أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الأول - السنة 12 - صـ 340

جلسة 13 من مارس سنة 1961

برياسة السيد محمود ابراهيم اسماعيل نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة: محمد عطية اسماعيل، وعادل يونس، وعبد الحسيب عدى، وحسن خالد المستشارين.

(65)
الطعن رقم 2620 لسنة 30 القضائية

(أ) تزوير المحرر الرسمى.
صحيفة افتتاح الدعوى. البيان الخاص بمحل إقامة المدعى عليه. هو بمجرد خبر يحتمل الصدق أو الكذب. صادر من غير موظف عمومى. متى تتوافر بشأنه جريمة التزوير فى محرر رسمى؟ عند تداخل المحضر بتأييد هذا البيان. تكتسب الصحيقة صفة الرسمية بإعلانها على يد المحضر.
(ب) اشتراك.
وسائله. لا يلزم للعقاب أن يقترن التحريض بالاتفاق والمساعدة.
(جـ) إثبات. شهادة. حكم. "تسبيبه".
سلطة محكمة الموضوع فى الالتفات عما تضمنه محضر الصلح بشأن عدول الشاهد عن اتهام المتهم دون بيان العلة. يكفى فى ذلك الرد الضمنى.
( د) حكم غيابى. محكمة الجنايات. تسبيبه عند إعادة المحاكمة.
صحة الاستناد إلى ذات أسباب الحكم الغيابى.
1 - البيان الخاص بمحل إقامة المدعى عليه وإن كان فى الأصل لا يعدو أن يكون خبرا يحتمل الصدق أو الكذب يصدر عن طرف واحد ومن غير موظف مختص، إلا أنه إذا جاوز الأمر هذا النطاق بتداخل المحضر - وهو الموظف المنوط به عملية الإعلان - بتأييد البيان المغاير للحقيقة عن علم أو بحسن نية بأن يثبت ما يخالف الواقع من حيث إقامة المعلن إليها بالمحل الذى يوجه الإعلان إليه وعلاقتها بمن يصح قانونا إعلانها مخاطبا معه فيه، توافرت بذلك جريمة التزوير فى المحرر الرسمى وحينئذ يكون المحضر هو الفاعل الأصلى، فإذا انعدم القصد الجنائى لديه حقت مساءلة الشريك وحده عم فعل الاشتراك فى هذا التزوير فى المحرر الرسمى، إذ تكتسب صحيفة افتتاح الدعوى صفة الرسمية باتخاذ إجراءات الإعلان على يد المحضر المكلف بهذه المأمورية.
2 - ليس بلازم للعقاب أن يقترن التحريض بوسيلتى الاتفاق والمساعدة مادام أنهما تكونان فعلى الإشتراك طبقا للمادة 40 من قانون العقوبات.
3 - أخذ الحكم بالصلح الذى تم بين المجنى عليها وبين المتهم فى مقام تخفيف العقوبة والتفاته عنه فى معرض نفى التهمة عنه لا يعيبه، ذلك أنه بفرض صحة ما أورده المتهم عن هذا الصلح فإنه لا يعدو أن يكون قولا جديدا من المجنى عليها يتضمن عدولها عن اتهامه، وهو ما يدخل فى تقدير محكمة الموضوع وسلطتها فى تجزئة الدليل، ولا تلتزم فى حالة عدم أخذها به أن تورد سببا لذلك إذ الأخذ بأدلة الثبوت التى ساقها الحكم يؤدى دلالة إلى إطراح الصلح المذكور.
4 - لا يوجد فى القانون ما يمنع محكمة الجنايات عند إعادة محاكمة المتهم الذى كان غائبا من أن تورد الأسباب ذاتها التى اتخذها الحكم الغيابى الساقط قانونا أسبابا لحكمها مادامت تصلح فى ذاتها لإقامة قضائها بالإدانة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المتهمة والطاعن بأنهما: اشتركا بطريق الاتفاق فيما بينهم وبطريق المساعدة مع موظف عمومى حسن النية "محضر بمحكمة شبرا" فى ارتكاب تزوير فى ورقة رسمية هى ورقة إعلان زينب سيد محمد بالجلسة المحددة لنظر دعوى صحة التعاقد ونفاذ عقد البيع المرفوعة ضدها من المتهم الثانى حال تحريرها المختص بوظيفته بجعلهما واقعة مزورة فى صورة واقعة صحيحة مع علمهما بتزويرها وذلك بأن اتفق المتهمان فيما بينهما على أن تتقدم المتهمة الأولى للمحضر وتقرر له على خلاف الحقيقة بأن زينب سيد محمد المطلوب إعلانها تمت إليها بصلة القرابة وأنها تقيم معها ولما قصد المحضر إلى المحل المطلوب إعلان زينب سالفة الذكر تقدمت إليه المتهمة الأولى وزعمت له ما تقدم فأثبت المحضر هذه البيانات فى الإعلان وسلمها الصورة فوقعت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة. المتهم الثانى أيضا استعمل الإعلان المزور سالف الذكر مع علمه بتزويره وذلك بأن قدمه فى دعوى صحة التعاقد سالفة الذكر وطلبت من غرفة الإتهام إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهما الأول بالمواد 40/ 2 - 3 و 41 و 213 من قانون العقوبات وبها وبالمادة 214 من نفس القانون للثانى. فقررت بذلك. ومحكمة الجنايات قضت حضوريا عملا بمواد الإتهام مع تطبيق المواد 32 و 17 و 55 و 56 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من المتهمين بالحبس مع الشغل لمدة ستة شهور وأمرت بإيقاف تنفيذ عقوبة الحبس لمدة ثلاث سنوات. فطعن المحكوم عليه الثانى فى هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه فى تقارير الأسباب الثلاثة المقدمة منه أنه إذ دانه بجريمة الاشتراك فى تزوير عريضة دعوى واستعمال الإعلان المذكور قد انطوى على تناقض وقصور فى التسبيب وفساد وخطأ فى الاستدلال، ذلك لأن ادعاء المجنى عليها وهى زوجة الطاعن - بتزوير الإعلان كان مبناه الخصومة التى كانت بينهما والتى انتهت صلحا حرر عنه محضر أفصحت فيه المجنى عليها عن عدم صحة دعائها بالتزوير غير أن الحكم إذ اعتدّ بهذا الصلح وهو فى معرض إيراد أسباب الرأفة وأهدر دلالته فى نفى التهمة عن الطاعن مما يصمه بالتخاذل الذى يبطله. كما اعتمد الحكم فى الإدانة على شهادة جميلة عطيه عمر - أخت المتهمة الأولى فى الدعوى - المنقولة له عن هذه الأخيرة ومؤداها بأن الطاعن طلب إلى أختها المذكورة أن تتسلم الإعلانات التى ترد باسم زوجته المجنى عليها وأنها استلمت الإعلان موضوع الإتهام من المحضر نزولا على هذه الرغبة التى ظنتها رغبة المجنى عليها وأن الطاعن حضر إليها بعد انصراف المحضر ببرهة قصيرة وأخذ منها الإعلان بدعوى توصيله إلى صاحبته. واستخلص الحكم من ذلك اشتراك الطاعن بطريق الإتفاق مع المتهمة الأولى على أن يجرى الإعلان لزوجته فى شخصها بدعوى أنها مقيمة مع زوجته وأنها ابنة عمتها، فى حين أن المتهمة المذكورة أنكرت هذه الواقعة وقررت أن المجنى عليها هى التى طلبت منها تسلم الإعلانات نيابة عنها ويساندها فى ذلك إجماع الشهود على أنهما كانتا صديقتين حميمتين. وعلى فرض صحة رواية الشاهدة السماعية التى لا يعتد بها فى الإثبات فإن مؤداها لا يتوافر به الاشتراك بطريق الإتفاق إذ لم يشهد أحد بأنه سمع الطاعن يحرض المتهمة الأولى على الادعاء بقرابتها للمجنى عليها وهى الواقعة الجوهرية فى التزوير المقول به والتى لا صلة للطعن بحصولها لأنه لم يذكرها فى إعلان دعواه على عكس ما أورده الحكم من أن الطاعن حدد إعلان المجنى عليها مخاطبا مع المتهمة الأولى بوصف أنها خادمتها وقريبتها، واستدل من ذلك على تأييد اتفاق الطاعن مع المتهمة المذكورة بدعوى أن الفرع يتبع الأصل أى أن الخادمة هى التى يمكن إعلانها فى مقر سيدتها على عكس ما أثبته الطاعن من إعلان زوجته فى محل إقامة خادمتها. وما ذهب إليه الحكم غير سليم وينقضه أن ما حدا بالطاعن إلى إعلان زوجته مع خادمتها كان مبعثه الرغبة فى تحقيرها. كما أن الحكم ساير المجنى عليها فى مزاعمها دون أن يستظهر محل إقامتها وقت الإعلان مع أنها تضاربت فى تحديده وكذبتها شاهدتها إحسان الشيشنى فى أنها اقامت لديها ليلة واحدة بالزيتون فى تاريخ معاصر للإعلان، واكتفى الحكم بنفى اعتبار المنزل الذى حصل فيه الإعلان محلا لإقامتها فى حين أن إجماع الشهود إثباتا ونفيا انعقد على أنها كانت تقيم مع زوجها الطاعن فى المنزل الذى حصل فيه الإعلان وأن هذا المنزل كان ملكا لها وقت حصوله وأن لها به صلة دائمة ومنقولاته فيه وهى إن تغيبت عنه فترة قصيرة فليس يعنى أنها غيرت محل إقامتها الواجب إعلانها فيه. وما دفع به الحكم الطاعن من سوء النية باتجاه قصده إلى إعلان المجنى عليها فى غير محل إقامتها تحاشيا لحضورها الجلسة لا سند له بل إن الطاعن كان عديم الحيلة أمام ما عرف عن زوجته من تلفيق للتهم على حد إقرارها فى محضر الصلح المقدم منه. وقد جرح الحكم شهود الطاعن جميعا مع أن من بينهم أخوة المجنى عليها ولم يكن مبنى اطراحهم تضاربا فى أقوالهم بل كان فى رأى الحكم لأنهم أصبحوا بوفاة المجنى عليها فى مأمن من محاسبتها مع أن الأولى أن يكون هؤلاء الشهود محلا لثقة المحكمة. كما أن الحكم قد اعتنق أسباب الحكم السابق صدوره فى غيبة الطاعن والذى سقط بإعادة الإجراءات ضده فى حضوره، والتفت عن الرد على أوجه الدفاع التى قدمها ومن بينها دلالة محضر الصلح الذى ينفى التهمة عنه وشهادة محرره وما ذكرته المتهمة الأولى من جهل الطاعن استلامها الإعلان فى عنوانها ونفيها تكليفه إياها باستلامه وإقرارها بأن الزوجة هى التى كلفتها بذلك وما، أبداه الدفاع من أن مجرد تغيير عنوان المعلن إليها لا يعتبر تزويرا وهى أوجه دفاع جوهرية كان من المتعين الرد عليها بما يفندها، فضلا عن انطواء الحكم على تناقض وقصور فى التسبيب وفساد فى التدليل مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أخذ الطاعن بأنه اشترك بطريق الإتفاق مع المتهمة الأولى فى الدعوى وبطريق المساعدة مع موظف عمومى حسن النية هو أحد محضرى محكمة شبرا فى ارتكاب تزوير فى ورقة رسمية هى ورقة إعلان زينب سيد محمد بالجلسة المحددة لنظر دعوى صحة التعاقد ونفاذ عقد البيع المؤرخ 19/ 10/ 1941 وهى الدعوى رقم 2008 سنة 1949 مدنى كلى مصر المرفوعة ضدها من الطاعن فى حال تحريرها المختص بوظيفة الموظف المذكور يجعلها واقعة مزورة فى صورة واقعة صحيحة مع علمهما بتزويرها وذلك بأن اتفقا فيما بينهما على أن تتقدم المتهمة الأولى للمحضر المذكور وتقرر له على خلاف الحقيقة بأن المطلوب إعلانها تمت إليها بصلة القرابة وأنها تقيم معها ولما قصد المحضر إلى المحل المطلوب إعلانها فيه تقدمت إليه المتهمة الأولى وزعمت بما تقدم فأثبت المحضر هذه البيانات فى الإعلان وسلمها صورته فوقعت الجريمة بناء على هذا الإتفاق وتلك المساعدة، وبأنه استعمل الإعلان المزور سالف الذكر مع علمه بتزويره وذلك بأن قدمه فى دعوى صحة التعاقد سالفة الذكر. ودلل الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة بأدلة مستمدة من التحقيقات وما شهد به فيها كل من المجنى عليهما وجميلة عطية عمر وإحسان محمد الشيشينى والمحضر الذى باشر الإعلان ومما تبين من الإطلاع على القضية المدنية المشار إليه ومن مذكرة الأستاذ... ... ... المحامى الذى عين قاضيا فيما بعد - الذى نفى فيها - وكالته عن المعلن إليها أو مصادقته على دعوى الطاعن وأنه لم يكن فى أى وقت وكيلا عن المعلن إليها ولم يمثلها فى تلك الدعوى أو يطلب من غيره الحضور عنه فيها ونفى كل ما أثبت عنه فى هذا الشأن بأوراق الدعوى، وهى أدلة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها وتتوافر بها كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دين الطاعن بهما، ذلك بأن البيان الخاص بمحل إقامة المدعى عليه وإن كان فى الأصل لا يعدو أن يكون خبرا يحتمل الصدق أو الكذب يصدر عن طرف واحد ومن غير موظف مختص إلا أنه إذا جاوز الأمر هذا النطاق يتداخل المحضر - وهو الموظف المنوط به عملية الإعلان بتأييد البيان المغاير للحقيقة عن علم أو بحسن نية بأن يثبت ما يخالف الواقع من حيث إقامة المعلن إليها بالمحل الذى يوجه الإعلان إليه وعلاقتها بمن يصح قانونا إعلانها مخاطبا معه فيه، وحينئذ يكون المحضر هو الفاعل الأصلى فإذا انعدم القصد الجنائى لديه حقت مساءلة الشريك وحده عن فعل الاشتراك فى هذا التزوير فى المحرر الرسمى إذ أن صحيفة افتتاح الدعوى تكتسب صفة الرسمية باتخاذ إجراءات الإعلان على يد المحضر المكلف بهذه المأمورية. لما كان ذلك، وكان الحكم قد دلل على انتفاء صلة المعلن إليها بالمحل الذى حصل فيه الإعلان واستخلص علم الطاعن بذلك وبموطن زوجته بعد أن دب النزاع بينهم وانفصلت عنه من تبادل الدعاوى بينهما وإعلانها أكثر من مرة فى موطنها الصحيح واستظهر اتفاق الطاعن مع المتهمة الأولى مما شهدت به الشاهدة جميلة عطية عمر نقلا عن هذه الأخيرة، ولا يضير الحكم أن يكون عقيدته من شهادة منقولة عن الغير طالما أنه قد اطمأن إليها، كما أنه لا يقدح فى سلامته أن تنكر المتهمة الأولى ما نسبته إليها الشاهدة المذكورة لما هو مقرر من سلطة محكمة الموضوع فى استمداد عقيدتها مما تأخذ به من أقوال الشهود أو المتهمين فى الدعوى واطراح ما لا ترى الأخذ به منها. وكان ما أورده الحكم تتوافر به وسائل الإشتراك بطريقى الإتفاق والمساعدة كما هو معرف بهما فى القانون وليس بلازم للعقاب أن يقترن التحريض بهاتين الوسيلتين مادام أنهما تكونان فعلى الإشتراك طبقا للمادة 40 من قانون العقوبات. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لدفاع الطاعن الموضوعى ورد عليه بما يفنده، وكان لا يوجد فى القانون ما يمنع محكمة الجنايات عند إعادة محاكمة المتهم الذى كان غائبا من أن تورد الأسباب ذاتها التى اتخذها الحكم الغيابى الساقط قانونا أسبابا لحكمها مادامت تصلح فى ذاتها لإقامة قضائها بالإدانة كما هو واقع الحال فى الدعوى المطروحة، وكان أخذ الحكم بالصلح الذى تم بين المجنى عليها وبين الطاعن فى مقام تخفيف العقوبة والتفاته عنه فى معرض نفى التهمة عنه لا يعيبه، ذلك أنه بفرض صحة ما أورده الطاعن عن هذا الصلح فإنه لا يعدو أن يكون قولا جديدا من المجنى عليها يتضمن عدولا عن اتهامه وهو ما يدخل فى تقدير محكمة الموضوع وسلطتها فى تجزئة الأدلة ولا تلزم فى حالة عدم أخذها به أن تورد سببا لذلك إذ الأخذ بأدلة الثبوت التى ساقها الحكم يؤدى دلالة إلى اطراح الصلح المذكور لما كان ذلك، وكان سائر ما ينعاه الطاعن ينحل فى حقيقته إلى جدل فى موضوع الدعوى وسلطة محكمة الموضوع فى وزن عناصرها والأخذ بما ترتاح إليه منها والالتفات عما لا تطمئن إليه، فإن ما يثيره الطاعن لا يكون له محل. أما نعيه فى نهاية تقرير الأسباب الأول على الحكم من قالة التناقض والقصور والفساد فى التدليل فإنه متى كان الطاعن لم يوضح مواضع اعتراضه ولم يفصح عن ماهيته، فإن ما ينعاه على الحكم من ذلك يكون غير معين ولا تلتفت إليه المحكمة.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.