أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الأول - السنة 12 - صـ 131

جلسة 30 من يناير سنة 1961

برياسة السيد مصطفى كامل المستشار، وبحضور السادة: محمد عطية اسماعيل، وعادل يونس، وعبد الحسيب عدى، وحسن خالد المستشارين.

(22)
الطعن رقم 1251 لسنة 30 القضائية

(أ - ب) قتل خطأ.
(أ) تقدير الخطأ: ذلك أمر موضوعى. الخطأ وحوادث السكك الحديدية: خطأ حارس المجاز. متى يتوافر؟
بعدم تحذيره المارة فى الوقت المناسب وتنبيههم إلى قرب مرور القطار باستعمال المصباح الأحمر وتراخيه فى إغلاق المجاز من ضلفتيه. تركه بوابة المجاز مفتوحة من جهة دخول السيارة مع استطاعته إقفالها يوفر الخطأ فى جانبه.
(ب) متى يصح التحدى بنص لائحة السكة الحديد فى خصوص تحريم اجتياز خطوط السكك الحديدية بالمجازات عند اقتراب مرور القطرات أو عربات المصلحة؟
عند ثبوت محاولة السائق المرور فى المجاز مع علمه بالخطر.
ومتى قد يجدى التمسك بنص اللائحة ؟
عند عدم تعيين حارس للمجاز.
مناط توافر الخطأ فى حالة وجود حارس للمجاز.
هو تقاعسه عن قيامه بواجباته المفروضة عليه بإقفال المجاز كلما كان هناك خطر من اجتيازه. لا عبرة فى ذلك بوجود الحارس أو تغيبه عن مقر حراسته.
(ج - د) دعوى مدنية. دفاع.
جزاء المسئولية: التعويض فى صورته المعدلة: اجتماع طريقين للتعويض.
(جـ) صحة الجمع بين التعويض عن الفعل الضار ومبلغ التأمين المستحق للمؤمن له عملا بأحكام القانون رقم 394 لسنة 1956 بإنشاء صندوق للتأمين والمعاشات لموظفى الدولة المدنيين وغيرهم علة ذلك. اختلاف مصدر كل حق عن الآخر. الدفاع ظاهر البطلان لا يستأهل ردا.
(د) عدم جواز الجمع بين التعويض الكامل عن الحادث وبين معاش استثنائى يرتبه القانون على سبيل التعويض.
1 - من المقرر أن تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه جنائيا أو مدنيا مما يتعلق بموضوع الدعوى، ومتى استخلصت المحكمة مما أوضحته من الأدلة السائغة التى أودتها أن الخفير المعين من الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية على المجاز قد أخطأ إذ لم يبادر إلى تحذير المارة فى الوقت المناسب وتنبيههم إلى قرب مرور القطار وتراخى فى إغلاق المجاز من ضلفتيه ولم يستعمل المصباح الأحمر فى التحذير وفقا لما تفرضه عليه التعليمات - وذلك من الوقت الذى ترك فيه بوابة المجاز مفتوحة من جهة دخول السيارة قيادة المجنى عليه مع استطاعته إقفالها، وأن هذا الأخير كان معذورا فى اعتقاده خلو المجاز وعبوره، فوقع الحادث نتيجة لهذا الخطأ، فلا تقبل المجادلة فى ذلك لدى محكمة النقض.
2 - لا محل للتحدى بأن على الجمهور أن يحتاط لنفسه أو التحدى بنص لائحة السكك الحديدية على أنه لا يجوز اختيار خطوط السكة الحديدية بالمجازات السطحية (المزلقانات) عمومية كانت أو خصوصية أو ترك الحيوانات تجتازها عند اقتراب مرور القاطرات أو عربات المصلحة - لا محل لذلك متى كانت الواقعة لا تفيد أن سائق السيارة التى كان بها المجنى عليهما قد حاول المرور من المجاز مع علمه بالخطر، ولقد كان يكون لمثل هذا الدفاع شأن لو لم يكن هناك للمجاز حراس معينون لحراسته، ولا يغير من هذا النظر تغيب الحرس المعين من الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية عن مقر حراسته أو وجوده به - ذلك أن مرد الأمر ليس بوجود الحارس فى مقر عمله أو بغيابه عنه - بل بقيامه بواجباته المفروضة عليه والتى تواضع الناس على إدراكهم إياها والتى تتمثل فى إقفال المجاز كلما كان هناك خطر من اجتيازها - وهو ما قصر الحارس فى القيام به كما دلل عليه الحكم تدليلا سائغا، وهو ما يكون الجريمتين المنصوص عليهما بالمادتين 238، 244 من قانون العقوبات اللتين دين بهما الحارس ويستتبع مسئولية الهيئة العامة لشئون لسكك الحديدية على ما قررته المادة 172 من القانون المدنى. [(1)]
3 - يبين من استقراء نصوص الماد 11، 14، 15، 27، 38 من القانون رقم 394 لسنة 1956 بانشاء صندوق للتأمين والمعاشات لموظفى الدولة المدنيين وآخر لموظفى الهيئات ذات الميزانيات المستقلة أن العلاقة بين صندوق التأمين وبين الموظف هى علاقة بين مؤمن ومؤمن له ينظمها القانون المذكور الذى يرتب إلتزامات وحقوقا لكل منهما قبل الآخر، وأن المبالغ التى تؤدى تنفيذا لأحكامه هى تأمين فى مقابل الأقساط التى تستقطع من مرتب الموظف فى حال حياته، أما مبلغ التعويض المقضى به فمصدره الفعل الضار الذى أثبت الحكم وقوعه من التابع فى أثناء تأدية وظيفته ورتب عليه مسئولية المتبوع، وبذلك لا يكون الحكم قد أخطأ إذ هو لم يلتفت إلى حصول المدعى بالحقوق المدنية بصفتيه - على مبلغى التأمين، ولم يلق إليهما بالا وهو بصدد تقدير التعويض المقضى به، ولا يقدح فى ذلك القول بأن المضرور يكون بذلك قد جمع بين تعويضين عن ضرر واحد لاختلاف مصدر كل حق عن الآخر، ومتى تقرر ذلك فإنه لا يعيب الحكم إلتفاته عن الرد على ما تنعاه المسئولة عن الحقوق المدنية فى هذا الخصوص لظهور بطلانه. [(2)]
4 - إذا كان الثابت أن المعاش المستحق لابن المجنى عليها القاصر قد سوى طبقا لأحكام القانون رقم 394 لسنة 1956، ولم يكن من قبيل المعاشات الاستثنائية التى يتعين التصدى لها عند تقدير التعويض عن الفعل الضار، فإنه لا يقبل النعى على الحكم عدم خصمه المعاش من مبلغ التعويض. [(3)]


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المتهم (الطاعن الأول) بأنه: تسبب بغير قصد ولا تعمد فى قتل المجنى عليها وإصابة زوجها بأن كان ذلك ناشئا عن إهماله وعدم احتياطه ومخالفة اللوائح بأن أهمل فى حراسة المزلقان المعين خفيرا عليه ولم يقم بغلق بوابته رغم قدوم إحدى القاطرات ولم يقم بتنبيه قائد السيارة الذى كان يعبر المزلقان بقدوم هذا القطار فعبر المزلقان وقت سير القطار فاصطدم به وأصيب المجنى عليهما بالإصابات التى بالتقارير الطبية والتى أودت بحياة الأولى. وطلبت عقابه بالمادتين 238 و 244 من قانون العقوبات وقد ادعى بحق مدنى المجنى عليه الثانى عن نفسه وبصفته وليا طبيعيا على ابنه بمبلغ خمسة عشر ألف جنيه قبل المتهم والسيد وزير المواصلات بصفته مسئولا عن الحقوق المدنية. والمحكمة الجزئية قضت حضوريا عملا بمادتى الاتهام بحبس المتهم سنة مع الشغل وكفالة 500 قرش لوقف التنفيذ وبالزام المتهم والمسئول عن الحقوق المدنية بصفتيه بأن يدفع للمدعى بالحق المدنى بصفتيه مبلغ عشرة آلاف جنيه على سبيل التعويض مع المصاريف المناسبة ورفض ماعدا ذلك من الطلبات. استأنف كل من المتهم والمسئول عن الحقوق المدنية والمدعى بالحقوق المدنية وأمام المحكمة الاستئنافية دفع الحاضر مع كل من المتهم والمسئول عن الحقوق المدنية بعدم قبول الدعوى الجنائية لرفعها من غير ذى صفة والمحكمة المذكورة قضت حضوريا برفض الدفع بعدم قبول الدعوى الجنائية لرفعها من غير ذى صفة وبرفض الاستئناف وبتأييد الحكم المستأنف بلا مصاريف جنائية وألزمت كلا من المتهم والمسئول عن الحقوق المدنية والمدعى بالحق المدنى المصاريف. فطعن المتهم والمسئولة عن الحقوق المدنية فى هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... من حيث إن الطاعن الأول وإن قرر بالطعن فى الميعاد إلا أنه لم يقدم أسبابا فيكون طعنه غير مقبول شكلا.
وحيث إن الطعن المقدم من الطاعنة الثانية - المسئولة عن الحقوق المدنية - قد استوفى الشكل المقرر فى القانون.
وحيث إن مبنى الوجه الأول من الطعن هو أن الحكم المطعون فيه انطوى على فساد فى الاستدلال ومخالفة للقانون حين دان الطاعن الأول بجريمة لقتل والإصابة الخطأ وقضى بالزامه والطاعنة بصفتها مسئولة عن الحقوق المدنية بالتعويض، ذلك أن الطاعنة تمسكت فى دفاعها بأن تبعة الحادث تقع على عاتق المطعون ضده - المدعى بالحقوق المدنية - الذى كان يقود سيارته لعدم احتياطه عند عبوره المجاز فى وقت كانت إحدى ضلفتيه مغلقة مما كان يوجب عليه التحوط طبقا لما نوه عنه القرار الوزارى الرقيم 4 من مارس سنة 1926 ى المادة 16 منه ورد الحكم على ذلك بأن الطاعن الأول لم يستعمل المصباح الأحمر عند إغلاقه إحدى ضلفتى المجاز مما يجعل المجنى عليه معذورا إذا اعتقد خلو الطريق عند عبوره المجاز المذكور واستند الحكم إلى قضاء لمحكمة النقض بمسئولية مصلحة السكة الحديدية عما ينشأ من ضرر للغير بسبب ترك المجاز المعين عليه حارس مفتوحا، وإلى أنه لا محل للتحدى فى هذا الشأن بنص لائحة السكة الحديد. وهذا الذى أورده الحكم غير سائغ فى نفى شبهة الخطأ عن المدعى بالحق المدنى، ذلك لأن البداهة تملى على كل رجل ذى بصر بعواقب الأمور ألا يجتاز المجاز إطلاقا طالما إن إحدى بوابتيه مغلقة لدلالة ذلك على قيام الخطر من عبور المجاز. ولا يقدح فى ذلك ما تعلل به الحكم من عدم وضع الحارس النور الأحمر لأن الثابت من وقائع الدعوى أن أنوار السيارة قيادة المطعون ضده لابد أن تكون قد كشفت له عن غلق أحد جانبى البوابة فتمثل له الخطر مما يغنى عن وجود النور الأحمر. أما التحدى بقضاء محكمة النقض فى هذا الخصوص فلا يساند الحكم لاختلاف ظروف الواقعة المطروحة عن موضوع القضاء الذى استشهد به الحكم الذى يبدو من سياقه أن الخفير المعين للمجاز كان متغيبا عن مقر عمله بينما الثابت فى الدعوى أن الحارس كان موجودا بمكان الحادث وأن هم باغلاق المجاز وأغلق إحدى ضلفتيه وشرع فى إغلاق الأخرى هذا بالإضافة إلى وجوب تحميل المطعون ضده وحده مسئولية الحادث إعمالا لنص المادة 16 من القرار الوزارى سالف الذكر لاجتيازه المجاز عند اقتراب مرور القطار.
وحيث إن الحكم الابتدائى المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمتى القتل والإصابة الخطأ التى دان الطاعن الأول - تابع الطاعنة الثانية - بها وبالزامهما بالتعويض، وأورد على ثبوتها وقيام مسئولية الطاعنة المدنية أدلة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها. وعرض الحكم إلى ما دفعت به الطاعنة من إلقاء تبعة الحادث على عاتق المطعون ضده فنفى عنه قيادة سيارته بسرعة ثم قال: "ومن حيث إن القول بأنه كان يتعين على قائد السيارة أن ينتبه إلى قدوم الجرار الذى يستعمل قائده آلتى التنبيه والأنوار الكاشفة طبقا لما يقضى بذلك القرار رقم 4 لسنة 1926 فانه وإن كان هناك قرار بهذا المعنى إلا أنه فى تقدير الخطأ يراعى ظروف الواقعة والمتهم وقائد السيارة وما قد يتولد فى اعتقاد كل منهم لما جرى عليه العرف والعمل والتأمين على أقوال لسان قائدا لجرار أنه ما كان ليرى السيارة عند مرورها لقيام أشجار كثيفة بمنطقة المعادى تحجب رؤيتها عنه ولا شك أن هذا بذاته لابد وأن يكون حاجبا لرؤية القطار بالنسبة لقائد السيارة بل إنه يكون أوضح فى ظروف هذا الأخير التى توجب عليه الالتفات أكثر من مرة حتى يمكنه أن يكون فى مواجهة المجاز الذى يطلب منه أن يركز اهتمامه للمرور فى هذه الالتفاتات قبل أن يركز انتباهه على المجاز بل إنه وفقا لما جرى عليه العمل بترك مهمة مراقبة المجاز إلى الخفير الذى عين من الجهة المختصة لهذا الغرض والذى زود ببوابة ذات عارضتين خشبيتين ومصباحين أحدهما يثبت فى الشادوف حتى يشير إلى السيارات القادمة بغلق المجاز والآخر يتعين على الخفير الإمساك به وتحريكه لنفس الغرض وفى ذلك ما يغنيه عن مراقبة قدوم القطار الذى يتعذر رؤيته على النحو المتقدم بل لعله لم يسمع آلة التنبيه التى كان يطلقها قائدها لأنه لم يركز انتباهه إلى ذلك فضلا عن أنه قد أغلق نوافذ سيارته لشدة البرد فى هذا الوقت من ليلة 4/ 1/ 1958." ثم عرض الحكم إلى موقف الخفير (الطاعن الأول) والواجبات المفروضة عليه ومدى قيامه بها فقال: "ومن حيث إن المادة 127 من اللائحة العمومية بمصلحة السكة الحديد الصادرة فى سنة 1908 نصت على أن المصابيح التى توجد على بوابات المنافذ (المزلقانات) يجب أن تعلق وهى منارة بالنور الأحمر لجهتى الخط عندما تكون البوابات مغلقة عليه ويجب إنارة المصابيح عند الغروب وبالمثل فى وقت الشابورة أو الزوابع وأثناء الليل ولا يجب إطفاءها قبل الفجر وعندما تكون مطفأة يجب إنارتها ثانية عند الحاجة لمرور أى قطار قبل طلوع النهار، ونصت المادة 129 على أن المنافذ التى ليس نقط بلوك بل مركب بها بوابات أو جازير يجب على خفرائها إقفال البوابة أو وضع الجنزير بحيث يقطع الطريق عند اقتراب أى قطار، ونصت المادة 131 على أن تعطى للخفراء إشارة حمراء وفانوس يد ويجب أن يكون لهم علم تام بالقوانين الخاصة بإشارات اليد وأنه لا يجوز للخفراء ترك عملهم فى أثناء ورديتهم وهم المسئولون عن تنظيف المجرى، وجاء بالمادة 55 إن إشارات اليد تعطى بالبيارق نهارا وبالفوانيس ليلا أو فى وقت الشابورة أو الزوابع ويعتبر البيرق الأخضر والنور الأخضر علامة المسير والنور الأحمر كالبيرق الأحمر دلالة على الخطر أو الوقوف وفى حالة عدم وجود نور أحمر أى نور كان يحرك تحريكا سريعا يفيد دلالة على الخطر. أما بالمادة 57 فجاء بها أن فوانيس وبيارق اليد متى استعملت بصفة إشارات يجب دائما مسكها باليد وعدم وضعها على الأرض أو غرزها أو تركيبها بأى مكان آخر إلا متى كان الغرض من استعمالها الدلالة على النقطة الموجودة بها عارضات." وخلص الحكم من ذلك القول: "ومن حيث إنه متى وضح مما تقدم أن هذه التعليمات التى يتعين على المتهم اتباعها فإذا ما ثبت من أقوال سائقى الجرارين أن البواية إن لم تكن مفتوحة من جعتيها فهى على الأقل مفتوحة من جهة دخول السيارة عند طريق ضاحية المعادى وقد ترك تقدير الوقت الذى يجب فيه غلق المجاز إلى الرؤية بالنسبة للمتهم وهو ما يستطيعه وفق لأقوال المهندس وقائدى الجررين عندما يصل القطار القادم إلى البلوك الذى يبعد عن المجاز بمسافة تسمح بغلقه من جهتيه الأمر الذى أكدته المعاينة التجريبية التى قامت بها النيابة فاذا ما أضيف إلى ذلك أن المتهم لم يستعمل المصباح الأحمر باعترافه فإن المجنى عليه إذا ما قدم بعبور المجاز اعتقادا منه أنه خال قد قام لديه عذره فيما اعتقده وبذلك يكون ما أثاره المتهم من خطأ على النحو السالف هو السبب المباشر لوقوع الحادث إذ لو كان نفذ التعليمات القانونية لما وقع الحادث أو على أقل تقدير لما وقع على هذا النحو... ..." وأضاف الحكم المطعون فيه إلى ذلك قوله إنه "متى أقامت مصلحة السكة الحديدية بالفعل حراسا على مجازاتها لإقفالها كلما كان هناك خطر من اجتيازها وأصبح ذلك معهودا للناس فقد حق لهم أن يعولوا على ما أوجبته على نفسها من ذلك وأن يعتبروا ترك المجاز مفتوحا إيذانا للكافة بالمرور فاذا ما ترك الحارس المجاز مفتوحا حيث كان ينبغى أن يقفله فعمله هذا إهمال بالمعنى الوارد فى المادتين 238، 244 من قانون العقوبات وتكون المصلحة مسئولة عما ينشأ عنه من الضرر للغير ولا محل هنا للتحدى بأنه كان على المدعى بالحق المدنى أن يحتاط لنفسه ولا للتحدى بنص لائحة السكك الحديدية لأن الثابت من الأوراق وللأسباب التى أوردها الحكم المستأنف أن المدعى بالحق المدنى لم يعبر المجاز وهو عالم بالخطر ولقد كان يكون لمثل هذا الدفاع شأن لو لم يكن هناك حارس للمجاز معين لحراسته وانتهى الحكم من ذلك إلى ثبوت خطأ تابع الطاعنة ووقوع الضرر على المطعون ضده نتيجة له ورتب على ذلك مسئوليته مع الطاعنة عن تعويض هذا الضرر. لما كان ذلك، وكان ما انتهى إليه الحكم سائغا وصحيحا فى القانون، ويتضمن الرد على ما أثارته الطاعنة فى خصوص نفى الخطأ عن تابعها وإلقاء تبعته على عاتق المطعون ضده. وكان من المقرر أن تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه جنئيا أو مدنيا مما يتعلق بموضوع الدعوى ومتى استخلصت المحكمة مما أوضحته من الأدلة السائغة التى أوردتها أن الخفير المعين من الطاعنة على المجاز قد أخطأ إذ لم يبادر إلى تحذير المارة فى الوقت المناسب وتنبيههم إلى قرب مرور القطار وتراخى فى إغلاق المجاز من ضلفتيه ولم يستعمل المصباح الأحمر فى التحذير وفقا لما تفرضه عليه التعليمات وذلك فى الوقت الذى ترك فيه بوابة المجاز مفتوحة من جهة دخول السيارة قيادة المطعون ضده مع استطاعته إقفالها، وأن هذا الأخير كان معذورا فى اعتقاده خلو المجاز وعبوره، فوقع الحادث نتيجة لهذا الخطأ فلا تقبل المجادلة فى ذلك لدى محكمة النقض. ولا محل هنا للتحدى بأنه على الجمهور أن يحتاط لنفسه أو التحدى بنص لائحة السكك الحديدية على أنه لا يجوز اجتياز خطوط السكة الحديدية بالمجازات السطحية (المزلقانات) عمومية كانت أو خصوصية أو ترك الحيوانات تجتازها عند اقتراب مرور القاطرات أو عربات المصلحة - لا محل لذلك متى كانت الواقعة كما أثبتها الحكم لا تفيد أن سائق السيارة التى كان بها المجنى عليهما قد حاول المرور من المجاز مع علمه بالخطر، ولقد كان يكون لمثل هذا الدفاع شأن لو لم يكن هناك للمجاز حراس معينون لحراسته. ولا يغير من هذا النظر تغيب الحارس المعين من الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية عن مقر حراسته أو وجوده به ذلك أن مرد الأمر ليس بوجود الحارس فى مقر عمله أو بغيابه عنه بل بقيامه بواجباته المفروضة عليه والتى تواضع الناس على إدراكهم إياها والتى تتمثل فى إقفال المجاز كلما كان هناك خطر من اجتيازه وهو ما قصر الحارس فى الدعوى المطروحة فى القيام به كما دلل عليه الحكم تدليلا سائغا كما سلف البيان وهو ما يكون الجريمتين المنصوص عليهما بالمادتين 238، 244 من قانون العقوبات اللتين دين بهما الحارس المذكور ويستتبع مسئولية الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية عما ينشأ عن ذلك من الضرر للغير على ما قضت به المادة 174 من القانون المدنى. لما كان ما تقدم، فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الوجه يكون على غير أساس متعينا رفضه.
وحيث إن مبنى الوجه الثانى من الطعن هو أن الحكم المطعون فيه شابه قصور فى التسبيب وانطوى على خطأ فى تطبيق القانون ذلك أن الطاعنة تمسكت فى مذكرتها أمام محكمة ثانى درجة بأنه صرف إلى المطعون ضده بصفتيه مبلغ من مصلحة صناديق التأمين والمعاشات أولهما مبلغ 183 جنيها ة 870 مليما والثانى مبلغ 551 جنيها و 610 مليمات فضلا عن ربط معاش لإبنه حتى تاريخ استخدامه أو بلوغه السن فى 25 يوليو سنة 1978 وقدمت الطاعنة المستندات المؤيدة لذلك، ولكن الحكم التفت عن هذا الدفاع ولم يسقط هذه المبالغ من مبلغ التعويض الذى قضى به مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على المفردات التى أمرت المحكمة بضمها تحقيقا لوجه الطعن أن الطاعنة أثارت فى المذكرة المقدمة منها فى المحاكمة الاستثنافية بجلسة 27 ديسمبر سنة 1958 ما رددته فى وجه الطعن فى خصوص المبالغ التى صرفت إلى المطعون ضده بصفتيه من مصلحة صناديق التأمين والمعاشات وقدمت حافظة بمستنداتها ومن بينها الخطاب الموجه من مدير إدارة تسوية المعاشات إلى مدير عام مصلحة الأمراض الصدرية بتاريخ 20/12/ 1958 المتضمن المبالغ التى استحقت لورثة المرحومة الدكتورة كريمة نجيب جورجى - أرملة المطعون ضده - تعويضا عن وفاتها وجملتها 735ج و 480م. خص المطعون ضده بوصفه زوجها 183ج و 870م. وخص ابنهما القاصر إكرام صابر عبد المسيح 551ج و 610م. كما ربط لهذا الأخير معاش شهرى قدره 2 و 330م. وغلاء معيشة 1ج و 573م. اعتبارا من 4/ 1/ 1958 التاريخ التالى لوفاتها. وتبين من الاطلاع على البيان الصادر من مصلحة صناديق التأمين والمعاشات بتاريخ 1/ 11/ 1960 - المقدم بحافظة المطعون ضده بجلسة 12 ديسمبر سنة 1960 أمام هذه المحكمة والذى اطلع عليه المدافع عن الطاعنة - أن المعاش سالف الذكر يستحق للقاصر حتى بلوغه سن الحادية والعشرين أو حتى استخدامه أيهما أقرب وأنه ليس معاشا استثنائيا وقد أيد هذا البيان بكتاب المصلحة سالفة الذكر رقم 2854/ 2 المؤرخ 24/ 2/ 1960 الموجه إلى السيد المحامى العام لدى محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان يبين من الاطلاع على القانون رقم 394 لسنة 1956 بانشاء صندوق للتأمين والمعاشات لموظفى الدولة المدنيين وآخر لموظفى الهيئات ذات الميزانيات المستقلة أن موارده كل من الصندوقين المنشأين لموظفى الدولة المدنيين - المثبتين وغير المثبتين - تتكون طبقا للمادة 11 منه من الاشتراكات التى تقتطع شهريا من مرتبات الموظفين بالنسب التى حددتها المادة المذكورة ومن المبالغ التى تؤديها الخزانة العامة أو الهيئات ذات الميزانيات المستقلة التى تعين بقرار من "وزارة المالية والاقتصاد" بحيث لا تقل عن جملة الاشتراكات المحصلة لحساب كل صندوق ومن حصيلة استثمار أموال كل منهما، وقد نصت المادة 14 التى وردت فى الباب الرابع المعنون "فى نظام التأمين" على استحقاق مبلغ التعويض التى يؤديها كل من الصندوقين فى إحدى حالتين أولاهما وفاة الموظف وهو بالخدمة قبل بلوغه سن الستين وفى هذه الحالة يؤدى التعويض إلى المستفيدين الذى عينهم الموظف قبل وفاته فاذا لم يعين الموظف أحدا فيؤدى التعويض إلى الورثة الشرعيين. ونصت المادة 15 على أن يكون مبلغ التعويض الذى يؤديه كل صندوق طبقا للمادة السابقة معادلا لنسبة من المرتب السنوى تختلف تبعا للسن وذلك وفقا للجدول رقم (1) المرافق ويحسب هذا التعويض على أساس آخر مرتب أصلى شهرى كامل استحقه الموظف قبل وفاته أو فصله وفى تحديد السن تعتبر كسور السنة سنة كاملة. وتناول الباب الخامس نظام المعاشات ونصت المادة 27 على أنه إذا توفى الموظف أو صاحب المعاش كان للمستحقين عنه الحق فى اقتضاء معاشات وفقا للجدول رقم (3) المرافق وبينت المادة المذكورة المقصود بالمستحقين ومن بينهم الأولاد القصر الذين يقف صرف المعاش المستحق لهم طبقا للمادة 29 إذا جاوزوا سن الحادية والعشرين. ونصت المادة 38 على أن المعاشات والمكافآت التى تسوى طبقا لأحكام هذا القانون هى وحدها التى يلتزم صندوقا التأمين والمعاشات أداءها. أما ما يمنح الموظف زيادة عليها تطبيقا لقوانين وقرارات خاصة فتلزم الخزانة أداءه. لما كان ذلك، وكان يبين من هذا الاستقراء أن العلاقة بين صندوق التأمين وبين الموظف هى علاقة بين مؤمن ومؤمن له ينظمها القانون المذكور الذى يرتب إلتزامات وحقوقا لكل منهما قبل الآخر وأن المبالغ التى تؤدى تنفيذا لأحكامه هى تأمين فى مقابل الأقساط التى تستقطع من مرتب الموظف فى حال حياته أما مبلغ التعويض المقضى به فمصدره الفعل الضار الذى أثبت الحكم وقوعه من التابع فى أثناء تأدية وظيفته ورتب عليه مسئولية المتبوع - الطاعنة - وبذلك لا يكون الحكم قد أخطأ إذ هو لم يلتفت إلى حصول المطعون ضده - المدعى بالحق المدنى بصفتيه - على مبلغى التأمين سالفى الذكر ولم يلق إليهما بالا وهو بصدد تقدير التعويض المقضى به. كما أنه وقد ثبت أن المعاش المستحق لإبن المجنى عليها القاصر قد سوى طبقا لأحكام القانون المذكور ولم يكن من قبيل المعاشات الاستثنائية التى يتعين التصدى لها عند تقدير التعويض عن الفعل الضار،فانه لا يقبل النعى على الحكم عدم خصمه هذا المعاش من مبلغ التعويض. ولا يقدح فى ذلك القول بأن المضرور يكون بذلك قد جمع بين تعويضين عن ضرر واحد لاختلاف مصدر كل حق عن الآخر كما سلف البيان. لما كان كل تقدم، فإن ما تثيره الطاعنة من قالة القصور والخطأ فى تطبيق القانون لا يكون سديدا، ولا يعيب الحكم التفاته عن الرد على ما تنعاه الطاعنة فى هذا الخصوص لظهور بطلانه.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.


[(1)] راجع الحكم فى الطعن 1168/ 17ق - (جلسة 10/ 11/ 1947) - الفهرس الخمس والعشرينى جـ2 ب 16 ص 936، الطعن 28/ 25ق (جلسة 26/ 3/ 1959) - قاعدة 43 - مجموعة الأحكام الصادرة من الدائرة المدنية - السنة العاشرة - صفحة 276.
[(2)] راجع فى أن الدفاع ظاهر البطلان لا يستأهل ردا: الأحكام فى الطعون 1889/ 28ق - (جلسة 9/ 2/ 1959) - قاعدة 38 - مجموعة الأحكام - السنة العاشرة - صفحة 175، 495/ 30ق - (جلسة 27/ 6/ 1960) - قاعدة 116 - مجموعة الأحكام 0 السنة الحادية عشرة - صفحة 610، 1236/ 30ق - (جلسة 31/ 10/ 1960 )، 1750/ 30ق - (جلسة 6/ 2/ 1961 ).
[(3)] راجع الحكم فى الطعن 1207/ 14ق - (جلسة 21/ 3/ 1955) - قاعدة 216 - مجموعة الأحكام - السنة السادسة - صفحة 664.