أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الأول - السنة 10 - صـ 131

جلسة 3 من فبراير سنة 1959

برياسة السيد حسن داود المستشار, وبحضور السادة: مصطفى كامل, وفهيم يسى جندي, والسيد أحمد عفيفي, ومحمود حلمي خاطر المستشارين.

(30)
الطعن رقم 1013 لسنة 28 القضائية

أمن الدولة. الجرائم الماسة به من الداخل. جريمة المادة 98 أ/ 3 من المرسوم بقانون رقم 117 لسنة 1946, 98 ب من المرسوم بقانون 177 لسنة 1946 ما لا يؤثر في قيامهما.
تغيير شكل الدولة من ملكية إلى جمهورية أو تغيير الدستور لا يلغي هذه الجريمة.
إذا كان الحكم الصادر بإدانة المتهمين بجريمتي الإنضمام إلى منظمة شيوعية ترمي إلى سيطرة طبقة اجتماعية على غيرها من الطبقات كما ترمي إلى القضاء على طبقة اجتماعية ملحوظا في تحقيق هذه الأغراض استعمال القوة والوسائل الأخرى غير المشروعة, وجريمة التحبيذ والترويج لهذه المبادئ - إذ قال ردا على ما يثيره الدفاع في خصوص زوال المملكة المصرية والدستور المصري اللذين كانا موجودين وقت الحادث "إن تغيير شكل الدولة من ملكية إلى جمهورية أو تغيير الدستور لا يلغي الجريمة التي لا زالت في نظر المشرع معاقبا عليها من وقت حصوله حتى الآن", فإن ما قاله الحكم من ذلك صحيح في القانون, ويكفي الاستناد إليه في رفض ما يثيره الدفاع في هذا الخصوص.


الوقائع

اتهمت النيابة العام الطاعنين المذكورين وآخرين بأنهم: أولا - انضموا إلى منظمة شيوعية تدعى "الحركة الديمقراطية للتحرير الوطني" (حدتو) ترمي إلى سيطرة طبقة اجتماعية هى طبقة العمال على غيرها من الطبقات وتوليتها شئون الحكم, كما ترمي إلى القضاء على طبقة الملاك والرأسماليين وكان استعمال القوة والوسائل الغير المشروعة هو وسيلتها في ذلك. ثانيا - حبذوا وروجوا لمبادئ هذه الجمعية عن طريق المحاضرات وتوزيع النشرات التي تتضمن هذه المبادئ على جمهور الكادحين. وطلبت إحالتهم على محكمة جنايات المنصورة - طبقا للقانون رقم 271 لسنة 1956 - لمحاكمتهم بالمواد 98/ أ و98/ ب, هـ من قانون العقوبات. والمحكمة المشار إليها بعد أن سمعت الدعوى قضت حضوريا عملا بالمواد 98/ أ - 3ب, هـ مع تطبيق المادة 32 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من المتهمين وهم عارف قنديل وحسين أحمد الحسيني وجورج فريد جرجس بالحبس مع الشغل لمدة سنة وبغرامة قدرها خمسون جنيها مصريا وأمرت بمصادرة الأوراق والنشرات التي استعملت في ارتكاب الجريمة.
فطعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... "التقرير المقدم من الطاعن الأول ماهر عارف قنديل".
وحيث إن مبنى وجهي الطعن, هو خطأ الحكم في تطبيق القانون وتأويله, وقصور أسبابه وإخلاله بحق الدفاع والفساد في الاستدلال, ذلك أن الطاعن دفع أمام محكمة الجنايات بأن الأفعال التي نسبت إليه ووصفتها النيابة العامة في سنة 1949 بأنها تكون جريمة شيوعية, قد سقط عنها هذا الوصف وقت محاكمته عنها, إذ المنشورات والمضبوطات التي نسبت إليه والآراء التي اتهم بالترويج لها كانت تدعو إلى القضاء على استبداد الملك وإلى تحديد الملكية واستخص حقوق العمال وإنصاف الطبقة الكادحة ومحاربة أعوان الاستعمار. وإذا كانت سلطات العهد الملكي قد جرت في الماضب على محاربة هذه الدعوة وإتهامها بالباطل بأنها دعوة شيوعية فليس من السائغ أن يظل هذا الفهم قائما في الوقت الحاضر الذي يقوم فيه نظام الحكم في مصر بعد ثورة 23 يوليه سنة 1952 على تحقيق هذه المعاني بالذات، ولئن صح أن بعض عبارات المضبوطات سالفة الذكر قد جاوز المعاني المتقدمة, فقد كان يتعين على الحكم المطعون فيه أن يتولى استعراض هذه العبارات وتحديد ما يعتبر منها منطويا على المذهب الشيوعي, وأن يبين أي تلك المستندات تصح نسبتها إلى الطاعن ومساءلته عنها, كذلك كان يتعين على الحكم أن يناقش ما أثاره الدفاع من أن اتهام الطاعن بمناهضة أسس ومبادئ الدستور الملكي والنظام الملكي لم يعد مقبولا بعد أن قوضت الملكية وعفت آثارها ونودى بالجمهورية واتخذ لها دستور آخر غير دستور العهد الملكي وصف رسميا بأنه دستور اشتراكي تعاوني، غير أن الحكم المطعون فيه تخفف من هذا الفساد كله واكتفى بإيراد عبارات مرسلة ترددت فيها ألفاظ الشيوعية من غير بيان كنهها والمراد منها, وخلت أسبابه من هذا التحديد والضبط الذي يجب أن تتميز به الأحكام عامة والجنائية منها بنوع خاص في مقام حصر التهمة والعقاب عليها, هذا إلى أن الطاعن المذكور أنكر ما افترى به عليه سعد زغلول المصيلحي واتهمه بالتلفيق والاصطناع مستدلا على ذلك بما ثبت من أن محضر الجلسة الذي ذكر هذا الشاهد أن الطاعن حرره ليس بخط يده, ولكن الحكم رغم ذلك التفت عن هذا الدفاع ولم يعرض له ولا لما قدمه الطاعن من بينات براءته برد واف يفيد أن المحكمة أحاطت بالدعوى وأنها أنزلت حكمها عليها بعد أن استظهرت سائر ظروفها.
"التقرير المقدم من الطاعن الثاني حسن أحمد الحسيني"
مبنى الطعن هو بمعنى ما ورد بالتقرير المقدم من الطاعن الأول ماهر عارف قنديل ويضيف إليه الطاعن الثاني قوله إنه وإن صح إن بعض العبارات الواردة بالمنشورات, والمطبوعات والأوراق المضبوطة قد جاوز المعاني المشروعة فإنه لم يكن مقصودا منها الدعوة إلى تحقيق النظم الاشتراكية التي تهدف الشيوعية إلى تحقيقها على وجه التحديد, وإنما جاءت العبارة مختلطة بغيرها من العبارات التي لا تحمل سوى المعاني المشروعة, فهى لا تعدو أن تكون تزيدا في التعبير من فرط حماسة القائمين على تلك المنظمة المقول بصدور تلك المطبوعات منها, وما تسمت به هذه المنظمة من أنها (الحركة الديمقراطية للتحرير الوطني) إنما يحدد في الواقع مراميها وأهدافها التي تعمل على تحقيقها وهى الديمقراطية والتحرر الوطني على وجه التحديد وليست من الشيوعية في شئ, هذا إلى قصور الحكم من ناحيتين, الأولى أن الطاعن الثاني أنكر التهمتين المسندتين إليه وأنكر مفتريات الشاهدين سعد زغلول المصيلحي وعبد السلام عطوان, وكلاهما من صنائع البوليس السياسي ومأجوريه ولا يوثق بشهادتهما للأسباب العديدة التي ساقها الطاعن المذكور أمام المحكمة, أما أقوال المتهم الأول (محمد رزق سرور) فإنه فضلا عن أنه عدل عنها في تحقيق النيابة وفي جلسة المحاكمة, فقد أوضح الطاعن الثاني أن المتهم المذكور كان حاضرا جلسة التحقيق وقت إدلاء الشاهد الأول سعد زغلول بمفترياته فالتقط منه بعض هذه المفتريات وأدلى بها ضمن إعترافاته ضد الطاعن الثاني, ثم صرح فيما بعد حين عدل عنها بأنه أكره على ذكرها, فالظروف التي أحاطت بتلك الأقوال تفقد الثقة فيها وتدعو إلى عدم التعويل عليها أسوة بشهادة الشاهدين المذكورين, وأوضح هذا الطاعن كذلك أن المنشورات التي وجدت لديه هى بقية من نشرات كان قد عثر عليها بالقطار منذ عام سابق وضبط بعضها معه وأجرت النيابة العامة تحقيقا بشأنها في محضر آخر فلا علاقة لها بالدعوى الحالية ولا يصح أن تكون دليلا على صحة التهمة, ولكن الحكم المطعون فيه سكت عن الرد على هذا الدفاع ولم يعرض لوجوه التجريح التي ساقها الطاعن الثاني لشهود الإثبات جميعا, وإنما اكتفى بإيراد عبارات عامة لا تكفي لتفنيد الدفاع, وكذلك لم تعن المحكمة بضم التحقيق الذي سبق أن أجرى مع الطاعن المذكور في شأن تلك المنشورات تمحيصا لدفاعه الذي أبداه, والناحية الثانية من ناحيتي قصور الحكم هى أن محامي الطاعن أحال في دفاعه أمام المحكمة على ما أثاره المتهم الخامس (وهو الطاعن الأول) في دفاعه من إنكار أن القوة أو الوسائل غير المشروعة كانت ملحوظة في الوصول إلى الإصلاح الذي كان ينشده المتهمون, أو إلى تحقيق الأغراض التي تهدف إليها المنظمة التي نسب إليهم الإنضمام إليها, وأبان الدفاع أن هذا الإنكار مستفاد من الأوراق والمنشورات المضبوطة, ومستفاد من صميم المذهب الماركسي اللينيني سواء باعتباره مذهبا فلسفيا أو باعتباره منهجا يهتدي به الشيوعيون من أجل تحقيق الثورة الاشتراكية, ولم تشر تلك الأوراق والمنشورات صراحة ولا ضمنا إلى أن القوة أو العنف أو الوسائل غير المشروعة هى مما يتوسل به كاتبوها لتحقيق أهدافهم, ولا تعدو الوسائل التي أشارت إليها تلك الكتابات أن تكون بيانا لأساليب تنظيم الحركة العمالية وطريقة قيادتها في كفاحها من أجل تحقيق الأغراض التي تعمل المنظمة على تحقيقها, وتوضيحا لما يراه الحزب الشيوعي المصري من أن واجب هذا التنظيم يقع على عاتقه دون غيره من الأحزاب في مرحلته الحالية وقتذاك وأن هذا التنظيم يجب أن يقوم على وحدة أيديولوجية - فكرية - ووحدة إرادة, وأنه وإن كانت بعض هذه الكتابات قد تضمن عبارات الكفاح المسلح, إلا أن هذه العبارات لم ترسل مرتبطة بالكفاح من أجل الأهداف التي تعمل المنظمة على تحقيقها, وإنما جاءت مرتبطة بما كانت تدعو إليه من كفاح ضد الاستعمار وطرد جنود الاحتلال من قاعدة قناة السويس, وهو الكفاح المسلح الذي شنته البلاد شعبا وحكومة فيما بعد سنة 1951 ضد الاحتلال البريطاني, وشتان بين الدعوتين, كذلك إن كانت بعض تلك الكتابات قد تضمن أن المنظمة تستهدى في نشاطها ووسائلها من أجل تحقيق أهدافها بالنظرية الماركسية اللينينية, فإن دعوة هذه النظرية غير ملحوظ فيها - في صميمها وجوهرها - استعمال القوة والعنف أو الوسائل غير المشروعة بصفة مطلقة, ولا يقدح في هذه الحقيقة أن بعض الأحزاب الشيوعية قد استولت على السلطة وحققت ثورتها الاشتراكية بالوسائل العنيفة وبقوة السلاح في بعض البلدان كما حدث في الاتحاد السوفيتي سنة 1917 لأن هذه الثورة الأخيرة فريدة في نوعها من حيث الواقع السياسي في تلك البلاد ومن حيث المرحلة التاريخية الذاتية التي يمر بها هذا البلد وقتذاك, وظروف المجتمع الرأسمالي العالمي في ذلك الحين, فكل هذه الاعتبارات الخاصة أملت على القائمين بالأمر أن يحققوا الثورة بطريق العنف والسلاح وليس أدل على ذلك مما كتبه أصحاب هذا المذهب في مؤلفاتهم ومن الأبحاث العلمية التي وضعها قادته السياسيون, هذا والأصل التشريعي للمواد التي طلبت النيابة تطبيقها على المتهمين يرجع إلى الوقت الذي وضع فيه دستور سنة 1923 الملغي, وأضيف هذا الأصل إلى قانون العقوبات بناء على اقتراح لجنة مراجعة الدستور التي كان يرأسها بريطانيون, وقد طرأ على هذا الأصل عدة تعديلات حتى انتهى به الأمر في سنة 1946 إلى النصوص المتقدمة وكان القصد من وضع هذا التشريع كما جاء بالمذكرة التفسيرية هو مكافحة الدعاية الشيوعية التي كانت تعادي الاستعمار والتي كانت ترى حتى ذلك الوقت أن تحقيق الثورة الاشتراكية لا يتأتي إلا عن طريق العنف والقوة المسلحة نظرا للظروف التاريخية التي كانت سائدة على النطاق العالمي وفي المجال الداخلي في البلاد الرأسمالية في تلك الحقبة من الزمان أما وقد تغيرت الظروف الدولية وتطورت النظرة الماركسية اللينينية للثورة الاشتراكية على ضوء هذه التغيرات العالمية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية, وتغيرت كذلك الظروف الداخلية في بلادنا وأعلنت الجمهورية الديمقراطية الاشتراكية التعاونية, فإنه يصبح من المتعين قانونا عند معالجة تطبيق تلك المواد على المتهمين بحث ما إذا كان ما يزال لها في الظروف العمالية الداخلية الجديدة نفس مدلولها السابق أم أنه قد زال عنها هذا المدلول القديم. أثار الدفاع ذلك كله ولكن المحكمة أعفت نفسها من عناء البحث فيه فلم تستعرض المنشورات والمطبوعات محل المؤاخذة, ولا استخلصت العبارات والأفعال التي اعتبرتها دالة بذاتها على المذهب الشيوعي, ولا أحاطت بمفهوم هذا المذهب ودلالته بالنسبة للمواد المطلوب تطبيقها في شتى مراحل تطوره حتى وقت المحاكمة, فجاء حكمها مخلا بمقومات التسبيب الصحيح والاستدلال القانوني السليم إخلالا مبطلا له موجبا لنقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما مؤداه "إنه كان في مدينة القاهرة في سنة 1948 جمعية ثورية تسمى (الجمعية الديمقراطية للتحرير الوطني وملخص إسمها حدتو) كان من أهم أغراضها تهيئة جيش من الكادحين وهم العمال وصغار الملاك للقيام بثورة مسلحة للإطاحة بالنظام الرأسمالي وتولية العمال الحكم, وكانت الوسيلة إلى تحقيق ذلك بث روح الفتنة بين أفراد الطبقة العاملة عن طريق المحاضرات والنشرات التي يتولاها أفراد هذه الجماعة وإقناع الطبقة الكادحة بأن كل ما ينعم به الرأسماليون هو من ثمار جهود العامل البائس الفقير الذي يعيش من فتات مجهوده, مع أن الواجب أن يقتسم مع صاحب العمل ثمار مجهوده وأن ينعم بما ينعم به من الخيرات ومسرات الحياة لا أن يشقى بعمله ليسعد به غيره, وأنه لا يمكن للعامل أن يصل إلى تحقيق هذا الغرض إلا إذا قضى على صاحب العمل الرأسمالي وتولى شئون الحكم مكانه، ولما كان ذلك لا يمكن تحقيقه بسرعة بالنظم الديمقراطية, فقد كان هدف هذه الجمعية بعد أن تطمئن إلى تجنيد عدد وافر من أفراد الشعب الذين يقتنعون بمبادئها وإلى أن هذا العدد أصبح كافيا للقيام بثورة مسلحة لقلب نظام الحكم الرأسمالي أن توعز لأفرادها في الوقت الذي تراه مناسبا للقيام بهذه الثورة, وقد امتد نشاط هذه الجمعية خارج مدينة القاهرة, وكان من ضمن رسلها في مديريتي الدقهلية والشرقية المتهمون الثلاثة الأول... الذين كان من مهمتهم الإشراف على نشر مبادئ الجمعية في هاتين المديريتين وتوزيع نشراتها على من يستجيب لأفكارهم, وقد استجاب لأغراض هذه الجمعية وانضم إليها وروج لمبادئها كل من المتهمين ماهر عارف قنديل (الطاعن الأول) وحسن أحمد الحسيني (الطاعن الثاني) وجورج فريد جرجس (الطاعن الثالث) ومحمد عبد الحفيظ الذين عملوا من جانبهم على بث دعاية هذه الجمعية وتوزيع نشراتها على بعض المتهمين في الدعوى ممن سيجئ ذكرهم تفصيلا فيما بعد دون أن يتمكنوا من ضمهم إلى أفراد هذه الجمعية, وقد رغب المتهم ماهر قنديل في ضم زميله في الدراسة وصديقه سعد زغلول المصيلحي الموظف الكتابي بمديرية الدقهلية إلى جمعية حدتو, ولما تكشف ذلك لسعد بادر إلى إخبار رؤسائه المشرفين على الأمن في الإقليم والذين شعروا بوجود نشاط شيوعي بدائرة مديرية الدقهلية, يدفعه إلى ذلك إما عامل التقرب لرؤسائه ليحظى بترقية وهو موظف صغير, أو ليحصل على مكافأة مالية كانت تقدمها الدولة بسخاء في ذلك العهد لمن يكشف عن النشاط الشيوعي الذي كان يقضن مضاجع أولى الأمر وقتئذ, وقد عهد السيد مدير الدقهلية إلى السيد محمد عبد الباري رئيس القسم المخصوص بالمديرية بتتبع نشاط سعد المصيلحي في مراقبة الخلايا الشيوعية بدائرة المديرية وتسهيل مأموريته, حتى إذا ما توافرت الأدلة قبل أفراد هذه الخلايا يبادر إلى القبض عليهم, وقد اتفق البكباشي محمد عبد الباري مع سعد زغلول المصيلحي على أن يخبره بكل ما يحصل عليه من المعلومات عن نشاط الشيوعيين ويقدم له الأدلة المادية والمنشورات والكتب التي يحصل عليها منهم, وكان سعد زغلول يوهم أفراد الجمعية بأية انضم إليهم واقتنع بمبادئهم دون أن يشعرهم بأنه يرقب أعمالهم, وكان يدون نشاطهم من حين لآخر في مذكرات عنده قدم ملخصها في ملف الدعوى, وقد بلغ من نشاطه وثقتهم فيه أن جعلوا منه رئيسا لإحدى الخلايا, بل وعهدوا إليه الاحتفاظ بمكتبة الجمعية في المديرية, ثم طلبوا منه تجنيد بعض العمال والطلبة وضمهم إلى جمعيتهم, فاتصل بدوره بالبكباشي محمد عبد الباري فقدم له الطالب عبد السلام عبد العال عطوان بمدرسة الزراعة المتوسطة بالمنصورة, كما قدم له ثلاثة من عمال أتوبيس الشرقية وكان يعرف أنهم أعضاء من جمعية الإخوان المسلمين المنحلة المعروفين بكراهتهم للشيوعيين وهم حسن محمد القرنفلي وحسن أحمد شعبان ومحمود الويشي, وقد تظاهر هؤلاء الأربعة المرشدون بالانضمام لجمعية حدتو والاقتناع بمبادئها, وكانوا يدفعون الاشتراكات التي يطلبها منهم زعماء الجماعة ويرقبون حركاتهم في الوقت نفسه وفي مقدمتهم المتهمون الثاني والثالث والخامس (الطاعن الأول) والسادس (الطاعن الثاني) والسابع (الطاعن الثالث) وينبئون البكباشي محمد عهد الباري بما يجد لديهم من المعلومات...... وحاول المتهم حسن الحسيني ضم إبراهيم إبراهيم الصيرفي إلى جمعيته وزوده ببعض كتبها ومنشوراتها ولكنه لم يستجب إليه واستمع إلى محاضرات أعضاء الجمعية كل من...... وبعد مراقبة استمرت نحو عام من ابريل سنة 1948 حتى ابريل سنة 1949 بدا للمشرفين على الأمن في مديرية الدقهلية وضع حد للنشاط الشيوعي فيها وضبط أفراد هذه الجمعية, وكان المتهم الأول محمد رزق قد اتفق مع المرشد سعد المصيلحي على عقد إجتماع شيوعي في منزل ماهر قنديل بمدينة المنصورة يوم 29 ابريل سنة 1949 يحضره حسن الحسيني وجورج فريد, فاتخذت الإدارة العدة لضبط أفراد هذا الاجتماع واستأذنت النيابة في تفتيش منزل ماهر قنديل إثر انعقاد الجماعة, وحضر المتهم محمد رزق سرور من محل عمله بالزقازيق إلى مدينة المنصورة في الوقت المحدد للاجتماع, وقابله سعد زغلول في محطة المنصورة ورافقه إلى مكان الاجتماع الذي حضره ماهر قنديل وحسن الحسيني وتخلف عنه جورج فريد, وانتقلت النيابة لتفتيش منزل ماهر قنديل فوجدته به مع المتهمين محمد رزق سرور وحسن أحمد الحسيني ومعهم المرشد سعد المصيلحي وعثرت في غرفة اجتماعهم على كتب ونشرات شيوعية, ستوضح فيما بعد, وعلى ورقة خطت باليد هى ملخص محضر الاجتماع السابق......" ثم أورد الحكم على ثبوت هذه الواقعة على الطاعنين أدلة مستمدة من اعتراف المتهم الأول محمد رزق سرور والمتهم الثالث عشر سعد محمد عبد الحفيظ في تحقيق النيابة ومن شهادة كل من سعد زغلول المصيلحي في التحقيقات الابتدائية وفي جلسة المحاكمة والبكباشي محمد عبد الباري رئيس القسم المخصوص بمديرية الدقهلية وحسن القرنفلي وحسن أحمد شعبان ومحمود الويشي في التحقيقات وأمام المحكمة وعبد السلام عطوان في التحقيق الابتدائي وبما تضمنته الكتب والنشرات والأوراق الخطية المضبوطة, وهى أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى النتيجة التي رتبها الحكم عليها, ثم استطرد الحكم إلى الحديث بإسهاب عن نتيجة إطلاع المحكمة على الكتب والنشرات والأوراق المضبوطة وقال إنها تتضمن الدعوة إلى إثارة طبقة العمال وتحريضهم على القضاء على النظام الرأسمالي وإنشاء نظام شيوعي من أغراضه تحطيم النظام الاجتماعي القائم وتسويد طبقة العمال والفلاحين على طبقة الملاك وذلك عن طريق استعمال القوة والإرهاب والوسائل غير المشروعة كما تتضمن مشروع الخطة السياسية للتكتل الثوري في حدتو وحض أفراد هذه الجمعية على الالتصاق الوثيق بالجماهير في إضراباتهم واعتصاماتهم ومظاهراتهم وتغذية أفكارهم بالمبادئ الشيوعية الهدامة لترويجها بين الكادحين تحقيقا لأغراض تلك الجمعية الثورية, ولما كانت واقعة الدعوى على الوجه الذي استظهره الحكم وأقام الأدلة على صحته, تتكون بها العناصر القانونية لجريمة الانضمام إلى منظمة شيوعية ترمي إلى سيطرة طبقة اجتماعية هى طبقة العمال على غيرها من الطبقات وتوليتها شئون الحكم, كما ترمي إلى القضاء على طبقة الملاك والرأسماليين, ملحوظا في تحقيق هذه الأغراض استعمال القوة والوسائل الأخرى غير المشروعة وجريمة التحبيذ والترويج لهذه المبادئ وهما الجريمتان اللتان دين الطاعنون بهما تطبيقا للمادة 98 فقرة أ/ 3 وفقرة ب وفقرة هـ من قانون العقوبات, وكانت الأوراق والمطبوعات التي ضبطت في حيازة الطاعنين تحوي عبارات تدل دلالة جلية واضحة على أن وسائل استعمال القوة والإرهاب كانت ملحوظة في تحقيق تلك الأغراض, ولما كان الحكم المطعون فيه قد عرض لما يثيره الطاعنان الأول والثاني فيما تقدم ورد عليه بقوله "إن الدفاع عن الطاعن الأول أوضح أن المملكة المصرية التي كانت قائمة وقت الحادث قد زالت وأن المبادئ التي كان يدافع عنها موكله قد حققها له رجال العهد الحاضر, وأنكر الدفاع أن القوة أو الوسائل غير المشروعة كانت وسيلة الوصول إلى الإصلاح الذي ينشده المتهمون في الدعوى الحالية, وهذا الدفاع في جملته وتفصيله غير ناف لصحة التهمة, فقد اطمأنت المحكمة إلى صحة شهادة شهود الإثبات على الوجه الموضح آنفا... أما ركن استعمال القوة والوسائل غير المشروعة فقد سبق أن أوضحت المحكمة توافره من الأدلة السابق سردها, وقول الدفاع بأن المملكة المصرية والدستور المصري اللذين كانا موجودين وقت الحادث قد زالا, فلا يغير شيئا من قيام الجريمة ووجوب المحاكمة عنها, إذ أن قانون العقوبات الحالي لا يزال يعاقب بمقتضى المادة 98 منه على الجريمة المسندة للمتهمين وتغيير شكل الدولة من ملكية إلى جمهورية أو تغيير الدستور, لا يلغي هذه الجريمة التي لا زالت في نظر المشرع معاقبا عليها من وقت حصولها حتى الآن". ولما كان ما قاله الحكم من ذلك صحيحا في القانون, ويكفي الاستناد إليه في رفض ما يثيره الدفاع في هذا الخصوص, كما رد الحكم على دفاع الطاعن الثاني حسن أحمد الحسيني المشار إليه بتقرير أسباب طعنه بقوله إنه "أنكر التهمة ولم يفند أدلة الثبوت المقدمة ضده وادعى أن النشرات الشيوعية التي ضبطت عنده هى بقايا نشرات كان قد عثر عليها بالقطار منذ عام سابق وضبط بعضها معه, وهو دفاع غير مقبول, إذ لا يجوز في العقل أن يضبط المتهم بنشرات شيوعية ويستبقى بعضها, وترى المحكمة أن هذا الدفاع غير ناف لصحة التهمة". وهو رد سائغ سليم يكفي لتفنيد هذا الدفاع, ولما كان يبين من الحكم المطعون فيه أن المحكمة لم تعتد بالمحضر الذي يشير إليه الطاعن الأول في أسباب الطعن, ولم تجعل له أي اعتبار في ثبوت التهمة عليه, فلا وجه لما يثيره في شأن هذا المحضر - لما كان كل ذلك, وكان لمحكمة الموضوع في سبيل تكوين عقيدتها أن تأخذ بأقوال شهود الإثبات متى اطمأنت إليها وصدقتها, وأن تعول على اعتراف متهم على متهم آخر ولو عدل عن هذا الاعتراف بعد ذلك, إذ العبرة بما تقتنع المحكمة به ويقع في يقينها أنه الصحيح, فإن ما يثيره الطاعنان الأول والثاني فيما تقدم لا يكون له أساس.
"التقرير المقدم من الطاعن الثالث جورج فريد جرجس"
وحيث إن مبنى الوجه الأول في هذا التقرير يطابق ما ورد بالوجه الأول من التقرير المقدم من الطاعن الثاني حسين أحمد الحسيني, وهو مردود بما سبق إيراده فيما تقدم, فإنه يتعين رفض هذا الوجه.
وحيث إن مبنى الوجه الثاني هو بمعنى ما جاء بالوجه الثاني من التقرير المذكور, يضاف إليه أن الطاعن الثالث أنكر أمام محكمة الجنايات التهمتين المسندتين إليه اللتين بنيتا على مفتريات الشاهد سعد زغلول المصيلحي وثلاثة شهود آخرين من صنائع البوليس السياسي جاءت أقوالهم متضاربة ومتناقضة, سيما في وصف شخص الطاعن المذكور مما يجعل شهادتهم غير جديرة بالثقة والاعتبار, كذلك بين الطاعن المذكور بالجلسة أن تفتيش مسكنه في بورسعيد وفي المنصورة وتفتيش مكتبه بمقر عمله لم يسفر عن وجود أوراق أو مكاتيب أو منشورات لها صلة بالاتهام الموجه إليه وهذه النتيجة فضلا عن أنها تنفي التهمة عنه فإنها تهدم أقوال شهود الإثبات المتقدم ذكرهم وتفقدها كل قيمة في الإثبات.
وحيث إنه على فرض وجود تناقض أو تخالف في أقوال الشهود, فإن ذلك لا يعيب الحكم ما دام قد استخلص الحقيقة من أقوالهم استخلاصا سليما لا تناقض فيه, ولما كان عدم العثور على أوراق أو منشورات متعلقة بالجريمة في مسكن الطاعن أو في مكتبه لا ينفي قيامه بارتكابها أو الإشتراك فيها متى كانت المحكمة قد أثبتت إدانته بها بأدلة سائغة مؤدية إلى هذه النتيجة فإن ما يثيره الطاعن المذكور في طعنه لا يكون في حقيقته إلا جدلا واردا على موضوع الدعوى وأدلة الإثبات فيها مما تستقل به محكمة الموضوع ولا شأن لمحكمة النقض به. وحيث أنه لما تقدم يكون طعن الطاعنين على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.