أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الأول - السنة 12 - صـ 120

جلسة 24 من يناير سنة 1961

برياسة السيد مصطفى كامل المستشار، وبحضور السادة: السيد أحمد عفيفى، وتوفيق أحمد الخشن، وعبد الحليم البيطاش، ومحمود اسماعيل المستشارين.

(21)
الطعن رقم 1464 لسنة 30 القضائية

(أ) إثبات. تقدير أقوال الشهود بشأن إمكان الرؤية: إجراءات المحاكمة. طلب سماع شاهد أساسى فى الدعوى.
رفض إجابته لتعذر سماع الشاهد دون تنبيه المحكمة إلى ما تحويه أوراق الدعوى من إجابات متعارضة فى هذا الشأن، وكون الشاهد مستخدما فى مصلحة عمومية - مما قد يوصل البحث إلى الإهتداء إليه واستدعائه - يعيب إجراءات المحاكمة.
(ب) إثبات. تقدير أقوال الشهود: إجراءات المحاكمة: دفاع. ما يوفر الإخلال بحق الدفاع بشأن رفض طلب سماع شاهد أساسى فى الدعوى.
قول الحكم إن هذا الشاهد إنما يشهد عن واقعة يشهد بها غيره مع تناول شهادته وقائع مهمة أثرت فى عقيدة المحكمة، وثبوت استحالة سماعه.
(جـ) إثبات. تقدير أقوال الشهود بشأن إمكان الرؤية. دفاع. طلب إجراء تجربة للتحقق من الضوء وكفايته: متى لا يمكن التعويل فى رفضه على شهادة الشهود؟
عند الطعن على شهادة الشهود الأمر الذى من أجله طلبت التجربة للقطع بحقيقة الأمر فيه.
(د) إثبات. تقدير أقوال الشهود بشأن إمكان الرؤية: دفاع. ما يوفر الإخلال بحق الدفاع بشأن رفض طلب إجراء تجربة للتحقق من نفاذ الضوء إلى مكان الحادث.
برفض هذا الطلب إستنادا إلى التقويم. ما يصلح التقويم لإثباته. تعرف حالة القمر وأوقات شروقه وغروبه ومدى اكتماله وتوافر ضوئه. وما لا يصح فيه التقويم. نفاذ ضوء القمر إلى مكان الحادث أمر يتصل بالوافع. تأثره بما إذا كان بمكان الحادث ما يحجب الأشعة أو الضوء من عدمه. ذلك أمر واقعى لا يغنى فيه التقويم.
تلاصق سريرى الشاهد والقتيل. متى لا يغنى عن إجراء التجربة؟
إذا كان الحكم لم يثبت فى هذا الشأن على رأى بعينه - بل جعل للضوء المقام الأول - مما مفاده أن واقعة تلاصق السريرين ليس مما يسقط بها الحاجة إلى التجربة المطلوبة. رفض إجراء التجربة يوفر الإخلال بحق الدفاع.
1 - وجود إجابتين متضاربتين على الورقتين المحررتين فى تاريخ واحد - إحداهما تدل على وجود الشاهد المطلوب إعلانه، والثانية تقول بعدم الاهتداء إليه كان يقتضى من المحكمة أن تمعن النظر فى هذا الموقف لتستجلى غامضة ولتتبين حقيقة الأمر فيه، كما أنه كان من شأنه أن ينبه المحكمة - لو أنها التفتت إليه - إلى ألا تنظر إلى الإجابة الأخيرة الواردة على إعلان الشاهد للجلسة التى نظرت فيها الدعوى والمتضمنة عدم وجوده - بمثل هذه النظرة العابرة - فتأخذ بما ذكرته النيابة من عدم الاهتداء إليه - وهى إذ لم تفعل فقد دل هذا على أنها لم تتنبه إلى ما حوته الأوراق، فضلا عن أن هذا الشاهد هو من مستخدمى المستشفيات العمومية، وقد لا يتعذر الاهتداء إليه ببذل شئ من العناية - فاذا كانت المحكمة قد أخذت بأقواله فى الادانة وعلقت عليها أهمية استمدتها من كفاية الضوء فى فناء المستشفى - حيث شاهد أحد الجناة - ومن ظروفه التى رأتها أكثر ملاءمة للرؤية، فقد كان ألزم لسلامة الاجراءات أن تناقش المحكمة هذا الشاهد - لا فى إمكان الرؤية فحسب - بل فيما اختلف فيه مع نفسه - مما أبداه الدفاع ولم يجحده الحكم.
2 - لا يغنى عن سماع الشاهد قول الحكم إن هذا الشاهد يشهد عن واقعة يشهد بها غيره، ذلك بأنه شاهد أساسى فى الدعوى تناولت شهادته وقائع بالغة الأهمية كان لها تأثيرها فى عقيدة المحكمة، فكان من حق الدفاع أن يناقشها - فاذا كانت المحكمة قد غضت الطرف عن طلب الدفاع سماع هذا الشاهد، ولم يثبت أنه امتنع عليها سماعه، فان حكمها يكون معيبا بالإخلال بحق الدفاع.
3 - الضوء وكفايته - وإن كانا من الأمور الموضوعية - إلا أنه لا يمكن التعويل فى تحقيقهما على شهادة الشهود عندما تكون شهادتهم هى محل الطعن الذى طلبت التجربة بحقيقة الأمر فيه.
4 - التقويم - وإن صلح أساسا لتعرف حالة القمر وأوقات شروقه وغروبه ومدى اكتماله وتوافر ضوئه - إلا أن وجود البدر مكتملا شئ، وواقع الأمر بالنسبة إلى نفاذ ضوئه إلى مكان بعينه شئ آخر - فهو لا يؤخذ فيه بالتقويم، لاحتمال أن تحيط بهذا المكان أوضاع تحجب الضوء - فاذا كان الحكم الذى بين أن الضوء ينفذ من نافذة بحرية وباب شرفة غريبة لم يبين، ولا يستطيع بيقين أن يبين - إستنادا إلى التقويم وحده - ما إذا كان شعاع القمر هو الذى امتد إلى داخل المبنى فأناره، أم أن ضوءه كان يشرف من الخارج على المكان - ولكل من الحالين حكمه - ولم يبين كذلك ما إذا كانت الشرفة الغربية مكشوفة بحيث لا تحجب الأشعة أو الضوء أم أنها مسقوفة بحيث يمكن أن تؤثر فى الموقف، وكل هذا لا يغنى فيه عن الواقع شئ، وكان ما اعتنقه الحكم فى موضع - من أن تلاصق سريرى الشاهد والقتيل من شأنه أن يمهد للرؤية وأن يدفع عن الشاهد المظنة - لم يثبت فيه على رأى بحيث يتعين تقليب النظر فيه - بل ذهب فى حديثه عن تجربة النيابة إلى أن احتجاب ضوء القمر عن المكان عند إجرائها لم يكن ليمكن الشاهد أو غيره من تمييز الجناة - فجعل بذلك للضوء المقام الأول، ولم يدع لتلاصق السريرين من قيمة تسقط بها الحاجة إلى التجربة المطلوبة، فإن المحكمة إذ أبت أن تجرى التجربة المطلوبة لأسباب لا تكفى لرفض الطلب - تكون قد أخلت بحق الدفاع، مما يتعين معه نقض الحكم.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين الثلاثة وآخر بأنهم المتهمان الأول والثانى: قتلا المجنى عليه عمدا مع سبق الإصرار بأن بيتا النية على قتله وأعدا لهذا الغرض آلتين حادتين "سكينتان" وتوجها إلى مستشفى أبنوب وتسللا إلى العنبر الذى يرقد فيه مريضا وانهالا عليه طعنا قاصدين من ذلك قتله فأحدثا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياته - المتهمان الثالث والرابع اشتركا مع المتهمين الأول والثانى بطريق الاتفاق والمساعدة فى ارتكاب الجريمة سالفة الذكر بأن اتفقا معهما على ارتكابها وساعداهما بالأعمال المتممة والمسهلة لارتكباها بأن رافقهما المتهم الثالث إلى محل الحادث لشد أزرهما وسهل لهما المتهم الرابع بوصفه ممرضا بالمستشفى سبيل الوصول إلى العنبر الذى يقيم فيه المجنى عليه بأن قادهما إليه فوقعت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة. وطلبت إلى غرفة الاتهام إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم بالمواد 40/ 2 -3و 41 و 230 و 231 و 235 من قانون العقوبات فقررت بذلك ومحكمة الجنايات قضت حضوريا عملا بالمواد 230 و 231 من قانون العقوبات للأول والثانى مع تطبيق المادة 13 من القانون المذكور للأول وبمواد الاتهام للثالث مع تطبيق المادة 17 من نفس القانون للثانى والثالث: وبمعاقبة المتهم الأول بالإعدام شنقا: وبمعاقبة كل من المتهم الثانى والثالث بالأشغال الشاقة المؤبدة: وببراءة المتهم الرابع مما نسب إليه عملا بالمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية. فطعن المحكوم عليهم فى هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

... حيث إن مما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه أنه جاء مشوبا بالاخلال بحق الدفاع فى موضعين، ذلك بأنه مع تسليمه بأن الدفاع صمم على طلب استدعاء الشاهد الغائب أحمد أمين أحمد لسماع معلوماته فى الحادث ومناقشته فيما ورد من خلافات بين أقواله التى أبداها بمحضر الضبط وتلك التى جاءت بتحقيقات النيابة فى شأن الشخص الذى دخل المستشفى قبيل الحادث بدعوى لدغه من عقرب والذى انتهى الحكم إلى أنه هو الطاعن الأول - فإن المحكمة لم تجب الدفاع إلى ما طلب قولا منها بأن سماع الشاهد غير ممكن استنادا إلى إجابة من مستشفى بنى سويف تفيد أنه غير معروف لديها وهو استناد فاسد لما سبق أن أوضحته النيابة من أنه نقل إلى مستشفى بنى سويف بعد الحادث خوفا على حياته مما لا يسهل معه التسليم بمثل هذه الاجابة، فضلا عن أنه من المستخدمين وهو بهذه الصفة لا يتعذر الوصول إلى مكانه - على أن المحكمة التى رفضت سماع الشاهد قد أخذت بأقواله فى الادانة مما يبطل حكمها، هذا إلى أن الدفاع طلب إجراء تجربة للتحقق من صدق دعوى فتحى الشربينى بأنه استطاع رؤية ارتكاب الحادث وتمييز الجناة على نور القمر الذى كان يضئ العنبر على الرغم من "اطباق" الشهود - كما جاء بوجه الطعن - على أن الدنيا كانت ظلاما، ومع ما أسفرت عنه تجربة النيابة من فشل هذا الشاهد فى التعرف على أحد، ورغم تغاضى النيابة عن إعادة التجربة بعد الاعتراضات التى وجهت إلى تجربتها الأولى مع أنها تلقت رد الأرصاد الجوية على استعلامها الثانى بتحديد الوقت المناسب لإجراء التجربة، غير أن الحكم لم يجب هذا الطلب وبنى رفضه على اعتبارات جغرافية حدد فيها سير القمر واتجاهاته وقال فيها بصفاء الليل واكتمال البدر واستدل منها على إمكان نفاذ ضوئه إلى داخل العنبر وهو تسبيب فاسد، إذ أن نقطة البحث لم تكن سطوع القمر وهو مسألة جغرافية - وإنما هى التحقيق من أن ضوء القمر كان يدخل العنبر الذى به المجنى عليه فعلا وينيره حقيقة وهذه المسألة واقع لا تحل بالتقاويم كما فعل الحكم، وهو واقع سانده واقع آخر مستفاد مما سبق الإشارة إليه من أقوال الشهود عن الظلام الذى كان يسود المكان وقت الحادث - وإنما كان الحكم قد رماهم بالكذب جزافا.
وحيث إن الحكم المطعون فيه رد على طلب استدعاء الشاهد أحمد أمين أحمد بقوله "ومن حيث إن الدفاع ذكر فى شكوى تقدمت منه أثناء التحقيقات وأثارها أمام المحكمة أيضا فى بعض أمور منها أنه يصر على سماع الشاهد أحمد أمين ومناقشته فيما أبدى من أقوال وقد دلت اعلانات النيابة له أنه غير معلوم له محل اقامة ومن أجل ذلك لم تهتد إليه، وليس من القانون فى شئ أن تؤجل الدعوى لأجل غير مسمى إلى أن يبحث عن شاهد إقامته غير معروفة، كما أنه سيشهد عن واقعة يشهد بها غيره من الشهود والظروف التى أحاطت بأحمد أمين فى شهادته أكثر ملاءمة للرؤية إذ حدثت فى حوش المستشفى وهو مكان فسيح مكشوف يملأه ضوء القمر - وترى المحكمة أن الدفاع يهدف من وراء هذا الطلب إلى تعطيل الفصل فى الدعوى، ومن ثم لا يسعها إلا رفضه". ولما كان ذلك، وكان يبين من الأوراق أنه جاء بمحضر الجلسة على لسان وكيل النيابة أن الشاهد - أحمد أمين أحمد - نقل إلى مستشفى بنى سويف حرصا على حياته وأنه أعلن بها فأجابت بعدم علمها بهذا لاسم، ومن ثم فهو غير معلوم له محل إقامة لدى النيابة ثم جاء بمحضر الجلسة "إن المحكمة رفضت إجابة الطلب لعدم الاستدلال على الشاهد" وقد جوى ملف الدعوى المنضم ورقة مؤرخة فى 2/ 1/ 1960 موجهة إلى بندر بنى سويف طلب فيها تكليف أحمد أمين أحمد الطباخ بمستشفى بنى سويف الأميرى بالحضور لجلسة 7/ 1/ 1960 أمام محكمة الجنايات وقد تأشر على هامشها بكلمة "علمت" بتوقيع منسوب لأحمد أمين أحمد، وثمت ورقة أخرى ممائلة موجهة فى نفس التاريخ إلى مستشفى بنى سويف عليها إجابة بعدم وجود هذا الاسم بالمستشفى ولما أعيد إعلان الشاهد لجلسة 2/ 4/ 1960 التى نظرت فيها الدعوى أجاب باشكاتب المستشفى بأن هذا الاسم غير موجود بها، لما كان ما تقدم، وكان وجود إجابتين متضاربتين على الورقتين المحررتين فى 2/ 1/ 1960 إحداهما تدل على وجود أحمد أمين أحمد - الشاهد المطلوب إعلانه والثانية تقول بعدم الاعتداء إلى صاحب هذا الاسم، فإن الأمر كان يقتضى من المحكمة أن تنعم النظر فى هذا الموقف لتستجلى غامضة ولتتبين حقيقة الأمر فيه، كما أنه كان من شأنه أن ينبه المحكمة - لو أنها التفتت إليه - إلى ألا تنظر إلى الإجابة الأخيرة الواردة على إعلان جلسة 2/ 4/ 1960 بمثل هذه النظرة العابرة فتأخذ بما ذكرته النيابة من عدم الاهتداء إليه وهى إذ لم تفعل فقد دل هذا على أنها لم تتنبه إلى ما حوته الأوراق، فضلا عن أن هذا الشاهد هو من مستخدمى المستشفيات العمومية، وقد لا يتعذر الإهتداء إليه يبذل شئ من العناية. لما كان ذلك، وكان تنازل الدفاع عن المتهمين فى أول الأمر عن طلب سماع هذا الشاهد لما ذكرته النيابة - رغم ما سلف - لا يسلبه حقه فى العدول عن هذا التنازل ومعاودة التمسك بتحقيق طلبه مادامت المرافعة مازالت دائرة، ولما كانت المحكمة قد أخذت بأقواله فى الإدانة وعلقت عليها أهمية استمدتها - كما سبق البيان - من كفاية الضوء فى فناء المستشفى - حيث شاهد أحد الجناة - ومن ظروفه التى رأتها المحكمة أكثر ملاءمة للرؤية، فقد كانت ألزم لسلامة الإجراءات أن تناقش المحكمة هذا الشاهد لا فى إمكان الرؤية فحسب، بل فيما اختلف فيه مع نفسه - مما أبداه الدفاع ولم يجحده الحكم - ولا يغنى عن ذلك قول الحكم إن هذا الشاهد يشهد عن واقعة يشهد بها غيره، ذلك إنه شاهد أساسى فى الدعوى تناولت شهادته وقائع بالغة الأهمية كان لها تأثيرها فى عقيدة المحكمة فكان من حق الدفاع أن يناقشها، هذا فضلا عن أن القانون يوجب سؤال الشاهد أولا وعند ذلك يحق للمحكمة أن تبدى ما تراه فى شهادته وذلك لاحتمال أن تجئ هذه الشهادة التى تسمعها ويباح للدفاع مناقشاتها بما يقنعها بحقيقة تقارير تلك التى تثبتت فى عقيدتها من قبل سماعه. لما كان ما تقدم، وكان الحكم قد رد على طلب إجراء التجربة بقوله "ومن حيث إنه قيل أيضا بأن العنبر الذى لقى فيه المجنى عليه مصرعه كان مظلما وقت الحادث وشهد بظلمته نفر كبير من المرضى الموجودين به، ثم جاء الدفاع أمام المحكمة بنفر منهم وسمعت شهادتهم وهدف الدفاع من ذلك تكذيب الشاهد فتحى مصطفى الشربينى" - "ومن حيث إنه أضاف إلى هذا الذى يقوله قرينة أخرى هى أن النيابة قد أجرت تجربة فى وقت يتفق ضوءه وضوء القمر الذى كان موجودا وقت وقوع الحادث فأسفر ذلك عن عجز الشاهد عن الرؤية مما يقطع بكذبه فى نظر الدفاع" - "ومن حيث إن الحادثة كما أجمع الشهود وخاصة أطباء المستشفى وقعت حوالى الساعة الرابعة صباحا بالتوقيت الصيفى أو قبل ذلك بدقائق معدودات فى ليلة 13 من شهر صفر سنة 1378 كما تدل على ذلك التقويمات المتداولة حكومية كانت أو غير حكومية ومن المعلوم أن ضوء القمر فى هذه الليلة الصيفية يبلغ منتهاه ولا يغرب إلا بعد طلوع الفجر بوقت غير قصير، فاذا أضيف إلى هذا أن الليل الصيفى لا غيم فيه ولا سحب كان الضوء كاملا ساطعا" - "ومن حيث إن فتحى مصطفى الشربينى يقرر بأن ضوء القمر كان يتسرب إلى العنبر المفتوحة نوافذه بسبب شدة الحر، كما قالت الممرضة فاطمة السيد المرسى بمحضر التحقيق إنه كان يتسرب من باب شرفة كبيرة - فراندة - تقع فى الجهة الغربية من العنبر ومن النوافذ البحرية أيضا - ويفتح هذا الباب مباشرة على سرير المجنى عليه كما يدل على ذلك الرسم والمعاينة ولا ريب أن هذا الضوء كان عاملا أساسا فى استدلال المتهمين على المجنى عليه فى فراشه فى غير صعوبة" - "ومن حيث إنه من المعلوم أن القمر يطلع من جهة الشرق ثم يسير فى فلكه إلى جهة الغرب ليغرب فيه مارا فى طريقه بالجهة البحرية، ولما كانت الحادثة قد وقعت قبيل الفجر فإن ضوء القمر فى هذا الوقت يكون فى أعلا مراتبه ولا غرابة فى أن يتسرب الضوء إلى داخل العنبر - هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن هناك نافذة بحرية تطل على هذا السرير فاذا ما قال الشاهد فتحى الشربينى الذى يجاور سريره سرير المجنى عليه جيرة تلاصق أنه استطاع تمييز اثنين من المتهمين فى هذه الظروف فلا تثريب عليه فى ذلك خصوصا وأن هذا الاستعراف قد تعزز بما شهد به غيره من الشهود السابقين وبما دلت عليه عملية تحقيق الشخصية التى سبق القول عنها وعمليات العرض السابقة التى استعين عليها بالكلب البوليسى واعتراف الأول بأن هذه الأقدام التى شوهدت هى أقدامه - أما من يدعى من المرضى أن العنبر كان مظلما وقت الحادث فقول غير صائب لمخالفته للأوضاع الجغرافية ولقيام الأسباب التى تحمل على عدم الصدق فى الشهادة، ذلك لأن فرج توفيق أول أولئك الشهود يمت بصلة القربى للمتهم الأول وبقيتهم من بنى رزاح بلد المتهمين، ومن هذه البقية من يجامل خوفا من بطش المتهمين وانتقامهم، ومنهم من يجامل للجيرة واتحاد البلد، كما وأن غالبيتهم مصابون بأعيرة نارية لثأر عليهم للغير مما يجعل رابطة الإجرام بينهم وبين المتهمين متوافرة، ومن ثم ترى المحكمة إطراح أقوالهم والإعراض عنها" - "ومن حيث إنه قيل من الدفاع عن المتهمين فى سبيل الإضعاف من شأن واقعة الضوء إن النيابة العامة قد أجرت تجربة ليلية فى وقت تتفق حالة الضوء فيه مع حالته وقت الحادث بناء على فتوى من مرصد حلوان فدلت هذه التجربة على أن الشاهد فتحى الشربينى لا يستطيع أن يرى أحدا، ومعنى ذلك أنه غير صادق فى شهادته" - "ومن حيث إن الثابت أن هذه التجربة قد حصلت فى الساعة العاشرة والدقيقة الثانية عشرة من مساء يوم 30 ديسمبر سنة 1958 الموافق 19 جمادى الأخرة سنة 1378هـ" - "ومن حيث إنه فضلا عن أن الليلة التى حدثت فيها التجربة هى ليلة شتوية ولا يمكن أن يكون صفاء السماء فيها كمثله فى الليالى الصيفية وقد حدثت الحادثة فى ليلة 13 من شهر صفر سنة 1378 وفيها يكاد ضوء القمر يصل إلى منتهاه وقد بلغ عنها فى الساعة الرابعة صباحا على قول بعض الشهود، وفى الساعة الرابعة والنصف على قول البعض الآخر ومعنى هذا أنها حصلت قبل الساعة الرابعة لأن المبلغ وهو فرج توفيق يمت بصلة القربى للمتهم الأول وهو لم يتوجه للتبليغ بطبيعة الحال إلا بعد أن أيقن تماما أن القاتلين قد هربوا والقمر فى هذه الليلة يغرب فى الساعة الرابعة والدقيقة 36 ومعنى هذا أن غروبه حصل بعد وقوع الحادث بثلاثة أرباع الساعة على الأقل وفى هذا الوقت يكون ضوءه عاليا بحيث يتمكن الشاهد من الرؤية، كما وأن طول ليل الشتاء وقصر ليل الصيف لهما شأن فى فلك القمر ودورانه من الشرق إلى الغرب مارا بالجهة الشمالية المعروفة عرفا بالجهة البحرية ومن هنا كان القول بتسرب الضوء إلى العنبر من الجهتين البحرية والغربية سليما لا غبار عليه أبدا، أما فى ليلة التجربة فإن القمر يطلع فى الساعة 9 مساء وقد حصلت التجربة بعد طلوعه بأربع وأربعين دقيقة، ومما لا شك فيه أن ضوء القمر فى ليلة 19 من الشهر العربى غيره فى ليلة 13 منه، كما وأن ضوءه لا يمكن أن يتكامل بعد 44 دقيقة من شروقه ولا بد لتكامله من فوات وقت أطول من ذلك، كما وأنه فى ذلك الوقت أعنى بعد طلوعه بهذا الوقت القصير يكون لازال فى الجهة الشرقية ولما كانت غرفة المجنى عليه خالية النوافذ والأبواب والمطلات من هذه الجهة فلا يتصور فى مثل هذه الظروف أن يتمكن فتحى أو غيره من الرؤية ولهذا كان مأمور المركز صادقا عندما قال فى التحقيق إن القمر وقت المعاينة كان فى الشرق وأنه فى ليلة الحادثة كان جهة الغرب" - "ومن حيث إن التجربة التى تعتد بها المحكمة وتضعها فى حسبانها هى التى تحصل فى وقت الحادثة وفى جميع الظروف التى أحاطت بها من فتح النوافذ والمطلات وصفاء الجو وخلوه من السحب والغيوم إلى غير ذلك مما يؤثر فى حالة الضوء ومن حيث القلة والكثرة وترى المحكمة أن الطعن فى الاستعراف من هذه الناحية غير سديد". ثم قال الحكم "ومن حيث إنه فيما يتعلق بإعادة عمل التجربة التى عملتها النيابة للتحقيق من إمكان الرؤية فالضوء ومداه من المسائل التى يمكن تحقيقها بشهادة الشهود ومع الاستعانة بالتقويمات، وللمحكمة أن تكون اقتناعها حسب ما ترى دون تثريب عليها أو تعقيب، ومن أجل ذلك فهى لا ترى إجابة ذاك الطلب اكتفاء بما جرى فى هذا الخصوص من تحقيق". لما كان ذلك، وكان يبين مما سبق أن الحكم أقام رفضه لطلب إعادة التجربة على أن الضوء هو من المسائل الموضوعية التى يمكن تحقيقها بشهادة الشهود مع الاستعانة بالتقويم الذى دل على أن القمر كان فى ليلة الحادث يكاد يبلغ منتهاه وأنه يمر فى فلكه نحو الغروب بالجهة البحرية وأنه كان فى وقت الحادث يضئ المكان عن طريق نافذة بحرية وباب شرفة غربية، وذهب إلى أن قرب سرير شاهد الرؤية فتحى الشربينى من سرير المجنى عليه وتلاصقهما يسهل للشاهد تمييز الجناة، ثم رمى الشهود الذين شهدوا بأن المكان كان مظلما بأنهم ممن تجمعهم بالمتهمين رابطة الاجرام مستدلا على ذلك بإصابتهم بأعيرة نارية أخذا بالثأر - مما وصف بالطعن بأنه قول بغير سند وأنه ينطوى على إغفال لاعتبار أرجح هو أن المجنى عليه كان من قبل مصابا كهؤلاء الشهود بما يجعله أولى بعطفهم - وتعرض الحكم للتجربة التى عجز فيها الشاهد عن الاستعراف فبين عيوبها وأن ظروف الزمان والمكان وموقع القمر وعدم وجود نوافذ فى الجهة الشرقية من العنبر وهى التى كان بها القمر عند إجراء التجربة كل ذلك جعلها غير منتجة، ثم انتهى إلى أن الظلام الذى كان يسود المكان بسبب احتجاب القمر لا يسمح لفتحى أو لغيره بأن يرى. لما كان ما تقدم، وكان الضوء وكفايته وإن كانا من الأمور الموضوعية التى تقدرها المحكمة إلا أنه لا يمكن الأخذ فيهما بشهادة الشهود وعندما تكون شهادتهم هى محل الطعن الذى طلبت التجربة للقطع بحقيقة الأمر فيه - ما لم تكن الظروف التى أحاطت بالواقعة تغنى عن هذه التجربة، وكان التقويم وإن صلح أساسا لتعرف حالة القمر وأوقات شروقه وغروبه ومدى اكتماله وتوافر ضوءه إلى آخر ما ذكره الحكم إلا أن وجود البدر مكتملا شئ وواقع الأمر بالنسبة إلى نفاذ ضوءه إلى مكان بعينه شئ آخر - إذ أن الأمر عندئذ لا يؤخذ فيه بالتقويم لاحتمال أن تحيط بهذا المكان أوضاع تحجب الضوء - على أن الحكم الذى يبين أن الضوؤ ينفذ من نافذة بحرية وباب شرفة غربية لم يبين ولا يستطيع بيقين أن يبين - استنادا إلى التقويم وحده - ما إذا كان شعاع القمر هو الذى امتد إلى داخل المبنى فأناره أم أن ضوءه كان يشرف من الخارج على المكان - ولكل من الحالين حكمه - ولم يبين كذلك ما إذا كانت الشرفة الغربية مكشوفة فلا تحجب الأشعة أو الضوء أم أنها مسقوفة بحيث يمكن أن تؤثر فى الموقف - كل هذا لا يغنى فيه عن الواقع شئ - أما ما قال به الحكم فى موضع من تلاصق سريرى الشاهد والقتيل من شأنه أن يمهد للرؤية وأن يدفع عن الشاهد المظنة فانه لم يثبت في على رأى حتى كان يتعين تقليب النظر فيه - بل ذهب فى حديثه عن تجربة النيابة إلى احتجاب ضوء القمر عن المكان عند إجرائها لم يكن ليمكن الشاهد أو غيره من تمييز الجناة - فهو قد جعل بذلك للضوء المقام الأول، ولم يدع لتلاصق السريرين من قيمة تسقط بها الحاجة إلى التجربة المطلوبة. لما كان كل ذلك، وكانت المحكمة فيما انتهت إليه قد غضت الطرف عن سماع شاهد أساسى طلبه الدفاع ولم يثبت أنه امتنع عليها سماعه ثم أبت أن تجرى التجربة المطلوبة لأسباب لا تكفى لرفض الطلب، فإنها تكون قد أخلت بحق الدفاع مما يتعين معه نقض الحكم وإحالة الدعوى إلى محكمة جنايات أسيوط للفصل فيها مجددا من دائرة أخرى غير التى أصدرت الحكم.