أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الرابع - السنة 6 - صـ 1351

جلسة 19 من نوفمبر سنة 1955

برياسة السيد الأستاذ مصطفى فاضل وكيل المحكمة وبحضور السادة الأساتذة: حسن داود ومحمود ابراهيم اسماعيل ومصطفى كامل ومحمود محمد مجاهد المستشارين.

(396)
القضية رقم 618 سنة 25 القضائية

(أ) أسباب الإباحة وموانع العقاب. دفاع شرعى. الفعل المتخوف منه الذى يسوغ الدفاع الشرعى. ماهيته. تقدير ظروف الدفاع الشرعى ومقتضياته. المناط فيه. مثال.
(ب) أسباب الإباحة وموانع العقاب. دفاع شرعى. نقض. أسباب موضوعية. سلطة محكمة النقض. تقدير القوة اللازمة لرد الاعتداء فى حالة الدفاع الشرعى. موضوعى. الوقائع الثابتة بالحكم تفيد قيام حالة الدفاع الشرعى. استخلاص محكمة الموضوع ما يخالف هذه الحقيقة. لمحكمة النقض تصحيح هذا الاستخلاص.
1- من المقرر أنه لا يلزم فى الفعل المتخوف منه الذى يسوغ الدفاع الشرعى بصفة عامة أن يكون خطرا حقيقيا فى ذاته بل يكفى أن يبدو كذلك فى اعتقاد المتهم وتصوره بشرط أن يكون هذا الاعتقاد أو التصور مبنيا على أسباب معقولة، وتقدير ظروف الدفاع الشرعى ومقتضياته أمر اعتبارى المناط فيه الحالة النفسية التى تخالط ذات الشخص الذى يفاجأ بفعل الاعتداء فيجعله فى ظروف حرجة دقيقة تتطلب منه معالجة موقفه على الفور والخروج من مأزقه مما لا يصح معه محاسبته على مقتضى التفكير الهادئ المتزن المطمئن الذى كان يتعذر عليه وقتئذ وهو محفوف بهذه الظروف والملابسات. وإذن فاذا كانت الواقعة كما أثبتها الحكم المطعون فيه هى أن الطاعن بوغت أثناء وجوده فى زراعته عند منتصف الليل بحركة فى شجيرات القطن ففطن إلى أن هناك سرقة ولأن الظلام كان حالكا تستحيل معه الرؤية فقد أطلق من بندقيته عيارا ناريا نحو مصدر الصوت أصاب المجنى عليه وأرداه قتيلا وتبين من وجود مقدار من القطن معه أنه كان يسرقه فالواضح من هذه أنه لم يكن فى مقدور الطاعن أن يتبين ما إذا كان السارق واحدا أو أكثر مع احتمال أن يكون بعضهم أو أحدهم يحمل سلاحا أو آلة يتخوف أن يحدث له من استعمالها موت أو جراح بالغة والتخوف فى هذه الحالة يكون مبنيا على أسباب معقولة تبرر رد الاعتداء بالوسيلة التى استخدمها مما يتعين معه اعتباره فى حالة دفاع شرعى عن نفسه وماله.
2- تقدير القوة اللازمة لرد الاعتداء وما إذا كانت تدخل فى حدود حق الدفاع الشرعى أو تتعداه هو من شأن محكمة الموضوع. إلا أنها متى أثبتت فى حكمها من الوقائع ما يدل على أن المتهم كان فى حالة دفاع شرعى ومع ذلك استخلصت ما يخالف هذه الحقيقة فعندئذ يكون لمحكمة النقض أن تصحح هذا الاستخلاص بما يقضى به المنطق والقانون.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: قتل عمدا محمود على عثمان بأن أطلق عليه عيارا ناريا قاصدا من ذلك فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياته. وطلبت من غرفة الاتهام إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمادة 234 فقرة أولى من قانون العقوبات. فقررت بذلك. ومحكمة جنايات سوهاج قضت حضوريا: عملا بالمادة 251 من قانون العقوبات بمعاقبة كامل ثابت أحمد بالحبس مع الشغل لمدة سنتين.
فطعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض.... الخ.


المحكمة

.... وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه هو مخالفته للقانون، ذلك بأنه ينبغى عند تقدير القوة اللازمة للدفاع عن النفس والمال أن يرجع فى ذلك إلى موقف المعتدى عليه وإلى حالته الذهنية عند رد الاعتداء، فإذا كان تخوفه قد أوهمه بوجود خطر على نفسه أو على ماله من حيث خشية اعتداء اللص عليه فى جنح الظلام واحتمال تعريض حياته للخطر أو من حيث تعدد اللصوص واحتمال حملهم أو حمل أحدهم سلاحا قاتلا مما قد يجعل جريمتهم فى تصوره وتقديره من السرقات المعدودة من الجنايات، وكان لهذا التخوف أسباب معقولة، وكانت هذه الظروف متوافرة فى الدعوى الحالية، فلا شك أن هذا التصور فى ذهن المدافع وإن لم يتفق مع الواقع يجعله فى حالة دفاع شرعى فى حدوده القانونية حينما يطلق النار ويترتب على إطلاقه قتل اللص الذى أحدث الحركة فى زراعة قطن المجنى عليه سواء أكان يقصد من الإطلاق قتل اللص أم كان يقصد مجرد حمله على الفرار والتخلى عما يسرقه وبذا يكون الحكم المطعون فيه قد تجافى مع الصواب والمنطق السليم حين قدر من ظروف الدعوى أن الطاعن قد تجاوز حدود الدفاع الشرعى، إذ النتيجة الطبيعية التى تؤدى إليها هذه الظروف التى أثبتها الحكم هى أن الطاعن كان ملتزما حدود الدفاع الشرعى.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما مؤداه "أن المتهم (الطاعن) كان يمر فى حقله حوالى منتصف الليل فى الظلام الحالك وكان المجنى عليه يجنى القطن من الشجيرات بقصد سرقته وقد تمكن من وضع جانب منه فى الكيس الذى يثبته فى جلبابه من الداخل ولم يمكن الظلام المتهم من رؤية المجنى عليه ولكنه أدرك من صوت الحركة التى كان يحدثها وسط الشجيرات أثناء السرقة أنه يوجد فيها لص يسرق منها فبادر إلى إطلاق عيار نحو المكان الذى أدرك أن اللص موجود فيه وعلى مسافة نحو ثلاثة أو أربعة أمتار منه فأصابه وقتله ولما تبين نتيجة تسرعه ومدى مسئوليته عمل على نقل الجثة إلى حقل بعيد ظهر أنه لمحمد السيد داود حيث وجدت فى الصباح". وخلص الحكم من ذلك إلى نفى قيام حالة الدفاع الشرعى عن النفس واعتبار المتهم متجاوزا بنية سليمة حدود حق الدفاع الشرعى عن المال، وقال فى بيان ذلك "إنه سبق القول بأن المتهم أطلق العيار على المكان الذى أدرك أن اللص موجود فيه لمجرد أنه سمع صوت حركة وعلم بوجوده فى الزراعة وأنه لم تبدر من هذا اللص أى حركة أو صوت يثير فزع المتهم حتى يبادر بإطلاق النار عليه وبذا لا يكون لتخوف المتهم من أسباب معقولة كنص المادة 249 من قانون العقوبات وكان من اليسير على المتهم بعد أن لم تبدر من اللص أية بادرة تدل على نية التعدى على شخصه أن يبتعد عن مكانه أو أن يختفى هو الآخر وسط الزراعة وأن يبادر إلى إطلاق أعيرة من بندقيته فى الفضاء لإرهابه فيبادر إليه أصحاب الحقول المجاورة أو من يكون موجودا من الخفراء، ولا مرية فى أن المجنى عليه لم يكن ليجد مندوحة عندئذ من الفرار ولم يكن هنالك بالتالى أى خطر يهدد حياة المتهم أو ينذر بحدوث جروح بالغة، وبذا تنتفى حالة الدفاع الشرعى عن النفس وبما أنه فى حالة الدفاع الشرعى عن مال المتهم وهو زراعة قطن سبق القول بأن المتهم وجد فى ظروف تثير اعتقاده بأن ذلك الشخص الذى سمع صوت حركته هو لص يحاول سرقة قطنه وهو ما تبين فعلا بعد قتله ولكن السرقة التى حاول المجنى عليه ارتكابها لم تكن من السرقات المعدودة جنايات والتى تبيح القتل العمد فى دفعها طبقا لنص المادة 250 من قانون العقوبات كما أن تلك الحركة التى سمعها المتهم لم تكن لتبرر وحدها اعتقاد المتهم بأن الجريمة التى يحاول المجنى عليه ارتكابها هى سرقة من هذا النوع، وبما أن المحكمة تستخلص من ذلك أنه وإن كان المتهم فى حالة دفاع شرعى عن ماله إلا أن هذه الحالة لم تكن تبيح القتل وبذا يكون المتهم قد تعدى بنية سليمة حق الدفاع الشرعى وتجاوزها".
وحيث إنه يبين من هذا الذى ساقته المحكمة فى حكمها أنها خطأت الطاعن فى مسلكه فى دفع عدوان المجنى عليه ورده عن فعل السرقة، ورتبت على ذلك إدانته على اعتبار أن ما وقع منه لا يعد من قبيل الدفاع الشرعى الذى يبيح القتل وإنما يعد تجاوزا لحدود حق الدفاع عن المال لأنه كان فى وسعه أن يبتعد عن مكانه أو أن يتوارى فى الزراعة ويطلق من بندقيته أعيرة نارية فى الفضاء لإرهاب المجنى عليه، ولأن السرقة التى كان يرتكبها هذا الأخير ليست من السرقات المعدودة من الجنايات، هذا الذى ساقته المحكمة ورتبت عليه الإدانة يتجافى مع المنطق والقانون، ذلك أنه من المقرر أنه لا يلزم فى الفعل المتخوف منه الذى يسوغ الدفاع الشرعى بصفة عامة أن يكون خطرا حقيقيا فى ذاته بل يكفى أن يبدو كذلك فى اعتقاد المتهم وتصوره بشرط أن يكون هذا الاعتقاد أو التصور مبنيا على أسباب معقوله، وتقدير ظروف الدفاع الشرعى ومقتضياته أمر اعتبارى المناط فيه الحالة النفسية التى تخالط ذات الشخص الذى يفاجأ بفعل الاعتداء فيجعله فى ظروف حرجه دقيقة تتطلب منه معالجة موقفه على الفور والخروج من مأزقه مما لا يصح معه محاسبته على مقتضى التفكير الهادئ المتزن المطمئن الذى كان يتعذر عليه وقتئذ وهو محفوف بهذه الظروف والملابسات، لما كان ذلك وكانت الواقعة كما أثبتها الحكم المطعون فيه هى أن الطاعن بوغت أثناء وجوده فى زراعته عند منتصف الليل بحركة فى شجيرات القطن ففطن إلى أن هناك سرقة، ولأن الظلام كان حالكا تستحيل معه الرؤية فقد أطلق من بندقيته عيارا ناريا نحو مصدر الصوت أصاب المجنى عليه وأرداه قتيلا وتبين من وجود مقدار من القطن معه أنه كان يسرق، وكان الواضح من هذه الظروف أنه لم يكن فى مقدور الطاعن أن يتبين ما إذا كان السارق واحدا أو أكثر مع احتمال أن يكون بعضهم أو أحدهم يحمل سلاحا أو آلة يتخوف أن يحدث له من استعمالها موت أو جراح بالغة فإن هذا التخوف يكون فى هذه الحالة مبنيا على أسباب معقولة تبرر رد الاعتداء بالوسيلة التى استخدمها، مما يتعين معه اعتباره فى حالة دفاع شرعى عن نفسه وماله، أما ما أوجبه الحكم على الطاعن من اللجوء إلى الفرار والبدء باطلاق أعيرة نارية فى الهواء فليس له فى القانون من سند، ولما كان تقدير القوة اللازمة لرد الاعتداء وما إذا كان ذلك يدخل فى حدود حق الدفاع الشرعى أو يتعداه هو من شأن محكمة الموضوع إلا أنها متى كانت أثبتت فى حكمها من الوقائع ما يدل على أن المتهم كان فى حالة دفاع شرعى ولكنها استخلصت ما يخالف هذه الحقيقة - كما هو الحال فى هذه الدعوى - فإنه عندئذ يكون لمحكمة النقض أن تصحح هذا الاستخلاص بما يقضى به المنطق.
وحيث إنه لما تقدم يتعين قبول الطعن ونقض الحكم المطعون فيه وبراءة الطاعن.