أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الأول - السنة 12 - صـ 46

جلسة 3 من يناير سنة 1961

برياسة السيد مصطفى كامل المستشار، وبحضور السادة: السيد أحمد عفيفى، وتوفيق أحمد الخشن، وعبد الحليم البيطاش، ومحمود اسماعيل المستشارين.

(5)
الطعن رقم 1451 لسنة 30 القضائية

دعوى مدنية. المسئولية عن عمل الغير: مسئولية المتبوع عن التابع: علاقة السببية بين الخطأ والوظيفة. متى تتوافر؟
بثبوت أنه لولا الوظيفة لما استطاع التابع أن يرتكب الخطأ أو يفكر فى ارتكابه.
الأساس الذى تقوم عليه مسئولية المتبوع:
ضمانه سوء اختياره تابعه وتقصيره فى مراقبته. كفاية الرقابة الإدارية. لا ينفى الرقابة أن تكون موزعة بين أكثر من شخص واحد على مستخدم يؤدى عملا مشتركا لهم.
1 - يكفى لتحقق مسئولية المتبوع عن الضرر الذى يحدثه تابعه بعمله غير المشروع أن تكون هناك علاقة سببية قائمة بين الخطأ ووظيفة التابع، ويستوى أن يتحقق عن طريق مجاوزة التابع لحدود وظيفته أو عن طريق الإساءة فى استعمال هذه الوظيفة، أو عن طريق استغلالها، ويستوى كذلك أن يكون خطأ التابع قد أمر به المتبوع أو لم يأمر به، علم به أو لم يعلم، كما يستوى أن يكون التابع فى ارتكابه الخطأ المستوجب للمسئولية قد قصد خدمة متبوعه أوجر نفع لنفسه، يستوى كل ذلك ما دام التابع لم يكن يستطيع ارتكاب الخطأ أو يفكر فى ارتكابه لولا الوظيفة. [(1)]
1 - بنى الشارع حكم المادة 174 من القانون المدنى على ما يجب أن يتحمله المتبوع من ضمان سوء اختياره لتابعه عندما عهد إليه بالعمل عنده وتقصيره فى مراقبتة عند قيامه بأعمال وظيفته، ويكفى فى ذلك تحقق الرقابة من الناحية الإدارية، كما لا ينفيها أن تكون موزعة بين أكثر من شخص واحد على مستخدم يؤدى عملا مشتركا لهم. [(1)]


الوقائع

إتهمت النيابة العامة المتهم بأنه تسبب بغير قصد ولا تعمد فى قتل المجنى عليه وإصابة آخر وكان ذلك ناشئا عن إهماله وعدم احتياطه بأن قاد سيارة بسرعة وكيفية ينجم عنها الخطر فصدم المجنى عليهما وأحدث بهما الإصابات الموضحة بالكشف الطبى وبالمحضر والتى أودت بحياة الأول. وطلبت معاقبته بالمادتين 238، 244 من قانون العقوبات. وادعى بحق مدنى كل من الوصية على أولاد المجنى عليه الأول عن نفسها وبصفتها، وشقيق المتوفى قبل المتهم وآخرين (بصفتهما مسئولين عن الحقوق المدنية) وشركة التأمين الأهلية المصرية بالتضامن بمبلغ أربعة آلاف جنيه تعويضا. والمحكمة الجزئية قضت غيابيا عملا بمادتى الاتهام - بحبس المتهم سنة واحدة مع الشغل وكفالة عشرين جنيها لوقف التنفيذ وإلزامه مع المسئولين عن الحقوق المدنية متضامنين بأن يدفعوا لأرملة المجنى عليه الأول عن نفسها وبصفتها وصية على أولاده وكذلك شقيق المتوفى مبلغ ألف جنيه بصفة تعوض والمصاريف. استأنف المسئولان عن الحقوق المدنية هذا الحكم. والمحكمة الاستئنافية قضت حضوريا بعدم قبول استئناف المسئول الثانى عن الحقوق المدنية للتقرير به بعد الميعاد القانونى وبقبول استئناف المسئول الأول عن الحقوق المدنية شكلا ورفضه موضوعا وبتأييد الحكم المستأنف وألزمت المستأنفين بالمصاريف المدنية الاستئنافية فطعن المسئول الأول عن الحقوق المدنية فى هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... حيث إن مبنى الوجه الأول من الطعن هو القصور فى التسبيب، ذلك أن الطاعن دفع بعدم مسئوليته مدنيا عن أعمال المتهم لأن شريكه فى ملكية السيارة التى وقع بسببها الحادث كان منفردا بإداراتها وتشغيلها وتعيين سائقيها ومن يلزم من العمال الآخرين لها، وأنه (أى الطاعن) لم يكن له يد فى هذه الإدارة غير تحصيل أجورها من العملاء وبالتالى لا يكون هناك وجه لمسائلته عن أعمال سائقى هذه السيارة أو غيرهم ممن يستعملونها لأن مناط مسئولية المتبوع عن أعمال تابعه تقوم على افتراض أنه لم يحسن اختيار التابع - هذا بالإضافة إلى أن المتهم لم يكن موكلا بقيادة السيارة وإنما كان يعمل عليها حمالا فحسب، ولا يجوز له قيادتها أو الخروج بها من حظيرتها، وقد قادها خلسة فى يوم الحادث بغير علم شريك الطاعن المسئول عن إدارتها متجاوزا بذلك حدود عمله ووظيفته الأمر الذى تنتفى به مسئولية الطاعن وشريكه عن الخطأ الذى وقع منه خلال هذا التجاوز - غير أن الحكم المطعون فيه قضى بمساءلته مدنيا بالتضامن مع شريكه ومع المتهم دون أن يرد على هذا الدفاع الجوهرى مما يعتبر قصورا مستوجبا للنقض.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى ثم رد على دفاع الطاعن فى قوله: "إنه واضح من التحقيقات أن خفير الجراج قرر أن التباع حضر يوم الحادث وجهز السيارة من زيت وبنزين وخرج بها، ومعروف أنه يفعل ذلك كل يوم فلو صح أن السيارة كانت فى عطلة العيد لما سمح له الخفير بذلك - فضلا عن أن عطيه اسماعيل قد شهد بأن التباع نقل بها رملا ولم يدفع ثمنه، وإذن فالمتهم استعمل السيارة كالعادة، وتبعا لذلك فدفاع المسئول المدنى لا يقوم على أساس - وحق مساءلته عن تعويض المجنى عليهم - وحيث إنه لهذه الأسباب وللأسباب التى وردت بالحكم المستأنف ولا تتعارض معها يكون الحكم المستأنف فى محله........ "وقد أثبت الحكم الابتدائى الذى أيده الحكم المطعون فيه أن الطاعن كان يشترك مع شريكه فى استغلال السيارة وإدارة حركة هذا الاستغلال لحسابهما معا بأن كان - طبقا لما أقر به - يقوم بتحصيل أجور تشغيلها من العملاء بما تتحقق به هو وشريكه مسئوليتهما عن تعويض الضرر الذى لحق بالمجنى عليهم طبقا لنص المادة 174 من القانون المدنى فى شأن مسئولية المتبوع عن الضرر الذى يحدثه تابعه بعمله بغير المشروع متى كان واقعا منه فى حالة تأدية وظيفته وبسببها - كما رد على دفاع الطاعن وشريكه فى شأن قيادة السيارة خلسة فى قوله: "إن ما جاء بدفاع المذكورين أن المتهم أخذ السيارة بدون علمهما يكذبه أن المتهم أخذ السيارة وحملها رمالا من عند أحمد شكرى - كما قرر عطيه اسماعيل - ولم يدفع ثمن الرمال مما يدل على أنه أخذه لحساب المسئولين عن الحقوق المدنية". لما كان ما تقدم، وكان الشارع قد بنى حكم المادة 174 من القانون المدنى على ما يجب أن يحمله المتبوع من ضمان سوء إختياره لتابعه عندما عهد إليه بالعمل عنده وتقصيره فى مراقبته عند قيامه بأعمال وظيفته، وكان يكفى تحقق الرقابة من الناحية الإدارية، كما لا ينفيها أن تكون موزعة بين أكثر من شخص واحد على مستخدم يؤدى عملا مشتركا لهم، لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد بين فى تدليل سائغ وكاف علاقة الطاعن بالمتهم، وأنه شريك فى ملكية السيارة ويقوم على تحصيل أجور تشغيلها من العملاء، وأن المتهم ارتكب جريمته فى أثناء قيامه بتأديه عمله لحساب الطاعن وشريكه، على أنه يكفى لتحقق مسئولية المتبوع على ما يفيده نص الفقرة الأولى من المادة 174 من القانون المدنى أن تكون هناك علاقة سببية قائمة بين الخطأ ووظيفة التابع، ويستوى أن يتحقق ذلك عن طريق مجاوزة التابع لحدود وظيفته أو عن طريق الإساءة فى استعمال هذه الوظيفة، أو عن طريق استغلالها، ويستوى كذلك أن يكون خطأ التابع قد أمر به المتبوع أو لم يأمر به، علم به أو لم يعلم، كما يستوى أن يكون التابع فى ارتكابه الخطأ المستوجب للمسئولية قد قصد خدمة متبوعه أو جر نفع لنفسه، يستوى كل ذلك مادام التابع لم يكن يستطيع ارتكاب الخطأ أو يفكر فى ارتكابه لولا الوظيفة، لما كان كل ذلك، فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الوجه يكون على غير أساس.
وحيث إن محصل الوجه الثانى هو أن الحكم قد شابه فساد فى الاستدلال إذ رد على ما دفع به الطاعن من أن المتهم قاد السيارة خلسة وبدون علمه أو علم شريكه بقوله: "إن خفير الجراج قرر أن التباع (المتهم) حضر يوم الحادث وجهز السيارة من زيت وبنزين وخرج بها ومعروف أنه يفعل ذلك كل يوم فلو صح أن السيارة كانت فى عطلة العيد لما سمح له الخفير بذلك فضلا عن أن عطيه اسماعيل شهد بأن التباع نقل بها رملا ولم يدفع ثمنه وإذن فالمتهم استعمل السيارة كالعادة " - وهذا الرد لا سند له من أوراق الدعوى، لأن الخفير قرر فى محضر ضبط الواقعة أن المتهم خرج بالسيارة من الجراج بعد أن زودها بالزيت والبنزين فى حين أنه اعتاد القيام بتزويدها بهذه السوائل ثم ينتظر حضور السائق ويسلمها له كما أن الثابت أن المتهم لم يكن معه الإيصال الذى جرى العمل على أن يتم به تسليم الرمل مما يدل على أنه لم يكن مكلفا بذلك.
وحيث إن ما بينه الحكم المطعون فيه وأحاط به فى الرد على الوجه الأول سائغ ومتفق وحكم المنطق والقانون ومؤد إلى النتيجة التى خلص إليها، فإن ما يثيره الطاعن لا يكون فى حقيقته إلا جدلا واردا على وقائع الدعوى وأدلتها مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعينا رفضه موضوعا مع إلزام الطاعن بالمصروفات ومصادرة الكفالة التى أداها.


[(1)] مبدأ الطعن 2093/ 29ق - (جلسة 12/ 1/ 1960) - مجموعة الأحكام - سنة 11 - قاعدة 8 - صفحة 45.