أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الرابع - السنة 6 - صـ 1327

جلسة 19 من نوفمبر سنة 1955

برياسة السيد الأستاذ مصطفى فاضل وكيل المحكمة، وبحضور السادة الأساتذة حسن داود، ومحمود ابراهيم اسماعيل، ومصطفى كامل ومحمد محمد حسنين المستشارين.

(392)
القضية رقم 579 سنة 25 القضائية

تهديد. الحصول على مال بطريق التهديد. القصد الجنائى. متى يتحقق؟ الوسيلة التى استعملت فى الحصول على المال. كونها فى الأصل مشروعة. إساءة استعمالها. يتحقق به القصد الجنائى.
القصد الجنائى فى جريمة الحصول على مال بطريق التهديد المنصوص عليها فى الفقرة الأولى من المادة 326 من قانون العقوبات يتحقق متى أقدم الجانى على ارتكاب الفعل عالما بأنه يغتصب مالا لا حق له فيه قانونا ومتوخيا فى ذلك تعطيل إرادة المجنى عليه بطريق التهديد الذى يكفى فيه أن يكون من شأنه ترويع المجنى عليه بحيث يحمله على تسليم المال الذى طلب منه. وإذن فإذا كان الواضح مما أورده الحكم أن المتهمين حصلوا على جميع ما كانت تتحلى به المجنى عليها من المصوغات عوضا عن تلك التى قالوا بسرقتها من متجر أحدهم مقابل عدم التبليغ عن السرقة، وذلك بدافع الطمع والشره فى الحصول على مال لا حق لهم فيه قانونا وأنهم أساءوا استعمال الوسيلة فى التبليغ عن الحادث للحصول على ذلك المال، فإن هذا الذى أورده الحكم يتحقق به القصد الجنائى.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلا من:1- عبد السميع محمد عباس - 2- أحمد محمد عباس - 3- مبروك فرحات مبروك بأنهم: حصلوا بالتهديد على الحلى والنقود المبينة وصفا وقيمة بالمحضر لاحسان أحمد محمد بأن ادعوا أنها سرقت مصوغات من محلهم وأخذوا يهددونها بابلاغ البوليس ويتوعدونها بالإيذاء واستعانوا فى ذلك بالمتهم الثالث وهو عسكرى إن لم تعترف بسرقة المصوغات فرضخت تحت تأثير هذا التهديد والوعيد وسلمتهم الحلى والنقود سالفة الذكر. وطلبت عقابهم بالمادة 326/ 1 من قانون العقوبات وادعت احسان أحمد محمد بحق مدنى قدره 200 جنيه على سبيل التعويض قبل المتهمين بالتضامن. ومحكمة الجمالية الجزئية قضت حضوريا عملا بالمادة 304 من قانون الإجراءات الجنائية ببراءة المتهمين من التهمة المنسوبة إليهم ورفض الدعوى المدنية مع إلزام المدعية بالحق المدنى بمصروفاتها. فاستأنفت النيابة هذا الحكم كما استأنفته المدعية. ومحكمة مصر الابتدائية بعد أن أتمت سماعهما قضت حضوريا أولا: بقبولهما شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وحبس كل من المتهمين الثلاثة ثلاثة شهور مع الشغل وأمرت بوقف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات تبدأ من اليوم. وثانيا: إلزام المتهمين على وجه التضامن أن يدفعوا للمدعية بالحق المدنى مبلغ خمسة عشر جنيها مصريا والمصروفات المدنية عن الدرجتين ومبلغ مائتى قرش مقابل أتعاب المحاماة. وثالثا: أعفت المتهمين من المصروفات الجنائية. فطعن الطاعنون فى هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن مبنى الطعن هو الخطأ فى تطبيق القانون، ذلك بأن التهمة التى دين الطاعنون بها هى أنهم حصلوا بالتهديد على الحلى والنقود الخاصة بالمجنى عليها وقد أسس الحكم قضاءه بالإدانة على أن هذا التهديد كان بابلاغ البوليس والسلطات المختصة لاسترداد المسروق مع أن التهديد بالابلاغ إلى الجهات المختصة هو عمل مشروع لا عقاب عليه، لأن القانون أمر الناس جميعا فى المادتين 25 و26 من قانون الإجراءات الجنائية بالتبليغ عن الجرائم، ومن شرائط تطبيق المادة 326 عقوبات أن يقع التهديد بأمر غير مشروع فلا عقاب على من يستعمل حقا ثابتا له بمقتضى القانون، وثمة خطأ آخر فى تطبيق القانون وقع فيه الحكم، هو أنه بنى على أن المادة 326 آنفة الذكر لا تنطبق إلا إذا كان التسليم بالاكراه، وقال فى ذلك إنه مما يؤيد التهمة ما ثبت من أن المجنى عليها دفعت إلى مكان قصى بمحل الطاعنين الأول والثانى مما يقع تحت سلطانهما. هذا فى حين أن التهمة المطروحة على المحكمة هى أن الطاعنين حصلوا على الحلى من المجنى عليها بطريق التهديد وقد حفظت النيابة العامة الاتهام المؤسس على وصف السرقة بالإكراه. هذا إلى أن الحكم أخطأ فى الإسناد حين قال إن المتهمين هددوا المجنى عليها بابلاغ البوليس وتوعدوها بالإيذاء، مع أن الشهود جميعا قرروا أن المتهمين هددوا المجنى عليها بابلاغ البوليس وأن ذلك ينبنى عليه حبسها، فالقول بالتوعد يكون مستندا إلى غير ثابت فى الأوراق.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى فى قوله "إن المدعية بالحقوق المدنية أثناء مرورها بمحل الصائغ أحمد محمد عباس (الطاعن الثانى) فى اليوم الثانى من شهر نوفمبر سنة 1950 استهواها قرط معروض بواجهة المحل فطلبت مشاهدته، فدعاها صاحب المحل للدخول ثم أشار لأحد صبيان محله عليها متهما إياها بالسرقة، فاستهولت هذا الاتهام، بيد أنه أصر عليه ناسبا إليها سرقتها من المحل فى اليوم السابق سوارين من ذهب ثمنهما ثلاثة عشر جنيها مهددا إياها بتبليغ الأمر إلى البوليس ومشيرا تأكيدا لقوله على أحد رجال البوليس فى المحل، فداخلها الرعب وخلعت زوجا مما كانت تتحلى به من أساور ذهبية فى حضور رجل البوليس، فلما ظهر من وزن السوارين أن قيمتهما لا تعدو ثمانمائة وعشرين قرشا طالبها صاحب المحل بالمزيد فمد رجل البوليس يده إلى صدرها منتزعا كيس نقودها وأخرج ما به من نقود تبلغ سبعة جنيها ودفع بها إلى صاحب المحل الذى انتهز هذه الفرصة فحال بينها وبين مبارحة المحل دافعا إياها إلى حجرة تحت السلم ومتهما إياها فى حضور رجل البوليس وأخيه عبد السميع محمد عباس (الطاعن الأول) بسبق سرقتها خمسة عشر سوارا ذهبيا مهددا إياها باقتيادها إلى المحافظة التى زعم أنه سبق له تبليغها بأمر تلك السرقة وعندئذ تمكن الطاعنون على حد قول المجنى عليها بمعاونة رجل البوليس من انتزاع أربعة عشر سوارا وقرطا وعقدا بزعم تكملة وزن ما يقابل الحلى المسروقة حتى بلغ ثمن ما تم نزعه منها على هذه الصورة مائة وعشرين جنيها، ولما أبلغت بالواقعة أنكرها الطاعن الثانى نافيا وقوع الحادث على هذه الصورة ومقررا أن تلك المجنى عليها كانت قد استعرضت فى يوم 7/ 11/ 1951 بعض الأساور الذهبية فى محله دون أن تشترى منها، ولما انصرفت اكتشف عامل المحل فقد سوارين فلما عادت المدعية إلى المحل فى اليوم التالى عرفها كما تحقق منها عاملاه فتحى محمد وأحمد خفاجه فواجهها الصائغ بأمر السرقة فى حضور رجل البوليس ناصحا لها بتقرير الحقيقة تفاديا من تبليغ البوليس، فاعترفت بسرقتها للسوارين متوسلة عدم التبليغ ضدها وقامت بخلع سوارين من معصمها بمطلق إرادتها ثم مر بخاطره وقتئذ أمر سرقة خمسة عشر سوارا أخرى من محله فى يوم 30/ 9/ 1950 لم يكن قد أبلغ بسرقتها لعدم معرفته لشخصية السارق لها فسألها عنها فاعترفت بسرقتها وأخرجت من معصمها عددا من الأساور الذهبية بلغ وزنها 54 درهما قدمتها إليه عوضا عن تلك المسروقة" وخلص الحكم فيما أورده مما تقدم إلى القول "بأن الوقائع المسلمة فى هذه الدعوى هى (أولا) أن المجنى عليها لم تضبط سارقة للسوارين المقول بسرقتها من محل المتهم الثانى فى يوم 7/ 11/ 1950 (ثانيا) أن المتهم الثانى لا يعرف السارق للخمسة عشر سوارا المقول بسبق سرقتها من محله فى يوم 30/ 9/ 1950 (ثالثا) أن تهديدا بتقديم المجنى عليها للبوليس بتهمة السرقة إن لم تعترف قد وقع (رابعا) أن ما كانت المجنى عليها تتحلى به من أساور وحلى خلعتها وسلمتها للمتهمين الأول والثانى ليست هى المسروقة، وإنما أخذت كمقابل لها - كما أنه مما اتفقت عليه أقوال أحمد حسنى وابنه محمد مطر ونبيلة حسنى وهم من أشهدهم المتهمان الأول والثانى أنه لم يصدر من المجنى عليها أى إقرار بالسرقة وأنها قد تمسكت بالإنكار إلى آخر مراحل الواقعة" ثم عرض الحكم إلى بيان أركان الجريمة المنصوص عليها فى الفقرة الأولى من المادة 326 من قانون العقوبات التى طبقها فى حق الطاعنين ودانهم بها واستظهر تلك الأركان ومن ذلك ما أورده عن القصد الجنائى قوله "إن الثابت من أقوال المتهمين الأول والثانى أيهما حصلا من المجنى عليها على ما كانت تتحلى به من حلى هى غير المدعى بسرقتها من محلهما وأنها لم تخلعها إلا بعد تهديدها لتبليغ الأمر إلى البوليس كما أنه لما كان الثابت من أقوال ثلاثة من شهود المتهمين فضلا عن أقوال المجنى عليها أنه رغم ما تعرضت له هذه الأخيرة من تهديد أجبرها على نزع حليها فإنها لم تعترف بشئ مما سعى المتهمان وزميلهما المتهم الثالث على حملها على الاعتراف به بل تمسكت إلى آخر مراحل الواقعة بانكارها البات للسرقة فإن ذلك ما يثبت توافر القصد الجنائى لدى المتهمين مما تستكمل به الجريمة المسندة إليهما أركانها قانونا" لما كان ذلك، وكان القصد الجنائى فى جريمة الحصول على مال بطريق التهديد المنصوص عليها فى الفقرة الأولى من المادة 326 من قانون العقوبات يتحقق متى أقدم الجانى على ارتكاب الفعل عالما أنه يغتصب مالا لا حق له فيه قانونا ومتوخيا فى ذلك تعطيل إرادة المجنى عليها بطريق التهديد الذى يكفى فيه أن يكون من شأنه ترويع المجنى عليه بحيث يحمله على تسليم المال الذى طلب منه - وكان الواضح مما أورده الحكم المطعون فيه أن الطاعنين إذ حصلوا بطريق التهديد على جميع ما كانت تتحلى به المجنى عليها من مصوغات عوضا عن تلك التى قالوا بسرقتها من متجر الأول والثانى فى يوم 30 من سبتمبر سنة 1950 إنما كانوا مدفوعين إلى ذلك بدافع الطمع والشره فى الحصول على مال لا حق لهم فيه قانونا كما أنهم أساءوا استعمال الوسيلة فى التبليغ عن الحادث للحصول على ذلك المال - لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه خلافا لما يزعمه الطاعنون لم يعتمد فى قضائه على ركن الإكراه المادى وإنما كان إيراد ذلك منه فى صدد التدليل على قيام ركن التهديد. كما أن الواضح من سياقه أن ما أورده من عبارة "توعد الطاعنين للمجنى عليها بالأذى" إنما نقله فى سرد ما تم من الاجراءات ورفع الدعوى على الطاعنين وأسند تلك العبارة إلى وصف النيابة. وبذلك ينتفى وجه الخطأ فى الإسناد - لما كان كل ما تقدم فإن الحكم يكون سليما لم يخطئ القانون فى شئ ويكون الطعن على غير أساس متعينا رفضه موضوعاً.