أحكام النقض - المكتب الفنى - مدني
الجزء الثانى - السنة 28 - صـ 1597

جلسة 2 من نوفمبر سنة 1977

برئاسة السيد المستشار محمد أسعد محمود نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمد الباجورى ومحمود رمضان وعاصم المراغى وإبراهيم فراج.

(276)
الطعن رقم 625 لسنة 42 القضائية

(1) إيجار. إصلاح زراعى. دعوى "قبول الدعوى". عقد.
الدعاوى الناشئة عن إيجار الأراضى - شرط قبولها . إيداع نسخة من عقد الإيجار الجمعية التعاونية الزراعية. العقود المحررة فى تاريخ سابق على العمل بالقانون 87 لسنة 1963. لا تخضع لهذا القيد. علة ذلك.
(2) إيجار .إصلاح زراعى. اختصاص.
المنازعة فى مساحة الأرض المؤجرة. اختصاص لجنة الفصل فى المنازعات الزراعية بنظرها قبل صدور القانون 76 لسنة 1975. اختصاص المحكمة الجزئية بنظرها بعد صدوره. لا ينفى اختصاص المحكمة الابتدائية بها باعتبارها طلباً عارضا فى دعوى المطالبة بالإجراء.
(3) إيجار. ملكية.
إيجار ملك الغير. صحيح فيما بين المؤجر والمستأجر- م 558 مدنى. النعى على المحكمة عدم اطلاعها على سند ملكية المؤجر فى دعوى المطالبة بالأجرة. غير منتج طالما لم يدع أن أحداً قد تعرض له فى العين المؤجرة.
(4) إيجار. إصلاح زراعى.
قيام العلاقة مباشرة بين المؤجر والمستأجر من الباطن بالنسبة للعقود المحرره قبل صدور القانون 178 لسنة 1952 دون المستأجر الأصلى.
(5) إثبات " الإحالة للتحقيق".
الالتفات عن طلب الإحالة للتحقيق. مناطه. وجود ما يكفى لتكوين عقيدة المحكمة.
1 - مفاد المادتين (36، 36 مكرراً "ب") من القانون 178 لسنة 1952 المعدل بالقانون 52 لسنة 1966، أن المشرع جعل من إيداع نسخة من عقد الإيجار بالجمعية الزراعية المختصة شرطاً لقبول أية دعوى أو منازعة ناشئة عن الإيجار سواء رفعت الدعوى أو المنازعة أمام القضاء أو أمام لجنة الفصل فى المنازعات قبل إلغائها أو أمام أية جهة إدارية أخرى، ولا يقوم مقام هذا الشرط الإقرار بقيام العلاقة التأجيرية أو تقديم عقد الإيجار الموقع عليه من الطرفين وهذا الجزاء المستحدث بالقانون رقم 17 لسنة 1963 والمعمول به اعتبارا من 13 من فبراير سنة 1963 ثم بالقانون رقم 52 لسنة 1966 المعمول به فى 8 سبتمبر سنة 1966 إجراء قصد به توفير الحماية للمستأجر ويستهدف منع تحايل الملاك عن طريق استبقاع المستأجرين على بياض دون أن يعلموا شروط العقد التى أمضوها أو يدركوا ماهيتها أخذاً بأنه متى كان الإيداع متطلباً فإن كتابة العقد لا تكون مقصودة لذاتها وإنما تعتبر ضرورية لكى تمكن من حصول الإيداع. ولما كانت الكتابة المودعة لعقد الإيجار تتعلق بهذه المثابة بالإثبات لبيان الشرط اللازم لقبول الإثبات بمقتضاه وقوة الدليل المستفاد منه، فإنها تخضع لحكم المادة التاسعة من القانون التى تقضى بأن تسرى فى شأن الأدلة التى تعد مقدماً النصوص المعمول بها فى الوقت الذى أعد فيه الدليل أو فى الوقت الذى ينبغى إعداده فيه، بمعنى أن القانون الذى نشأ التصرف فى ظله هو الذى يحكم المراكز العقدية المثبتة فيه، دون اعتداد بما إذا كان ثمت قانون جديد يتطلب دليلاً آخر لم يكن يستوجبه القانون القديم. يؤيد هذا النظر أن المشرع فى المادة (36 مكرراً) يتكلم عن عدم التوقيع على العقد وعن عدم إيداعه باعتبارهما شيئاً واحداً يوجب عند افتقاد أيهما أو كليهما على لجنة الفصل فى العلاقة الإيجارية ومن نوعها بكافة طرق الإثبات، وأن المادة 36 مكرراً "أ" التالية لهما تقرر أنه فى حالة ثبوت العلاقة الإيجارية وفقاً لحكم المادة السابقة يلزم الطرف الممتنع عن إيداع العقد أو توقعيه بأن يؤدى مصاريف إدارية عن سنة زراعية واحد بنسبة معينة من الأجرة السنوية، ويترتب على ذلك أن الإيداع لا يكون مطلوباً بالنسبة لعقود الإيجار المبرمة قبل تاريخ العمل بأى من القانونين رقم 17 لسنة 1963 ورقم 52 لسنة 1969 اللذين استحدثا هذا الإيداع، لما كان ذلك وكان عقد الإيجار موضوع النزاع قد أبرم فى أول ديسمبر 1951 أى قبل صدور المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 فى شأن الإصلاح الزراعى وقبل سريان ما استحدث به من تعديلات استوجبت كتابة عقود الإيجار وإيداعها الجمعية التعاونية الزراعية، وكان القانون السارى وقت إبرام العقد لا يوجب التدليل على وجود عقود إيجار الأراضى الزراعية اتخاذ أى من الإجراءين، وكانت قد ثبتت المراكز القانونية للعاقدين مقدماً منذ نشوء العلاقة ووضحت التزامات وحقوق كل منها بالتطبيق للقواعد العامة السارية وقتذاك فإن هذه القواعد التى نشأ التصرف فى ظلها هى التى تحكم المراكز العقدية بموجبها، وبالتالى فلا يكون إيداع هذا العقد لازماً ولا يخضع لأحكام المواد 36 مكرراً، 36مكرر"أ" 36 "ب" من المرسوم بقانون 178 لسنة 1952 حسبما سرت عليها التعديلات بموجب القانون رقم 17 لسنة 1963 ثم القانون رقم 52 لسنة 1966، يستوى فى ذلك أن تكون هذه الأحكام إجرائية أو عقابية أو متعلقة بعدم القبول ، طالما أن القانون الذى أبرم العقد فى ظله - وعلى ما سلف البيان لم يكن يشترط الإيداع وبالتبعية فلو ينظم إجراءاته ولم يبين الإجراءات البديلة له. لما كان ما تقدم فإن الدعوى الماثلة تكون مقبولة سواء أودع المؤجر نسخة أصلية من عقد الإيجار أو صورة طبق الأصل منه أو صورته الشمسية أو لم يودعه أصلاً، وإذ خلص الحكم المطعون فيه إلى هذه النتيجة وإن تنكب الوسيلة فإن النعى عليه بمخالفة القانون يكون ولا محل له.
2 - إذ كان الواقع فى الدعوى أن المطعون عليه أقامها أصلاً أمام المحكمة الابتدائية بالمطالبة بأجرة أرض زراعية يستأجرها منه الطاعن، وهى دعوى تدخل فى اختصاص المحكمة الابتدائية طبقاً لقواعد واختصاص القيمى، كما أنها تندرج ضمن الاختصاص المشترك بين القضاء العادى وبين لجان الفصل فى المنازعات الزراعية، وأنه وأن كانت الفقرة الثانية من المادة الثالثة من القانون رقم 54 لسنة 1966 بشأن لجان الفصل فى المنازعات الزراعية وقبل إلغائه بالقانون رقم 67 لسنة 1975 قد جعلت المنازعة فى مساحة الأرض الزراعية المؤجرة تدخل ضمن الاختصاص الانفرادى للجان الفصل فى المنازعات الزراعية وتخرج بالتالى عن ولاية القضاء العادى بحيث يمتنع على المحاكم التصدى لأية منازعة استأثرت اللجان دون سواها الاختصاص بها، ولئن كان تصدى محكمة الاستئناف لهذا النزاع وندب خبير لتحقيقه والفصل فيه يعيب حكمها بمخالفة القانون، إلا أنه لما كان القانون رقم 67 لسنة 1975 المعمول به فى 31 من يوليو 1975 أضاف إلى قانون الإصلاح الزراعى المادة 39 مكرراً التى ألغت لجان الفصل فى المنازعات الزراعية وجعلت المحكمة الجزئية مختصة بنظر المنازعات المتعلقة بالأراضى الزراعية مهما كانت قيمة الدعوى، ، وقضت بإحالة جميع المنازعات المنظورة أمام اللجان إلى المحاكم وكانت المنازعة فى مساحة العين المؤجرة فى دعوى المطالبة بالأجرة تمثل طلباً عارضاً مرتبطاً كل الارتباط بالطلب الأصلى فى معنى المادتين 123، 125 من قانون المرافعات وتختص به المحكمة الابتدائية مهما كانت قيمته حتى ولو كانت المحكمة الجزئية تختص به اختصاصاً نوعياً عملاً بالمادة 347 من ذات القانون، وكانت محكمة الاستئناف التى عرضت للنزاع بمناسبة الطعن على الحكم بعدم قبول الدعوى أمامها قد تصدت للمسألة العارضة وفصلت فيها باعتبارها مطروحة عليها تبعاً لاستئناف حكم محكمة أول درجة فإن النعى بفرض صحته وما يترتب عليه من نقض الحكم فى خصوصه لا يحقق للطاعن سوى مصلحة نظرية بحتة لا تصلح لقبول الطعن بما يجعله غير منتج.
3 - مؤدى ما تقضى به المادة 558 من القانون المدنى من أن الإيجار عقد يلتزم المؤجر بمقتضاه أن يمكن المستاجر من الانتفاع بشئ معين مدة معينة لقاء أجر معلوم، لا يشترط أن يكون المؤجر مالكا بما يعنى أن إيجار ملك الغير صحيح فى صدد العلاقة بين المؤجر والمستأجر وأنه ليس لهذا الأخير طلب فسخ الإيجار إلا إذا تعرض له المالك للعين المؤجرة، وكان الطاعن لا يمارى فى أن الأطيان المشار إليها بهذا الوجه وردت ضمن القدر المؤجر فى عقد الإيجار، وأنه مكن من الانتفاع بها ولم يدع أن أحداً تعرض له فيها فإن عدم اطلاع المحكمة على عقد بيع صادر للمطعون عليه بشأن جزء من الأطيان المؤجرة لا يجدى طالما لا لزوم له فى الدعوى المطروحة.
4 - مؤدى المادة 32 من قانون الإصلاح الزراعى رقم 178 لسنة 1952 قبل تعديلها بالقانون رقم 52 لسنة 1966 والمادة 39 مكررا منه المضافة بالمرسوم بقانون رقم 197 لسنة 1952 قبل إلغائها بالقانون رقم 52 لسنة 1966، والمادة الثانية من قرار التفسير التشريعى رقم 2 لسنة 1952 - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنه بالنسبة لعقود الإيجار المبرمة قبل صدور قانون الإصلاح الزراعى رقم 178 لسنة 1952 تقوم العلاقة الإيجارية مباشرة بين المالك والمستأجر من الباطن دون المستأجر الأصلى.
5 - مناط حرية محكمة الموضوع فى تقدير الدليل أن يكون قضاؤها قائماً على أسباب تحمله، كما أن حقها فى الالتفات عن طلب الإحالة إلى التحقيق رهين بأن تجد فى الدعوى ما يكفى لتكوين عقيدتها مما يغنى عن إجرائه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل فى أن المطعون عليه أقام ضد الطاعن الدعوى رقم 904 لسنة 1969 مدنى أمام محكمة المنيا الابتدائية بطلب الحكم بإلزامه بأن يؤدى إليه مبلغ 349 جنيهاً و320 مليماً وبصحة إجراءات الحجزين التحفظين الموقعين فى 18 و 20 أغسطس 1969. وقال شرحاً لها أنه بموجب عقد مؤرخ أول ديسمبر 1951 استأجر منه الطاعن بصفته الشخصية وبصفته وكيلاً عن والدته وشقيقته أطياناً زراعية مساحتها 20 فداناً و 17 قيراط و 16 سهماً شيوعاً فى مساحة 33 فدان و 22 قيراط و 9 أسهم موضحة الحدود والمعالم بالعقد لمدة سنتين ابتداء من أول نوفمبر 1951 حتى أكتوبر 1954 لقاء أجرة سنوية قدرها 38 جنيهاً للفدان الواحد وقد امتد العقد طبقاً لقانون الإصلاح الزراعى واحتسبت الأجرة طبقاً لسبعة أمثال الضريبة بمبلغ 28 جنيه، وإذ يخصه فى القدر المؤجر مساحة 7 أفدنه و 3 قراريط و 20 سهماً أجرتها السنوية مبلغ 200 جنيه و 660 مليم تخصم منها الأموال الأميرية وقدرها 26 جنيهاً، وتأخر الطاعن فى سدادها عن المدة من 15من إبريل 1967 حتى 14 من إبريل 1969 وقدرها 349 جنيهاً و 320 مليماً، ورفض استصدار الأمر بالأداء فقد أقام دعواه بطلباته سالفة البيان، وبتاريخ 8 من نوفمبر 1969 حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، استأنف المطعون عليه هذا الحكم بالاستئناف رقم 118 لسنة 5 ق بنى سويف (مأمورية المنيا) طالباً القضاء له بطلباته. وبتاريخ 9 من مايو 1970 حكمت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من عدم قبول الدعوى وبقبولها، وقبل الفصل فى الموضوع بندب مكتب خبراء وزارة العدل للانتقال إلى الأطيان المؤجرة لبيان مساحتها وقيمتها الإيجارية بحسب الضريبة المربوطة عليها وصافى ما يستحقه المطعون عليه من أجرة على أساس سبعة أمثال الضريبة أو الأجرة المسماة فى عقد الإيجار أيهما أقل وبعد أن قدم الخبير تقرير عادت فحكمت فى 5 من يونيو 1972 بإلزام الطاعن بأن يدفع للمطعون عليه مبلغ 349 جنيهاً و 200 مليم. طعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرتين أبدت فيهما الرى بنقض الحكم، وعرض الطعن على هذه المحكمة فى غرفة مشورة فرأته جديراً بالنظر وبالجلسة المحددة ألتزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن بنى على أربعة أسباب، ينعى الطاعن بالسبب الثانى منها على الحكم المطعون فيه بمخالفة القانون، وفى بيان ذلك يقول إن الحكم خلص إلى إلغاء حكم محكمة أول درجة فيما قضى به من عدم قبول الدعوى، وأنتهى إلى قبولها على سند من القول بأنه يكفى لصحة الإيداع فى معنى المادة (36) من قانون الإصلاح الزراعى أن يودع المؤجر صورة فوتوغرافية من عقد الإيجار بالجمعية التعاونية الزراعية المختصة طالما الثابت من العقد المقدم من المطعون عليه أنه مختوم بخاتم تلك الجمعية ومؤشر عليه بما يفيد احتفاظها بصورة منه فى تاريخ لاحق للقانون رقم 52 لسنة 1966 الذى استلزم الإيداع، فى حين أن تلك المادة صريحة فى وجوب أن يكون عقد الإيجار محرراً بداءة من ثلاث نسخ أصلية وموقع من الطرفين على كل نسخة منها، ولا يكفى فى هذا الخصوص أن تكون صورة طبق الأصل أو صورة فوتوغرافية وإلا كان الإيداع باطلاً، وإذ عمد الحكم إلى تفسير نص قانونى صريح وأجاز قبول إيداع الصور الفوتوغرافية لعقود الإيجار خلافاً له فإنه يكون قد خالف القانون.
وحيث إن النعى غير سديد، ذلك أن النص فى المادة 36 من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بالإصلاح الزراعى معدلة بالقانون رقم 52 لسنة 1966 على أنه " يجب أن يكون عقد الإيجار مزارعة أو نقداً ثابتاً بالكتابة أياً كانت قيمته...، ويحرر العقد من ثلاث نسخ على الأقل توقع من أطرافه، ويحتفظ كل من المتعاقدين بنسخة منها وتودع نسخ أخرى بالجمعية التعاونية الزراعية المختصة فى القرية الكائنة فى زمامها الأطيان المؤجرة ..... ويقع عبء الالتزام بالإيداع على المؤجر"، وفى المادة 36 مكرر (ب) منه معدلة بذات القانون على أنه " لا تقبل المنازعات والدعاوى الناشئة عن إيجار الأراضى الزراعية مزارعة أو نقداً " أمام أية جهة إدارية أو قضائية ما لم يكن عقد الإيجار مودعاً بالجمعية التعاونية الزراعية المختصة فإذا كان عقد تلإيجار مكتوبا ولم تودع نسخة منه بالجمعيات الزراعية المختصة فلا تقبل المنازعات والدعاوى الناشئة عن هذا العقد ممن أخل بالالتزام بالإيداع " يدل على أن المشرع جعل من إيداع نسخة من عقد الإيجار بالجمعية الزراعية المختصة شرطاً لقبول أية دعوى أو منازعة ناشئة عن الإيجار، سواء رفعت الدعوى أو المنازعة أمام القضاء أو أمام لجنة الفصل فى المنازعات الزراعية قبل إلغائها أو أمام أية جهة إدارية أخرى، ولا يقوم مقام هذا الشرط الإقرار بقيام العلاقة التأجيرية أو تقديم عقد الإيجار الموقع عليه من الطرفين وهذا الجزاء المستحدث بالقانون رقم 17 لسنة 1963 والمعمول به اعتباراً من 13 من فبراير سنة 1963 ثم بالقانون رقم 52 لسنة 1966 المعمول به فى 8 سبتمبر سنة 1966 إجراء قصد به توفير الحماية للمستأجر، ويستهدف منع تحايل الملاك عن طريق استبقاع المستأجرين على بياض دون أن يعلموا شروط العقد التى أمضوها أو يدركوا ماهيتها، أخذاً بأنه متى كان الإيداع متطلباً فإن كتابة العقد لا تكون مقصودة لذاتها وإنما تعتبر ضرورية لكى تمكن من حصول الإيداع. ولما كانت الكتابة المودعة لعقد الإيجار تتعلق بهذه المثابة بالإثبات لبيان الشرط اللازم لقبول الإثبات بمقتضاه وقوة الدليل المستفاد منه، فإنها تخضع لحكم المادة التاسعة من القانون التى تقضى بأن تسرى فى شأن الأدلة التى تعد مقدماً النصوص المعمول بها فى الوقت الذى أعد فيه الدليل أو فى الوقت الذى ينبغى إعداده فيه، بمعنى أن القانون الذى نشأ التصرف فى ظله هو الذى يحكم المراكز العقدية المثبتة فيه، دون اعتداد بما إذا كان ثمت قانون جديد يتطلب دليلاً آخر لم يكن يستوجبه القانون القديم. يؤيد هذا النظر أن المشرع فى المادة 36 مكرراً يتكلم عن عدم التوقيع على العقد وعن عدم إيداعه باعتبارهما شيئاً واحداً يوجب عند افتقاد أيهما أو كليهما على لجنة الفصل فى المنازعات الزراعية - والتى حلت محلها المحكمة الجزئية المحتصة - أن تحقق من قيام العلاقة الإيجارية ومن نوعها بكافة طرق الإثبات، وأن المادة 36 مكرراً (أ) التالية لها تقرر أنه فى حالة ثبوت العلاقة الإيجارية وفقاً لحكم المادة السابقة يلزم الطرف الممتنع عن إيداع العقد أو توقعيه بأن يؤدى مصاريف إدارية عن سنة زراعية واحد بنسبة معينة من الأجرة السنوية، ويترتب على ذلك أن الإيداع لا يكون مطلوباً بالنسبة لعقود الإيجار المبرمة قبل تاريخ العمل بأى من القانونين رقم 17 لسنة 1963 ورقم 52 لسنة 1969 اللذين استحدثا هذا الإيداع، لما كان ذلك وكان عقد الإيجار موضوع النزاع قد أبرم فى أول ديسمبر 1951 أى قبل صدور المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 فى شأن الإصلاح الزراعى وقبل سريان ما استحدث به من تعديلات استوجبت كتابة عقود الإيجار وإيداعها الجمعية التعاونية الزراعية، وكان القانون السارى وقت إبرام العقد لا يوجب للتدليل على وجود عقود إيجار الأراضى الزراعية اتخاذ أى من الإجراءين، وكانت قد ثبتت المراكز القانونية للعاقدين مقدماً منذ نشوء العلاقة ووضحت التزامات وحقوق كل منها بالتطبيق للقواعد العامة السارية وقتذاك، فإن هذه القواعد التى نشأ التصرف فى ظلها هى التى تحكم المراكز العقدية بموجبها، وبالتالى فلا يكون إيداع هذا العقد لازماً ولا يخضع لأحكام المواد 36 مكرراً، 36مكرر(أ)، 36مكررا "ب" من المرسوم بقانون 178 لسنة 1952 حسبما سرت عليها التعديلات بموجب القانون رقم 17 لسنة 1963 ثم القانون رقم 52 لسنة 1966، يستوى فى ذلك أن تكون هذه الأحكام إجرائية أو عقابية أو متعلقة بعدم القبول، طالما أن القانون الذى أبرم العقد فى ظله - وعلى ما سلف البيان - لم يكن يشترط الإيداع وبالتبعية فلم ينظم إجراء أته ولم يبين الإجراءات البديلة له. لما كان ما تقدم فإن الدعوى الماثلة تكون مقبولة سواء أودع المؤجر نسخة أصلية من عقد الإيجار أو صورة طبق الأصل منه أو صورته الشمسية أو لم يودعه أصلاً، وإذ خلص الحكم المطعون فيه إلى هذه النتيجة وإن تنكب الوسيلة فإن النعى عليه بمخالفة القانون يكون ولا محل له.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الأول على الحكم المطعون فيه الخطأ فى تطبيق القانون، وفى بيان ذلك يقول إنه نازع فى جميع مراحل التقاضى فى مقدار المساحة المؤجرة الواردة فى عقد الإيجار المحرر قبل صدور قانون الإصلاح الزراعى متمسكاً بوجوب تطبيق المادة 33 منه، وإذ كانت هذه المنازعة تدخل طبقاً للقانون رقم 54 لسنة 1966 فى اختصاص لجان الفصل فى المنازعات الزراعية، مما كان يستوجب تخلى محكمة الاستئناف عن التعرض لها، فإن فصل الحكم فى هذه المنازعة رغم عدم ولايته بنظرها يعيبه بالخطأ فى تطبيق القانون.
وحيث إن النعى مردود، ذلك أنه لما كان الواقع فى الدعوى أن المطعون عليه أقامها أصلاً أمام المحكمة الابتدائية بالمطالبة بأجرة أرض زراعية يستأجرها منه الطاعن، وهى دعوى تدخل فى اختصاص المحكمة الابتدائية طبقاً لقواعد واختصاص القيمى، كما أنها تندرج ضمن الاختصاص المشترك بين القضاء العادى وبين لجان الفصل فى المنازعات الزراعية، وأن الطاعن تمسك أمام محكمة الاستئناف باعمال حكم المادة 33 من قانون الاصلاح الزراعى معدلة بالقانون رقم 52 لسنة 1966- وقبل تعديلها بالقانون رقم 67 لسنة 1975- والتى تقضى بوجوب احتساب الأجرة باعتبار مساحة الفدان 300 قصبة على الأقل بما فيها المصاريف والقنوات الحقلية الداخلة فى المساحة المؤجرة، وبشرط ألا يجاوز مجموع الأرض المؤجرة ما هو وارد بتكليف المالك ،فناطت محكمة الاستئناف بأحد الخبراء التحقق مما يسوقه الطاعن ضمن ما وكلت إليه من مهمة ما يشير ألى أنها قدرت جدية المنازعة التى يثيرها لما كان ذلك فإنه وان كانت الفقرة الثانية من المادة الثالثة من القانون رقم 54 لسنة 1966 بشأن لجان الفصل فى المنازعات الزراعية - وقبل إلغائه بالقانون رقم 67 لسنة 1975 قد جعلت المنازعة فى مساحة الأرض الزراعية المؤجرة تدخل ضمن الاختصاص الانفرادى للجان الفصل فى المنازعات الزراعية، وتخرج بالتالى عن ولاية القضاء العادى بحيث يمتنع على المحاكم التصدى لأية منازعة استأثرت اللجان دون سواها الاختصاص بها، ولئن كان تصدى محكمة الاستئناف لهذا النزاع وندب خبير لتحقيقه والفصل فيه يعيب حكمها بمخالفة القانون، إلا أنه لما كان القانون رقم 67 لسنة 1975 المعمول به فى 31 من يوليو 1975 أضاف إلى قانون الإصلاح الزراعى المادة 39 مكرراً التى ألغت لجان الفصل فى المنازعات الزراعية مهما كانت قيمة الدعوى، وقضت بإحالة جميع المنازعات المتعلقة بالأراضى الزراعية مهما كانت قيمة الدعوى، وقضت بإحالة جميع المنازعات المنظورة أمام اللجان إلى المحاكم، وكانت المنازعة فى مساحة العين المؤجرة فى دعوى المطالبة بالأجرة تمثل طلباً عارضاً مرتبطاً كل الارتباط بالطلب الأصلى فى معنى المادتين 123، 125 من قانون المرافعات وتختص به المحكمة الابتدائية مهما كانت قيمته حتى ولو كانت المحكمة الجزئية تختص به اختصاصا نوعيا عملاً بالمادة 3 47/3 من ذات القانون، وكانت محكمة الاستئناف التى عرضت للنزاع بمناسبة الطعن على الحكم بعدم قبول الدعوى أمامها قد تصدت للمسألة العارضة وفصلت فيها باعتبارها مطروحة عليها تبعاً لاستئناف حكم محكمة أول درجة فإن النعى بفرض صحته وما يترتب عليه من نقض الحكم فى خصوصه لا يحقق للطاعن سوى مصلحة نظرية بحتة لا تصلح لقبول الطعن بما يجعله غير منتج.
وحيث إن حاصل النعى بالسبب الرابع القصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال ومخالفة الثابت بالأوراق من ثلاثة وجوه: ( أولها ) أن الحكم المطعون فيه ركن إلى الصورة الفوتوغرافية المرفقة بتقرير الخبير والتى قرر المطعون عليه أنها تمثل عقد الإيجار فى حين أن الصورة لا تقوم مقام الأصل. ( وثانيهما ) أنه اعتد بعقد بيع منسوب صدوره مما يدعى ... ... ... رغم عدم إرفاقه بالأوراق، ورغم تناقض ما زعمه المطعون عليه من أن ما اشتراه بموجبه هو 1 فدان و 21 قيراطاً و 15 سهماً مع الثابت بالصورة الفوتوغرافية لعقد الإيجار من أن القدر المشترى لحساب الطرفين معاً هو 2 فدان و 15 قيراطاً، بما يوحى أن لكل منهما النصف، ورغم مخالفة هذا الزعم لإقرار المطعون عليه فى صحيفة دعواه من أن مجموع ما يملكه من الأطيان الواردة بعقد الإيجار هو 7 أفدنة و3قراريط و2سهما ،فى ذات الوقت الذى قرر فبه الحكم أن ما يملكه ميراثاً وشراء هو 8 أفدنة و 2قيراطاً و 12 سهماً. ( الثالث ) أن الحكم أغفل دفاع الطاعن من أن القدر المملوك للمطعون عليه لا يتجاوز ستة أفدنة على أساس أفدنة على أساس أى الفدان يجب ألا تقل مساحته عن 300 قصبة وبشرط ألا يتجاوز مجموع الأرض المؤجرة ما هو وارد فى تكليف المالك عملاً بالمادة 33 من قانون الإصلاح الزراعى.وحيث إن النعى فى وجهه الأول غير صحيح، ذلك أن البين من أسباب الحكم المطعون فيه أنه اطلع على أصل عقد الإيجار الذى قدم من المطعون عليه. والنعى غير منتج فى وجهه الثانى ذلك أنه لما كان مؤدى ما تقضى به المادة 558 من القانون المدنى من أن الإيجار عقد يلتزم المؤجر بمقتضاه أن يمكن المستأجر من الانتفاع بشئ معين مدة معينة لقاء أجر معلوم، لا يشترط أن يكون المؤجر مالكاً بما يعنى أن إيجار ملك الغير صحيح فى صدد العلاقة بين المؤجر والمستأجر وأنه ليس لهذا الأخير طلب فسخ الإيجار إلا إذا تعرض له المالك للعين المؤجرة، وكان الطاعن لا يمارى فى أن الأطيان المشار إليها بهذا الوجه وردت ضمن القدر المؤجر فى عقد الإيجار، وأنه مكن من الانتفاع بها ولم يدع أن أحداً تعرض له فيها، فإن عدم إطلاع المحكمة على عقد بيع صادر للمطعون عليه بشأن جزء من الأطيان المؤجرة لا يجدى طالما لا لزوم له فى الدعوى المطروحة.والنعى فى الوجه الثالث غير مقبول، ذلك أن الطاعن لم يبين ما يقصد من أن قياس الخفية للأطيان المؤجرة والذى اعتمده الحكم جاء على خلاف ما نصت عليه المادة 33 من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بشأن الإصلاح الزراعى وموضع هذه المخالفة وأثرها فى قضائه، ويكون بهذه المثابة نعياً مجهلاً.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ فى تطبيق القانون والإخلال بحق الدفاع، وفى بيان ذلك يقول إن الحكم ألزمه أداء الإيجار عن مساحتين من الأرض المؤجرة لا يضع اليد عليهما كما هو ثابت من تقرير الخبير - ولا ينتفع بهما مع أن الأجرة تقابل المنفعة - علاوة على أنه بالنسبة للقطعة الثانية فقد أجرها من باطنه إلى آخر قبل صدور قانون الإصلاح الزراعى، الأمر الذى يجعل العلاقة الإيجارية بينهما منتهية بمجرد صدور هذا القانون، هذا إلى أنه تمسك أمام محكمة الاستئناف بأنه أخطر المطعون عليه شفاهه بقيام العلاقة الإيجارية المباشرة بينه وبين المستأجرين من الباطن وفى التفسير التشريعى رقم 2 لسنة 1953، وطلب إثباتها بكافة الطرق باعتبارها واقعة مادية، غير إن الحكم التفت عن هذا الدفع ولم يشأ تحقيقه مما يعيبه بالخطأ فى تطبيق القانون والإخلال بحق الدفاع.
وحيث إن النعى فى محله، ذلك أنه لما كان البين من تقرير الخبير بصدد المساحتين المشار إليهما بسبب النعى أن الطاعن لا يضع اليد عليهما منذ سنة 1953، وأنهما فى حوزة آخرين سماهما كانا يستأجرانهما من باطنه، وكان المطعون عليه أقر فى محضر أعمال الخبير المؤرخ 10 من يونيو 1971 بالنسبة لأولى القطعتين أن واضع اليد الحالى كان يستأجرها منه فعلاً عندما كان هو المستأجر لكافة الأطيان قبل تأجيرها لشقيقه الطاعن، ونعى على هذا الأخير بالنسبة للقطعتين أنه لم يخطره باستمرار تأجيرهما لواضعى اليد عليهما وكان الثابت بالمذكرة الختامية المقدمة من الطاعن أمام محكمة الاستئناف أنه أصر على إخطاره المطعون عليه شفاهة، وأن هذه الواقعة مادية يجوز إثباتها بكافة طرق الإثبات بالإضافة إلى أن عقد الإيجار ذاته يجوز إثباته بكافة السبل، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد رد على دفاع الطاعن فى هذا الشأن أنه لم يقدم ما يدل على إخطاره المطعون عليه بالتأجير من الباطن، وكان مؤدى المادة 32 من قانون الإصلاح الزراعى رقم 178 لسنة 1952 قبل تعديلها بالقانون رقم 52 لسنة 1966 والمادة 39 مكرراً منه المضافة بالمرسوم بقانون رقم 197 لسنة 1952 قبل إلغائها بالقانون رقم 52 لسنة 1966، والمادة الثانية من قرار التفسير التشريعى رقم 2 لسنة 1952 - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنه بالنسبة لعقود الإيجار المبرمة قبل صدور قانون الإصلاح الزراعى رقم 178 لسنة 1952 تقوم العلاقة الإيجارية مباشرة بين المالك والمستأجر من الباطن دون المستأجر الأصلى. لما كان ما تقدم وكان للدفاع الذى ساقه الطاعن بقيام العلاقة مباشرة بين المستأجر من الباطن وبين المطعون عليه ما يعززه بما جاء بتقرير الخبير وبما ورد على لسان المطعون عليه نفسه فى محاضر أعماله على النسق السابق، وكان ما بنى عليه الحكم المطعون فيه قضاءه من أن الطاعن لم يقدم دليلاً على إخطاره الشفوى لا يصلح رداً على دفاع الطاعن ولا على طلب إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثباته ولا يعدو أن يكون مصادرة على المطلوب، لأن مناط حرية محكمة الموضوع فى تقدير الدليل أن يكون قضاؤها قائماً على أسباب تحمله، كما أن حقها فى الالتفات عن طلب الإحالة إلى التحقيق رهين بأن تجد فى الدعوى ما يكفى لتكوين عقيدتها مما يغنى عن إجرائه وهو ما لم تفصح عنه فى أسبابها الأمر الذى يستوجب نقض الحكم نقضاً جزئياً فى هذا الخصوص وحده.