أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الأول - السنة 10 - صـ 60

جلسة 20 من يناير سنة 1959

برياسة السيد مصطفى فاضل وكيل المحكمة، وبحضور السادة: مصطفى كامل، وفهيم يسى جندي، وأحمد زكي كامل، ومحمد عطيه إسماعيل المستشارين.

(16)
الطعن رقم 1678 سنة 28 القضائية

(أ) استدلال. تلبس. مظاهر خارجية. انتفاؤها. مثال.
مجرد تلفت راكب قطار يمنة ويسرة وارتباكه لرؤية رجال البوليس الملكي وعدم استقراره على رأي واحد عند سؤاله عن اسمه لا يكفي لخلق حالة تلبس بالجريمة.
(ب) استدلال. قبض. ماهيته.
تحقق القبض باستيقاف المتهم واقتياده على هذا الحال إلى مركز البوليس.
متشردون ومشتبه فيهم. حالة الاشتباة التي يعرفها القانون الجنائي. ماهيتها.
1 - إذا كانت الواقعة التي أوردها الحكم هى "أن رجلي البوليس الملكي شهدا وهما يمران بإحدى عربات القطار المتهم يتلفت يمنة ويسرة وما أن وقع بصره عليهما حتى ازداد ارتباكه ولما نزل المتهم من القطار تقدم المخبران منه وسألاه عن اسمه فلم يثبت على رأي واحد وحاول الهرب" فإن هذه المظاهر - بفرض صحتها - ليست كافية لخلق حالة تلبس بالجريمة التي يجوز لغير رجال الضبطية القضائية من آحاد الناس القبض فيها.
2 - إن ما قارفه المخبران على الصورة التي أوردها الحكم من استيقاف المتهم عقب نزوله من القطار والإمساك به واقتياده على هذا الحال إلى مركز البوليس، عمل ينطوي على تعطيل لحريته الشخصية، فهو القبض بمعناه القانوني والذي لم تجزه المادة "34" من قانون الإجراءات الجنائية إلا لرجال الضبط القضائي وبالشروط المنصوص عليها فيها، وإذ كان رجلا البوليس الملكي اللذان قاما بالقبض على المتهم ليسا من رجال الضبطية القضائية، وكانت القوانين الجنائية لا تعرف الاشتباه لغير ذوي الشبهة والمتشردين ولم يكن المتهم منهم، فما قاله الحكم بأن ما وقع على المتهم ليس قبضا وإنما هو مجرد استيقاف لا يكون صحيحا في القانون ولا يؤدي إلى تبرير القبض على المتهم، ويكون هذا القبض قد وقع باطلا.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: أحرز جواهر مخدرة "حشيشا وأفيونا" في غير الأحوال المصرح بها قانونا. وطلبت من غرفة الاتهام إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمواد 1 و2 و33 و35 من القانون رقم 351 لسنة 1952 والبندين 1 و12 من الجدول المرافق. فقررت بذلك وأمام محكمة جنايات سوهاج دفع الحاضر عن المتهم ببطلان القبض والتفتيش وما ترتب عليهما من إجراءات. والمحكمة المذكورة قضت حضوريا عملا بمواد الاتهام. بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة المؤبدة وبغرامة قدرها ثلاثة آلاف جنيه ومصادرة الجواهر المخدرة المضبوطة. وقد ذكرت في أسباب حكمها أن الدفع في غير محله. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه، أنه بنى على إجراء باطل وأخطأ في تطبيق القانون على الواقعة كما صار إثباتها في الحكم، وفي بيان ذلك يقول الطاعن أنه دفع أمام محكمة الموضوع ببطلان القبض وما تلاه من تفتيش لحصوله من المخبرين محمد أحمد الخولي وأبو المجد محمد حسن، وهما ليسا من رجال الضبط القضائي، في غير حالة التلبس، ولكن الحكم المطعون فيه قضى برفض الدفع على خلاف ما يقضي به القانون، بمقولة أن ما وقع على الطاعن لم يكن قبضا. إنما هو مجرد استيقاف له لاشتباه المخبرين في أمره.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله "أن محمد أحمد الخولي وأبو المجد محمد حسن المخبرين بقوة مباحث المديرية تقدما في الساعة 5 مساء يوم الحادث إلى الملازم أول فرغلي محمود سليم ضابط مباحث بندر سوهاج ومعهما المتهم "الطاعن" وأبلغاه بأنهما كانا عائدين من مأمورية سرية بمركز طهطا بقطار الاكسبريس الذي يصل سوهاج الساعة 4.30 مساء وبعد أن قام القطار من محطة المراغة شهدا وهما يمران بإحدى عربات الدرجة الثالثة المتهم يتلفت يمنة ويسرة وما أن وقع بصره عليهما حتى ازداد ارتباكه فأثارت هذه الأمارات ريبتهما وجلسا في الكرسي الواقع خلف كرسي المتهم، ولما نزل المتهم من القطار ببندر سوهاج تقدم المخبران منه وسألاه عن اسمه وبلده لأنه من الأعراب وكانت مهمتهما البحث عن الفارين من بعض أحكام الجنايات وضبط المتهمين في جنايات ولما حاولا استيضاحه عن اسمه وبلده جرى أمامهما محاولا الفرار فزادت شكوكهما وظنا أنه أحد الهاربين من أحكام أو المتهمين في جنايات فاقتاداه لبندر سوهاج وما أن وقع بصر المتهم على ضابط المباحث حتى زاد ارتباكه وأخذ يهزي بعبارات غير مفهومة مستغفرا ربه مكررا عبارة أنه صاحب أولاد ورب عائلة، ولما سأله الضابط عن سبب ارتباكه هذا وعن اسمه إنهارت أعصابه وأخرج من جيبه كيسا من القماش الأبيض ممزقا من أعلا وظاهرا منه مادة داكنة تفوح منها رائحة الحشيش تبين أنها طربة حشيش زنتها 303 جم وقال إن شخصا لا يعرفه أعطاه الطربة على أن يتسلمها منه بمحطة سوهاج وعلى إثر ذلك قام الضابط بتفتيشه فعثر معه بالجيب الأيمن بجلباب أصفر يرتديه على قطعة كبيرة من مادة ثبت من التحليل أنها حشيش وأن زنتها 62 جم وقد كانت داخل كيس أبيض ممزق في الجزء العلوي منه كما عثر في نفس الجيب على علبة من الصفيح بها أربع قطع من مادة ثبت أنها حشيش.......... وبعد ذلك قدم الملازم أول فرغلي محمود سليم جميع المضبوطات إلى السيد البكباشي أحمد حسن عبد الله مأمور بندر سوهاج وبدوره سأل المتهم في محضر فقال إن جميع المضبوطات كانت معه واستلمها من شخص لا يعرفه بمحطة المراغة على أن يسلمها لذلك المجهول بمحطة سوهاج لقاء خمسين قرشا" واستند الحكم في إدانة الطاعن إلى أقوال المخبرين وضابط المباحث ومأمور بندر سوهاج وتقرير التحليل، ورد الحكم على ما دفع به الطاعن من بطلان القبض وما تلاه من إجراءات في قوله "وحيث إن ما دفع به وكيل المتهم مردود بأن ما أتاه المخبران محمد أحمد الخولي وأبو المجد محمد حسن لا يعتبر قبضا في صحيح القانون وإنما مجرد استيقاف لاستيضاح المتهم عن اسمه وبلده وتحقيق شخصيته فلا غيار على المخبرين إذا رافقا المتهم لمقر البوليس لاتخاذ اللازم قانونا، مع متهم بدت عليه من الأمارات ما استشف منه المخبران أنه فار من جناية خصوصا وأنه لما سئل عن اسمه وبلده لم يثبت على رأي واحد فتارة يزعم أن اسمه عبد الحميد وطورا أنه مصطفى وحاول الهرب - فاستوقفاه وذهبا به إلى مقر البوليس لاتخاذ اللازم قانونا". لما كان ذلك، وكان ما قارفه المخبران على الصورة التي أوردها الحكم المطعون فيه من استيقاف المتهم عقب نزوله من القطار بمحطة سوهاج والامساك به واقتياده على هذا الحال إلى مركز البوليس، عمل ينطوي على تعطيل لحريته الشخصية، فهو القبض بمعناه القانوني والذي لم تجزه المادة (34) من قانون الإجراءات الجنائية إلا لرجال الضبط القضائي وبالشروط المنصوص عليها فيها، وكانت المظاهر التي شاهداها - على فرض صحتها - ليست كافية لخلق حالة تلبس بالجريمة التي يجوز لغير رجال الضبطية القضائية من آحاد الناس القبض فيها وكان رجلا البوليس الملكي اللذان قاما بالقبض على الطاعن ليسا من رجال الضبطية القضائية، وكانت القوانين الجنائية لا تعرف الاشتباه لغير ذوي الشبهة والمتشردين ولم يكن الطاعن منهم، فما قاله الحكم، بأن ما وقع على الطاعن، ليس قبضا وإنما هو مجرد استيقاف، ما قاله الحكم من ذلك لا يكون صحيحا، في القانون ولا يؤدي إلى تبرير القبض على الطاعن، ويكون هذا القبض قد وقع باطلا، ويترتب على هذا البطلان استبعاد الأدلة المستمدة من التفتيش الباطل وعدم الاعتداد بها في الإثبات، أما الأدلة الأخرى التي لا شأن لها بالتفتيش فإن الإثبات على مقتضاها يكون صحيحا لا شائبة فيه، لما كان ذلك، وكانت المحكمة لم تتحدث، عن الاعتراف المنسوب للطاعن والذي عوّل عليه الحكم أيضا فيما عوّل عليه لإدانته، لم تتحدث عنه كدليل قائم بذاته ومنفصلا عن تلك الإجراءات الباطلة ولا هى كشفت عن مدى استقلاله عنها مما يتعين معه نقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى محكمة جنايات سوهاج للفصل فيها مجددا من هيئة أخرى.