أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
السنة الأولى - من 27 أكتوبر سنة 1949 لغاية 22 يونيه سنة 1950 - صـ 529

جلسة 25 من مايو سنة 1950

برياسة حضرة صاحب العزة أحمد حلمي بك وكيل المحكمة وحضور حضرات أصحاب العزة: عبد العزيز محمد بك وسليمان ثابت بك ومحمد نجيب أحمد بك ومصطفي فاضل بك المستشارين.

(133)
القضية رقم 127 سنة 18 القضائية

1 - حكم. تسبيبه. دفاع جوهري. عدم الرد عليه. قصور. مثال في دعوى تعويض من صاحب منزل على مجلس بلدي.
ب - عقد اشتراك في الحصول على مياه من المجلس البلدي، النص فيه على إلزام المشترك بمراقبة المواسير التي تستمد المياه من المواسير العمومية. ليس من شروط الإذعان التعسفية.
الإذعان لا يقاس على قبول المكره. نصوص هذا العقد يكمل بعضها بعضا.
جـ - مسئولية. مجلس بلدي. مسئوليته قبل المشتركين في الحصول على مياه منه. لا بد من إثبات وجه الخطأ عليه. لا يكفي لتقرير مسئوليته القول بأنه المسيطر على عملية المياه.
1 - إذا كان الحكم القاضي بإلزام أحد المجالس البلدية بتعويض صاحب منزل عما أصاب منزله من خلل من إجراء تدفق المياه من الماسورة الفرعية التي تمد منزله بالماء قد أقيم على أساس ما أثبته خبير دعوى إثبات الحالة من أنه كشف على هذه الماسورة فوجد بها ثقبا في موضع مواجه للمنزل كانت تتدفق منه المياه نحو المنزل وأنه ليس عليها أثر للخيش أو القطران أو غير ذلك مما يقيها من التآكل وكان يعلوها الصدأ، وكان المجلس قد دفع هذا الوجه من أوجه المسئولية بأن عدم معاينة الخبير أثر خيش أو قطران لا يرجع إلى إهماله عند مد الماسورة كما اثبت حكم محكمة أول درجة، وإنما يرجع إلى مضي أعوام كثيرة على مدها، ومع ذلك اكتفي الحكم المطعون فيه في هذا الصدد بالإحالة على الحكم الابتدائي الذي لم يتعرض لهذا الدفاع بل ردد ما أورده الخبير في هذا الشأن، فإن عدم تمحيصه هذا الدفاع الجوهري الذي لو صح لكان كافيا لدفع هذا الوجه يكون قصوراً يعيب الحكم.
2 - إن النص في عقد الاشتراك في الحصول على مياه من المجلس البلدي على أن المشترك ملتزماً بمراقبة المواسير التي تستمد المياه من المواسير العمومية وعليه صيانتها وحفظها بحالة جيدة وانه هو المسئول وحده عنها وعن جميع الأضرار التي تحصل بسببها، وهو شرط ملزم لمن قبله أو سلم به، فلا يجوز إهداره بمقولة إنه شرط مفروض لا سبيل للمشترك إلا الإذعان له إن أراد أن يمد منزله بالماء، فإن الإذعان قبول لا يقاس على قبول المكره، ولم يجز القانون المدني للقاضي تعديل هذه الشروط أو الإعفاء منها إلا إذا كانت تعسفية. ولا تعارض بين هذا النص وما ورد في العقد أيضاً من أنه يجب على المشترك كلما رغب في الكشف على هذه المواسير أن يطلب ذلك من المجلس ويؤيد طلبه كتابة حتى يجري المجلس ذلك ويقوم بالإصلاحات اللازمة إذا اقتضى الحال على مصاريف المشترك وأنه يمتنع على المشترك أن يمس العداد أو المواسير لأي سبب، فإن هذه نصوص يكمل بعضها بعضا وتنظم بداعي المصلحة العامة وسيلة المشترك في المراقبة والصيانة.
3 - لا يكفي لتقرير مسئولية المجلس عما ينجم من أضرار للمشتركين. للحصول على مياه منه القول بأن من أول واجباته المحافظة على المصلحة العامة وأنه المسيطر على عملية المياه، بل لا بد من إثبات الخطأ المسند إليه والذي يكون أساساً لمسئوليته.


الوقائع

في يوم 8 من يوليه سنة 1948 طعن بطريق النقض في حكم محكمة استئناف الإسكندرية الصادر في 25 من مارس سنة 1948 في الاستئناف رقم 126 س ق 3 وذلك بتقرير طلب فيه الطاعن الحكم بقبول الطعن شكلا وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه ورفض دعوى المطعون عليها واحتياطياً إحالة الدعوى على دائرة أخرى من دوائر محكمة استئناف الإسكندرية للفصل فيها من جديد وإلزام المطعون عليها في جميع الأحوال بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وفي 19 من يوليه سنة 1948 أعلنت المطعون عليها بتقرير الطعن وفي 21 منه أودع الطاعن أصل ورقة إعلان الخصم بالطعن وصورتين مطابقتين للأصل من الحكم المطعون فيه ومذكرة بشرح أسباب الطعن وحافظة بمستنداته. وفي 17 من أغسطس سنة 1948 أودعت المطعون عليها مذكرة بدفاعها طلبت فيها الحكم أصليا بعدم قبول الطعن شكلا واحتياطيا بعدم السماح لمحامي المجلس بالحضور في الجلسة للمرافعة عنه. ومن باب الاحتياط الكلي برفض الطعن وإلزام الطاعن بالمصروفات. وفي أول سبتمبر سنة 1948 أودع الطاعن مذكرة بالرد. وفي 27 من ديسمبر سنة 1949 وضعت النيابة العامة مذكرتها وقالت فيها بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعن بالمصروفات ومصادرة الكفالة الخ الخ.


المحكمة

ومن حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضي بإلزامه أن يعوض المطعون عليها عما تدعى أنه أصاب منزلها من تصدع من جراء تلف ماسورة المياه التي تصل منزلها باعتبارها مشتركة بالماسورة العامة للمياه، أن الحكم إذ قضي بذلك قد شابه قصور كما أخطأ في تطبيق قانون العقد. أما القصور فآيته أن الطاعن دفع مسئوليته عن الخطأ المدعي بحصوله في سنة 1933 وقت مد ماسورة المياه لمنزل المطعون عليها، والذي يتحصل في أن عمال الطاعن لم يضعوا حول الماسورة خيشاً مقطرناً، دفع هذا الزعم بأن عدم عثور الخبير على هذا الخيش المقطرن وقت معاينته إنما يرجع إلى قدم العهد لمضي أكثر من أحد عشر عاما على مد الماسورة، وهي فترة كافية لتآكل الخيش، ولكن الحكم المطعون فيه لم يرد على هذا الدفاع مع أهميته. وأما الخطأ في تطبيق القانون فيرجع إلى أن البند الثامن من عقد الاشتراك صريح في أن المشترك - دون الطاعن - هو الملزم بمراقبة وصيانة وحفظ الماسورة، وأنه هو المسئول وحده عنها وعما تحدثه من ضرر، ولكن الحكم المطعون فيه أهدره بمقولة إنه شرط ورد في عقد من عقود الإذعان، كما أخطأ الحكم إذ اعتبر الطاعن مسئولا عما أحدثته الماسورة من أضرار بحجة أنه مسئول عن الصحة العامة ومسيطرة على عملية المياه لأن أساس المسئولية في القانون المصري هو ثبوت الخطأ.
ومن حيث إنه يبين من مراجعة أوراق الطعن أن الحكم المطعون فيه بنى قضاءه بإلزام الطاعن بأن يدفع إلى المطعون عليها مبلغ 551 جنيها و250 مليما على أنه مسئول عما أصاب منزلها من خلل من جراء تدفق المياه من الماسورة الفرعية التي تغذي منزلها بالماء، وذلك لما أثبته خبير دعوى إثبات الحالة من أنه كشف على هذه الماسورة فوجد بها ثقباً في موضع مواجه لمنزل المطعون عليها وعلى بعد متر وعشرة سنتيمترات منه وأن المياه كانت تتدفق نحو المنزل "وتبين بأن الماسورة ليس عليها أثر للخيش أو القطران أو غير ذلك مما يقيها من التآكل وأن الصدأ يعلوها". وقد دفع الطاعن هذا الوجه من أوجه المسئولية بأن عدم معاينة الخبير أثر خيش أو قطران لا يرجع إلى إهمال عمال الطاعن عند مد الماسورة كما أثبت حكم محكمة أول درجة، وإنما يرجع إلى مضي أحد عشر عاما على مدها ولكن الحكم المطعون فيه لم يعن بتمحيص هذا الدفاع الجوهري الذي لو صح لكان كافياً لدفع هذا الوجه، بل اكتفى الحكم المطعون فيه في هذا الصدد بالإحالة على الحكم الابتدائي الذي لم يتعرض لتقدير هذا الدفاع وإنما ردد ما أورده الخبير في هذا الشأن. وفي هذا قصور يعيب الحكم ويوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم أقام قضاءه بثبوت مسئولية الطاعن عن تعويض ما لحق منزل المطعون عليها من ضرر على أنه هو المسئول عن صيانة المواسير الفرعية رغما عما ورد في البند الثامن من عقد الاشتراك الذي يقضي بأن المواسير الفرعية هي ملك المشترك وعليه صيانتها ومراقبتها وهو المسئول وحده عما تحدثه من أضرار، تأسيسا على "أنه فضلاً عن أنه من الشروط المفروضة فإن المادة التاسعة منعت المشترك مد المواسير وإلا كان الجزاء فسخ العقد ومصادرة التأمين ومعنى ذلك أن الشرط الوارد في المادة الثامنة بإلزام المشترك بصيانة الماسورة الفرعية ومسئوليته عما ينتج من أضرار بسببها هو شرط إرادي باطل لا يستطيع المشترك إلا أن يقبله وإلا لما تيسر إدخال المياه في منزلة لأن هذه الاشتراطات غير قابل للمناقشة أو التعديل، ولا يعقل أن يكون المشترك مسئولاً عن الماسورة الفرعية وفي الوقت نفسه محروما حتى من مسها".
ومن حيث إن البند الثامن من عقد الاشتراك صريح في أن المشترك ملتزم بمراقبة المواسير التي تستمد المياه من المواسير العمومية وعليه صيانتها وحفظها بحالة جيدة "وهو المسئول وحده عنها وعن جميع الأضرار التي تحصل بسببها" وهو شرط ملزم لمن قبله أو سلم به، ولا يجوز إهداره بمقولة إنه شرط مفروض لا سبيل للمشترك إلا الإذعان له إن أراد أن يمد منزله بالماء إذ هذا لا يكفي مسوغاً لإبطاله، لأن الإذعان قبول لا يقاس على قبول المكره، ولم يجز القانون المدني للقاضي تعديل هذه الشروط أو الإعفاء منها إلا إذا كانت تعسفية، كما أنه لا محل لإبطال هذا البند بحجة تعارضه مع البند التاسع إذ لا شبهة في انعدام هذا التعارض فالقول بقيامه غير مستساغ، فقد نص صدر البند الثامن على أن المواسير اللازمة لتوصيل المياه من المواسير العمومية إلى العداد في محل المشترك تبقي مملوكة للمشترك وهو المكلف بمراقبتها وصيانتها وحفظها بحالة جيدة، وهو المسئول وحده عنها وعن جميع الأضرار التي تحصل بسببها، ونظم حق المشترك في المراقبة فنص على أنه يجب على المشترك كلما رغب الكشف على هذه المواسير أن يطلب ذلك من المجلس ويؤيد طلبه كتابة حتى يجري المجلس ذلك ويقوم بالإصلاحات اللازمة إذا اقتضى الحال على مصاريف المشترك، وأنه لذلك يمتنع على المشترك أن يمس العداد أو المواسير لأي سبب، وهذه نصوص لا تعارض بينها، بل يكمل بعضها بعضاً وتنظم - بداعي المصلحة العامة - وسيلة المشترك في المراقبة والصيانة. وعلى ذلك يكون الحكم المطعون فيه إذ أهدر البند الثامن من عقد الاشتراك قد أخطأ في تطبيق قانون العقد ويتعين نقضه. كذلك أخطأ الحكم تطبيق القانون إذ بنى مسئولية الطاعن علي القول بأن من أول واجباته المحافظة على المصلحة العامة وأنه المسيطر علي عملية المياه، إذ هذا لا يكفي لاعتبار الطاعن مسئولا عن كل ما ينجم من أضرار للمشتركين،بل لابد من إثبات الخطأ الذي يصح أن يسند إليه ويكون أساسا لمسئوليته.