أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الأول - السنة 12 - صـ 360

جلسة 14 من مارس سنة 1961

برياسة السيد محمود ابراهيم اسماعيل نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة: محمد عطية اسماعيل، وعادل يونس، وعبد الحسيب عدى وحسن خالد المستشارين.

(69)
الطعن رقم 1742 لسنة 30 القضائية

(أ) إثبات. حكم. "تسبيبه".
ذكر مؤدى الأدلة التى كون منها القاضى عقيدته فى الحكم. ماهية البيان المعول عليه فى هذا الصدد. هو ذلك الجزء الذى يبدو فيه اقتناع القاضى دون غيره من الأجزاء الخارجة عن سباق هذا الاقتناع.
(ب) حكم. "تسبيبه".
مالا يعيبه. إيراد الحكم أقوال شهود النفى على خلاف مؤداها. لا يؤثر فى سلامته، متى كان قد أبدى عدم ارتياحه لأقوالهم ولم يعول عليها.
(جـ) إثبات. حكم. "تسبيبه".
حرية المحكمة فى تكوين عقيدتها. لا تلتزم إلا ببيان مؤدى الأدلة التى استندت إليها فى الإدانة. عدم التزامها بالإشارة فى حكمها إلى أقوال شهود النفى والرد الصريح عليها القضاء بالإدانة رد ضمنى على شهادة شهود النفى واطراح لها.
( د) تفتيش.
ندب ضابط لإجراء التفتيش هو ومن يندبه لذلك لا يفيد بمؤدى صيغته لزوم حصول التفتيش منهما مجتمعين.
(هـ) دفاع. قبض.
الدفع ببطلان القبض لحصوله من المخبر فى غير إشراف الضابط المأذون بالتفتيش. متى يكون دفاعا موضوعيا؟ إذا لم يكن صريحا، بل عرضه الدفاع فى مقام المفاضلة بين التصوير الذى ادعاه المتهم وتصوير الضابط. أخذ المحكمة بالتصوير الأخير يفيد دلالة اطراحها التصوير الأول.
(و) دفاع.
طلب معاينة. عدم التزام المحكمة بالرد عليه عند صياغته فى صيغة رجاء.
( ز) دفاع.
طلب معاينة. كفاية الرد الضمنى عليه: متى لا يتجه إلى نفى الفعل المكون للجريمة إو إثبات استحالة حصول الواقعة كما يرويها الشهود، بل القصد منه إثارة الشبهة فيما اطمأنت إليه المحكمة من أدلة الثبوت. مثال.
(ح) نقض. قانون أصلح. مواد مخدرة. عقوبة.
الأمر بإيداع المدمنين على تعاطى المخدرات إحدى المصحات للعلاج. المادة 37/ 3 من القانون 182 لسنة 1960. ليس عقوبة مفروضة للجريمة. هو تدبير جوازى للمحكمة. أثر ذلك.
1 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستمد معتقدها من كافة العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث، وأن البيان المعول عليه فى الحكم هو ذلك الجزء الذى يبدو فيه اقتناع القاضى دون غيره من الأجزاء الخارجة عن سياق هذا الاقتناع، ومتى تقرر ذلك، وكان الحكم قد عول فى الإدانة على أقوال شهود الإثبات الذين أورد مؤدى شهادتهم، فإنه لا يضير الحكم أن يشير وهو فى معرض تحصيله لواقعة الدعوى إلى أنه تبين هذه الواقعة من أوراق الدعوى وسماع الشهود إثباتا ونفيا ومما دار بالجلسة.
2 - لا يقدح فى سلامة الحكم أن يكون قد ذهب وهو فى معرض تبرير اطراحه لأقوال شهود النفى إلى القول - على خلاف مؤداها - بأن روايتهم لا تتصل بواقعة ضبط المخدر مع المتهم مادام قد أبدى عدم اطمئنانه إلى أقوالهم، ولم يكن لهذه الواقعة تأثير فى عقيدة المحكمة والنتيجة التى انتهت إليها.
3 - للمحكمة حرية تكوين عقيدتها مما ترتاح إليه من أقوال الشهود، ومن ثم فهى لا تلتزم إلا بإيراد مؤدى الأدلة التى تستند إليها فى الإدانة حتى يتضح وجه استدلال الحكم بها - أما أقوال شهود النفى الذين لا تأخذ بهم فلا يلزم أن تشير صراحة فى حكمها إلى عدم أخذها بها أو الرد على ما شهدوا به، ويكفى أن يكون مستفادا من الحكم أنها لم تجد فى أقوالهم ما تطمئن إلى صحته - بل إن القضاء بالإدانة لأدلة الثبوت التى أوردتها المحكمة ما يتضمن بذاته الرد على شهادة شهود النفى وأنها لم تطمئن لأقوالهم فاطرحتها.
4 - المعنى المقصود من الجمع بين المأذون المسمى باسمه فى إذن التفتيش وبين من يندبه هذا الأخير من رجال الضبط القضائى لا يفيد بمؤدى صيغته لزوم حصول التفتيش منهما مجتمعين، بل يصح أن يتولاه أولهما أو من يندبه من مأمورى الضبط طالما أن عبارة الإذن لا تحتم على ذلك المأذون بالتفتيش قيامه بشخصه بإجرائه أو ضم من يرى ندبه إليه فى هذا الإجراء.
5 - إذا كان الثابت أن الدفاع لم يتقدم للمحكمة بدفع صريح ببطلان القبض لحصوله من المخبرين فى غير إشراف الضابط المأذون بالتفتيش، بل ساق التصوير الذى رواه الضابط فى شأن حصول القبض فى حضوره وتوليه التفتيش بنفسه - وهو ما اطمأنت إليه المحكمة وأخذت به - ثم عرض للتصوير الذى رواه المتهم - والذى التفتت عنه المحكمة لما لها من سلطة وزن عناصر الدعوى ورد الحادث إلى صورته الحقيقية حسبما يرتسم فى وجدانها - فإن مثل هذا الدفاع يعد دفاعا موضوعيا لا يستلزم ردا صريحا، بل الرد عليه مستفاد دلالة من أدلة الثبوت التى أخذت بها المحكمة والتى مؤداها سلامة إجراءات القبض والتفتيش.
6 - لا تلتزم المحكمة بالرد على طلب المعاينة الذى لم يتقدم به الدفاع عن المتهم فى صورة الطلب الجازم الذى يقرع سمع المحكمة، بل صاغه فى صيغة رجاء.
7 - ما تمسك به الدفاع من إجراء المعاينة للتدليل على إمكان المتهم رؤية من بالكمين لا يتجه إلى نفى الفعل المكون للجريمة أو إثبات استحالة حصول الواقعة كما رواها الشهود، وإذ كان المقصود به إثارة الشبهة فى أدلة الثبوت التى اطمأنت إليها المحكمة طبقا للتصوير الذى أحدث به، فإن مثل هذا الطلب يعتبر دفاعا موضوعيا لا يستلزم ردا صريحا من المحكمة، بل يكفى أن يكون الرد عليه مستفادا من الحكم بالإدانة استنادا إلى أقوال هؤلاء الشهود.
8 - ما نصت عليه المادة 37 من القانون رقم 182 لسنة 1960 فى فقرتها الثالثة ليس عقوبة مفروضة للجريمة بقدر ما هى تدبير يجوز للمحكمة توقيعه لمناسبة ارتكابها، تيسيرا على مدمنى المخدرات بوضعهم تحت العلاج فى إحدى المصحات - ولما كانت العقوبة بحسب طبيعتها هى جزاء يقابل الجريمة حدد الشارع نوعها بأن تكون من العقوبات البدنية أو السالبة للحرية أو المقيدة لها أو المالية - وهى العقوبات الأصلية التى فرضها القانون وحددها وأوجب على القاضى توقيعها عند ثبوت التهمة - وكانت محكمة الموضوع قد التزمت هذا الأصل فى توقيع العقوبة السالبة للحرية المقررة فى القانون الذى كان معمولا به وقت ارتكاب الجريمة، وترى محكمة النقض لما تقدم أن تقرها عليه، فإن ما يثيره الطاعن فى شأن الفقرة الثالثة من المادة المذكورة لا يكون مقبولا.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه أحرز أفيونا فى غير الأحوال المصرح بها قانونا. وطلبت من غرفة الإتهام إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمواد 1 و 2 و 33/ جـ وأخيرة و 35 من المرسوم بقانون رقم 351 لسنة 1952 والجدول 1 بند 1. فقررت الغرفة ذلك وأمام محكمة الجنايات دفع الحاضر مع المتهم ببطلان القبض والتفتيش اللذين قام بهما المخبران كما دفع أيضا ببطلان الندب الذى أمر به الضابط. والمحكمة المذكورة قضت حضوريا عملا بمواد الاتهام ماعدا المادة 33/ جـ وأخيرة وبدلا عنها المادة 34 مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالحبس مع الشغل لمدة ستة أشهر وتغريمه 500 جنيه ومصادرة المخدرات المضبوطة. وذلك على اعتبار أن الإحراز كان بقصد التعاطى الشخصى وردت على الدفع قائلة إنه فى غير محله. فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

أولا: تقرير الأسباب الأول المقدم من الأستاذ حسن اسماعيل المحامى بتاريخ 16/ 7/ 1960.
من حيث إن مبنى أوجه الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة إحراز جوهر مخدر بقصد التعاطى قد انطوى على بطلان فى الإجراءات أثر فيه وشابه قصور وتناقض فى الأسباب كما أخل بحقه فى الدفاع ذلك أن المدافع عنه تمسك ببطلان القبض والتفتيش وما تلاهما من إجراءات بما فى ذلك الاعتراف المنسوب إلى الطاعن تأسيسا على أمرين أولهما بطلان ندب الضابط المأذون له أصلا من النيابة العامة بالضبط والتفتيش للضابط الذى أجراه على اعتبار أن إذن النيابة قد صدر للضابط الأول (عبد الفتاح غنيم) ومن يندبه من رجال الضبط ومؤدى ذلك وجوب الجمع بين المأذون له بالتفتيش ومن يندبه وعدم تخلى المندوب الأصيل عن القيام بهذا الإجراء لغيره بدلالة واو العطف التى تفيد مطلق الجمع أو المعية ولو كان قصد مصدر الإذن ترك الخيار للمأذون له فى ندب غيره بدون ضمه إليه لا تستعمل حرف "أو" الذى يفيد التخيير. والأمر الثانى أن القبض والتفتيش تما بمعرفة مخبرين فى غير حضور الضابط المندوب من المأذون له بالتفتيش وقد شهد عدة شهود بما يؤيد ذلك غير أن الحكم حين التفت عن هذين الدفعين لم يرد عليهما بما يصلح ردا واطرح أقوال شهود النفى لما أثبته الكشف الطبى من إصابات بالطاعن نتيجة اعتداء المخبرين عليه حين قبضا عليه وفتشاه فى غيبة الضابط المذكور، كما ذكر الحكم أن الطاعن لم يجرح شهادة هذا الضابط فى حين أن هذا التجريح ظاهر من عريضة مقدمة من مجهول ومودعة ملف الدعوى وقد أثار الطاعن أمام المحكمة ما تضمنته تلك العريضة من خصومة سابقة بينه وبين الضابط سالف الذكر لمسلكه نحو زوجته وهو ما سجله الحكم ذاته. كما طلب الدفاع عن الطاعن إلى المحكمة الانتقال لمعاينة مكان الحادث ومطابقته على أقوال الضابط والمخبرين وأقوال شهود النفى للتدليل على استحالة رؤية الضابط والمخبرين من المكان الذى كان يجلس به فى نادى البلدية وأنه دعى للحضور بعد القبض على الطاعن بمعرفة المخبرين ولمناظرة موضع الكمين الذى أعده الضابط والمخبران للتدليل على عدم صلاحيته لهذا الغرض لأن الواقف معه يكون مرئيا لمن يمر أمام المنتزه ويلفت نظره فيستطيع بذلك التخلص مما عسى أن يكون معه من أشياء محظورة غير أن الحكم رفض إجابة هذا الطلب بما لا يبرر رفضه وبما يفصح عن خطأ الحكم فى فهم مقصد الدفاع من هذا الطلب الذى سبق بيانه. هذا إلى أن الحكم مع تسليمه بأن شهود النفى الذين أشهدهم الطاعن قد صادفوه إلا أنه أطرح شهادتهم لعدم اطمئنانه إليهم بقولة إن الطاعن كان فى استطاعته الإتفاق معهم على هذه الشهادة وهو مطلق السراح وأن شهادتهم لا تتصل بواقعة الضبط - وما قاله الحكم عن ذلك فيه إهدار لنصوص قانون الإجراءات الجنائية التى تبيح للمتهم الإستشهاد بشهود النفى وقد تضمنت أقوال هؤلاء الشهود جملة وقائع متلاحقة تمس ظروف الحادث مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى فى قوله "إن الصاغ عبد القتاح غنيم رئيس مكتب مكافحة المخدرات بنى سويف علم أن المتهم ابراهيم كمال نصر (الطاعن) الموظف بمصلحة الضرائب ببنى سويف قد عبر النيل إلى البر الشرقى لشراء مخدرات فاستأذن النيابة فى ضبطه وتفتيشه وأذنت له ولمن يندبه من رجال الضبطية القضائية بذلك فى يوم 8/ 12/ 1958 وقد ندب حضرته الملازم أول عبد الواحد اسماعيل لتنفيذ أمر النيابة وفى الساعة الواحدة بعد ظهر ذلك اليوم ترقب هذا الضابط مع المخبرين أحمد شعبان ومحمد أحمد نايل عودة المتهم من البر الشرقى وكمنوا له فى منتزه لبلدة بنى سويف يقع أمام ناديها شاهدوا المتهم يسير فى الطريق العام أمام منتزه البلدية حتى أمسكوا به وفتشه الضابط المذكور وأخرج من جيب جاكتته الخارجى الأيمن لفافة تحوى قطعتين من الأفيون بلغت زنتها 37.68 من الجرام ولما عرضها على المتهم أقر بأنه مريض وقد اشترى المخدر للعلاج فعرض المتهم على الصاغ عبد الفتاح غنيم وأعاد المتهم أمامه الاعتراف بحيازته للمخدر المضبوط معه للتعاطى وأقر بأنه اشتراه من أحمد أمين بالبر الشرقى. وقد تبين من فحص المخدر بمعرفة الطب الشرعى أنه أفيون". وأورد الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذا النحو أدلة مستمدة
من شهادة الضابط عبد الواحد اسماعيل والمخبرين أحمد شعبان ومحمد أحمد نايل ومن تقرير المعمل الكيماوى. وعرض الحكم إلى دفاع الطاعن الموضوعى واستعرض ما قاله فى صدد ضبط المخدر معه وما بدأ به من أن المخبر محمد نايل أخرج من جيبه لفافتين سلمهما للضابط بمحل الحادث وإنكاره ضبط المخدر معه وإقراره للضابطين عبد الواحد اسماعيل وعبد الفتاح غنيم وعدم تجريحه شهادتهما بشئ مكتفيا بالإنكار ثم عود الطاعن فى مرحلة أخرى من التحقيق بعد أن أخلت النيابة سبيله بالضمان عقب استجوابه وتقريره أن المخدر كان وقت أن قبض عليه المخبران ملقى على الأرض ومحاولة المخبر محمد نايل أن يسلمه إياه وتسليمه إلى زميله أحمد شعبان الذى ذهب به إلى الضابط عبد الواحد اسماعيل فى النادى الرياضى ثم تمسك الطاعن بعد أسبوع من إخلاء سبيله بأنه ضبط بعيدا عن منتزه البلدية وبأن الضابط عبد الواحد اسماعيل كان وقت ضبطه بالنادى الرياضى وإشهاده على ذلك عدة شهود أيدوه وخلص الحكم من ذلك إلى قوله "والمحكمة تطمئن إلى شهادة الضابطين عبد الواحد اسماعيل وعبد الفتاح غنيم إذ لم يستطع المتهم (الطاعن) تجريح شهادتهما فى التحقيقات الابتدائية وإن كان قد ذكر لأول مرة أمام المحكمة أن الضابط عبد الواحد اسماعيل سبق أن عاكس زوجته فى النادى الرياضى وهو ما لم يقم عليه دليل ولو صح لكان أول ما تمسك به المتهم فى سبيل الدفاع عن نفسه. ولا تطمئن المحكمة إلى شهادة شهود النفى وفى مقدور المتهم أن يتفق معهم على هذه الشهادة وهو مطلق السراح فضلا عن أن شهادتهم لا تتصل بواقعة ضبط المخدر مع المتهم". ثم عرض الحكم إلى الدفع ببطلان القبض والتفتيش فقال "وبما أن الدفاع تمسك بأن الضبط والتفتيش قام به المخبران أحمد شعبان ومحمد أحمد نايل دون الضابط عبد الواحد اسماعيل وفضلا عن أنه لم يشهد أحد بأن هذين المخبرين قاما بتفتيش المتهم فقد شهدا بأنهما لا يعرفان المتهم قبل الحادث وغير مستساغ وقد تواجدا وقت الضبط لمعاونة الضابط المنتدب لضبط وتفتيش المتهم أن يتوليا هذه المأمورية نيابة عنه. وقد تمسك الدفاع عن المتهم أيضا ببطلان الندب الذى أمر به الضابط عبد الفتاح بمقولة إن إذن النيابة بضبط وتفتيش المتهم قاصر على ها الضابط ومن يشترك معه فى التنفيذ من رجال الضبطية القضائية. وهذا التفسير لإذن النيابة غير مقبول ولو أن الإذن كان قاصرا على الضابط عبد الفتاح غنيم لما كان هناك من حاجة للنص فيه على غيره من رجال الضبطية القضائية والمحكمة ترى أن عبارة الإذن واضحة الدلالة عن أن المأذون له هو الصاغ عبد الفتاح غنيم وغيره من رجال الضبطية القضائية الذين يرى ندبهم مكانه". وعرض الحكم بعد ذلك إلى طلب إجراء المعاينة فى قوله: "وبما أن الدفاع طلب أخيرا أن تجرى المحكمة معاينة عن محل الحادث لمعرفة إن كان من الممكن رؤية المتهم وهو يسير فى الطريق العام لمن يتواجد فى منتزه البلدية الواقع على جانب الطريق والمحكمة لا ترى محلا لإجابة هذا الطلب إذ أن الدعوى ليست فى حاجة إليه والمتهم يصر على أنه ضبط فى الطريق العام بعيدا عن منتزه البلدية وقد سبق أن أجرت النيابة معاينة تفصيلية بحضور محامى المتهم لم يدع فيها تعذر الرؤية لمن كان فى منتزه البلدية وقد حصل الضبط فى وسط النهار وكان الضابط عبد الواحد اسماعيل يختبئ بالقرب من باب المنتزه فمن الميسور له بداهة أن يرى السائر فى الطريق العام الذى يقع المنتزه على جانبه". لما كان ذلك، وكان ما انتهى إليه الحكم سديدا وتتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التى دين الطاعن بها وقد أورد على ثبوتها فى حقه أدلة من شأنها أن تؤدى إلى مارتبه عليها، ذلك بأن الإذن بالتفتيش قد صدر ممن يملكه إلى من اختصه الآذن بإجرائه وهو رئيس مكتب مكافحة المخدرات ومن يندبه من مأمورى الضبط القضائى فإذا استخلص الحكم من دلالة هذا الندب إطلاقه وإباحة ندب المأذون الأصيل بالتفتيش لغيره من مأمورى الضبط دون إشراكه معه فإن استخلاصه يكون سائغا لأن المعنى المقصود من الجمع بين المأذون المسمى باسمه فى إذن التفتيش وبين من يندبه هذا الأخير من رجال الضبط القضائى لا يفيد بمؤدى صيغته لزوم حصول التفتيش منهما مجتمعين بل يصح أن يتولاه أولهما أو من يندبه من مأمورى الضبط طالما أن عبارة الإذن كما هو واقع الحال فى الدعوى لا تحتم على ذلك المأذون بالتفتيش قيامه بشخصه بإجرائه أو ضم من يرى ندبه إليه فى هذا الإجراء. ولما كان الحكم قد اطمأن إلى حصول الضبط والتفتيش بمعرفة الضابط المندوب لإجرائه لما ساقه من أدلة سائغة مردودة إلى أصلها من أقوال شهود الإثبات التى اطمأن إليها وكان الأصل أنه متى أخذت محكمة الموضوع بشهادة شاهد فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التى ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ومن ثم لا يجوز الجدل فى ذلك أمام محكمة النقض لكونه من الأمور الموضوعية. ولا يقبل النعى على الحكم اطراحه أقوال شهود النفى لما هو مقرر من حق محكمة الموضوع فى تكوين عقيدتها مما ترتاح إليه من أقوال الشهود والالتفات عما لا ترى الأخذ به دون أن تلتزم ببيان علة ذلك مادام مرجع الأمر إلى اطمئنانها فإذا كشفت عن أسباب عدم أخذها بشهادة شهود النفى فقد أكدت التزامها ما اطمأنت إليه من شهادة شهود الإثبات ولا يجوز مصادرتها فى عقيدتها ومناقشتها فيما انتهت إليه من ذلك. وكان لمحكمة الموضوع أن تتبين الواقعة على حقيقتها وأن ترد الحادث إلى صورته الصحيحة من مجموع الأدلة المطروحة عليها دون أن تتقيد فى هذا التصوير بدليل بعينه أو بأقوال شهود بذواتهم. وكان ما أورده الحكم فى خصوص عدم تجريح الطاعن شهادة الضابط الذى أجرى ضبطه وتفتيشه سائغا ولا تناقض فيه. لما كان ذلك وكان يبين من الإطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن المدافع الثانى عن الطاعن قال فى صدد المعاينة إنه "حضر المعاينة فى الحديقة المواجهة للنادى الرياضى وقال إن المكان الذى أشار إليه فى الحديقة أنه كان يقف فيه ولا يمكن أن يرى منه الضابط القادم من البحر والحقيقة الواضحة هى أن الضابط كان يجلس فى النادى... ... ... وانتهى إلى القول "وأرجو إذا تأجل الحكم لباكر أن تتريضوا لغاية الحديقة لتعاينوا المكان الذى قال الضابط عنه إنه كمن فيه هو والمخبران". ثم تمسك المدافع الأخير عن الطاعن "بإجراء المعاينة حتى يتبين لعدالة سيادتكم أن المتهم (الطاعن) كان يمكن رؤية الضابط والمخبرين من عدمه أثناء وجودهم بالكمين الذى قالوا إنهم كانوا به". وكان الواضح مما تقدم أن الدفاع عن الطاعن حين تقدم إلى المحكمة فى مرافعته الثانية بطلب المعاينة لم يتقدم به فى صورة الطلب الجازم الذى يقرع سمع المحكمة بل صاغه بصيغة الرجاء وهو ما لا تلتزم المحكمة بالرد عليه، ومع ذلك فإن ما رد به الحكم على هذا الدفاع سائغ. أما ما تمسك به الدفاع فى مرافعته الأخيرة من طلب المعاينة للتدليل على إمكان الطاعن رؤية من بالكمين فإنه لما كان مثل هذا الطلب لا يتجه إلى نفى الفعل المكون للجريمة أو إثبات استحالة حصول الواقعة كما رواها الشهود بل كان مقصودا به إثارة الشبهة فى أدلة الثبوت التى اطمأنت إليها المحكمة طبقا للتصوير الذى أخذت به فإن مثل هذا الطلب يعتبر دفاعا موضوعيا لا يستلزم ردا صريحا من المحكمة بل يكفى أن يكون الرد عليه مستفادا من الحكم بالإدانة استنادا إلى أقوال هؤلاء الشهود. لما كان ما تقدم، فإن ما ينعاه الطاعن فى التقرير الأول على الحكم المطعون فيه لا يكون سديدا.
ثانيا - تقرير الأسباب الثانى المقدم من الأستاذ على الخشخانى المحامى بتاريخ 24/ 7/ 1960.
من حيث إن مبنى أوجه الطعن هو أن الحكم المطعون فيه أخطأ فى تطبيق القانون وشابه قصور وتناقض فى التسبيب وانطوى على إخلال بحق الدفاع وعلى فساد فى الاستدلال ذلك أن الدفاع تمسك ببطلان القبض والتفتيش طبقا لما سبق إثارته فى التقرير الأول وجاء رد الحكم قاصرا على الشطر الخاص ببطلان التفتيش وأغفل الرد على الدفع فى شقه الخاص ببطلان القبض الذى وقع من المخبرين على رغم تسليم الحكم بذلك. وردد الطاعن ما سبق له إثارته فى تقرير الأسباب الأول فى خصوص إخلال الحكم بحقه فى الدفاع لعدم إجابته إلى طلبا المعاينة حسبما للجدل فى شأن المكان الذى كان يكمن فى الأخير ورد الحكم على ذلك بما لا يبرر رفضه، واستطرد الطاعن إلى القول بأن الحكم عول فى تحصيله للواقعة على أقوال الشهود إثباتا ونفيا فى حين أن أقوال شهود النفى تتهاتر مع أقوال شهود الإثبات فى خصوص واقعة الضبط، كما أخطأ الحكم حين أطرح أقوال هؤلاء الشهود بدعوى أنها لا تتصل بواقعة ضبط المخدر مع الطاعن مما يتعارض مع ما سبق أن أثبته الحكم عن شهادة الشهود المذكورين ومؤداها أن المخبرين هما اللذان قبضا على الطاعن فى غير حضور الضابط الذى كان وقتئذ جالسا بعيدا عن مكان الضبط فى مبنى النادى وأنه لم يعثر مع الطاعن على مخدر بل إنه كان مع المخبر محمد نايل الذى سلمه للضابط وهذه الوقائع تتصل بغير شك بواقعة الضبط اتصالا وثيقا، مما يعيب الحكم ويستوجب نقشه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى كما سبق القول بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التى دين الطاعن بها وأورد على ثبوتها فى حقه أدلة مردودة إلى أصلها تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان الحكم قد رد ردا سائغا على الدفع ببطلان القبض والتفتيش، أما ما يثيره الطاعن فى خصوص التفات الحكم على الرد على الدفع ببطلان القبض لحصوله من المخبرين بعيدا عن الضابط فإنه يبين من الإطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن المدافع الأول عن الطاعن قال فى صدد التفتيش "إن الدعوى بها روايتان رواية من الضابط نه هو الذى أجرى التفتيش والرواية التى قالها المتهم (الطاعن) وهو أن المخبرين هما اللذان انقضا عليه وأوقعاه على الأرض وأحدثا به الإصابات التى كانت به وأميل إلى تصديق هذه الرواية لأن الضابط عبد الواحد قال إن المخبرين بدآ الإمساك بالمتهم وأنه فتش المتهم متأخرا قليلا عنهما ثم أخذ سيادته يتلو ما جاء فى محضر السيد عبد الواحد فى التحقيق وقال إن الثابت بهذا المحضر يخالف ما رواه اليوم أمام المحكمة وقال إن ذلك يدل على أن الضابط يثبت ما يخالف الحقيقة ولذلك أصدق ما قاله المتهم فى روايته".
ولما كان الثابت مما تقدم أن الدفاع لم يتقدم إلى المحكمة بدفع صريح ببطلان القبض لحصوله من المخبرين فى غير إشراف الضابط المأذون بالتفتيش بل ساق التصوير الذى رواه الضابط فى شأن حصول القبض فى حضوره وتوليه التفتيش بنفسه وهو ما اطمأنت إليه المحكمة وأخذت به ثم عرض للتصوير الذى رواه الطاعن والذى التفت عنه المحكمة لما لها من سلطة وزن عناصر الدعوى ورد الحادث إلى صورته الحقيقية حسبما يرتسم فى وجدانها، فمثل هذا الدفاع يعد دفاعا موضوعيا لا يستلزم ردا صريحا بل الرد عليه مستفاد دلالة من أدلة الثبوت التى أخذت بها المحكمة والتى مؤداها سلامة إجراءات القبض والتفتيش كما سلف البيان. ولما كان التفات الحكم عن إجابة الدفاع إلى ما طلبه فى خصوص المعاينة لا يعيبه كما سبق الرد عليه عند تناول تقرير الأسباب الأول. وكان الحكم قد عول فى الإدانة على أقوال شهود الإثبات الذين أورد مؤدى شهادتهم ولم يأخذ بأقوال شهود النفى ومن ثم يكون الحكم بريئا من قالة التناقض التى يرميه بها الطاعن، ولا يضير الحكم أن يشير وهو فى معرض تحصيله لواعة الدعوى إلى أن تبين هذه الواقعة من أوراق الدعوى وسماع الشهود إثباتا ونفيا ومما دار بالجلسة، ذلك بأنه من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستمد معتقدها من كافة العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث فضلا عن أن البيان المعول عليه فى الحكم هو ذلك الجزء الذى يبدو فيه اقتناع القاضى دون غيره من الأجزاء الخارجة عن سياق هذا الاقتناع. ولما كان لا يقدح فى سلامة الحكم أن يكون قد ذهب وهو فى معرض تبرير اطراحه لأقوال شهود النفى إلى القول على خلاف مؤداها بأن روايتهم لا تتصل بواقعة ضبط المخدر مع الطاعن مادام قد أبدى عدم اطمئنانه إلى أقوالهم ولم يكن لهذه الواقعة تأثير فى عقيدة المحكمة والنتيجة التى انتهت إليها ومع ذلك فإنه يبين من الإطلاع على المفردات التى أمرت المحكمة بضمها تحقيقا لأوجه الطعن أن شهود النفى شهدوا جميعا بأنهم لم يشاهدوا واقعة الضبط ذاتها. لما كان ما تقدم، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه لا يكون له محل.
ثالثا - تقرير الأسباب الثالث المقدم من الأستاذ على بدوى المحامى بتاريخ 24/ 7/ 1960.
من حيث إن الطاعن ينعى فى الوجه الأول على الحكم المطعون فيه القصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال ذلك أنه اطرح شهادة شهود النفى والقاطعة الدلالة على بطلان التفتيش لحصوله من المخبرين فى غير حضور الضابط واكتفى الحكم بالقول بعدم اطمئنانه إلى أقوالهم وبأن الطاعن كان يستطيع الاتصال بهم وهو مطلق السراح وبأن شهادتهم لا تتصل بواقعة ضبط المخدر مع الطاعن وهو فى ذلك لمن يبين أسماء هؤلاء الشهود أو مؤدى شهادتهم ولم يناقش هذه الأقوال التى تتصل مباشرة بواقعة الضبط.
وحيث إن هذا الوجه مردود بما سبق الرد به على التقريرين الأول والثانى.أما ما استطرد إليه الطاعن فى خصوص قصور الحكم عن بيان أسماء شهود النفى ومؤدى شهادتهم فإنه لما كان للمحكمة حرية تكوين عقيدتها مما ترتاح إليه من أقوال الشهود فهى لا تلتزم إلا بإيراد مؤدى الأدلة التى تستند إليها فى الإدانة حتى يتضح وجه استدلال الحكم بها أما أقوال شهود النفى الذين لا تأخذ بهم فلا يلزم أن تشير صراحة فى حكمها إلى عدم أخذها بها أو الرد على ما شهدوا به ويكفى أن يكون مستفادا من الحكم أنها لم تجد فى أقوالهم ما تطمئن إلى صحته بل إن القضاء بالإدانة لأدلة الثبوت التى أوردتها المحكمة ما يتضمن بذاته على الرد على شهادة شهود النفى وأن المحكمة لم تطمئن لأقوالهم فاطرحتها. لما كان ذلك، فإن هذا الوجه لا يكون سديدا.
وحيث إن مبنى الوجه الثانى من الطعن هو أنه صدر بعد الحكم المطعون فيه القانون رقم 182 لسنة 1960 فى شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها الذى حل محل المرسوم بقانون رقم 351 لسنة 1952 المطبق على واقعة الدعوى وقد أتى بأحكام جديدة تعتبر أصلح للمتهم من ذلك ما نص عليه فى الفقرة الثالثة من المادة 37 من القانون الجديد من جواز الأمر بإيداع من يثبت للمحكمة إدمانه على تعاطى المخدرات إحدى المصحات التى تنشأ لهذا الغرض مما يقتضى إعمالا لهذا النص نقض الحكم المطعون فيه وإعادة نظر الدعوى من جديد. وهذا الوجه مردود بأن ما نصت عليه المادة 37 من القانون رقم 182 لسنة 1960 فى فقرتها الثالثة ليس عقوبة مفروضة للجريمة بقدر ما هى تدبير يجوز للمحكمة توقيعه لمناسبة ارتكابها تيسيرا على مدمنى المخدرات بوضعهم تحت العلاج فى إحدى المصحات، لما كان ذلك، وكانت العقوبة بحسب طبيعتها هى جزاء يقابل الجريمة حدد الشارع نوعها بأن تكون من العقوبات البدنية أو السالبة للحرية أو المقيدة لها أو المالية وهى العقوبات الأصلية التى فرضها القانون وحددها وأوجب على القاضى توقيعها عند ثبوت التهمة، ولما كانت محكمة الموضوع قد التزمت هذا الأصل فى توقيع العقوبة السالبة للحرية المقررة فى القانون الذى كان معمولا به وقت ارتكاب الجريمة وترى هذه المحكمة لما تقدم أن تقرها عليه، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الوجه لا يكون مقبولا.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.