أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الرابع - السنة 6 - صـ 1434

جلسة 5 من ديسمبر سنة 1955

برياسة السيد الأستاذ حسن داود المستشار، وبحضور السادة الأساتذة: محمود ابراهيم اسماعيل، ومصطفى كامل، ومحمود محمد مجاهد، ومحمد محمد حسنين المستشارين.

(423)
القضية رقم 768 سنة 25 القضائية

(أ) دفاع شرعى. انتفاء قيام حالته. البحث فى تجاوز حدوده. لا وجه له.
(ب) حكم. تسبيبه بوجه عام. الخطأ فى الاسناد. متى لا يؤثر فى سلامة الحكم؟
1- ما دامت المحكمة قد نفت قيام حالة الدفاع الشرعى فلا يكون هناك وجه لما يشكو منه المتهم من عدم بحثها فى أمر تجاوز حدود حق الدفاع الشرعى إذ التجاوز لا يكون له وجود إلا حيث تكون حالة الدفاع الشرعى قد توافرت.
2- لا يؤثر فى سلامة الحكم أن يكون قد نسب - على خلاف الثابت بالأوراق - إلى بعض أفراد عائلتى المجنى عليه والمتهم واقعة معينة، ما دامت المحكمة لم تجعل لهذه الواقعة أى اعتبار فى إدانة المتهم وما دام حكمها مقاما على أدلة مؤدية إلى ما رتبه عليها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلا من:1 - على عبد الصبور على خاطر (الطاعن) و2 - عبد الصبور على خاطر: بأنهما قتلا عمدا علي علي حجاج وشرعا فى قتل طه السيد رمضان عمدا ومع سبق الاصرار والترصد بأن عقد العزم على قتلهما وانتظرا معا قدوم المجنى عليهما إلى مكان الحادث يشد كل منهما أزر الآخر ويحمل كل منهما آلة حادة وما أن شاهدا المجنى عليهما حتى طعن أولهما المجنى عليه على على حجاج بخنجر فى صدره وطعن ثانيهما المجنى عليه طه السيد رمضان بسكين فى كتفه الأيسر قاصدين من ذلك قتلهما فأحدثا بهما الإصابات المبينة بالتقرير الطبى والتى أودت بحياة المجنى عليه على على حجاج وخاب أثر الجريمة بالنسبة للمجنى عليه طه السيد رمضان بسبب خارج عن إرادة المتهمين وهو مدراكته بالعلاج. وطلبت من غرفة الاتهام إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما بمقتضى المواد 230 و231 و232 و45 و46 من قانون العقوبات فقررت بذلك، وقد ادعت نعيمه عبد الوهاب (زوجة القتيل) بحق مدنى قدره قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت قبل المتهم الثانى بصفته وليا طبيعيا على ابنه المتهم الأول. نظرت محكمة جنايات القاهرة هذه الدعوى ثم قضت حضوريا - عملا بالمادة 234/ 1 من قانون العقوبات مع تطبيق المادة 17 من نفس القانون بالنسبة إلى المتهم الأول: أولا - بمعاقبة بالسجن لمدة سبع سنين وإلزام عبد الصبور على خاطر بصفته وليا شرعيا على ابنه عبد الصبور على خاطر بأن يدفع للمدعية بالحق المدنى قرشا صاغا والمصاريف المدنية وخمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة وقد استبعدت المحكمة ركن سبق الإصرار، وثانيا: ببراءة المتهم الثانى عبد الصبور على خاطر مما أسند إليه.
فطعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

وحيث إن مبنى الطعن هو الخطأ فى الاسناد والخطأ فى تطبيق القانون والقصور فى البيان، ذلك بأن المحكمة ذكرت فى حكمها فى معرض تحصيل الدعوى أن بعض أفراد عائلتى الطاعن والمجنى عليه اجتمعوا وتبادلوا ألفاظ السب، وأثناء ذلك عمد الطاعن إلى طعن المجنى عليه بخنجر ذى حدين فى صدره قاصدا قتله فأحدث تمزقا بالرئة اليسرى أودى بحياته بعد فترة وجيزة، وهذا الذى أوردته المحكمة لم يرد على لسان أحد من الشهود، وواقع الحال هو أن البادئ بالعدوان هو فريق المجنى عليهما إذ تجمع المجنى عليهما وأقاربهما وأرادوا أن يدخلوا على الطاعن وهو وحده فى منزله، وكان أحد المجنى عليهما يحمل سلاحا والآخر يحمل عصا فوقع الاعتداء من الطاعن دفاعا عن نفسه، ولم يكن غرضه من هذا الاعتداء قتل شخص معين بذاته وإنما قصد مجرد التخويف لرد العدوان، والواقعة على هذه الصورة تعد قتلا خطأ، وقد تمسك الطاعن بهذا الدفاع كما تمسك بأنه كان فى حالة دفاع شرعى ولكن المحكمة أغفلت الرد على الوجه الأول وردت على الوجه الثانى ردا يتجافى مع الواقع، هذا إلى أنه كان عليها أن تبحث ما إذا كان الطاعن يعد متجاوزا حدود حق الدفاع الشرعى.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما مؤداه "أن شجارا نشب بين إخوة على عبد الصبور خاطر (الطاعن) الصغار وبين ابنه طه السيد رمضان قبل ظهر يوم الجمعة 4 من يونيه سنة 1954 وقد تداخل فيه المتهم الأول وفضه، وبعد قليل خرج طه السيد رمضان وعاتب هذا المتهم وتبادلا ألفاظ السباب ولكن بعض المجتمعين من المجاورين فضوا هذا الشجار ولكن تجدد بعد صلاة الجمعة أيضا واجتمع بعض أفراد العائلتين وتبادلوا ألفاظ السباب أيضا وأثناء ذلك طعن المتهم الأول على عبد الصبور على خاطر المجنى عليه على على حجاج بخنجر له نصل بحدين فى صدره قاصدا قتله فأصابه فى رئته اليسرى وأحدث بها تمزقا أودى بحياته بعد فترة وجيزة من إصابته، وأصيب طه السيد رمضان أثناء هذا الشجار بجرح طعنى فى كتفه الأيسر وفر المتهم الأول (الطاعن) إلى منزله هاربا فتبعه بعض المجاورين وحاولوا اقتحام المنزل وضبطه ولكنهم لم يتمكنوا إذ قفله بمزلاج متين وتمكن بعض أقارب المجنى عليه من الاتصال بالإسعاف والإبلاغ عن الحادث وقد اعترف المتهم الأول بأنه طعن المجنى عليه على على حجاج بخنجر فى صدره وقدم هذا الخنجر لمحقق البوليس وأرشده عن مكان إخفائه فى مسقط النور خلف دورة المياه بمنزله وقد ناظره المحقق فوجده خنجرا له نصل ذو حدين وله جراب من الجلد كان ملوثا بالطين من أثر إخفائه مدفونا بأرضية المنور وزعم هذا المتهم أنه أصاب المجنى عليه دفاعا عن نفسه" وأورد الحكم الأدلة التى استخلصت المحكمة منها ثبوت وقوع هذه الواقعة من الطاعن وهى أدلة سائغة لها أصلها فى التحقيقات ومن شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها. ثم عرض لما يثيره الطاعن فى طعنه من قيام حالة الدفاع الشرعى وانتفاء نية القتل فقال "إن المتهم الأول وإن اعترف بأنه طعن المجنى عليه آنف الذكر بالخنجر فى صدره إلا أنه زعم أنه إنما ضر به دفاعا عن نفسه وقد اضطرب فى بيان ذلك اضطرابا شديدا يدل على عدم صدق رواتبه إذ ادعى فى مبدأ الأمر أنه بعد حدوث المشاحنة الأولى بين إخوته وابنه طه السيد حضر الأخير وعاتبه ثم فضهما المجتمعون وانصرف طه السيد لصلاة الجمعة ودخل هو إلى منزله، وبعد صلاة الجمعة سمع قرعا شديدا على باب منزله فطلع يستطلع الخبر فوجد طه السيد وعباس السيد رمضان وعلى على حجاج واقفين أمام المنزل واستنتج من حالتهم أنهم يريدون الاعتداء عليه فقفل الباب بمزلاج متين ودلف إلى داخل المنزل، ولكن قرع الباب مستمر فأحضر خنجرا وخرج إليهم فوجدهم لا يزالون واقفين فطعن أقرب شخص كان يقف أمامه وهو المجنى عليه بالخنجر وأصابه ثم دخل منزله وقفل بابه أيضا، ولما سئل عما إذا كان أحد قد اعتدى عليه بالفعل أجاب سلبا، ولما سئل عما يبرر اعتداءه على المجنى عليه بالذات زعم فى رواية ثانية أن آخرين كانوا مع هؤلاء الثلاثة وأن أحدهم ضربه بعصا على ساقه وأن المجنى عليه ضربه بقبقاب على رأسه، وأضاف إلى ذلك أنهم حاولوا اقتحام باب منزله واستند الدفاع عنه بالجلسة إلى أن الثابت من المعاينة أن هناك محاولة لفتح الباب وأن بعض قطع الزجاج والطوب وجدت بداخل منزله، وبما أن هذا الدفاع فضلا عن تناقضه وفضلا عن أن المتهم لم يبين حتى فى روايته الخطر الحال الداهم الذى يبرر قتله المجنى عليه، هذا الدفاع على غير أساس إذ ثبت من التقرير الطبى الشرعى أن المتهم ليس به أثر لإصابة ما، وقد عملت له أشعة تبين منها عدم صدق روايته، كما أن نفس المتهم أشهد شاهدين هما طه عبد الله محمد وعبد المنعم سلامه وقال إنهما شاهدا محاولة الاعتداء عليه فكذبه هذان الشاهدان وأكدا أن المجنى عليه لم يعتد ولم يحاول الاعتداء عليه، وأن أحدا لم يحاول اقتحام منزله. بل لقد أكد طه عبد الله محمد أن ما حدث من محاولة لفتح باب منزله ومن إتلاف جزء من لوح زجاج بإحدى الغرف نتيجة إلقاء حجر عليه إنما حدث بعد أن اعتدى المتهم الأول على المجنى عليه وقتله فقد اجتمع المجاورون وحاولوا القبض على المتهم وضبطه ولكنه اختفى بداخل منزله وقفل الباب فحاولوا اقتحامه عبثا وألقى أحدهم قطعة حجر صغيرة فأحدثت إتلافا فى جزء من لوح زجاج داخلى بإحدى الغرف، ومن كل هذا يتبين أن دفاع المتهم على غير أساس وأن حياته لم تكن فى خطر وأنه إنما اعتدى على المجنى عليه دون مبرر. وبما أن نية القتل متوافرة من استعمال المتهم لسلاح حاد قاتل وإصابة المجنى عليه فى مقتل إصابة جسيمة لم تكتف بالنفاد إلى التجويف الصدرى وإنما قطعت الأوعية الدموية وسببت نزيفا كبيرا بالصدر كما جاء بالصفة التشريحية مما يؤكد أن المتهم إنما طعن المجنى عليه بهذا الخنجر القاتل بنية إزهاق روح المجنى عليه وقتله". ولما كان ما أورده الحكم من ذلك تتوفر به نية القتل عند الطاعن، وتنتفى به حالة الدفاع الشرعى كما هى معرفة به فى القانون، وكان لا وجه لما يشكو منه الطاعن فى طعنه من عدم بحث المحكمة فى أمر تجاوز حدود حق الدفاع الشرعى، إذ التجاوز لا يكون له وجود إلا حيث تكون حالة الدفاع الشرعى قد توفرت، فإن ما يثيره الطاعن فى طعنه لا يكون له أساس، أما ما ينعاه على الحكم من أنه أخطأ فى الإسناد فإنه لا يؤثر فى سلامة الحكم أن يكون قد نسب على خلاف الثابت بالأوراق إلى بعض أفراد عائلتى المجنى عليه والطاعن أنهم تشاتموا وأن اعتداء الطاعن على المجنى عليه حدث فى تلك الأثناء، ما دامت المحكمة لم تجعل لهذه الواقعة أى اعتبار فى إدانة الطاعن وما دام حكمها مقاما على أدلة مؤدية إلى ما رتبه عليها.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.