أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الأول - السنة 12 - صـ 287

جلسة 28 من فبراير سنة 1961

برياسة السيد محمود ابراهيم اسماعيل نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة: السيد أحمد عفيفى، وتوفيق أحمد الخشن، وعبد الحليم البيطاش، ومحمود اسماعيل المستشارين.

(53)
الطعن رقم 1471 لسنة 30 القضائية

إثبات. رأى الخبير. دفاع.
ندب خبير فى الدعوى لا يسلب المحكمة حقها فى تقدير وقائعها وما قام فيها من أدلة الثبوت والترجيح بين أقوال الخبراء المتعارضة.
دفاع. عدم إجابة طلب ندب خبير مرجح. إكتفاء المحكمة فى ذلك بمناقشة الطبيب المشرح. لا إخلال بحق الدفاع.
تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من إعتراضات مرجعه إلى محكمة الموضوع، كما أن ندب خبير فى الدعوى لا يسلبها سلطتها فى تقدير وقائعها وما قام فيها من أدلة الثبوت، وكذلك فلها وهى تقضى فى الدعوى أن ترجح بين أقوال الخبراء المتعارضة - وقد سلكت المحكمة فى سبيل تحقيق ما أبداه الدفاع استيضاح الطبيب الشرعى الذى أجرى الصفة التشريحية، واستندت إلى رأيه للأسباب الفنية التى أبدها - وهو من حقها مادام أن تكييف الواقع الذى شهد به الخبير وترتيب آثاره فى الدعوى هو من خصائص قاضى الموضوع الذى له أن يسلك إليه ما يراه مؤديا إلى فهم الواقع، ومتى تم له ذلك فلا يصح قانونا أن يصادر فى اقتناعه وعقيدته بطلب مزيد من التحقيقات فى الدعوى - لما كان ذلك، فإن ما يقوله الطاعن من إخلال الحكم المطعون فيه بحقه فى الدفاع لعدم إجابة طلبه الخاص بدعوة كبير الأطباء الشرعيين ليقوم بالترجيح بين التقرير الطبى الشرعى  و التقرير الإستشارى - لا يكون له أساس.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين مع آخرين بأنهم قتلوا المجنى عليه عمدا ومع سبق الإصرار والترصد بأن انتووا قتله وعقدوا العزم عليه وأعدوا لذلك أسلحة نارية "بنادق" وتربصوا له فى المكان الذى أيقنوا مروره فيه وما أن ظفروا به حتى أطلقوا عليه النار من بنادقهم قاصدين من ذلك قتله فأصابه المتهمان الأول والثالث وأحدثا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياته وأحرزوا بغير ترخيص أسلحة نارية مششخنة (بنادق) وذخائر مما تستعمل فى الأسلحة سالفة الذكر دون أن يكون مرخصا لهم بإحرازها أو حيازتها. وأحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم بالمواد 230 و 231 و 332 من قانون العقوبات والمواد 1 و 6 و 26/ 2 - 4 و 30 من القانون رقم 394 لسنة 1954 فى شأن الأسلحة والذخائر المعدل بالقانون رقم 546 لسنة 1954 والبند ب من القسم الأول من الجدول رقم 3 المرافق. وقد ادعى (المدعى بالحقوق المدنية) قبل المتهمين جميعا متضامنين بمبلغ قرش صاغ واحد تعويضا مؤقتا. وأمام محكمة الجنايات دفع الحاضر مع المتهمين الآخرين ببطلان الإجراءات تأسيسا على أنهما لم يعلنا إعلانا قانونيا. والمحكمة المذكورة قضت حضوريا برفض الدفع ببطلان الإجراءات والاستمرار فى نظر الدعوى. ثم قضت عملا بمواد الإتهام مع تطبيق المادتين 17 و 32 من قانون العقوبات بالنسبة للمتهمين الطاعنين بمعاقبة كل منهما بالأشغال الشاقة المؤبدة ومصادرة السلاحين والطلقات المضبوطة وإلزامهما متضامنين بأن يدفعا للمدعى المدنى مبلغ قرش صاغ واحد تعويضا مؤقتا والمصروفات وأتعاب المحاماة وببراءة كل من المتهمين الآخرين مما أسند إليهما ورفض الدعوى المدنية قبلهما عملا بالمادتين 304 و 381 من قانون الإجراءات الجنائية. فطعن المحكوم عليهما فى الحكم الأخير بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن مبنى الوجه الأول من وجهى الطعن الخطأ فى الإسناد، ذلك أن الحكم المطعون فيه صور الحادث تصويرا لا سند له فى أوراق الدعوى إذ قال إن المجنى عليه كان قد انتهى من صعوده منحدر الجسر من الناحية البحرية وبدأ السير فى الطريق الذى يبلغ عرضه حوالى سبعة أمتار عندما همّ الطاعن الأول بإطلاق العيار عليه وأن هذا المقذوف قد أصابه فى الإلية اليسرى والظهر عندما استدار ثلاثة أثمان الدائرة طلبا للفرار - وكان ذلك بعد أن ظهر الطاعنان له فى منحدرها من الناحية القبلية وأنه بعد أن تحرك رأس المجنى عليه وصار وجهه قبالة الطاعنين أطلق عليه ثانيهما عيارا ناريا أصابه فى الفك السفلى والعنق - فى حين أن التصوير الثابت بالأوراق أن المجنى عليه أصيب بمجرد وصوله إلى نهاية المنحدر البحرى وفى أول الطريق الفاصل بينه وبين المعتدين عليه دون أن يسير فيه وقد شهد بذلك شاهد الإثبات على محمود وسعيد أحمد، وأن أهمية الخلاف بين التصويرين تظهر فى إتفاق أو عدم إتفاق تصوير شاهدى الرؤية مع ما أثبته تقرير الصفة التشريحية إذ جاء بالتقرير أن فتحتى الدخول والخروج تقعان فى الإلية اليسرى والظهر الأمر الذى لا يمكن حدوثه إلا إذا كان الضارب أسفل القتيل مباشرة، وأن مؤدى تصوير شاهدى الإثبات أن يكون شاهد الرؤية الوحيد فى الدعوى وهو سعيد أحمد فى وضع لا يمكنه رؤية الجانى مادام الحكم يسلم بأن هذا الشاهد كان يسير خلف المجنى عليه بخطوتين أو ثلاث، ذلك أن مكان الحاد ليس منبسطا بل تعترضه مرتفعات ومنخفضات تبلغ بضعة أمتار الأمر الذى يستحيل معه على من يكون خلف القتيل أن يرى الجانى من الجانب الآخر من الطريق الذى كان قد صعد إليه المجنى عليه، ويقول الطاعن إن هذا الخطأ فى الإسناد أثر فى عقيدة المحكمة من أن شاهد الرؤية سعيد أحمد كان فى وضع يرى فيه ما حدث - وهو أمر لا يستقيم مع المعاينة ولا مع أقوال شاهدى الإثبات.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قال فى بيان واقعة الدعوى "إن المتهمين (الطاعنين) تربصا للمجنى عليه عند الجسر الذى أيقنا مروره عليه ليصل إلى حقله واستترا فى منحدر الناحية القبلية لذلك الجسر فلما أقبل المجنى عليه يصحبه ابن أخته سعيد وعلى محمود على زوج أخته من الناحية البحرية للجسر ووصل المجنى عليه رأسه الذى يبلغ عرضه حوالى السبعة أمتار وبدأ مسيره فيه وكان سعيد يمشى على شماله ووراءه وكانت المسافة بينهما حوالى خطوتين أو ثلاث ظهر المتهمان سالف الذكر فى منحدرها وصوب كل منهما بندقية على المجنى عليه فلما رآهما استدار نحو ثلاثة أثمان الدائرة طلبا الفرار وأطلق عليه المتهم الأول عيارا ناريا أصابه في الإلية اليسرى والظهر وبعد أن تحرك رأس المجنى عليه وصار وجهه قبالة المتهمين المذكورين أطلق عليه المتهم الثانى عيارا أصابه فى الفك السفلى والعنق..." ولما كان الواضح من أقوال الشاهد سعيد أحمد محمد بمحضر الجلسة أنه كان يسير على يسار المجنى عليه وإلى خلفه قليلا وقد صعدا معا على الجسر وعند ذلك رأى الطاعنين فى مواجهتهما، ولما كان ما أسنده الحكم عند تحصيل أقوال هذا الشاهد من أنه والمجنى عليه بدآ سيرهما على الجسر هو استنتاج يؤيده ما ذكره هذا الشاهد من أنه والمجنى عليه كانا قد صعدا إلى مستوى الجسر وعند ذلك بصر الشاهد بالطاعنين فى الناحية الأخرى من حيث أخذا فى إطلاق النار على المجنى عليه، وهو التصوير الذى استقر فى عقيدة المحكمة استنادا إلى ما شهد به الشاهد أمامها ووثقت بصحته وإلى سائر الأدلة التى استند إليها الحكم، لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض أيضا لما أثاره الدفاع حول تقرير الصفة التشريحية فقال "وبالنسبة لما ينعاه الدفاع على التقرير الطبى الشرعى فقد رأت المحكمة بهيئة سابقة تحقيقا لهذا الوجه من الدفاع مناقشة صاحب التقرير المذكور الدكتور ابراهيم محمد سليم بشأن إصابات القتيل التى أودت بحياته وموقف الجانى منه عند إطلاق النار عليه بالنسبة لكل إصابة والمسافة الفاصلة بينهما والمستوى - وقد ردد الطبيب الشرعى بالجلسة ما تضمنه تقريره واطلع على التقرير الإستشارى وأوضح تقريره قائلا إن إصابة الإلية على حسب التصوير الذى قرره شاهد الرؤية سعيد أحمد محمد وعلى مقتضى ما تضمنه تقريره يجوز حصولها فيما لو استدار المجنى عليه للخلف تجاه اليمين بحوالى ثلاثة أثمن الدائرة - ففى هذه الحالة يكون الجانى خلفه وإلى يمينه وفى مستوى سفلى بالنسبة إليه - وأضاف الطبيب الشرعى إلى ذلك قوله إن الإلية جزء ناتئ من الظهر أى أن سطحها الخلفى يقع فى مستوى خلف مستوى الظهر - فلو أصابها عيارا باتجاه زاوى لأحدث الإصابة الموصوفة بتقريره - ورد الطبيب الشرعى على التقرير الإستشارى قائلا إن القول بأن اتجاه إصابة القتيل من أسفل لأعلى مباشرة يستلزم وجود الجانى تحت المجنى عليه مباشرة إنما هو قول لا يتفق مع وصف الإصابة السالف البيان أما بالنسبة لإصابة الفك فقد أوضح الطبيب الشرعى تقريره قائلا إنه يجوز حصول هذه الإصابة وفق التصوير الذى قرره شاهد الرؤية سالف الذكر وعلى حسب ما تضمنه التقرير الطبى الشرعى المقدم منه لأن الوجه - بوجه عام - جزء متحرك يتخذ أوضاعا مختلفة وقت الإصابة، ورد على التقرير الإستشارى بقوله "إن ما تضمنه هذا التقرير من أن فتحة الدخول فى مستوى أعلى من فتحة الخروج لا يتفق مع وصف الإصابة، ذلك أن فتحة الدخول بالشفة وفتحة الخروج الأساسية على زاوية الفك أى أن الفتحتين فى الوضع الطبيعى - إما فى مستوى واحد، أوأن فتحة الخروج أعلا قليلا من فتحة الدخول ويزيد هذا الميل كل ما أطرق المجنى على رأسه" وانتهى الحكم بعد ذلك إلى القول بأن المحكمة تقر الرأى الذى أبده الطب الشرعى أخذا بالأسباب التى بنى رأيه عليها لسلامتها، لما كان ذلك، فإن ما جاء بهذا الوجه لا يكون سديدا.
وحيث إن مبنى الوجه الثانى من وجهى الطعن أن المحكمة أخلت بحق الدفاع، ذلك بأن الطاعنين قد أثبتا فى دفاعهما أن إصابات المجنى عليه لا يمكن حصولها بالتصوير الذى قال به سعيد أحمد محمد شاهد الرؤية وقدما للتدليل على صحة التصوير الذى يقولان به تقريرا طبيا استشاريا وطلب إلى المحكمة استطلاع رأى كبير الأطباء الشرعيين أو قسم الطب الشرعى فى أسيوط ولكنها رفضت هذا الطلب واكتفت بأخذ رأى الطبيب الشرعى الذى أجرى الصفة التشريحية.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن أشار إلى ما قاله الدفاع بشأن ما ورد بالتقرير الطبى الشرعى واستعرض ما أدلى به الطبيب الشرعى المشرح فى مناقشته وانتهى إلى التعويل عليها دون ما جاء بالتقرير الطبى الإستشارى على النحو الذى سلف بيانه بعد أن استعرض الحكم الذى انتهى إلى القول بأنه "لا وجه لإجابة طلب الدفاع الخاص بدعوة كبير الأطباء الشرعيين وبالتالى دعوة الطبيب صاحب التقرير الإستشارى ليقوم كبير الأطباء الشرعيين بالترجيح بين التقرير الطبى الشرعى والتقرير الإستشارى"، ولما كان تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات مرجعه إلى محكمة الموضوع كما أن ندب خبير فى الدعوى لا يسلبها سلطتها فى تقدير وقائعها، وما قام فيها من أدلة الثبوت، وكذلك فلها وهى تقضى فى الدعوى أن ترجح بين أقوال الخبراء المتعارضة وقد سلكت المحكمة فى سبيل تحقيق ما أبداه الدفاع استيضاح الطبيب الشرعى الذى أجرى الصفة التشريحية واستندت إلى رأيه للأسباب الفنية التى أبداها، وهو من حقها مادام أن تكييف الواقع الذى شهد به الخبير وترتيب آثاره فى الدعوى هو من خصائص قاضى الموضوع الذى له أن يسلك ما يراه مؤديا إلى فهم الواقع، ومتى تم له ذلك فلا يصح قانونا أن يصادر فى اقتناعه وعقيدته بطلب مزيد من التحقيقات فى الدعوى، لما كان ما تقدم فإن هذا الوجه من الطعن لا يكون له أساس.