أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الأول - السنة 12 - صـ 94

جلسة 17 من يناير سنة 1961

برياسة السيد مصطفى كامل المستشار، وبحضور السادة: السيد أحمد عفيفى، وتوفيق أحمد الخشن، وعبد الحليم البيطاش، ومحمود اسماعيل المستشارين.

(15)
الطعن رقم 1028 لسنة 30 القضائية

قذف - القصد الجنائى.
يتحقق الاسناد فى القذف، ولو كان بصفة تشكيكية.
متى كانت العبارة المنشورة، كما يكشف عنوانها وألفاظها، دالة على أن الناشر إنما رمى إلى إسناد وقائع مهينة إلى المدعى بالحق المدنى هى أنه يشتغل بالجاسوسية فإن إيراد هذه العبارة بما اشتملت عليه من وقائع تتضمن بذاتها الدليل على توافر القصد الجنائى، ولا يعفى المتهم أن تكون هذه العبارة منقولة عن جريدة أخرى أجنبية فإن الإسناد فى القذف يتحقق ولو كان بصفة تشكيكية متى كان من شأنها أن تلقى فى الأذهان عقيدة ولو وقتية أو ظنا أو احتمالا ولو وقتيين فى صحة الأمور المدعاة.


الوقائع

أقام المدعى بالحقوق المدنية دعواه مباشرة ضد (المطعون ضدهما) بعريضة قال فيها إنهما قذفا فى حقه بعبارات مخدشة للشرف والاعتبار والناموس وذلك بأن نسبا إليه أمورا لو صحت لأوجبت احتقاره فى أعين الناس. وطلب معاقبتهما بالمواد 171 و 306 و 307 من قانون العقوبات، كما طلب القضاء له عليهما متضامنين بمبلغ ألف جنيه تعويضا. والمحكمة الجزئية قضت حضوريا عملا بمواد الاتهام بتغريم المتهمين عشرين جنيها مع إلزامهما متضامنين بأن يدفعا للمدعى بالحقوق المدنية مائة جنيه والمصاريف وثلاثمائة قرش أتعاب محاماة. استأنف المحكوم عليهما هذا الحكم. وفى أثناء نظر الاستئناف توفى المدعى بالحقوق المدنية وحل محله ورثته. وبعد أن أتمت المحكمة الاستئنافية نظره قضت فيه حضوريا بقبوله شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهمين مما نسب إليهما ورفض الدعوى المدنية قبلهما وألزمت رافعيها مصروفاتها عن الدرجتين بلا مصروفات جنائية. فطعن ورثة المدعى بالحقوق المدنية فى هذا الحكم بطريق النقض..... الخ.


المحكمة

بعد تلاوة التقرير وسماع المرافعة والاطلاع على الأوراق والمداولة.
من حيث إن الطعن المقدم عنه تقرير الأسباب المؤرخ 25 من مارس سنة 1959 قد استوفى الشكل المقرر فى القانون، أما بالنسبة إلى تقرير الأسباب المقدم فى 3 مارس سنة 1959 فلا محل للاعتداد به لتجاوزه الميعاد القانونى.
وحيث إن مما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه أنه أخطأ فى تطبيق القانون حيث اعتبر أن نقل صحيفة المطعون ضدهما عبارة القذف والسب عن صحيفة أخرى لا عقاب عليه وأن النشر كان بحسن نية ولم يقصد به الإساءة أو القذف فى حق مورث الطاعنين - وما انتهى إليه الحكم من ذلك غير سديد، ذلك لأن مجرد النقل لا يدل بذاته على حسن النية بل أن سوء النية فى جرائم النشر يستفاد من علم الشخص بكذب الواقعة أو من عنت غير معقول للعبارات أو عدم تناسب شدتها مع الموضوع أو استحكام الخصومة الشخصية بين الطرفين - الأمر الذى يتوافر فى الدعوى المطروحة حين نشر المطعون ضدهما أن مورث الطاعنين - الذى توجد بينه وبينهما خصومة - يؤسس شبكة للجاسوسية دون أن يقيما أى دليل على أن ذلك المورث كان يعمل بالجاسوسية - تلك التهمة التى لو صحت لآوجبت احتقاره عند أهل وطنه - كما يضيف الطاعنون أن النقل حصل عن جريدة تصدر فى روسيا وكل ما يكتب فيها كذب ودعاية بناء على طلب حكامها من الخصوم السياسيين مما يدل على سوء نية الناقلين لأنهما لم يأخذا ما نشر فى الجريدة المذكورة بالاحراز الشديد بل عملا لها دعاية بأن نشرا فى العدد السابق من جريدتهما فى مكان بارز منه إزعامهما نشر إفشاءات مثيرة عن نشاط مورث الطاعنين فى الجاسوسية. هذا فضلا عن أن سوء النية يتحقق بمجرد نشر عبارة القذف والسب ولا ضرورة لتوافر قصد خاص بل يكفى القصد الجنائى العام الذى يستخلص من صيغة العبارات والأقوال التى تدل عليه، وأن الواقعة تعتبر قذفا أو سبا سواء كانت منقولة أو محررة بواسطة محررى الصحيفة نفسها.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على الحكم المطعون فيه أنه استند فى القضاء ببراءة المطعون ضدهما وبرفض الدعوى المدنية قبلهما، إلى أنهما حينما قاما بنشر المقال موضوع الاتهام نقلاه عن جريدة أرارات - الصادرة فى بيروت ونقلته الأخيرة عن جريدة روسية مما تستنتج منه المحكمة أن المطعون ضدهما كانا حسنى النية فيما نشراه ولو يقصدا إلى الإساءة أو القذف فى حق المدعى بالحق المدنى. ثم قال الحكم إنه متى كان الثابت من ظروف هذه الدعوى أن المتهمين (المطعون ضدهما) قد هدفا فيما نشراه إلى أن يوقفا الرأى العام الأرمنى على ما ينسب إلى المدعى بالحقوق المدنية فى بعض الصحف متوخين فى ذلك الصالح العام ومن ثم يكون القصد الجنائى الخاص الذى يتطلبه فى جرائم النشر قد تخلف لدى المتهمين وبالتالى تكون التهمة المسندة إليهما قد فقدت ركنا من أركانها. لما كان ذلك، وكان النقال موضوع الاتهام يقوم على أن المطعون ضدهما قد نشرا بجريدتهما بتاريخ 5/ 1/ 1955 أنهما سينشران بتاريخ 7/ 1/ 1955 - (إفشاءات مثيرة للشعور للمهاجر السياسى المستقيل من جورجيا - جيلاجريته - بخصوص نشاط جاسوسية لأفاقين طشناق - ورود نفاسارتيان - ثم نشرا بالتاريخ الأخير مقالا نقلا عن جريدة أرارات تضمن أن جيلاجريته ذكر ما يأتى (اقترح علينا الأمريكان أن ننظم الجماعات الجاسوسية فى البلاد المتأخمة للقوقاز والقريبة منها ونحصل على معلومات سلبية من البلاد القوقازية وندرس ميول السكان لتحقيق هذه المهمة الصعبة باستنارة المهاجرين الجورجين - ثم جاء فى المقال بأن جيلاجريته ذكر (فى فرصة أخرى فى سنة 1952 قابلت فاهان نفارسارتيان ورود جاتيان وعرفنا الأول أن دور تضم خلية جاسوسية فى بيروت التى تتصل مباشرة مع أرشيلد روزفلت رئيس شبكة الجاسوسية فى الخارج وأن خلايا الجاسوسية يعملون فى إيران والعراق وسوريا وتركيا فى حين أنى سألت نفاسارتيان - هل سلطات هذه الأقطار راضية بأن ينشئوا وينظموا خلايا من هذا النوع فأجاب بأن أمريكا لا تضن بأى سعى من هذه الجهة ولا يوقف أمامها أية عراقيل ). ولما كانت هذه المقالة قد نشرت باللغة الأرمنية فقد نازع المطعون ضدهما في ترجمة عبارتها وقالا بأن عبارة (أفاق) التى أسندها إليهما المدعون بالحق المدنى ليست ترجمة صحية لما ورد فى المقال وإنما الترجمة الصحيحة (المغامر) كما ذكر المطعون ضدهما بأن وصف نشاط نفاسارتيان بأنه نشاط تجسس مناهض للسوفييت هو نقد للسياسة التى اختطها لنفسه. لما كان ذلك، وكان لهذه المحكمة مراقبة صحة تطبيق القانون على الواقعة الثابتة فى الحكم، كان لها فى جرائم النشر أن تستظهر مرامى العبارات لتتعرف ما إذا كانت هذه العبارات تكون جريمة أولا - ومتى كانت العبارة المنشورة كما يكشف عنوانها وألفاظها دالة على أن الناشر إنما رمى إلى إسناد وقائع مهينة إلى المدعى بالحق المدنى (مورث الطاعنين) هى أنه يشتغل بالجاسوسية فإن إيراد هذه العبارة بما اشتملت عليه من وقائع تتضمن بذاتها الدليل على توافر القصد الجنائى ولا يعفى المتهم أن تكون هذه العبارة منقولة عن جريدة أخرى أجنبية فإن الإسناد فى القذف يتحقق ولو كان بصفة تشكيكية متى كان من شأنها أن تلقى فى الأذهان عقيدة ولو وقتية أو ظنا أو احتمالا ولو وقتيين فى صحة الأمور المدعاة. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه إذ بنى قضاءه بانعدام الخطأ المستوجب للتعويض على عدم توافر أركان الجريمة، قد أخطأ تطبيق القانون، وكان الطاعنون قد أصابهم ضرر من نشر المقال موضوع الدعوى المطروحة فيكون القضاء برفض الدعوى عن التعويض فى غير محله. لما كان ما تقدم، وكان لمحكمة النقض - إعمالا للرخصة المخولة لها بإنزال التطبيق الصحيح للقانون على الواقعة كما صار إثباتها فى الحكم، فإنه يتعين قبول الطعن ونقض الحكم المطعون فيه وتأييد الحكم الابتدائى المستأنف وإلزام المطعون ضدهما بالمصروفات.