أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الأول - السنة 10 - صـ 55

جلسة 20 من يناير سنة 1959

برياسة السيد حسن داود المستشار، وبحضور السادة: محمود محمد مجاهد، وأحمد زكي كامل، والسيد أحمد عفيفي، ومحمود حلمي خاطر المستشارين.

(15)
الطعن رقم 795 سنة 28 القضائية

(أ, ب, جـ, د) رشوة. الرشوة في محيط الوظائف العامة. إجرام الراشي. الجريمة التامة والشروع. جريمة عرض رشوة على موظف عمومي لم تصادف قبولا. المادة 109 مكررا معدلة بقانون رقم 69/ 53.
متى تتم جريمة المادة 109 مكررا ع؟ أثر تمامها في مقام القول بإمكان حصول عدول اختياري وحصول الضبط أثناء المهلة التي طلبها الطاعنان للتشاور بعد خلافهما مع المبلغ على مقدار الرشوة ورفض قبوله المبلغ المعروض.
أنصراف نية الموظف الذي لم يقبل الرشوة إلى الإخلال بواجبات وظيفته غير لازم. أثر ذلك في خصوص التبليغ السابق على الضبط.
اختصاص الموظف. أعمال الوظيفة. ماهيتها.
هى الأعمال التي يرد عليها تكليف صحيح صادر من الرؤساء ولو كان بأوامر شفوية. مثال.
(هـ) حكم. ضوابط التدليل. ما لا يعيب الحكم في نطاق التدليل.
التحدث عن سبب الجريمة الذي لا يتوقف عليه الفصل في الدعوى. مثال في رشوة.
1 - تقع الجريمة المنصوص عليها في المادة 109 مكررا من قانون العقوبات والمعدلة بالقانون رقم 69 لسنة 1953 بمجرد عرض رشوة لم تقبل متى كان العرض حاصلا لموظف عمومي.
2 - لا يشترط لوقوع جريمة تقوم من جانب الموظف على عدم قبول الرشوة أن تكون نيته قد انصرفت إلى الإخلال بواجبات وظيفته، ومن ثم فإن ما حدث من تبليغ سابق على الضبط لا يؤثر في قيامها.
3 - التسليم بأن عرض مبلغ الرشوة قد تم من جانب الطاعنين وأن الرفض قد وقع من جانب المبلغ يمتنع به القول بإمكان حصول عدول اختياري بعد ذلك، وليس ينقض ما تم إن حصل الضبط أثناء المهلة التي طلبها الطاعنان للتشاور بعد خلافهما مع المبلغ على مقدار الرشوة، ورفض قبول المبلغ المعروض.
4 - يدخل في أعمال الوظيفة كل عمل يرد عليه تكليف صحيح صادر من الرؤساء، كما يكفي في صحة التكليف أن يصدر بأوامر شفوية - فإذا كان الحكم قد دلل تدليلا سائغا على أن عمل الساعي "المبلغ" يقتضي التردد على المكان الذي تحفظ به ملفات الممولين للمعاونة في تصفيفها وأنه يقوم بنقل الملفات بناء على طلب موظفي مأمورية الضرائب - وهم من رؤسائه - فإن التحدي بإنعدام أحد أركان جريمة الرشوة يكون على غير أساس.
5 - لا يؤثر في سلامة الحكم الصادر بإدانة الطاعنين عن جريمة الرشوة تحدثه عن الغرض الذي يهدف إليه الطاعنان لحصولهما على الملف وامتداد أيديهما على بعض محتوياته ولم لم يكن الملف معروضا على المحكمة، لأنه حديث يتعلق بالسبب ولا يتوقف عليه الفصل في الدعوى.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما: أولا - المتهمان معا عرضا رشوة على مستخدم عمومي "حسن حسن خيري" الساعي بمأمورية ضرائب حلوان للإخلال بواجبات وظيفته بأن قدم له مبلغ جنيه لينقل لهما ملف الضرائب الخاص بالممولين عبد المنعم عيسوي وإخوته من غرفة الأرشيف بالمأمورية ويسلمه لهما في بيته ولكن الرشوة لم تقبل منهما. وثانيا - المتهم الأول أيضاً في نفس الزمان والمكان سالفي الذكر أحرز جواهر مخدرة "حشيشا وأفيونا" في غير الأحوال المرخص بها قانونا. وطلبت من غرفة الاتهام إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهما بالمواد 109/ 1 و110 و111 من قانون العقوبات بالنسبة لهما معا وأيضا للمتهم الأول بالمواد 1 و2 و33 ج و35 من المرسوم بقانون رقم 351 لسنة 1952 والجدول (أ) الملحق به. فقررت بذلك. ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضوريا عملا بالمواد 109/ 1 مكرر و110 و111 من قانون العقوبات و1 و2 و34 و35 من المرسوم بقانون رقم 351 لسنة 1952 والبندين 1 و12 من الجدول رقم (أ) الملحق به للأول والمواد 109/ 1 مكرر و110 و111 من قانون العقوبات للثاني مع تطبيق المادة 17 من القانون المذكور للمتهمين معا بالنسبة للجناية الأولى بمعاقبة كل من مصطفى يوسف شحاته ويوسف حافظ عبد الرحمن بالحبس مع الشغل لمدة سنتين وبغرامة قدرها خمسمائة جنيه وبمصادرة مبلغ الرشوة المضبوط وذلك عن تهمة عرض الرشوة وبمعاقبة مصطفى يوسف شحاته بالسجن لمدة ثلاث سنوات وبتغريمه مبلغ خمسمائة جنيه وبمصادرة المواد المخدرة المضبوطة وذلك عن تهمة إحراز هذه المواد. فطعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في القانون وجاء قاصرا في أسبابه وفي بيان ذلك يقول الطاعنان أن الحكم اعتبر الواقعة المنسوبة إليهما جريمة مستقلة منطبقة على المادة 109 مكررا من قانون العقوبات في حين أنها لا تعدو أن تكون شروعا في رشوة تجري عليها أحكام الشروع وإذ اختلف الطاعنان مع المبلغ على مقدار الرشوة بعد أن رفض الجنيه المعروض، استمهلاه للتشاور فيما بينهما ولولا حصول الضبط لكان من الممكن أن يتم العدول الاختياري عن عرض الرشوة بحيث لا تقوم الجريمة تطبيقا لأحكام الشروع هذا إلى ما تمسك به الدفاع من انعدام أحد أركان الجريمة فقد كان العمل المطلوب لا يدخل في اختصاص الموظف بحسب الأصل وهو لم يكلف به من رئيس مختص - مما هو معلوم للطاعنين - كما أن المبلغ لم يزعم بأن هذا العمل داخل في اختصاصه، يضاف إلى ذلك أن الموظف لم يقبل العرض ولم يكن ينتوي العبث بالوظيفة بدليل مسارعته إلى التبليغ وقد أشار الدفاع إلى هذا الأمر وإلى العدول الذي تنعدم به الجريمة فلم يرد الحكم على شئ من ذلك وكان رده على عدم توفر القصد الجنائي قاصرا، وأخيرا فقد ذهب الحكم في إثباته للواقعة إلى أن ملف الممول يحتوي على أوراق إذا امتدت إليها يده أعيدت إجراءات تقدير الضريبة بحيث تنفتح أمامه أبواب الطعن في الإجراءات وقد أثبت الحكم ذلك دون أن يطلع على الملف ليتحقق من وجود تلك الأوراق به فهو إذن قد استند إلى دليل لم يطرح على المحكمة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمة المنصوص عليها في المادة 109 مكررا من قانون العقوبات التي دان الطاعنين بها وأورد في حقهما أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها، لما كان ذلك، وكانت هذه الجريمة تقع بمجرد عرض رشوة لم تقبل، متى كان العرض حاصلا لموظف عمومي وهو ما أثبته الحكم في حق الطاعنين ولما كان لا جدوى من الخوض فيما أثاره الطاعنان من بحث فقهي حول الشروع ومدى انطباقه على واقعة الدعوى والقول بسنوح الفرصة للعدول الذي ينعدم به الشروع إذ أن أحدا لم يدع بحصول عدول اختياري من جانب الطاعنين عن عرض الرشوة بل إن من المسلم أن العرض قد تم من جانب الطاعنين وأن الرفض قد وقع من جانب المبلغ مما يمتنع به القول بإمكان حصول عدول اختياري بعد ذلك وليس ينقض ما تم إن حصل الضبط أثناء المهلة التي طلبها الطاعنان للتشاور بعد خلافهما مع المبلغ على مقدار الرشوة ورفض قبوله المبلغ المعروض، لما كان ذلك وكان لا وجه لما يبديه الطاعنان من وجوب صدور قبول من الموظف في جريمة تتم بعرض الرشوة عليه وعدم قبولها، ولما كان يدخل في أعمال الوظيفة كل عمل يرد عليه تكليف صحيح صادر من الرؤساء وكان الحكم قد دلل تدليلا سائغا على أن عمل الساعي "المبلغ" يقتضي التردد على المكان الذي تحفظ به الملفات للمعاونة في تصفيفها وأنه يقوم بنقل الملفات بناء على طلب موظفي المأمورية وهم من رؤسائه وأنه يكفي في صحة التكليف أن يصدر بأوامر شفوية، لما كان ما تقدم وكان الحكم قد دلل على توافر القصد الجنائي بما مؤداه أن الطاعنين كانا يهدفان بعرض الرشوة إلى "شراء ذمة ذلك المستخدم العمومي وحمله على الإخلال بواجبات الوظيفة"، ولما كان لا يشترط لوقوع جريمة تقوم من جانب الموظف على عدم قبوله الرشوة أن تكون نيته قد انصرفت إلى الإخلال بواجبات وظيفته كما جاء بالطعن فإن ما حدث من تبليغ سابق على الضبط لا يؤثر في قيام الجريمة، هذا ولما كان لا يعيب الحكم ألا يرد على دفاع ظاهر البطلان وكان رده سديدا على ما تناوله من دفاع الطاعنين، ولما كان الدفاع لم يطلب ضم ملف الممول وكان التحدث عن الغرض الذي يهدف إليه الطاعنان لحصولهما على الملف وامتداد أيديهما إلى بعض محتوياته لا يؤثر في سلامة الحكم ولو لم يكن الملف معروضا على المحكمة لأنه حديث يتعلق بالسبب ولا يتوقف عليه الفصل في الدعوى ومن ثم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعا.