أحكام النقض - المكتب الفني- جنائى
العدد الأول - السنة 12 - صـ 373

جلسة 27 من مارس سنة 1961

برياسة السيد / السيد أحمد عفيفى المستشار، وبحضور السادة: محمد زعفرانى سالم، وتوفيق أحمد الخشن، وعبد الحليم البيطاش، ومحمود اسماعيل المستشارين.

(70)
الطعن رقم 2759 لسنة 30 القضائية

إثبات.
تساند الأدلة وحدة تتكون منها عقيدة القاضى.
من المقرر أن الأدلة فى المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها الآخر، ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضى، فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقى الأدلة، بل يكفى أن تكون الأدلة فى مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة فى إثبات اقتناع القاضى واطمئنانه إلى ما انتهى إليه، فلا يقبل من الطاعن أن يأتى بكل عنصر من هذه العناصر ليناقش دلالته على حدة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن - مع آخر حكم عليه غيابيا - بأنهما حازا وأحرزا جواهر مخدرة "أفيونا" فى غير الأحوال المصرح بها قانونا. وطلبت إلى غرفة الإتهام إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهما بالمواد 1 و 2 و 33/ 1 و جـ و 2 و 35 من المرسوم بقانون رقم 351 لسنة 1952 والبند 1 من الجدول المرافق. فقررت بذلك. ولدى نظر الدعوى أمام محكمة الجنايات دفع الحاضر مع المتهم ببطلان الإذن والتفتيش. والمحكمة المذكورة قضت حضوريا عملا بمواد الإتهام بمعاقبة المتهم (الطاعن) بالأشغال الشاقة المؤبدة وتغريمه ثلاثة آلاف جنيه ومصادرة الجواهر المضبوطة والسيارة التى استعملت فى الجريمة. وقد ردت المحكمة فى أسباب حكمها على الدفع قائلة بأنه باطل ولا أساس له. فطعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

وحيث إن مبنى الوجه الأول من وجهى الطعن هو الخطأ فى تطبيق القانون، ذلك أن حالات التلبس قد وردت بالمادة 30 من قانون الإجراءات الجنائية على سبيل الحصر فلا يجوز القياس عليها أو التقريب إليها، ولا يكفى دليلا على قيام حالة التلبس مجرد توافر مظاهر خارجية من شأنها أن تنبئ عن وقوع الجريمة لأن ذلك لا يندرج تحت ما نص عليه بالقانون ومع ذلك فإن المحكمة أسست قضاءها على اعتبار أن الجريمة كانت فى حالة تلبس، كما أنها استدلت بمحاولة المتهم الفرار بسيارته على قيام تلك المظاهر الخارجية مع أن محاولة الفرار فى ذاتها قصد منها التخلص من المخبر الذى تعلق بالسيارة، ولا تنبئ فى جلاء أو تكشف عن حالة تلبس بإحراز مخدر كان بداخل حقيبة مودعة فى حقيبة السيارة الخلفية.
وحيث إن الحكم المطعون فيه رد على الدفع ببطلان تفتيش السيارة الذى دفع به المدافع عن الطاعن فى قوله "إن هذا الدفع فى غير محله لأن الإذن الصادر من النيابة بالتفتيش نص على تفتيش هذه السيارة أو أية وسيلة أخرى يستعملها المتهم فى التنقل وقد صدر هذا الإذن بناء على تحريات جدية وافقت عليها واقتنعت بها النيابة الآمرة بالتفتيش - وفضلا عن ذلك فإن الجريمة كانت فى حالة تلبس لقيام مظاهر خارجية من شأنها فى حد ذاتها أن تنبئ بوقوع الفعل المكونة للجريمة ". لما كان ذلك، وكان الثابت من مدونات الحكم أن الإذن الصادر من النيابة يشمل تفتيش هذه السيارة، فإنه لا محل لما يثيره الطاعن من جدل حول كفاية المظاهر الخارجية التى لابست ظروف الضبط لإجازة القبض والتفتيش فى حدود ما تقضى به المادة 34 من قانون الإجراءات الجنائية، فيكون هذا الوجه من الطعن غير سديد فى القانون.
وحيث إن الوجه الثانى من وجهى الطعن مبناه الفساد فى الاستدلال والقصور فى التسبيب، ذلك أن المحكمة استدلت على علم الطاعن بما احتوته الحقيبة المغلقة من مخدر بضبط هذا المخدر بالسيارة التى تقل المتهمين ومحاولة الطاعن الفرار بالسيارة والتخلص من المخبر الذى تعلق بها - وهذا الذى ذهبت إليه المحكمة فى تأسيس قضائها يعوزه الاستدلال السليم القويم وأنه ليس من شأن الطاعن وهو سائق سيارة أجرة أن يفحص ما عساه يصطحبه الركاب وأنه لا تثريب على الطاعن إذا قبل نقل المتهم الأول بحقيبته المغلقة إلى غايته، كما أن حمل الطاعن لمفتاح الحقيبة الخلفية للسيارة أمر طبيعى، وأن إسراع الطاعن بسيارته بعد أن أمره رجال الضبط بالوقوف قد يكون مرجعه استجابته لنهى أو ائتماره بأوامر متبوعة مستأجر السيارة أو لعل مرد ذلك هو رغبة الطاعن فى الإفلات من مخالفة للمرور وشيكة للوقوع أو لعل شكا قد داخله فى حقيقة أمر رجال الشرطة خصوصا وأنهم لم يكونوا مرتدين ملابسهم الرسمية فيكون استخلاص المحكمة من تلك القرائن جميعها دليلا على حيازة الطاعن للمخدر استخلاصا يفتقر إلى ما يسانده إذ أن الوقائع لا تؤدى لزوما إليه. ولما كان من المقرر أن الأدلة فى المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها الآخر ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضى فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقى الأدلة، بل يكفى أن تكون الأدلة فى مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة فى إثبات اقتناع القاضى واطمئنانه إلى ما انتهى إليه فلا يقبل من الطاعن أن يأتى بكل عنصر من هذه العناصر ليناقش دلالته على حدة - ولما كان ما ساقه الحكم بمدوناته سائغا فى حمل ما انتهى إليه من اطمئنانه إلى ثبوت علم الطاعن بكنه المادة التى ضبطت بسيارته، فإن هذا الوجه من الطعن يكون على غير أساس.
وحيث إن الحكم المطعون فيه صدر فى يوم 21/ 11/ 1959 وقد صدر بعده القانون رقم 182 لسنة 1960 فى شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها ونشر فى الجريدة الرسمية بالعدد 131 فى 13/ 6/ 1960 الذى ألغى المرسوم بقانون رقم 351 لسنة 1952 المطبق على واقعة الدعوى وأصبح ساريا اعتبارا من 14 يوليو سنة 1960. وكان القانون الجديد قد آثر التدرج بالعقوبة وفقا للقصد من الإحراز فى صوره المختلفة. ولما كان هذا القانون يعد من هذه الناحية أصلح للمتهم من المرسوم بقانون رقم 351 لسنة 1952 الذى طلبته المحكمة، وكانت الواقعة التى استخلصها الحكم يستشف منها أن تقل المخدر بالسيارة كان بقصد الإتجار مما يقتضى تطبيق المادة 34 من القانون الجديد، فإنه يتعين نقض الحكم نقضا جزئيا بالنسبة للعقوبة المقيدة للحرية المقضى بها ومعاقبة الطاعن فى حدود ما تقضى به المادة 34 سالفة الذكر.