أحكام النقض - المكتب الفنى - مدني
الجزء الثانى - السنة 28 - صـ 1632

جلسة 9 من نوفمبر سنة 1977

برئاسة السيد المستشار محمد أسعد محمود نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمد الباجورى، ومحمود رمضان، وعاصم المراغى، وإبراهيم فراج.

(281)
الطعن رقم 9 لسنة 44 القضائية

(1) إيجار "إيجار الأماكن". دعوى "قبول الدعوى".
دعوى المؤجر بإخلاء المستأجر المتأخر فى سداد الأجرة. شرط قبولها. تكليف المستأجر بالوفاء بها. التكليف بوفاء أجرة متنازع عليها. لا يبطل طالما استند المؤجر إلى أساس من الواقع والقانون.
(2) إيجار "إيجار الأماكن". التزام.
تحقيق شروط المقاصة القانونية بين جزء من الأجرة وبين الفروق المستحقة للمستأجر قبل التكليف بالوفاء. لا يبطل التكليف بالوفاء المتضمن كامل الأجرة. علة ذلك.
(3) إيجار "إيجار الأماكن". قوة الأمر المقضى.
اكتساب القضاء النهائى قوة الأمر المقضى. مناطه. الحكم الصادر بتحديد الأجرة القانونية. لا حجية له فى بيان الأجرة الفعلية التى كان يدفعها المستأجر.
1 - مفاد نص المادة 23/ أ من القانون 52 لسنة 1969 بشأن إيجار الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين، أن التكليف بالوفاء يعتبر شرطاً أساسيا لقبول دعوى الإخلاء بسبب التأخير فى سداد الأجرة، فإن خلت منه الدعوى أو وقع باطلاً تعين الحكم بعدم قبول الدعوى ولو لم يتمسك المدعى عليه بذلك، ولئن جاءت المادة خلواً من البيانات التى يجب أن يتضمنها التكليف بالوفاء، إلا أنه لما كان يقصد به إعذاراً المستأجر بالوفاء بالمتأخر عليه من الأجرة فإنه يجب أن يذكر بداهة اسم كل من المؤجر والمستأجر ومقدار الأجرة المطالب بها، ويكفى فيه أن يكون القدر الذى يعتقد المؤجر أن ذمة المستأجر مشغولة به حتى ولو ثبت بعد ذلك أن المقدار الواجب دفعه أقل من المقدار المذكور فى التكليف، بمعنى أن التكليف بأجرة متنازع عليها لا يقع باطلاً طالما يستند إدعاء المؤجر إلى أساس من الواقع أو القانون. ولما كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن التكليف بالوفاء المعلن إلى الطاعن قد حدد الأجرة المستحقة الوفاء بمبلغ 129 جنيهاً و 427 مليماً عن المدة من 1/ 9/ 1965 حتى 31/ 3/ 1970 وكان الطاعن لا ينازع فى عدم قيامه بالوفاء بها أو أنها لا توازى الأجرة القانونية المستحقة عن تلك الفترة، وكان ما أظهره الخبير فى تقريره من قدر للأجرة المتأخرة يقل عن الوارد بتكليف الوفاء ليس مرده إلى وفاء الطاعن بها فى موعد سابق، بل مبعثه ما أجراه من مقاصة بناء على طلب الطاعن بين الأجرة المتأخرة فعلاً وبين ما استبان للخبير أنه مستحق للطاعن من فروق أجرة عن فترة سابقة، لما كان ذلك فإن التكليف بالوفاء يكون قد وقع صحيحاً وتكون دعوى بطلانه غير واردة.
2 - المقاصة القانونية وفق المادة 365 من القانون المدنى تقع بقوة القانون متى توافرت شرائطها، وأنها كالوفاء ينقضى بها الدينان بقدر الأقل منهما إذ يستوفى كل دائن حقه من الدين الذى فى ذمته، وإن هذا الانقضاء ينصرف إلى الوقت الذى يتلاقى فيه الدينان متوافرة فيهما شروطها، ولما كانت المقاصة لا تتعلق بالنظام العام ويجوز النزول عنها صراحة أو ضمناً بعد ثبوت الحق فيها، وأوجب القانون على ذى المصلحة التمسك بها، فإنه لا يكون من شأن إجراء هذه المقاصة عند التمسك بها فى الدعوى أى تأثير على ما تم من إجراءات استوجب القانون اتخاذها قبل رفع الدعوى بالإخلاء بمقتضى المادة (23) من القانون رقم 52 لسنة 1969 سالفة الإشارة، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى برفض الدفع بعدم قبول الدعوى القائم على بطلان التكليف بالوفاء، فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون.
3 - المقرر أن القضاء النهائى لا يكتسب قوة الأمر المقضى فيه إلا فيما ثار بين الخصوم من نزاع وفصلت فيه المحكمة بصفة صريحة أو ضمنية سواء فى المنطوق أو فى الأسباب المرتبطة به، وكان البين من مدونات الحكم رقم 27 لسنة 1966 مدنى دمياط الابتدائية، أنه لم يتضمن قضاء صريحاً أو ضمنياً بمقدار الأجرة التى كان يدفعها الطاعن بالفعل وإنما انصب قضاؤه على حسم المنازعة التى أثيرت حول زيادة الأجرة المتعاقد عليها عن الأجرة القانونية لعين النزاع بما يستوجب تحقيقها وهو ما اقتضى تحديد الأجرة القانونية لعين النزاع بما يستوجب تحقيقها وهو ما اقتضى تحديد الأجرة عند بدء الإجازة واخضاعها للتخفيضات المقررة فى القوانين المتتالية، واما مقدار ما كان يدفعه الطاعن من أجرة للمطعون عليهما فلم يعرض له الحكم تبعا لأنه لم يكن محل نزاع بين الخصوم فى الدعوى ومن ثم لا يحوز حجية فى هذا الخصوص. لما كان ذلك فإن محكمة الاستئناف إذ أقامت قضاءها على سند من حيازة الحكم المشار إليه قوة الأمر المقضى بصدد تحديد الأجرة التى كان يدفعها الطاعن من بدء التأخير بمبلغ 375 قرشاً شهرياً وحجبت بذلك نفسها عن بحث دفاعه بشأن قدر الأجرة التى كان يدفعها بالفعل للمطعون عليهما، وهو دفاع جوهرى من شأنه أن يتغير به وجه الرى فى الدعوى، واستخلصت من ذلك ثبوت تأخره فى الوفاء ورتبت عليه قضاءها بإخلائه من العين المؤجرة، وتكون قد أخلت بحق الدفاع فضلاً عن الخطأ فى تطبيق القانون.


المحكمة:

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع تتحصل - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - فى أن المطعون عليهما أقاما الدعوى رقم 251 لسنة1970 مدنى أمام محكمة دمياط الابتدائية ضد الطاعن بطلب الحكم بإخلائه من العين المؤجرة إليه والموضحة بالصحيفة وتسليمها إليهما خالية، وقالا شرحا لها إنه بموجب عقد مؤرخ 1/ 5/ 1949 استأجر منهما الطاعن هذه العين الكائنة ببندر دمياط لقاء أجرة شهرية خفضت إلى 2 جنيه و 173 مليماً إبتداء من مارس 1965 ثم أصبحت 2 جنيه و645 مليماً اعتبار من يوليه 1968، وإذ تأخر فى سداد الأجرة من أول سبتمبر 1965 حتى آخر مارس 1970 وجملتها 129 جنيهاً و427 مليماً ولم يقم بالوفاء رغم التنبيه عليه فى 22/ 3/ 1970، فقد أقاما الدعوى. أجاب الطاعن ببراءة ذمته من المبلغ المطالب به، لأن الأجرة القانونية لعين النزاع تحددت بالحكم الصادر فى الدعوى رقم 72 لسنة 1966 مدنى دمياط الابتدائية وأنه يستحق فروق أجرة منذ بداية التعاقد الحاصل فى أول ديسمبر 1948، وبتاريخ 27/ 5/ 1970 حكمت المحكمة برفض الدعوى. استأنف المطعون عليهما هذا الحكم بالاستئناف رقم 162 لسنة 2 ق المنصورة ( مأمورية دمياط) طالبين إلغاءه والحكم بالطلبات وبتاريخ 1/ 6/ 1972 حكمت محكمة الاستئناف بندب مكتب خبراء وزارة العدل لإجراء الحساب بين الطرفين على ضوء ما جاء بالحكم رقم 27 لسنة 1966 مدنى دمياط الابتدائية، وبعد أن قدم الخبير تقريره عادت وحكمت بتاريخ 15/ 11/ 1973 بإلغاء الحكم المستأنف وبإخلاء الطاعن من العين المؤجرة وتسليمها إليهما خالية. طعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرى بنقض الحكم، وبعرض الطعن على هذه المحكمة فى غرفة مشورة رأته جديراً بالنظر، وبالجلسة المحددة التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب، ينعى الطاعن بالسبب الثالث منها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون، وفى بيان ذلك يقول انه تمسك بعدم قبول دعوى الإخلاء لبطلان التكليف بالوفاء إذ تضمن أجرة غير مستحقة فى ذمة الطاعن، غير أن الحكم ذهب إلى أن التكليف تم صحيحاً، لما هو ثابت من أن الطاعن لم يسدد الأجرة فعلاً عن المدة من 1/ 5/ 1965 حتى 31/ 3/ 1970 بالقدر الوارد به، وأن ما أظهره الخبير له من فروق خصمت من الأجرة المستحقة إنما كان وليد إجراء المقاصة بين الأجرة المستحقة عليه وبين ما سبق له دفعه من أجرة زائدة فى المدة السابقة على رفع الدعوى فى حين أنه بينما تضمن التكليف بالوفاء المطالبة بمبلغ 129 جنيهاً 427 مليماً أظهر الحكم مشغولية ذمته بمبلغ 18 جنيهاً و291 مليماً بعد إجراء المقاصة التى طلبها، الأمر الذى يجعل التكليف بالوفاء باطلاً. هذا إلى أن أثر المقاصة إنما ينصرف إلى وقت قيام الدين فى ذمة المدين، ويكون التكليف بالوفاء قد انصب على مبلغ يجاوز ما هو مستحق بذمة الطاعن، وهو ما يعيب الحكم بمخالفة القانون.
وحيث إن النعى سديد، ذلك أن النص فى المادة (23) من القانون رقم 52 لسنة 1969 بشأن إيجار الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين على أنه فى غير الأماكن المؤجرة مفروشة لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان ولو انتهت المدة المتفق عليها فى العقد إلا لأحد الأسباب الأتية: ( أ ) إذا لم يقم المستأجر بالوفاء بالأجرة المستحقة خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ تكليفه بذلك بكتاب موصى عليه مصحوب بعلم الوصول بدون مظروف أو بإعلان على يد محضر...، يدل على أن التكليف المشار إليها يعتبر شرطاً أساسيا لقبول دعوى الإخلاء بسبب التأخير فى سداد الأجرة، فإن خلت منه الدعوى أو وقع باطلاً تعين الحكم بعدم قبول الدعوى ولو لم يتمسك المدعى عليه بذلك، ولئن جاءت المادة خلواً من البيانات التى يجب أن يتضمنها التكليف بالوفاء، إلا أنه لما كان يقصد به إعذاراً المستأجر بالوفاء بالمتأخر عليه من الأجرة فإنه يجب أن يذكر بداهة اسم كل من المؤجر والمستأجر ومقدار الأجرة المطالب به، ويكفى فيه أن يكون القدر الذى يعتقد المؤجر أن ذمة المستأجر مشغولة به حتى ولو ثبت بعد ذلك أن المقدار الواجب دفعه أقل من المقدار المذكور فى التكليف، بمعنى أن التكليف بأجرة متنازع عليها لا يقع باطلاً طالما يستند إدعاء المؤجر إلى أساس من الواقع أو القانون. ولما كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن التكليف بالوفاء المعلن إلى الطاعن قد حدد الأجرة المستحقة الوفاء بمبلغ 129 جنيهاً و 427 مليماً عن المدة من 1/ 9/ 1965 حتى 31/ 3/ 1970 وكان الطاعن لا ينازع فى عدم قيامه بالوفاء بها أو أنها لا توازى الأجرة القانونية المستحقة عن تلك الفترة، وكان ما أظهره الخبير فى تقريره من قدر للأجرة المتأخرة يقل عن الوارد بتكليف الوفاء ليس مرده إلى وفاء الطاعن بها فى موعد سابق عليه، بل مبعثه ما أجراه من مقاصة بناء على طلب الطاعن بين الأجرة المتأخرة فعلاً وبين ما استبان للخبير أنه مستحق للطاعن من فروق أجرة عن فترة سابقة، لما كان ذلك فإن التكليف بالوفاء يكون قد وقع صحيحاً وتكون دعوى بطلانه غير واردة. لا يقدح فى ذلك أن المقاصة القانونية وفق المادة 365 من القانون المدنى تقع بقوة القانون متى توافرت وأنها كالوفاء ينقضى بها الدينان بقدر الأقل منهما إذ يستوفى كل دائن حقه من الدين الذى فى ذمته، وإن هذا الانقضاء ينصرف إلى الوقت الذى يتلاقى فيه الدينان متوافرة فيهما شروطها، ولما كانت المقاصة لا تتعلق بالنظام العام ويجوز النزول عنها صراحة أو ضمناً بعد ثبوت الحق فيها، وأوجب القانون على ذى المصلحة التمسك بها، فإنه لا يكون من شأن إجراء هذه المقاصة عند التمسك بها فى الدعوى أى تأثير على ما تم من إجراءات استوجب القانون اتخاذها قبل رفع الدعوى بالإخلاء بمقتضى المادة 23 من القانون رقم 52 لسنة 1969 سالفة الإشارة، وإذ إلتزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى برفض الدفع بعدم قبول الدعوى القائم على بطلان التكليف بالوفاء، فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون ويكون النعى على غير أساس.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن بباقى الأسباب على الحكم المطعون فيه الخطأ فى تطبيق القانون والإخلال بحق الدفاع، وفى بيان ذلك يقول ان الحكم قضى بإخلائه من العين المؤجرة لثبوت مشغولية ذمته بمتأخر أجرة قدرها 18 جنيهاً و291 مليماً حتى 30/ 3/ 1970 ، على سند من أن للحكم الصادر فى دعوى التخفيض رقم 27 لسنة 1966 مدنى دمياط الابتدائية حجية تفرض إجراء المقاصة وفقه، واعتبر أنه كان يدفع الأجرة بواقع 375 قرشاً شهرياً منذ بدء التعاقد، فى حين أن الحكم الصادر فى الدعوى المشار إليها له حجية فى الدعوى الماثلة لأنه اقتصر على تحديد الأجرة القانونية لعين النزاع دون أن يعرض للأجرة التى أوفاها الطاعن بالفعل.هذا إلى أن الطاعن تمسك بأنه كان يسدد الأجرة بواقع 5 جنيها و 400 مليم طبقاً لتحديدها بعقد الإيجار المؤرخ 1/ 5/ 1949 وذلك حتى 31/ 12/ 1961 وبواقع 5 جنيهاً و 80 مليماً بعد تخفيض العوائد حتى 31/ 1/ 1964 وبواقع 4 جنيها و 750 مليماً بعد ذلك حتى 31/ 8/ 1965 وقدم المستندات المثبتة لذلك، إلا أن الحكم لم يرد على هذا الدفاع ولم يمحصه مما يعيبه بالخطأ فى تطبيق القانون والإخلال بحق الدفاع.
وحيث إن النعى فى محله، ذلك أنه لما كان من المقرر أن القضاء النهائى لا يكتسب قوة الأمر المقضى فيه إلا فيما ثار بين الخصوم من نزاع وفصلت فيه المحكمة بصفة صريحة أو ضمنية سواء فى المنطوق أو فى الأسباب المرتبطة به، وكان البين من مدونات الحكم رقم 27 لسنة 1966 مدنى دمياط الابتدائية، أنه لم يتضمن قضاء صريحا أو ضمنيا بمقدار الأجرة التى كان يدفعها الطاعن بالفعل وإنما انصب قضاؤه على حسم المنازعة التى أثيرت حول زيادة الأجرة المتعاقد عليها عن الأجرة القانونية لعين النزاع بما يستوجب تحقيقها وهو ما اقتضى تحديد الأجرة عند بدء الإجازة وإخضاعها للتخفيضات المقررة فى القوانين المتتالية، وأما مقدار ما كان يدفعه الطاعن من أجرة للمطعون عليهما فلم يعرض له الحكم تبعاً لأنه لم يكن محل نزاع بين الخصوم فى الدعوى ومن ثم لا يحوز حجية فى هذا الخصوص. لما كان ذلك فإن محكمة الاستئناف إذ أقامت قضاءها على سند من حيازة الحكم المشار إليه قوة الأمر المقضى بصدد تحديد الأجرة التى كان يدفعها الطاعن من بدء التأخير بمبلغ 375 قرشاً شهرياً وحجبت بذلك نفسها عن بحث دفاعه بشأن قدر الأجرة التى كان يدفعها بالفعل للمطعون عليهما، وهو دفاع جوهرى من شأنه أن يتغير به وجه الرى فى الدعوى، واستخلصت من ذلك ثبوت تأخره فى الوفاء بالأجرة ورتبت عليه قضاءها بإخلائه من العين المؤجرة، وتكون قد أخلت بحق الدفاع فضلاً عن الخطأ فى تطبيق القانون بما يستوجب نقضه دون حاجة لبحث باقى أسباب الطعن.