أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الأول - السنة 10 - صـ 5

جلسة 5 من يناير سنة 1959

برياسة السيد مصطفى فاضل وكيل المحكمة, وبحضور السادة: مصطفى كامل, وفهيم يسى جندي, ومحمد عطيه إسماعيل, وعادل يونس المستشارين.

(2)
الطعن رقم 1629 لسنة 28 القضائية

استدلال. جمع الاستدلالات. المادة 24 أ. ج.
استمرار قيام مأموري الضبط القضائي, ومرءوسيهم بالواجبات التي فرضها القانون رغم تولي النيابة التحقيق بنفسها. صحة استناد الحكم إلى ما ورد بهذه المحاضر ما دامت قد عرضت على بساط البحث والتحقيق أمام المحكمة بالجلسة.
حكم. بياناته. ما لا يعيب الحكم في نطاق التدليل.
البيان المعول عليه في الحكم هو ذلك الجزء الذي يبدو فيه اقتناع القاضي واضحا دون غيره من الأجزاء الخارجة عن سياق هذا الاقتناع.
1 - من الواجبات المفروضة قانونا على مأموري الضبط القضائي وعلى مرءوسيهم أن يحصلوا على جميع الإيضاحات ويجروا جميع التحريات اللازمة لتسهيل تحقيق الوقائع الجنائية التي تبلغ إليهم, أو التي يعلنون بها بأية كيفية كانت, وأن يتخذوا جميع الوسائل التحفظية للتمكن من ثبوت تلك الوقائع, وقيام النيابة العامة بإجراء التحقيق بنفسها لا يقتضي قعود هؤلاء المأمورين عن القيام إلى جانبها بهذه الواجبات في الوقت ذاته الذي تباشر فيه عملها, وكل ما في الأمر أن المحاضر الواجبة على أولئك المأمورين تحريرها بما وصل إليه بحثهم ترسل إلى النيابة لتكون عنصرا من عناصر الدعوى تحقق النيابة ما ترى وجوب تحقيقه منها, وللمحكمة أن تستند في الحكم إلى ما ورد بهذه المحاضر ما دامت قد عرضت مع باقي أوراق الدعوى على بساط البحث والتحقيق أمامها بالجلسة.
2 - إن البيان المعول عليه في الحكم هو ذلك الجزء الذي يبدو فيه اقتناع القاضي دون غيره من الأجزاء الخارجة عن سياق هذا الاقتناع.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلا من:- 1 - محمد مصطفى الصعيدي و2 - عثمان رضوان عثمان و3 - حسن أحمد ضيف الله و4 - عبد الحميد عبد المقصود ضيف الله و5 - عبد الغني محمد جبل و6 - عبد الرحيم عبد الرحيم ضيف الله و7 - رجب أحمد عبد الحافظ و8 - السيد عبد الغفار هنداوي و9 - مصطفى محمد مصطفى الصعيدي و10 - محمد عبد العزيز جمعه و11 - موسى حسن طعيمة و12 - محمد عبد الفتاح فرغل بأنهم أولا: - المتهم الأول - قتل عمدا عبد الفراج فرج السوداني بأن ضغط على عنقه بشدة ثم ضربه بآلة حادة راضة على رأسه قاصدا قتله فأحدث به الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية, والتي أودت بحياته. وقد اقترنت هذه الجناية بجناية أخرى هى أنه والمتهمين من الثاني إلى الثاني عشر سرقوا الماشية المبينة الوصف والقيمة بالمحضر والمملوكة لأحمد السيد مبارك حالة كون بعضهم يحمل أسلحة ظاهرة (فردة وبلطة). وثانيا - المتهمون من الثاني إلى الثاني عشر: اشتركوا مع المتهم الأول بطريق الاتفاق والمساعدة في ارتكاب جناية القتل سالفة الذكر بأن اتفقوا معه على سرقة الماشية المملوكة للمجني عليه أحمد السيد مبارك, ورافقوه حتى مكان الحادث يحمل بعضهم أسلحة ظاهرة (فردة وبلطة) وكان القتل نتيجة محتملة لذلك, وقد تمت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة. وثالثا - المتهم الأخير عبد العزيز عوض الجوهري: أخفى الماشية المتحصلة عن جناية السرقة سالفة الذكر مع علمه بذلك. وطلبت إلى غرفة الاتهام إحالة المتهمين إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم بالمواد 40, 41, 42, 43, 44, 234/2, 316 من قانون العقوبات, فصدر قرارها بذلك, وأدعى أحمد السيد مبارك بحق مدني قبل المتهمين متضامنين بقرش صاغ واحد تعويضا. ومحكمة جنايات شبين الكوم قضت حضوريا عملا بالمواد 40/2, 3, 41, 43, 234/1, 2, 316 من قانون العقوبات مع تطبيق المادة 17 من نفس القانون - أولا - بمعاقبة كل من محمد مصطفى الصعيدي, وحسن أحمد ضيف الله, وعبد الحميد عبد المقصود ضيف الله, والسيد عبد الغفار هنداوي, ومحمد عبد العزيز جمعه بالأشغال الشاقة مدة خمس عشرة سنة, وكل من عثمان رضوان عثمان, وعبد الغني محمد أبو جبل ورجب أحمد عبد الحافظ ومصطفى محمد مصطفى الصعيدي بالأشغال الشاقة عشر سنوات وإلزامهم جميعا متضامنين بأن يدفعوا لأحمد السيد مبارك المدعي المدني قرشا صاغا تعويضا, والمصاريف المدنية وعشرة جنيهات أتعابا للمحامين. وثانيا - ببراءة كل من عبد الرحيم عبد الرحيم ضيف الله وموسى حسن طعيمه, ومحمد عبد الفتاح فرغل, وعبد العزيز عوض الجوهري مما أسند إليهم ورفض الدعوى المدنية قبلهم.
فطعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه قد انطوى على بطلان في الإجراءات, وأخطأ في تطبيق القانون وشابه قصور في الأسباب, ذلك أنه أسس قضاءه بالإدانة على الاعترافات الباطلة التي ضمنها مأمور المركز محضر التحريات التي حرره واستجوب فيه المتهمين, وناقشهم بعد أن أبلغت النيابة العامة بالواقعة, وتولت التحقيق بنفسها مما يمتنع معه عليه مباشرة أي إجراء من إجراءات التحقيق, كما استند الحكم إلى اعتراف بعض المتهمين على الطاعنين على الرغم من صدورها نتيجة ضغط وإكراه, ومن عدول المعترفين من اعترافهم دون أن يقيم الحكم وزنا لهذا العدول بقوله: "إنه لم يثبت له وقوع ضغط, أو تعذيب" مع أن الدفاع تمسك بوقوعه مستندا في ذلك إلى أقوال مأمور المركز نفسه في محضر التحقيق من أنه ترك ضابط المباحث بالمركز لمواجهة المتهمين بالتحريات وتضييق الخناق عليهم لمحاولة ذكر الحقيقة مما يؤكد استعمال وسائل غير مشروعة في حقهم للحصول على هذه الاعترافات الباطلة وباستبعادها تكون الدعوى مفتقرة الدليل. كما قصر الحكم في الرد على دفاع الطاعن الرابع بشأن ما عزاه إلى البوليس من دس الفأسين - اللذين عرضا على الكلب البوليسي وتعرف على الطاعن المذكور بعد أن شم أحدهما - وما استند إليه الدفاع من عدم إثبات هذين الفأسين في معاينة النيابة الأولى وعدم الإشارة إليهما إلا عند انتقال وكيل النيابة إلى مكان الحادث للمرة الثانية مع الطبيب الشرعي, الأمر الذي يعيب الحكم, ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به الجريمة التي دان الطاعنين بها, وأورد على ثبوتها أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها, وأشار إلى محاضر الاستدلال التي قام بها مأمور المركز وأعوانه, وما قاموا به من تحر وبحث للكشف عن أسرار الحادث ومدى صحة الاتهام, وكان مما قاله الحكم بعد أن ذكر مؤدي أقوال الشهود الذين اعتمد على شهادتهم واعترافات المتهمين الثالث والتاسع: "رابعا - للمتهم الرابع عبد الحميد عبد المقصود ضيف الله, فإنه وإن أنكر التهمة إلا أنه لم يذكر سببا لاتهامه, ذلك الاتهام الذي بدأه صاحب المواشي في بلاغه ثم تلاه تحريات رجال المباحث والبوليس, وتوافرت الأدلة على صحة هذا الاتهام بما أقر به المتهمان الثالث والتاسع عن اشتراك هذا المتهم في الجريمة والدور الذي لعبه فيها, وكيف أنه ظل مع باقي الجناة حتى خرجوا من الحظيرة وساروا إلي السيارة فساعد هو أيضا في حمل المواشي وتأيدت أقوالهما كذلك بما أسفر عنه العرض الذي تم على الكلب البوليسي بعد شم أحد الفأسين من إرشاده إلى هذا المتهم. خامسا - كذلك الحال بالنسبة للمتهم الخامس, فإنه فضلا عن اتهامه من أول الأمر وإحجامه عن بيان سبب اقحامه في التهمة, فقد أقر عليه هو أيضا المتهمان الثالث والتاسع, وهذه الإقرارات وإن صدرت من متهمين إلا أن ما لابس هذه الإقرارات أو الاعترافات واقترن بها من شواهد ودلائل مادية أو غير مادية دعمت الاتهام في جملته بالنسبة لبعض من ثبتت إدانته من المتهمين يبعث على الاطمئنان إلى صدق الاعتراف وصحة الإقرار وأنها جاءت مطابقة للواقع مما ترتاح المحكمة معه إلى الأخذ بها والاعتماد عليها", وتناول الحكم الرد على عدول المتهمين المعترفين بجلسة المحاكمة فقال: "ومن حيث إنه مما يتعين التنويه عنه بداءة وقبل مناقشة أدلة الاتهام في الدعوى أن رجوع المتهمين الثاني والثالث والتاسع والثاني عشر في جلسة المحاكمة عن إقراراتهم و اعترافاتهم التي أدلوا بها في التحقيق في إسهاب وإفاضة. هذا الرجوع, أو العدول مع الزعم بأن تلك الاعترافات السابقة إنما صدرت نتيجة تعسف واستعمال قسوة من رجال المباحث كل ذلك لا تقيم المحكمة له وزنا أو تلقي إليه بالا, بل تعوّل وتعتمد على تلك الأقوال والإقرارات, ذلك أنه فضلا عما فيها من تفصيلات لوقائع تتصل بماديات الدعوى وتؤيدها ما كشف عنه التحقيق بعد ذلك من العثور على المواشي والاهتداء إلى مشتريها, فإن ما فيها من دقائق في التفصيل وبيان لتسلسل حوادث الجريمة يدق على رجال البوليس تعرفه فلا يمكن أن يكون موعزا بها منهم أو من غيرهم. والقول باستعمال العنف والقسوة من رجال البوليس لم يظهر إلا في جلسة المحاكمة وليس له ظل من الحقيقة في أوراق التحقيق أو في أشخاص المتهمين وأجسامهم ولا يغض من هذا النظر أو ينقص من قيمة الإقرارات ما اختلف عليه بعض هؤلاء المتهمين المعترفين في بيان شخص القاتل أو الأشخاص الذين دخلوا الحظيرة ومن بقى منهم في الخارج إذ الواضح أن كلا منهم جاء في هذا الشأن ببيان يوقفه موقف الشاهد ويبعده عن موقع الجريمة ويلقي عبء ذلك على الآخرين, ويضاف إلى كل ذلك أن بعض هذه الإقرارات قد تأيدت بشهادة شهود من غير المتهمين على ما سيرد بيانه عند التحدث عن أدلة الاتهام بالنسبة لكل منهم" - لما كان ذلك, وكان الأصل أنه من الواجبات المفروضة قانونا على مأموري الضبط القضائي وعلى مرءوسيهم أن يحصلوا على جميع الإيضاحات ويجروا جميع التحريات اللازمة لتسهيل تحقيق الوقائع الجنائية التي تبلغ إليهم أو التي يعلنون بها بأية كيفية كانت وأن يتخذوا جميع الوسائل التحفظية للتمكن من ثبوت تلك الوقائع, وقيام النيابة العامة بإجراء التحقيق بنفسها لا يقتضي قعود هؤلاء المأمورين عن القيام إلى جانبها بهذه الواجبات في الوقت ذاته الذي تباشر فيه عملها, وكل ما في الأمر أن المحاضر الواجبة على أولئك المأمورين تحريرها بما وصل إليه بحثهم ترسل إلى النيابة لتكون عنصرا من عناصر الدعوى تحقق النيابة ما ترى وجوب تحقيقه منها, وللمحكمة أن تستند في الحكم إلى ما ورد بهذه المحاضر ما دامت قد عرضت مع باقي أوراق الدعوى على بساط البحث والتحقيق أمامها بالجلسة, وكان يبين من مدونات الحكم أن المحكمة قد اعتمدت على اعتراف المتهمين الثالث والتاسع في التحقيق للأسباب السائغة التي أوردتها, وكان الاعتراف في المسائل الجنائية - بوصفه طريقا من طرق الاستدلال - هو من العناصر التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير حجيته وقيمته في الإثبات, شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة وليس في القانون ما يمنع المحكمة من أن تأخذ في حق متهم بأقوال متهم آخر في أية مرحلة من مراحل التحقيق ولو عدل عنها أمامها متى استظهرت صحتها واطمأنت إلى صدورها عن إرادة حرة ولو لم يكن عليه من دليل إثبات غيرها, والقول بغير ذلك فيه مساس بسلطة القاضي في تقدير الدليل وحريته في اقتناعه وتكوين عقيدته من أي دليل يطرح أمامه, وكان ما قطعت به المحكمة - من عدم صحة ما ادعاه المتهمان المعترفان من أن الاعتراف نتيجة التعذيب والإكراه - للأسباب السليمة التي أوردتها - داخلا في سلطتها تستقل به بغير معقب. وكانت المحكمة قد أقامت الحجة على مقارفة الطاعنين الجريمة التي دينا بها بما ساقته من أدلة مستساغة عقلا, دون أن تستند في ذلك إلى استجواب المتهمين أمام مأموري المركز, وكان البيان المعول عليه في الحكم هو الذي الجزء الذي يبدو فيه اقتناع القاضي دون غيره من الأجزاء الخارجة عن سياق هذا الاقتناع, فإن ما ينعاه الطاعنان من بطلان الحكم من هذه الناحية يكون على غير أساس.
وحيث إن باقي ما يثيره الطاعنان في طعنهما حول استعراف الكلب البوليسي على الطاعن الرابع يتصل بموضوع الدعوى والمحكمة بعد غير ملزمة بالرد على دفاع المتهمين الموضوعي في كل جزئية يثيرونها, بل يكفي أن يكون ردها مستفادا من قضائها بالإدانة للأدلة التي بينتها, ومن ثم تكون مجادلة الطاعنين في ذلك مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.