أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الأول - السنة 12 - صـ 58

جلسة 9 من يناير سنة 1961

برياسة السيد محمود ابراهيم اسماعيل نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة: محمد عطيه اسماعيل، وعادل يونس، وعبد الحسيب عدى، وحسن خالد المستشارين.

(7)
الطعن رقم 1551 لسنة 30 القضائية

(أ) تحقيق. نيابة عامة. خصائصها:
النيابة جزء من السلطة القضائية والتحقيق الذى يباشره أعضاؤها هو عمل قضائى. لا يصح اعتبار المحقق كالشاهد بالمعنى الخاص المتعارف عليه.
(ب) نيابة عامة. إثبات. شهادة: من يجوز سماعه كشاهد فى الدعوى؟ إجراءات المحاكمة. مالا يبطلها.
ليس فى القانون ما يمنع استدعاء مأمورى الضبط القضائى وأعضاء النيابة وقضاة التحقيق شهودا فى القضايا التى باشروا فيها أعمالا. شرط ذلك: أن ترى المحكمة أو السلطة التى تؤدى الشهادة أمامها محلا لذلك.
مالا يبطل الاجراءات: عدم دعوة المحكمة وكيل النيابة المحقق لسماع شهادته فيما أجراه من تحقيق لاطمئنانها إلى ما أثبته فى محضره. كذلك أخذها إلى جانب أقوال من سمعتهم من شهود بما ورد فى التحقيق الابتدائى.
(ج) إثبات. المحررات. تحقيق. ماهية محضره.
محضر التحقيق محرر رسمى وهو حجة بما يثبت فيه. هذه الحجية لا تحول بين المتهمين وبين إبداء دفاع يعارض ما أثبت فيه.
1 - النيابة العامة شعبة من شعب السلطة القضائية خول الشارع أعضاءها من بين ما خوله لهم سلطة التحقيق ومباشرة الدعوى العمومية، وبين الأحكام الخاصة بالتحقيق بمعرفتها فى الباب الرابع من الكتاب الأول من قانون الإجراءات الجنائية، والتحقيق الذى يباشرونه إنما يجرونه بمقتضى وظائفهم، وهو عمل قضائى، ولا يصح اعتبارهم فى قيامهم بهذا العمل كالشهود بالمعنى الخاص المتعارف عليه، وذلك لأن أساس قيامهم بهذه الأعمال ملحوظ فيه صفتهم كموظفين عموميين.
2 - ليس فى القانون ما يمنع استدعاء الضباط وقضاة التحقيق وأعضاء النيابة شهودا فى القضايا التى لهم عمل فيها - إلا أن استدعاء أى منهم لا يكون إلا متى رأت المحكمة أو السلطة التى تؤدى الشهادة أمامها محلا لذلك - فاذا كان المتهم وإن أشار فى صدور دفاعه إلى أن وكيل النيابة المحقق يعتبر شاهدا فى الدعوى، إلا أن المحكمة لم تر مبررا لمسايرة المتهم فيما أشار إليه واطمأنت إلى ما أثبته فى محضره، وكان للمحكمة أن تأخذ إلى جانب أقوال من سمعتهم من الشهود أمامها بما ورد فى التحقيقات الابتدائية والتقارير الطبية ومحاضر المعاينة مادام كل ذلك كان معروضا على بساط البحث متاحا للدفاع أن يناقشه، فإن ما يعيبه المتهم على الحكم من استناده إلى ما أثبته وكيل النيابة فى محضره دون سماعه لا يستند إلى أساس.
3 - المحاضر التى يحررها أعضاء النيابة العامة لإثبات التحقيق الذى يباشرونه هى محاضر رسميه لصدورها من موظف مختص بتحريرها، وهى بهذا الاعتبار حجة بما يثبت فيها - وإن كانت حجيتها لا تحول بين المتهمين وبين إبداء دفاعهم على الوجه الذى يرونه مهما كان متعارضا مع ما أثبت فيها.


الوقائع

إتهمت النيابة العامة الطاعن وأخرى بأنهما أحرزا حشيشا وأفيونا فى غير الأحوال المصرح بها قانونا. وطلبت من غرفة الاتهام إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما بالمواد 1 و 2 و 33/ جـ و 35 من المرسوم بقانون رقم 351 لسنة 1952 لسنة 1952 والفقرتين 1 و 12 من الجدول ا المرافق فقررت بذلك. ومحكمة الجنايات قضت حضوريا عملا بمواد الاتهام للأول والمادتين 304/ 1 و 381/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية للثانية بمعاقبة المتهم الأول بالأشغال الشاقة المؤبدة وتغريمه ثلاثة آلاف جنيه وببراءة المتهمة الثانية مما أسند إليها ومصادرة المواد المخدرة المضبوطة. فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض الخ....


المحكمة

... حيث إن مبنى الطعن الخطأ فى تطبيق القانون والقصور فى التسبيب، وفى ذلك يقول الطاعن إنه دفع فى الجلسة بعدم جواز الإستناد إلى ما أثبته وكيل النيابة فى محضره إلا إذا اعتبر وكيل النيابة شاهدا - وكان يتعين عندئذ سماع أقواله بعد تحليفه اليمين، وقد ردت المحكمة على هذا الدفاع بقولها إن عضو النيابة من مأمورى الضبط القضائى طبقا لنص المادة 23 من قانون الإجراءات الجنائية وأن ذلك لا يتعارض مع صفته الأخرى كمحقق وهو رد غير كاف - إذ أن الطاعن لا ينكر أن وكيل النيابة من مأمورى الضبط القضائى - وإنما يعيب على الحكم إستناده إلى أقواله دون أن يسبقها حلف اليمين مما يوجب بطلان شهادته وبطلان الحكم الذى استند إليها، ذلك إلى أن الطاعن أثار فى الجلسة أن العينات التى تم تحليلها ليست من المضبوطات فى هذه القضية مؤسسا ذلك على أن تقرير التحليل أثبت أن ثلاثا منها وجدت مغلفة بأوراق بيضاء مسطرة وموضوعة داخل غلافات فى حين أنه لم يثبت بمحضر وكيل النيابة أنه غلف كلا منها بورقة قبل وضعها بالمظروف، وجاء فى محضر النيابة أن وزن كل من العينات الثلاث الأولى عشر جرامات ووزن الرابعة 60 جراما وأن كل عينة وضعت داخل مظروف وختم بالشمع - بينما جاء فى تقرير التحليل أن وزن العينات يختلف تقديره عما ورد بمحضر التحقيق وأن ذلك التقرير لم يذكر شيئا عن ختم الأحراز بالشمع إلا بالنسبة للحرز الحادى عشر.
وقد رد الحكم المطعون فيه على ذلك بقوله إن الوزن الذى قام به الضابط محمود سامى نصار لا يختلف إلا بقدر عشرة فى المائة من الجرام وهو فرق لا يعتد به لأن الضابط غير خبير بالوزن كالكيميائى الفنى، وأن الثابت من محضر النيابة أن الأحراز كانت مقفلة ومختومة بالشمع الأحمر وأن مصلحة الطب الشرعى لولاحظت عدم الختم لامتنعت عن الاستلام وأثبتت حالتها، وهو قول غير سديد إذ بلغ الفرق فى بعض الأحراز 60/ 100 من الجرام، ويضاف إلى ذلك أن الطاعن لا ينازع فيما أثبته وكيل النيابة فى محضره من ختم الأحراز - وإنما ينازع فى أن هذه الأحراز ليست هى التى تم تحليلها - إذ ثبت من التقرير أن الحرز الحادى عشر وجد مختوما ولم يرد به ذكر لختم الأحراز العشر مما يقطع بأنها لم تكن مختومة - وربما كان ذلك من اختلاط الأحراز بغيرها فى مصلحة الطب الشرعى أو فى مكتب المخدرات قبل إرسالها.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد عرض لما دفع به الطاعن من عدم جواز الاعتماد على ما أثبته وكيل النيابة فى محضره إلا بعد تحليفه وسماع أقواله ورد على ذلك بقوله "أما القول بأنه من غير الجائز أن يتحول وكيل النيابة من محقق إلى شاهد فمردود لأن الصفة الأولى لعضو النيابة أنه من مأمورى الضبط القضائى - وقد نصت المادة 23 من قانون الإجراءات الجنائية على ذلك، وليس فى هذا ما يتعارض مع صفته الأخرى كمحقق، وفى هذه القضية كان التحقيق الثانى الذى قام به وكيل النيابة لقضية المخدرات التى كانت أوراقها قد سرقت وهى القضية رقم 1072 سنة 1957 هو الذى دفعه للانتقال للمعاينة فحصل ما حصل أمام عينه فقام بإثباته فى محضره - فهو لم ينصب نفسه شاهدا، كما أن ما أثبته لم يكن محل اعتراض أو إنكار لأنه لا يتصل بالواقعة الجوهرية التى ينكرها المتهم وهى حيازته للمخدرات وإلقائه بها من النافذة: ولما كان ما انتهى إليه الحكم من ذلك صحيحا فى القانون، ذلك بأن النيابة شعبة من شعب السلطة القضائية خول الشارع أعضاءها من بين ما خوله لهم سلطة التحقيق ومباشرة الدعوى العمومية وبين الأحكام الخاصة بالتحقيق بمعرفتها فى الباب الرابع من الكتاب الأول من قانون الإجراءات الجنائية، والتحقيق الذى يباشرونه إنما يجرونه بمقتضى وظائفهم، وهو عمل قضائى ولا يصح اعتبارهم فى قيامهم بهذا العمل كالشهود بالمعنى الخاص المتعارف عليه، وذلك لأن أساس قيامهم بهذه الأعمال ملحوظ فيه صفتهم كموظفين عموميين، وتعتبر محاضرهم محاضر رسمية لصدورها من موظف مختص بتحريرها وهى بهذا الاعتبار حجة بما يثبت فيها - وإن كانت حجيتها لا تحول بين المتهمين وبين إبداء دفاعهم على الوجه الذى يرونه مهما كان ذلك متعارضا مع ما أثبت فيها، ومع ذلك فإنه ليس فى القانون ما يمنع استدعاء الضباط وقضاة التحقيق وأعضاء النيابة شهودا فى القضايا التى لهم عمل فيها - إلا أن استدعاء أى منهم لا يكون إلا متى رأت المحكمة أو السلطة التى تؤدى الشهادة أمامها محلا لذلك. لما كان ذلك، وكان الطاعن وإن أشار فى صدر دفاعه إلى أن وكيل النيابة المحقق يعتبر شاهدا فى الدعوى - إلا أن المحكمة لم تر مبررا لمسايرة الطاعن فيما أشار إليه واطمأنت إلى ما أثبته فى محضره، ولما كان للمحكمة أن تأخذ إلى جانب أقوال من سمعتهم من الشهود أمامها بما ورد فى التحقيقات الابتدائية والتقارير الطبية ومحاضر المعاينة مادام كل ذلك كان معروضا على بساط البحث متاحا للدفاع أن يناقشه. لما كان ذلك، فان ما جاء بهذا الوجه لا يكون مقبولا.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد عرض إلى ما دفع به الطاعن من أن الأحراز التى تم تحليلها ليست هى الأحراز المضبوطة ورد على ذلك بقوله "إن ما يزعمه الدفاع عن المتهم من أن العينات التى فحصها المختصون فى مصلحة الطب الشرعى لم يقم بالدليل على أنها مأخوذة من المضبوطات بدليل اختلاف الوزن وعدم وجود الختم عليها فهو مردود بأن الوزن الذى قام به الضابط لا يختلف إلا بقدر 10/ 100من الجرام وهو فرق لا يعتد به لضآلته ولأن الضابط غير مختص بالوزن ولم يعتد الدقة فى هذا الشأن على غرار الكيميائى الفنى المختص فى هذا النوع من العمل بالذات، أما الأحراز فقد كانت جميعها مغلفة ومختومة بالشمع الأحمر كما أثبت ذلك وكيل النيابة فى محضره المؤرخ أول ديسمبر سنة 1957، يضاف إلى هذا أن مصلحة الطب الشرعى إذ كانت قد لاحظت أن هذه الأحراز غير مختومة فعلا لكانت قد امتنعت عن استلامها ولأثبتت حالتها تبريرا لهذا الامتناع المشروع". ولما كان يبين من ذلك أن المحكمة قد اطمأنت إلى أن الأحراز المرسلة لمصلحة الطب الشرعى هى بذاتها التى أجرى عليها التحليل، أما الخطأ فى فروق الأوزان فقد رده الحكم إلى ضآلته لأنه بلغ أجزاء من مائة من الجرام، ولا ينال من سلامة الحكم أن يكون الفرق فى إحدى العينات قد بلغ 60% من الجرام - مادام الحكم قد أرجع هذه الفروق بصفة عامة إلى عدم دقة الوزن الذى قام به الضابط وهو تعليل سائغ يصدق على كافة ما ظهر من فروق فى الوزن لا بالنسبة إلى حرز بعينه، لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته لا يكون له أساس.
وحيث إن الواقعة كما هى ثابتة فى الحكم تفيد أن الطاعن كان يحرز المخدرات بقصد الاتجار، وكانت المادة 35 من القانون رقم 57 لسنة 1959 تخول محكمة النقض أن تنقض الحكم لمصلحة المتهم من تلقاء نفسها إذ صدر بعد الحكم المطعون فيه قانون يسرى على واقعة الدعوى، ولما كان القانون رقم 182 لسنة 1960 هو القانون الأصلح للمتهم بما جاء فى نصوصه من عقوبات أخف وهو الواجب التطبيق عملا بالمادة الخامسة من قانون العقوبات، لما كان ذلك، فإنه يتعين نقض الحكم نقضا جزئيا وتطبيق المادة 34 من القانون الجديد فى خصوص العقوبة المقيدة للحرية وتقدير ما يستحقه المتهم منها بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات، وذلك بالإضافة إلى العقوبات الأخرى المقضى بها.