أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
العدد الثالث - السنة 21 - صـ 1042

جلسة 2 من نوفمبر سنة 1970

برياسة السيد المستشار/ محمود العمراوى، وعضوية السادة المستشارين: أنور خلف، وإبراهيم الديوانى، ومحمد السيد الرفاعى، وحسن المغربى.

(249)
الطعن رقم 1132 لسنة 40 القضائية

(أ، ب، ج، د، هـ) دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". إثبات. "إثبات بوجه عام". "شهادة". "قرائن". حكم. "تسبيبه. تسبيب غيرمعيب". قتل عمد.
( أ ) دفاع المتهم بأن حالة المجنى عليها لم تكن تسمح لها بالحديث بتعقل. رد الحكم عليه بما يسوغ دحضه. كفايته.
(ب) وزن أقوال الشاهد وتقديرها. موضوعى.
(ج) حق محكمة الموضوع الأخذ بأقوال الشاهد فى التحقيقات. ولو خالفت أقواله أمامها.
(د) كفاية كون الأدلة فى مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة فى اقتناع المحكمة. تساند الأدلة فى المواد الجنائية.
(هـ) استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى من عناصرها المطروحة على بساط البحث وإطراح ما يخالفها من صور. موضوعى. ما دام سائغاً.
عدم اشتراط كون الدليل دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها. كفاية استخلاص هذه الواقعة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات.
(و) جريمة. "أركانها". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". قتل عمد. الباعث على الجريمة. ليس ركناً فيها. خطأ الحكم فيه أو إغفاله. لا يعيبه.
1 - متى كان ما أورده الحكم فى معرض الرد على دفاع الطاعن "بعدم التعويل على أقوال المجنى عليها التى أدلت بها عقب الحادث لأن حالتها لم تكن تسمح لها بالحديث بتعقل". سائغاً فى العقل والمنطق، فإنه يكفى للرد على دفاع الطاعن فى هذا الشأن.
2- إن وزن أقوال الشاهد وتقدير الظروف التى تؤدى فيها شهادته وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات، كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التى تراها، وتقدره التقدير الذى تطمئن إليه، دون رقابة لمحكمة النقض عليها.
3 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تأخذ بأقوال الشاهد بالتحقيقات ولو خالفت أقواله أمامها.
4- لا يشترط أن تكون الأدلة التى اعتمد عليها الحكم، بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع فى كل جزئية من جزئيات الدعوى، إذ الأدلة فى المواد الجنائية متساندة ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضى، فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقى الأدلة، بل يكفى أن تكون الأدلة فى مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة فى اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه.
5 - الأصل أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث، الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى, حسبما يؤدى إليه اقتناعها, وأن تطرح ما يخالفه من صور أخرى, ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة فى العقل والمنطق ولها أصلها فى الأوراق، ولا يشترط فى الدليل أن يكون صريحاً دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها، بل يكفى أن يكون استخلاص ثبوتها منه عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات.
6 - الباعث على الجرائم ليس ركناً فيها، ومن ثم لا يقدح فى سلامة الحكم الخطأ فيه أو ابتناؤه على الظن أو إغفاله جملة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه فى 3 من أغسطس سنة 1968 بدائرة مركز ابشواى محافظة الفيوم: قتل ثريا عبد السلام قاسم عمداً بأن أطبق على رقبتها وكتم أنفاسها حتى خارت قواها ثم أشعل فيها النار قاصداً من ذلك قتلها فأحدث بها الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبى الشرعى والتى أدوت بحياتها. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. ومحكمة جنايات الفيوم قضت فى الدعوى حضورياً عملاً بالمادة 234/ 1 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة المؤبدة. فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض فى اليوم التالى ليوم صدوره... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة القتل العمد قد شابه قصور فى التسبيب وفساد فى الاستدلال ذلك بأن الحكم استند فى الإدانة إلى أقوال المجنى عليها والشاهدة كعب الخير عبد القوى وضابط المباحث وإلى ما هو ثابت بأوراق تحقيق الجنحة رقم 3277 لسنة 1968 إبشواى من وجود نزاع سابق بين الطاعن والمجنى عليها وذلك على الرغم من أن المجنى عليها لم تكن فى حالة تسمح لها بالحديث بتعقل عقب الحادث كما أن أقوال الشاهدة المذكورة قد جاءت غير قاطعة على أن الطاعن هو مرتكب الجريمة خاصة وأنها عدلت عنها أمام المحكمة مقررة أنها دفعت إلى الإدلاء بها بتأثير من رجال المباحث وقد جاءت أقوال الضابط غير صادقة ولم ير الحادث, كما أن النزاع الثابت بالجنحة المذكورة لم يكن مرجعه الطاعن وإنما كان سببه قيام المجنى عليها بسب أخ الطاعن، ثم إن الثابت من التقرير الطبى الشرعى أنه لا توجد رائحة مواد ملتهبة سواء بجسمها أو بالشعر الباقى من رأسها مما يدل على أن قالة سكب البترول على المجنى عليها غير صحيحة وأخيراً فإنه لم يثبت من الأوراق أن الباعث على القتل هو طمع الطاعن فى مال المجنى عليها خاصة وأنها غير ذات ثراء.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمة التى دين بها الطاعن وأورد على ثبوتها فى حقه أدلة لها معينها الصحيح بالأوراق ومن شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها عرض إلى دفاع الطاعن من أن المجنى عليها لم تكن فى حالة يمكن معها التعويل على أقوالها ورد عليه وفنده بقوله: "إن ما ذهب إليه الدفاع من أنه لا يعول على أقوال المجنى عليها بسبب سوء حالتها وقت الإدلاء بها مردود بما جاء بإخطار المستشفى المبلغ للمذكور فور دخول المجنى عليها المستشفى من أنه يمكن استجوابها وبما أثبته وكيل النيابة المحقق فى محضره قبل بدئه فى سؤالها مباشرة من أن طبيب المستشفى الدكتور عزت زكى أكد له إمكان استجوابها بالقدر الذى تسمح به حالتها. هذا وقد سئلت المجنى عليها فى محضر ضبط الواقعة إثر إبلاغ المستشفى بمعرفة ضابط المركز وكذا سئلت بمعرفة مأمور المركز وفى تحقيق النيابة ونوقشت فى أقوالها فجاءت روايتها فى مختلف هذه المراحل متسقة مترابطة متماسكة ينتظمها تسلسل منطقى يبعد بها عن شبهة الهذيان وأيدتها ماديات الدعوى على نحو ما أثبتته المعاينة وما أسفر عنه الاطلاع على الجنحة رقم 3277 لسنة 1968 إبشواى وهو ما بينته المحكمة تفصيلاً فيما تقدم مما يقطع بأن المجنى عليها كانت تعى ما تقول مصدقاً لما ارتآه طبيب المستشفى من أن حالتها كانت تسمح باستجوابها" وما أورده الحكم من ذلك سائغ فى العقل والمنطق ويكفى للرد على دفاع الطاعن فى هذا الشأن. لما كان ذلك، وكان وزن أقوال الشاهد وتقدير الظروف التى تؤدى فيها شهادته وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التى تراها وتقدره التقدير الذى تطمئن إليه دون رقابة لمحكمة النقض عليها، وكان من المقرر أيضاً أن لهذه المحكمة أن تأخذ بأقوال الشاهد بالتحقيقات ولو خالفت أقواله أمامها، وكان لا يشترط أن تكون الأدلة التى اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع فى كل جزئية من جزئيات الدعوى، إذ الأدلة فى المواد الجنائية متساندة ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقى الأدلة بل يكفى أن تكون الأدلة فى مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة فى اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه، فإن ما يثيره الطاعن فى شأن أقوال المجنى عليها والشاهدة كعب الخير عبد القوى وضابط المباحث والثابت من الجنحة رقم 3277 لسنة 1968 إبشواى لا يكون له محل، ولا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً فى العناصر التى استنبطت منها محكمة الموضوع معتقدها مما لا يقبل معاودة التصدى له أمام محكمة النقض. أما ما أثاره الطاعن فى شأن احتراق المجنى عليها دون أن يسكب الطاعن عليها بترولاً، فمردود بأن الأصل أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفه من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة فى العقل والمنطق ولها أصلها فى الأوراق ولا يشترط فى الدليل أن يكون صريحاً دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها بل يكفى أن يكون استخلاص ثبوتها منه عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات وإذ استخلصت المحكمة الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى استخلاصا سائغا استنادا إلى أقوال المجنى عليها من أن الطاعن قد أطبق على رقبتها حتى خارت قواها فسكب عليها كمية من البترول من موقد كان بالغرفة وأشعل فيها النار بعود من الثقاب ثم لاذ بالفرار بعد أن أغلق الباب من الخارج ومما ثبت من المعاينة التى أجرتها النيابة العامة لمكان الحادث من أن رائحة الكروسين كانت تفوح من قطع قطن متناثرة من أريكة بالحجرة كما عثر على "بشكير" محترق مبلل بالماء وعلى موقد لا تزال به بقايا من الكيروسين ومصباحين من الصفيح بهما بقايا من الكروسين وقد نزع منها الجزء الخاص "بالفتيل" ومن ثبوت إمكان غلق الباب من الخارج والعثور عليه سليماً. وإذ استخلص الحكم الصورة السابقة أيضاً مما جاء بتقرير الصفة التشريحية من إمكان وقوع الحادث وفق تصوير المجنى عليها فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم فى هذا الشأن يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان الباعث على الجرائم ليس ركناً فيها فلا يقدح فى سلامة الحكم الخطأ فيه أو ابتناؤه على الظن أو إغفاله جملة. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعا.