أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
الجزء الثانى - السنة 28 - صـ 1703

جلسة 16 من نوفمبر سنة 1977

برئاسة السيد المستشار محمد أسعد محمود نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمد الباجورى، وصلاح نصار، ومحمود رمضان، وإبراهيم فراج.

(292)
الطعن رقم 421 لسنة 44 ق

(1) دعوى "قبول الدعوى". نقض "الخصوم فى الطعن".
الخصومة أمام القضاء شرط قبولها. قيام نزاع بين أطرافها على الحق موضوع التقاضى المطعون عليه فى الطعن بالنقض وشروط اختصامه.
(2) إيجار. إثبات.
الهلاك الكلى للعين المؤجرة. م 370 مدنى قديم، 569 ماهيته. تقدير ما إذا كان الهلاك كلياً أو جزئياً. واقع يخضع لتقدير محكمة الموضوع. جواز إثبات الهلاك بكافة الطرق.
(3) إثبات "الإقرار". محكمة الموضوع.
الإقرار غير القضائى. لمحكمة الموضوع تعتبره دليلاً مكتوباً أو مجرد قرينة أو لا تعتد به أصلاً دون معقب عليها فى ذلك.
(4) إيجار. فضاله.
الفضولى. وجوب أن تنصرف نيته إلى العمل لمصلحة غيره. قيام المستأجر بإصلاحات ضرورية مستهدفاًَ استيفاء منفعة العين لا يعتبر فضوليا بالنسبة للمؤجر ولو عاد الإصلاح بنفع عليه.
(5) إثراء بلا سبب. عقد.
وجود علاقة عقدية بين الطرفين. مانع من تطبيق قواعد الإثراء بلا سبب.
(6) إيجار.
خلو عقد الإيجار المبرم فى ظل القانون المدنى القديم التزام المؤجر بإجراء المرمات أثره. عدم جواز الرجوع على المؤجر بما أنفقه المستأجر على العين فى الترميمات الضرورية لاستكمال الانتفاع بها.
1 - إذا كان شرط قبول الخصومة أمام القضاء قيام نزاع بين أطرافها على الحق موضوع التقاضى حتى تعود على المدعى منفعة من اختصام المدعى عليه للحكم عليه بطلباته مما وصفته المادة الثالثة من قانون المرافعات بأنه المصلحة القائمة التى يقرها القانون، وكان الطعن بالنقض لا يخرج على هذا الأصل فإنه لا يكفى لقبول مجرد أن يكون المطعون عليه طرفاً فى الخصومة أمام المحكمة التى أصدرت الحكم المطعون فيه بل يجب أن يكون قد نازع خصمه أمامها فى طلباته أو نازعه خصمه فى طلباته هو، ولما كان البين من دفاع الدعوى آنفة الذكر فى خصوص موقف المطعون عليها الثانى والثالثة من الطاعن فى هذه الخصومة أنه لم تبد مهما منازعة له أمام محكمة الموضوع، كما لم يوجه هو إليها طلبات ما فإنه لا تكون للطاعن مصلحة فى اختصامهما أمام محكمة النقض مما يوجب الحكم بعدم قبول الطعن بالنسبة إليهما.
2 - الهلاك الكلى فى معنى المادة 370/ 2 من التقنين المدنى القديم المقابلة للمادة 569/ 1 من القانون المدنى الحالى - هو أن يلحق الدمار العين المؤجرة فيأتى عليها كلها أو يجعلها غير صالحة جميعها لأداء الغرض الذى أجرت من أجله والهلاك هنا مادى يلحق مقومات العين المؤجرة وكيانها الذاتى ولئن انعقد الإجماع على منح نفس الأثر للهلاك المعنوى أو القانونى الذى لم يمس نفس الشئ المؤجر فى مادته إلا أن يحول دون ادائه المنفعة التى قصد أن يستوفيها المستأجر منه،إل أن شرطه أن يحول دون الانتفاع بالعين جميعها وألا يكون المانع مؤقتاً بل دائماً، فإن لم يترتب إلا انتفاء الفائدة من جزء من العين أو كان المانع مصيره إلى الزوال قبل انتهاء مدة العقد اعتبر الهلاك جزئياً. ومسألة ما إذا كان الهلاك كلياً أو جزئياً من مسائل الواقع التى تخضع لسلطان قاضى الموضوع وتقديره دون رقابة محكمة النقض ما دام استخلاصه سائغاً.
3 - المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن الإقرار غير القضائى يخضع لتقدير محكمة الموضوع التى لها بعد تقدير الظروف التى صدر فيها وملابسات الدعوى أن تعتبره دليلاً مكتوباً أو مجرد قرينة أو ألا تعتد به أصلاً دون معقب عليها.
4 - الفضولى يجب أن تنصرف نيته إلى أن يعمل لمصلحة غيره لا لمصلحة نفسه، فإذا انصرفت نيته إلى العمل لمصلحة نفسه فلا تصدق عليه صفة الفضولى حتى ولو عاد تدخله على الغير بنفع، ومن ثم فإن المستأجر إذا قام بإصلاحات ضرورية فى العين المؤجرة مستهدفاً استيفاء منفعة العين لنفسه فهو بالنسبة إلى المالك لا يعتبر فضولياً، حتى ولو كان هذا التدخل ليس متضمناً لمصلحته وإنما قد يكون فيه نفع للمالك بالتبعية.
5 - إذ كان الثابت أن علاقة الطاعن والمطعون عليه الأول يحكمها عقد إيجار مبرم بينهما، فلا محل لتطبيق قواعد الإثراء بلا سبب لوجود رابطة عقدية، وتكون أحكام العقد هى المرجع فى تحديد حقوق وواجبات كل من الطرفين قبل الآخر.
6 - إذ كانت المادة (370) من القانون المدنى الملغى قد نصت فى فقرتها الأولى على أنه لا يكلف المؤجر لعمل أية مرمة إلا إذا اشترط فى العقد إلزامه، بذلك، وكان عقد الإيجار المبرم بين الطرفين قد خلا من مثل هذا الشرط، فإن مقتضى ذلك أنه لا يجوز للمستأجر أن يرجع على المؤجر بما أنفقه فى الترميمات الضرورية التى قصد بإجرائها مجرد استكمال الانتفاع بالعين المؤجرة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل فى أن الطاعن بصفته وكيلا لدائنى تفليسة مورث المطعون عليها الثالثة أقام الدعوى رقم 3035 لسنة 1957 مدنى أمام محكمة القاهرة الابتدائية ضد المطعون عليهما الأول والثانى بطلب الحكم بالزام المطعون عليه الأول فى مواجهة المطعون عليه الثانى بأن يؤدى إليه مبلغ 12616 جنيهاً و 35 مليماً وقال فى بيان دعواه أنه بتاريخ 12/ 2/ 1947 استحكر السيد/ زويا نيللى من وقف المرحوم حنا فوزى قطعة أرض بشارع سليمان باشا بالقاهرة لمدة 22 سنة تبدأ من أول أغسطس سنة 1946 وتنتهى فى آخر يوليو سنة 1968 ليقيم عليها دار للسينما عرفت فيما بعد بدار سينما راديو وقد تنازل زريا نيللى عن حقه فى الحكر إلى شركة المسارح المصرية، ثم أجرت هذه الشركة إلى مورث المطعون عليها الثالثة الأرض المحكرة ودار السينما التى أقيمت عليها بموجب عقد مؤرخ 8/ 4/ 1948 نص فيه على أن مدة الإيجار أربع سنوات تبدأ من أول نوفمبر سنة 1948 وتنتهى فى أخر أكتوبر سنة 1952 وقابلة للتجديد لمدة ثلاث سنوات أخرى وهكذا إلى نهاية شهر يوليو سنة 1968 وذلك ما دام المستأجر لم يخطر المؤجر برغبته فى عدم تجديد العقد قبل نهاية مدة السنوات الأربع الأولى أو أى من السنوات الثلاث التالية بستة أشهر على الأقل، وحددت الأجرة السنوية بمبلغ 1200 جنيه فى المدة الأولى المقدرة بأربع سنوات وفى المدة التالية التى تمتد إليها بمقدار ثلاث سنوات تم تعديل الأجرة بعد ذلك فى المدد التالية طبقاً لما هو مبين بالعقد، وبتاريخ 15/ 4/ 1948 استأجرت شركة إخوان جعفر المطعون عليها الثانية من باطن مورث المطعون عليها الثالثة دار السينما المذكورة بأجرة قدرها 1600 جنيه سنوياً وللمدة المحددة بعقد الإيجار الأصلى وعلى أن يكون للمستأجر من الباطن أيضاً الحق فى إنهاء الأجرة فى نهاية الأربع سنوات الأولى أو نهاية أى مدة من مدد الثلاث سنوات التالية، وحدث بعد ذلك أن الشركة المؤجرة الأصلية تنازلت عن عقد الإيجار إلى شركة الأملاك ذات الإيردات التى تنازلت بدورها إلى البنك التجارى المصرى الذى آل بعد ذلك للمطعون عليه الأول، وقد استمر تنفيذ عقدى الإيجار الأصلى والإيجار من الباطن إلى أن وقعت بمدينة القاهرة حوادث حريق 26/ 1/ 1952 فأصيبت دار السينما المؤجرة بتخريب أدى إلى توقف الانتفاع بها واستعمالها فى الغرض المؤجرة من أجله، واستطرد الطاعن إلى القول بأن المطعون عليها الثانية - المستأجرة من الباطن - تحملت تكاليف إصلاح وترميم العين المؤجرة والتى بلغ مقدارها - بعد خصم التعويض الذى دفعته لجنة التعويضات - 12616 جنيهاً 35 مليماً وذلك مقابل تنازل مورث المطعون عليها الثالثة - المستأجر الأصلى لها - عن مبلغ 2000 جنيه من الأجرة السنوية حتى نهاية مدة العقد فى سنة 1968، وأنه لما كانت المستأجرة من الباطن قد قامت بعمل الترميمات الضرورية فى دار السينما بعد حوادث 26 يناير سنة 1952 أى فى ظل القانون المدنى الجديد الذى يلزم المؤجر بأن يتعهد العين المؤجرة بالصيانة وأن يقوم فى أثناء الإجازة بجميع الترميمات الضرورية لذلك فقد كان حقاً للمستأجرة اقتضاء المبلغ الذى انفقته على تلك الترممات من المستأجر الأصلى - مورث المطعون عليها الثانية - ويكون لهذا الأخير أن يرجع بدوره على المطعون عليه الأول المؤجر له استناداً إلى الأساس ذاته وإلى ما تفيده شروط عقد الإيجار من التزام المؤجر المذكور بالترميمات الضرورية، لهذا أقام الطاعن بصفته دعواه مطالباً المطعون عليه الأول بما تكبده مورث المطعون عليها الثالثة فى سبيل ترميم العين المؤجرة. وبتاريخ 11/ 5/ 1958 حكمت المحكمة برفض الطعن. استأنف الطاعن بصفته هذا الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 1172 سنة 75 ق طالباً القضاء له بطلباته، وقد تدخل مورث المطعون عليها الثالثة فى الاستئناف منضماً إلى الطاعن وبتاريخ 25/ 6/ 1959 قضت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض وقيد طعنه برقم 467 سنة 29 ق. وبتاريخ 29/ 10/ 1964 نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه وأحالت الدعوى إلى محكمة استئناف القاهرة ولما عجلها الطاعن عادت وحكمت بتاريخ 21/ 2/ 1974 برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة دفعت فيها بعدم قبول الطعن بالنسبة للمطعون عليهما الثانى والثالثة ورفض الطعن بالنسبة للمطعون عليه الأول وعرض الطعن على هذه المحكمة فى غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر، وبالجلسة المحددة التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مبنى دفع النيابة بعدم قبول الطعن بالنسبة إلى المطعون عليهما الثانى والثالثة أنهما ليسا خصمين للطاعن ينازعانه فى طلباته فلا مصلحة لهما فى الدفاع عن الحكم المطعون فيه.
وحيث إن الدفع سديد ذلك أنه لما كان شرط قبول الخصومة أمام القضاء قيام نزاع بين أطرافها على الحق موضوع التقاضى حتى تعود على المدعى منفعة من اختصام المدعى عليه للحكم عليه بطلباته، مما وصفته المادة الثالثة من قانون المرافعات بأنه المصلحة القائمة التى يقرها القانون، وكان الطعن بالنقض لا يخرج على هذا الأصل فإنه لا يكفى لقبول مجرد أن يكون المطعون عليه طرفاً فى الخصومة أمام المحكمة التى أصدرت الحكم المطعون فيه بل يجب أن يكون قد نازع خصمه أمامها فى طلباته أو نازعه خصمه فى طلباته هو، ولما كان البين من دفاع الدعوى آنفة الذكر فى خصوص موقف المطعون عليهما الثانى والثالثة من الطاعن فى هذه الخصومة أنه لم تبد منهما منازعة له أمام محكمة الموضوع، كما لم يوجه هو إليها طلبات ما فانه لا تكون للطاعن مصلحة فى اختصامهما أمام محكمة النقض، مما يوجب الحكم بعدم قبول الطعن بالنسبة إليهما.
وحيث إن الطعن بالنسبة للمطعون عليه الأول استوفى أوضاعه الشكلية.وحيث إن الطعن أقيم على خمسة أسباب، ينعى الطاعن بالسببين الثالث والخامس منها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والفساد فى الاستدلال والقصور فى التسبيب، وفى بيان ذلك يقول أن الحكم أسس قضاءه برفض الدعوى على سند من القول بأن المؤجر لا يلزم بالمرمات والإصلاحات الضرورية وفقاً لحكم المادة 370 من القانون المدنى القديم الذى يحكم واقعة النزاع، اعتباراً بأن العين المؤجرة لم تهلك هلاكاً كلياً بسبب حوادث حريق القاهرة، وأن عقد الإيجار الأصلى المبرم فى 15/ 4/ 1948 ظل سارياً وممتداً وساق تأييداً لرأيه أن تكاليف الإصلاح البالغة عشرين ألفاً من الجنيهات لا توازى إلا جزءاً يسيراً من قيمة إنشاء المبنى التى نيفت على مائة وخمسين ألفاً من الجنيهات، وأن المستأجر الأصلى - مورث المطعون عليها الثالثة - ظل يدفع الإيجار على الرغم من الحريق بما يفيد أن الهلاك ليس كليا، فى حين أن المادة 370 آنفة الذكر ساوت بين الهلاك الكلى المادى والهلاك المعنوى متى امتنع على المستأجر الانتفاع بالعين وإن لم تهلك هلاكاً مادياً والثابت أن الحريق أصاب دار السينما بتدمير كلى لم يبق إلا على الأرض وأطلال من البناء الأمر الذى يجعل الهلاك كلياً وبالتالى ينفسخ العقد بقوة القانون. هذا إلى أن المقارنة الرقمية بين تكاليف الإصلاح ونفقات الإنشاء - التى لم يبين مصدرها من الأوراق - لا تواجه التطبيق السليم للمادة المشار إليها، والذى يشير إلى أن مجرد امتناع الانتفاع بالعين المؤجرة يعتبر هلاكاً كلياً، وهو ما يعيب الحكم بمخالفة القانون، كما أن استمرار المستأجر الأصلى فى سداد الأجرة بعد حصول الحريق لا يعنى إلا أن العلاقة التأجيرية قد تجددت برضاء الطرفين بعقد جديد بعد الهلاك الكلى للعين، وقد وقع هذا التجديد فى ظل القانون المدنى القائم فتحكمه المادة 567 منه والتى تلزم المؤجر بالمرمات والإصلاحات الضرورية، وهو ما يجعل الحكم فاسد الاستدلال. بالإضافة إلى أن الحكم أغفل الرد على إقرار البنك التجارى الذى يمثله المطعون عليه الأول فى العقد المبرم بينه وبين المطعون عليه الثانى والمتضمن أن الحريق دمر الدار وأتلفها بما من شأنه تعطيل العمل بها، ولو التفت الحكم إلى هذا الإقرار لتغير وجه الرأى فى الدعوى بما يشوبه بالقصور.وحيث إن النعى مردود، ذلك أن الهلاك الكلى فى معنى المادة 270/ 2 من التقنين المدنى القديم - المقابلة للمادة 569/ 1 من القانون المدنى الحالى - هو أن يلحق الدمار العين المؤجرة فيأتى عليها كلها أو يجعلها غير صالحة جميعها لأداء الغرض الذى أوجرت من أجله، والهلاك هنا مادى يلحق مقومات العين المؤجرة وكيانها الذاتى، ولئن انعقد الإجماع على منح نفس الأثر للهلاك المعنوى أو القانونى الذى لم يبين الشئ المؤجر فى مادته إلا أنه يحول دون الانتفاع بالعين جميعها وألا يكون المانع مؤقتاً بل دائماً فإن لم يترتب إلا انتفاء الفائدة من جزء من العين أو كان المانع مصيره إلى الزوال قبل انتهاء مدة العقد اعتبر الهلاك جزئياً. ولما كانت مسألة ما إذا كان الهلاك كلياً أو جزئياً من مسائل الواقع التى تخضع لسلطان قاضى الموضوع وتقديره دون رقابة محكمة النقض ما دام استخلاصه سائغاً، وكان إثبات الهلاك يجوز بكافة الطرق باعتباره من الوقائع المادية، وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه نفى حدوث هلاك كلى بنوعيه المادى والمعنوى، واستدل على أنه هلاك جزئى بأن الطاعن ومورث المطعون عليها الثالثة لم يقدم أيهما دليلاً على ما ادعياه من هلاك كلى بمعناه آنف الإشارة، ورتب على ذلك عدم انفساخ عقد الإيجار تلقائياً وبقوة القانون، وبالتالى عدم انطباق القانون المدنى القائم على واقعة الدعوى، مستعيناً بدعامتين كل منهما مستقلة عن الأخرى، أولاهما مستفادة من استمرار الطاعن فى دفع الإيجار الشهرى بعد الحريق دون انقطاع، والثانية مستفادة من مقارنة قيمة تكاليف الإصلاحات بقيمة المبنى ذاته وأنها تعد ضئيلة نسبياً طبقاً للتقدير الذى أبداه المطعون عليه الأول والذى لم يكن محل اعتراض، لما كان ذلك وكانت كل من القرينتين تكفى وحدها لحمل هذا القضاء، وكان ما خلص إليه الحكم فى هذا الصدد يستند إلى اعتبارات سائغة ولهما مأخذها من الأوراق، فإن المجادلة فى سداد أحدى القرينتين أو فى كليتها بغية الوصول إلى نتيجة أخرى غير التى أخذت بها المحكمة لا تعدو أن تكون مجادلة موضوعية لا يجوز إثارتها أمام محكمة النقض، ويكون النعى بمخالفة القانون والفساد فى الاستدلال على غير أساس.لما كان ما تقدم وكان المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن الإقرار غير القضائى يخضع لتقدير محكمة الموضوع التى لها بعد تقدير الظروف التى صدر فيها وملابسات الدعوى أن تعتبره دليلاً مكتوباً أو مجرد قرينة أو ألا تعتد به أصلاً دون معقب عليها، وكان لهذه المحكمة سلطة مطلقة فى تحصيل أدلة الدعوى وإنزالها من الإثبات المنزلة التى تراها، ومتى أقامت قضاءها على أى أساس صحيح منها فلا تكون بعد بحاجة إلى الرد على سائر الأدلة التى تمسك بها الخصوم أمامها، فإن فى قضائها بوجهة النظر التى اعتنقها على الوجه السابق تجليته الرد الضمنى على ما تضمنه الاتفاق المبرم بين البنك المطعون عليه الأول وبين المستأجر من الباطن عليه الثانى بما يشير إلى عدم أخذها بدلالته، ويكون النعى على الحكم بالقصور ولا محل له.وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الرابع على الحكم المطعون فيه الخطأ فى تطبيق القانون والقصور فى التسبيب، وفى بيان ذلك يقول إن الحكم اعتبر أن البند السابع عشر من عقد الإيجار لا يفيد إلتزام المؤجر بإجراء الترميمات الضرورية، ولا يعنى إلا التصريح للمؤجر بالقيام بها إن رغب فى ذلك، فى حين أن ما ورد بهذا البند يلزمه بالقيام بها، مما يعد مسخاً لعبارات العقد، وخروجاً بها عن مدلولها، ويجعل عبارات الشرط لغواً لا فائدة من ورائها لأنها لا تضيف شيئاً إلى أحكام المادة 370 من القانون المدنى بفرض إنطباقها، وهو ما يعيب الحكم بالخطأ فى تطبيق القانون.وحيث إن النعى مردود، ذلك أن تفسير العقد واستظهار نية طرفيه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أمر تستقل به محكمة الموضوع ما دام قضاؤها فى ذلك يقوم على أسباب سائغة، وطالما أنها لم تخرج فى تفسيرها للعقد واستظهار نية المتعاقدين عن المعنى الظاهر لعباراته. ولما كان البين من مدونات الحكم الابتدائى المؤيد بالحكم المطعون فيه أن البند السابع عشر من عقد الإيجار ينص على أن "على المستأجر أن يصرح لشركة المسارح بالقيام بالإصلاحات الكبيرة وغيرها التى يحتمل أن تكون ضرورية، وذلك بدون أن يدعى بأى تعويض بسبب مدة هذه الأعمال، ومن المتفق عليه أنه فى حالة ما إذا كانت هذه الأعمال سبباً فى تعطيل استعمال العين المؤجرة فلن يسرى الإيجار لحين الانتهاء منها وإعادة العين فى حالة تسمح باستغلالها مرة أخرى وكان الحكم قد خلص إلى أن ما جاء بهذا البند لا يدل على أن المؤجر قد التزم بالترميمات الضرورية، وإنما يستفاد منه أن المستأجر يصرح للمؤجر بالقيام بالإصلاحات الضرورية إذا رغب فى القيام بها، وعلى ألا يطالب المستأجر بأى تعويض بسبب القيام بتلك الأعمال وذلك نظيراً إعفائه من الأجرة لحين الانتهاء منها، فإن الحكم يكون قد التزم بعبارات العقد الواضحة، ولم ينحرف عن معناها الظاهر وهو التصريح للمؤجر بالقيام بالإصلاحات التى يحتمل أن تكون ضرورية إن رأى القيام بها، وأنها لا تلزمه بأدائها جبراً عنه. بما يعصمه عن رقابة محكمة النقض وعن الجدل أمامها فى شأنه ولا ينال من هذا النظر أن هذا التفسير لا يخرج عما تضمنته أحكام المادتين 370، 371 من القانون المدنى القديم المنطبق على واقعة الدعوى، لأنه لا يوجد ما يحول دون أن تكون اشتراطات العاقدين ترديداً لذات الأحكام العشرة والمكملة لإرادة المتعاقدين فى القانون المدنى دون إضافة أو تعديل، ولا يصح أن يتخذ من ذلك ذريعة للانحراف عن عبارات العقد وشروطه الصريحة الدالة على المعنى الظاهر لها، ويكون النعى على الحكم بالخطأ فى تطبيق القانون غير وارد.وحيث إن الطاعن ينعى بالسببين الأول والثانى على الحكم المطعون فيه الخطأ فى تطبيق القانون من وجهين (الأول) أنه رفض تخويله الحق فى الرجوع على المطعون عليه المؤجر بمصاريف الإصلاح الضرورية على أساس من الفضالة، استناداً إلى أن عمل الفصولى الذى يبرر الرجوع يجب أن يكون متمحصاً لمصلحة لغير، وإلى أن المستأجر إنما يقوم بعمل الإصلاحات إبتغاء مصلحته هو لا مصلحة المؤجر فى حين أن قيام المستأجر بإصلاح العين المؤجرة بعد تدميرها حرقاً يحقق مصلحة للمالك إذ يقيه المطالبة بفسخ العقد أو إنقاص الأجرة عملاً بالمادة 370/ 3 من القانون المدنى القديم. كما أن تحقيق مصلحة للفضولى لا تنفى قيام الفضالة وإن تحققت معها مصلحة للغير طبقاً للمادة 189 من القانون المدنى الحالى. (الثانى) أن الحكم أنكر أنه له حقاً فى الرجوع بهذه المصاريف بدعوى الإثراء قولاً منه بأن ذلك لا يكون إلا فى حدود ما يبقى عند رد العين المؤجرة من زيادة القيمة التى عادت على العين بسبب إجراء هذه الإصلاحات، مع أن ما قد ينتقص من قيمة العين فى الفترة ما بين تمام الإصلاحات وبين رد العين فى نهاية مدة الإجارة إنما يكون بسبب الاستعمال التأجيرى الذى تدفع الأجرة فى مقابله، وبالتالى فلا وجه فى حساب تقدير قيمة الزيادة التى عادت على العين من إصلاحها بعد التخريب، وهو ما يعيب الحكم بالخطأ فى تطبيق القانون.
وحيث إن النعى فى وجه الأول مردود، بأنه لما كان الفضولى يجب أن تنصرف نيته إلى أن يعمل لمصلحة غيره لا لمصلحة نفسه، فإذا انصرفت نيته إلى العمل لمصلحة نفسه فلا تصدق عليه صفة الفضولى حتى ولو عاد تدخله على الغير، بنفع، ومن ثم فإن المستأجر إذا قام بإصلاحات ضرورية فى العين المؤجرة مستهدفاً استيفاء منفعة العين لنفسه فهو بالنسبة إلى المالك لا يعتبر فضولياً، حتى لو كان هذا التدخل ليس متضمناً لمصلحته وإنما يكون فيه نفع للمالك بالتبعية. لما كان ذلك وكان الحكم قد انتهى إلى أن نية المستاجر قد انصرفت إلى القيام بالإصلاحات المشار إليها بسبب النفع لمصلحته هو لا لمصلحة المؤجر، ورتب على ذلك عدم تخويله الحق فى مطالبة المؤجر بقيمة الإصلاحات على أساس من دعوى الفضالة فإنه لم يخطئ فى تطبيق القانون. والنعى غير سديد فى وجهه الثانى ذلك لأنه لما كان الثابت أن علاقة الطاعن والمطعون عليه الأول يحكمها عقد إيجار مبرم بينهما، فلا محل لتطبيق قواعد الإثراء بلا سبب لوجود رابطة عقدية، وتكون أحكام العقد هى المرجع فى تحديد حقوق وواجبات كل من الطرفين قبل الآخر. لما كان ذلك وكانت المادة (370) من القانون المدنى الملغى قد نصت فى فقرتها الأولى على أنه لا يكلف المؤجر بعمل أية مرمة كانت إلا إذا اشترط فى العقد إلزامه بذلك وكان عقد الإيجار المبرم بين الطرفين- وعلى مامر بيانه فى الرد على السبب الثالث قد خلا من مثل هذا الشرط، فإن مقتضى ذلك أنه لا يجوز للمستأجر أن يرجع على المؤجر بما أنفقه فى الترميمات الضرورية التى قصد بإجرائها مجرد استكمال الانتفاع بالعين المؤجرة لأنه إنما أراد بها فائدته الشخصية لا فائدة المؤجر، وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى هذه النتيجة فإنه لا يعيبه ما ورد فى أسبابه من تقريرات قانونية خاطئة بشأن جواز الرجوع بدعوى الإثراء عند نهاية مدة الإيجار، لأنه متى كان الحكم سليماً فى نتيجته فلمحكمة النقض أن تصححه دون أن تنقضه.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.