى والثالث فى الاتفاق مع المتهم السادس على تسليم المهمات له بعد قيامه هو والمتهم الأول بمراقبة الطريق بين البوابة والمخازن لمنع وصول العساكر المعينين للحراسة إلى المخازن على ما قرره المتهمان الأول والسابع، مما يؤكد علمه بالجريمة واشتراكه فيها، كما أن تدخله لدى العسكرى فؤاد عبد الخالق لإعادة المضبوطات إلى المخازن دليل آخر على اشتراكه فى الجريمة، ولم يطعن المتهم على شهادة ذلك العسكري بأي طعن، كما أنه لم يجرح أقوال المتهمين الأول والسادس والسابع بشئ، ومن ثم يكون اشتراكه في جريمة الاختلاس ثابتا" - لما كان ذلك، وكان الحكم قد استظهر اشتراك الطاعن فى الجريمة، وبين الوقائع المكونة لذلك، ودلل عليها تدليلا سائغا، وفند دفاع الطاعن بأدلة مقبولة، فإن الطعن يكون على غير أساس.