أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الأول - السنة 10 - صـ 143

جلسة 3 من فبراير سنة 1959

برياسة السيد محمود إبراهيم إسماعيل المستشار, وبحضور السادة: محمود محمد مجاهد, وفهيم يسى جندي, وأحمد زكي كامل, ومحمد عطيه اسماعيل المستشارين.

(31)
الطعن رقم 1028 سنة 28 القضائية

(أ) تزوير. التزوير المادي. طرقه. حذف بيان من المحرر واصطناع سند. اشتباه التزوير بجريمة خيانة ائتمان الامضاء المسلمة على بياض.
تحديد موضوع الورقة بوضع كلمة إنذار في صدرها ينفي فكرة ائتمان المجني عليه للمتهم. إزالة هذا البيان ممن عهد إليه بالامضاء وملئ البياض بسند مديونية يوفر جريمة التزوير بطريقتي حذف بيان من المحرر واصطناع سند دين.
(ب, جـ, د) خيانة ائتمان الامضاء المسلمة على بياض. المادة 340/ 1 ع. المصدر التاريخي لهذا النص. المقابلة بينه وبين النصوص المجزمة لتزوير المحررات. علة إفراد هذه الجريمة بنص خاص في التشريع الفرنسي. انتفاء هذه العلة في التشريع المصري.
(هـ, و) خيانة ائتمان الإمضاء. إثبات الجريمة. التفرقة بين التسليم وحقيقة الإتفاق الصحيح.
تسليم الورقة الممضاة على بياض واقعة مادية. حقيقة الاتفاق - إن كان صحيحا - هى التي يجوز أن تخضع لقواعد الإثبات المدنية على خلاف المكتوب زورا فهو عمل محرم إثباته بجميع الطرق وإلا كان الأمر متروكا لمشيئة مرتكب التزوير.
إثبات. قيود مبدأ إقناعية الدليل. الأدلة في المسائل غير الجنائية. المادة 225 أ. ج. مجال العمل بها.
تقيد المحكمة الجنائية بقواعد القانون المدني عندما تكون الواقعة المدنية عنصرا من عناصر الجريمة.
1 - إذا كانت الواقعة الثابتة بالحكم هى أن المجني عليه سلم المتهم أوراقا من تذاكره الطبية تحوي بأعلاها كلمة "إنذار" وترك الفراغ بينها وبين توقيعه بأسفلها على بياض ليملأه المتهم بإنذار يوجهه إلى بعض مستأجري أرضه وأن المتهم أزال الجزء العلوي لإحدى هذه الأوراق بما فيه كلمة إنذار ثم ملأ البياض بسند مديونية حوله إلى شقيقته, فإن ما أثبته الحكم وانتهى إليه من اعتبار ما وقع من الطاعن يكون جريمتي تزوير في محرر عرفي واستعماله مع العلم بتزويره تكييف صحيح لما وقع منه, ذلك بأن إزالة البيان الذي كان مكتوبا بصدر الورقة للدلالة على حقيقة الاتفاق هو تغيير للحقيقة بالحذف, وقد صاحب هذا الحذف إنشاء السند المزور الذي كتب فوق الإمضاء, فأصبح الفعلان تزويرا اجتمع فيه طريقتان من طرق التزوير المادي إحداهما حذف بيان من المحرر وثانيتهما اصطناع سند الدين, هذا فضلا عن أن المجني عليه بوضعه كلمة إنذار في صدر الورقة قد حدد موضوعها على نحو ما الأمر الذي يتعذر معه القول بوجود فكرة ائتمان المجني عليه للمتهم.
2 - إن النص على جريمة خيانة ائتمان الإمضاء المسلمة على بياض الوارد في الفقرة الأولى من المادة 340 من قانون العقوبات مقتبس من قانون العقوبات الفرنسي في المادة 407 منه, ولما كان التزوير في المحررات عندهم معاقب عليه - باعتباره جناية - بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة فقد رأى الشارع في خصوص جريمة التزوير التي تقع ممن عهد إليه بالورقة الممضاة على بياض أن يهبط بها درجة في تدريج الجرائم وأن يهون عقوبتها فاعتبرها جنحة وعاقب عليها بعقوبة الحبس والغرامة المقررتين لجريمة النصب المنصوص عليها في المادة 405 من قانون العقوبات الفرنسي وذلك لعلة لاحظها هو أن صاحب التوقيع مفرط في حق نفسه بإلقائه زمام أمره في يد من لا يصلح لحمل الأمانة.
3 - إن خروج الشارع الفرنسي عن تقرير عقوبة التزوير المشددة لجريمة خيانة ائتمان الإمضاء ليس من شأنه أن يقطع النسبة بين التزوير وبين إنشاء محرر كاذب فوق الإمضاء أو تغيير شئ من البيانات المتفق عليها, ففعلة الأمين عندئذ هى تزوير في أصله ومبناه وما استغلال الإمضاء في اصطناع محرر أو تغييره سوى التزوير بعينه.
4 - [(1)] إن العلة التي قدرها الشارع الفرنسي لاستثناء الصورة الواردة بالمادة 407 عقوبات فرنسي من أحكام التزوير منتفية بالنسبة لأحكام قانون العقوبات المصري التي تفرق بين التزوير في محرر رسمي وهو جناية وبين التزوير في محرر عرفي وهو جنحة, ولذلك رد الشارع المصري في الفقرة الأخيرة من المادة 340 والشارع الفرنسي في المادة 407 الفعل إلى كيفه الصحيح فنصت المادتان المذكورتان على أن الفعل يكون تزويرا إذا وقع من غير الأمين, وهذه العلة المتقدمة لو تنبه لها الشارع المصري لما كان في حاجة إلى إضافة نص الفقرة الأولى من المادة 340 إلى قانون العقوبات اجتزاء بكفاية تطبيق الأحكام التي نص عليها في باب التزوير.
5 - إن تسليم الورقة الممضاة على بياض هو واقعة مادية لا تقتضي من صاحب الإمضاء إلا إعطاء إمضائه المكتوب على تلك الورقة إلى شخص يختازه, وهذه الواقعة المادية منقطعة الصلة بالاتفاق الصحيح المعقود بين المسلم وأمينه على ما يكتب فيما بعد في تلك الورقة بحيث ينصرف إليه الإمضاء, وهذا الاتفاق هو الذي يجوز أن يخضع لقواعد الإثبات المدنية كشفا عن حقيقته, أما ما يكتب زورا فوق الإمضاء فهو عمل محرم يسأل مرتكبه جنائيا متى ثبت للمحكمة أنه قارفه.
6 - لا تتقيد المحكمة وهى تفصل في الدعوى الجنائية بقواعد الإثبات المقررة في القانون المدني إلا إذا كان قضاؤها في الدعوى يتوقف على وجوب الفصل في مسألة مدنية هى عنصر من عناصر الجريمة المطروحة للفصل فيها, فإذا كانت المحكمة ليست في مقام إثبات اتفاق مدني بين المتهم وصاحب الإمضاء وإنما هى تواجه واقعة مادية هى مجرد تسليم الورقة واتصال المتهم بها عن طريق تغيير الحقيقة فيها افتئاتا على ما اجتمع اتفاقهما عليه, فلا يقبل من المتهم أن يطالب صاحب الإمضاء بأن يثبت بالكتابة ما يخالف ما دونه هو زورا قولا منه بأن السند المدعي بتزويره تزيد قيمته على عشرة جنيهات, فمثل هذا الطلب وما يتصل به من دفاع لا يكون مقبولا إذ لازمه أن يترك الأمر في الإثبات لمشيئة مرتكب التزوير وهو لا يقصد إلا نفي التهمة عن نفسه الأمر الممتنع قانونا لما فيه من خروج بقواعد الإثبات عن وضعها.


الوقائع

إتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: أولا - ارتكب تزويرا في محرر عرفي هو سند منسوب صحة صدوره إلى الدكتور مصطفى أبو علم بأن انتزع الجزء العلوي من تذكرة طبية موقع عليها من المجني عليه والثابت بها (إنذار) لمستأجر واستبدلها بسند إذني لصالحه بمبلغ 700 جنيه. وثانيا - استعمل هذا السند المزور سالف الذكر بأن قدمه في الدعوى رقم 4538 سنة 1953 مدني كلي مصر مع علمه بتزويره. وطلبت عقابه بالمادة 215 من قانون العقوبات مع توقيع أقصى العقوبة. وادعى الدكتور مصطفى أبو علم بحق مدني قبل المتهم بقرش صاغ واحد تعويضا مؤقتا. وأمام محكمة جنح الدرب الأحمر الجزئية دفع الحاضر مع المتهم بعدم جواز الإثبات بالبينة وقرائن الأحوال, وبعد أن سمعت المحكمة المذكورة الدعوى قضت حضوريا بقبول الدفع وعدم جواز الاثبات بالبينة وقرائن الأحوال وبراءة المتهم مما نسب إليه ورفض الدعوى المدنية وألزمت المدعي بالحق المدني بالمصاريف المدنية وخمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة. فاستأنفت النيابة هذا الحكم. ومحكمة مصر الابتدائية بهيئة استئنافية بعد أن نظرت هذا الاستئناف قضت حضوريا بقبول الاستئناف شكلا وفي الموضوع وباجماع الآراء بإلغاء الحكم المستأنف وحبس المتهم ثلاثة شهور مع الشغل عن المتهمين وذلك عملا بالمادتين 211 و215 من قانون العقوبات. فطعن الوكيل عن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن مبنى الوجه الأول من الطعن هو أن الحكم المطعون فيه أخطأ تطبيق القانون على وجهه الصحيح إذ اعتبر الواقعة المسندة للطاعن تزويرا في محرر عرفي منطبقا على المادة 215 من قانون العقوبات مع أن التكييف القانوني الصحيح للواقعة كما أوردها الحكم يقتضي اعتبارها جريمة خيانة أمانة في ورقة ممضاة على بياض وهى الجريمة المنصوص عليها في المادة 340 من قانون العقوبات ويقول الطاعن أنه لما كان الادعاء بتسليم الورقة الممضاة على بياض يتضمن إدعاء بوكالة أو وديعة فإنه يتعين لمساءلته جنائيا طبقا لهذه المادة الأخيرة أن تثبت في حقه أولا واقعة الائتمان بالدليل المعتبر قانونا بمعنى أن يكون الإثبات بالكتابة إذا كانت قيمة الاتفاق الثابت بالورقة موضوع المحاكمة تتجاوز نصاب الإثبات بالبينة كما هو الحال في واقعة هذه الدعوى.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى في قوله "إن السيدة دولت محمود سليمان حصلت على أمر بالزام الدكتور مصطفى أبو علم (المدعي بالحق المدني) بأداء مبلغ 700 جنيه إعتماده على سند إذني مؤرخ 15/ 7/ 1953 موقع عليه منه ويتضمن مديونيته إلى شقيقها (سليمان محمود هدايت) "الطاعن" والذي حوله لها في 25/ 4/ 1953 وقد عارض الدكتور مصطفى أبو علم في هذا بتقرير مؤرخ 3/ 1/ 1954 واختصم المحيل (الطاعن) وبنى معارضته على أن السند مزور عليه وركن في إثبات التزوير إلى شواهده, ومبناها أن المتهم وهو وكيل أعماله عرض عليه أن يرسل إنذارات لمستأجري أرضه الزراعية الكائنة بناحية أبو حماد ولما كان الوقت مساء وبعيادة الدكتور وفي حضور السيد عبد المجيد عيسى فقد اكتفى الدكتور بالتوقيع على ستة وعشرين روشتة بعد أن كتب في أعلى كل منها كلمة "إنذار" وترك الفراغ بينها وبني توقيعه على بياض ليملأه المتهم بإنذار يوجهه إلى ستة وعشرين من مزارعي الدكتور, ولما علم هذا الأخير من المتهم بعد ذلك أن الأمر يستلزم إرسال إنذارات على يد محضر طالبه بالتذاكر الطبية سالفة الذكر فعرض عليه المتهم في حضور عيد جمعه وابراهيم سلامه بقايا أوراق ممزقة اعتقد الدكتور أنها تمثل حقيقة تلك الأوراق التي كان قد وقع عليها من قبل ثم جد ما حدا الدكتور إلى عزل المتهم من وكالة عنه في أعماله الأمر الذي أعقبه توجيه إنذار للدكتور من السيدة دولت تطالبه بسداد 70 جنيها قيمة السند المحول إليها من شقيقها المتهم فرد عليها الدكتور بتاريخ 23/ 9/ 1953 بإنذار أنكر فيه مديونيته وقد علل الدكتور ظهور هذا السند بأنه أحد التذاكر الطبية التي وقع عليها بعد أن حرر بأعلاها كلمة، "إنذار", ثم عرض الحكم بعد ذلك لما يثيره الطاعن بشأن التكييف القانوني للواقعة المسندة إليه بقوله "من حيث إن النيابة نسبت للمتهم تزوير الايصال سالف البيان واستعماله مع علمه بتزويره وادعى الدكتور أبو علم مدنيا قبله بقرش واحد على سبيل التعويض المؤقت وذهب الدفاع عن المتهم أمام محكمة أول درجة إلى أن الواقعة ليست تزويرا وإنما هى ائتمان على ورقة ممضاة على بياض وأن ذلك يقتضي إثبات تسليم الورقة بالكتابة إذا كانت قيمة الاتفاق الثابت بها يتجاوز نصاب الإثبات بالبينة والقرائن إذ أن هذه هى قاعدة خيانة الأمانة لأن الادعاء بتسليم الورقة الممضاة على بياض يتضمن حتما إدعاء وكالة أو وديعة... وبذلك تمسك المتهم بعدم جواز الإثبات بالبينة والقرائن لأن على القاضي لكي يحكم بأن ورقة مزورة نتيجة خيانة أمانة الامضاء المسلمة على بياض أن يستظهر أولا وبالدليل القانوني المعتبر خيانة الأمانة أي تسليم الورقة... وأنه لما كانت الواقعة التي يصورها الدكتور أبو علم ترتكز على أنه سلم المتهم أوراقا من تذاكره الطبية تحوي بأعلاها كلمة "إنذار" وبأسفلها توقيعه وأن المتهم قد أزال الجزء العلوي من هذه الورقة بما فيه كلمة إنذار ثم ملأ البياض بسند المديونية وهذه الوقائع تشتمل على جريمة التزوير ذلك أنها تشتمل على تغيير للحقيقة بطريق التزوير المادي وهو حذف وإزالة جزء من السند يحوي كلمة متصلة بالتوقيع ومقيدة لما يحرر بينهما في البياض الذي ترك باتفاق الطرفين وبذلك يحدث التزوير بطريقة تغيير المحرر بالعبث به بما يؤدي إلى إنشاء سند لا حقيقة له بإتلاف جزء من الورقة بقصد استعمالها مع تغيير وجه الاستعمال", ثم أورد الحكم بعد ذلك الأدلة على ثبوت جريمتي التزوير والاستعمال في الطاعن وهى تتمثل فيما شهد به شهود الإثبات وفي اقرار الطاعن بأن السند محل الطعن محرر على تذكرة طبية خاصة بالطبيب المجني عليه الذي اكتفى على حد قول الطاعن - بتوقيعها على بياض ثم طلب إليه تحرير صلب السند فحرره الطاعن بخط يده, وهو قول غير مستساغ ولا يتفق مع توقيع المدين بالقلم الحبر وكتابة الطاعن صلب السند بالقلم "الكوبيا" ولو صح السند لحرره المدين بخطه ولحدد فيه ميعاد السداد ولم يطلق المطالبة بقيمته من أي قيد زمني خاصة وأن مبلغ الدين كبير, ولحرص الطاعن من جانبه على أن تظل الورقة التي حرر عليها سند المديونية حاملة البيانات المطبوعة الخاصة بالطبيب المجني عليه لتبعث الثقة في مظهر السند ولكنه أي "الطاعن" اقتطع هذا الجزء من الورقة الذي كان يحمل أيضا كلمة "إنذار" التي كتبها المجني عليه في أعلا التذكرة حتى يتيسر له ملء الفراغ الذي فوق الامضاء بعبارة المديونية ثم حول السند بعد عشرة أيام من تحريره لشقيقته دون أن يخطر المدين بذلك رغم الصلة التي كانت قائمة بينهما في ذلك الحين, هذا فضلا عما ثبت للمحكمة من مديونية الطاعن للمجني عليه في تاريخ السند بمبلغ معادل لقيمته, ثم انتهى الحكم إلى إدانة الطاعن بجريمتي التزوير واستعمال الورقة المزورة مع العلم بتزويرها. ولما كان هذا الذي أثبته الحكم وانتهى إليه هو التكييف الصحيح لما وقع من الطاعن ذلك بأن إزالة البيان الذي كان مكتوبا بصدر الورقة للدلالة على حقيقة الاتفاق هو تغيير للحقيقة بالحذف, وقد صاحب هذا الحذف إنشاء السند المزور الذي كتب فوق الإمضاء, فأصبح الفعلان تزويرا اجتمع فيه طريقتان من طرق التزوير المادي إحداهما حذف بيان من المحرر وثانيتهما اصطناع سند الدين, كما أثبت الحكم جريمة استعمال المحرر المزور في حق الطاعن بما تتوافر به العناصر القانونية لهذه الجريمة, هذا فضلا عن أن المجني عليه بوضعه كلمة "إنذار" في صدر الورقة قد حدد موضوعها على نحو ما الأمر الذي يتعذر معه القول بوجود فكرة ائتمان المجني عليه للطاعن, أما ما يثيره الطاعن في أسباب طعنه بشأن تكييف الجريمة وانطباقها على الفقرة الأولى من المادة 340 من قانون العقوبات وما استطرد إليه من القول بضرورة اتباع قواعد الإثبات المدنية للتدليل على حقيقة الاتفاق الذي تم بين الطرفين فإن المحكمة وقد انتهت من بيان وجه الرأي السليم من ناحية تطبيق القانون على واقعة الدعوى ترى ألا مندوحة من أن تعرض لهذا الذي يثيره الطاعن ويقوله وترد عليه بأن طرق الإثبات التي رسمها القانون إنما شرعت لاستقرار الحقوق وتحصيل مصالح الأفراد التي يحميها القانون فيما يجري بينهم من المعاملات والاتفاقات, ولما كان تسليم الورقة الممضاة على بياض هو واقعة مادية لا تقتضي من صاحب الإمضاء إلا إعطاء إمضائه المكتوب على تلك الورقة إلى شخص يختاره, وهذه الواقعة المادية منقطعة الصلة بالاتفاق الصحيح المعقود بين المسلم وأمينه على ما يكتب فيما بعد بتلك الورقة بحيث ينصرف إليه الإمضاء, وهذا الاتفاق هو الذي يجوز أن يخضع لقواعد الإثبات المدنية كشفا عن حقيقته, أما ما يكتب زورا فوق الإمضاء فهو عمل محرم يسأل مرتكبه جنائيا متى ثبت للمحكمة أنه قارفه, وكانت المحكمة وهى تفصل في الدعوى الجنائية غير مقيدة بقواعد الإثبات المقررة في القانون المدني إلا إذا كان قضاؤها في الدعوى يتوقف على وجوب الفصل في مسألة مدنية هى عنصر من عناصر الجريمة المطروحة للفصل فيها, فإذا كانت المحكمة ليست في مقام إثبات إتفاق مدني بين المتهم وصاحب الإمضاء وإنما هى تواجه واقعة مادية هى مجرد تسليم الورقة واتصال المتهم بها عن طريق تغيير الحقيقة فيها افتئاتا على ما اجتمع اتفاقهما عليه فلا يقبل منه أن يطالب صاحب الإمضاء بأن يثبت ما يخالف ما دونه هو زورا قولا منه بأن السند المدعي بتزويره تزيد قيمته على عشرة جنيهات, فمثل هذا الطلب وما يتصل به من دفاع لا يكون مقبولا إذا لازمه أن يترك الأمر في الإثبات لمشيئة مرتكب التزوير وهو لا يقصد إلا نفي التهمة عن نفسه, وهو ما يمتنع قانونا لما فيه من خروج بقواعد الإثبات عن وضعها, وحرى بالذكر أن النص على جريمة خيانة الإمضاء المسلمة على بياض الوارد في الفقرة الأولى من المادة 340 من قانون العقوبات مقتبس من قانون العقوبات الفرنسي في المادة 407 منه, ولما كان التزوير في المحررات عندهم معاقب عليه باعتباره جناية بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة فقد رأى الشارع في خصوص جريمة التزوير التي تقع ممن عهد إليه بالورقة الممضاة على بياض أن يهبط بها درجة في تدريج الجرائم وأن يهوّن عقوبتها فاعتبرها جنحة وعاقب عليها بعقوبة الحبس والغرامة المقررتين لجريمة النصب المنصوص عليها في المادة 405 من قانون العقوبات الفرنسي, وقد كان خروج الشارع الفرنسي عن تقرير عقوبة التزوير المشددة لجريمة خيانة ائتمان الإمضاء لعلة لاحظها هو أن صاحب التوقيع مفرط في حق نفسه بإلقائه زمام أمره في يد من لا يصلح لحمل الأمانة, على أن خطة الشارع الفرنسي ليس من شأنها أن تقطع النسبة بين التزوير وبين إنشاء محرر كاذب فوق الإمضاء أو تغيير شئ من البيانات المتفق عليها ففعلة الأمين عندئذ هى تزوير في أصله ومبناه وما استغلال الإمضاء في اصطناع محرر أو تغييره سوى التزوير بعينه, على أن العلة التي قدرها الشارع الفرنسي منتفية بالنسبة لأحكام قانون العقوبات المصري التي تفرق بين التزوير في محرر رسمي وهو جناية وبين التزوير في محرر عرفي وهو جنحة, ولذلك رد الشارع المصري في الفقرة الأخيرة من المادة 340 والشارع الفرنسي في المادة 407 الفعل إلى كيفه الصحيح فنصت المادتان المذكورتان على أن الفعل يكون تزويرا إذا وقع من غير الأمين, وهذه العلة المتقدمة لو تنبه لها الشارع المصري لما كان في حاجة إلى إضافة نص الفقرة الأولى من المادة 340 إلى قانون العقوبات اجتزاء بكفاية تطبيق الأحكام التي نص عليها في باب التزوير. لما كان ذلك فإن ما يثيره الطاعن في الوجه الأول من طعنه يكون على غير أساس.
وحيث إن مبنى الوجه الثاني من الطعن هو قصور الحكم في الرد على دفاع جوهري للطاعن ذلك أنه أبدى على سبيل الاحتياط دفاعا في موضوع التهمة المسندة إليه بأن قدم للمحكمة الاستئنافية "بلوك نوت" محرر على صفحاته أصول وصور الإنذارات التي كان مزمعا إرسالها بطريق البريد إلى المستأجرين وموقعا عليها من المجني عليه وذلك ليدلل على أن ما ذهب إليه المجني عليه وشاهده من أن الطاعن أخذ توقيع المجني عليه على التذاكر الطبية على بياض لملئها بإنذارات للمستأجرين غير صحيح, ولكن الحكم لم يفطن لهذا الدفاع ورد عليه ردا قاصرا.
وحيث إن الحكم المطعون فيه رد على ما يثيره الطاعن في هذا الوجه بقوله "إن ما ذكره المتهم عن البلوك نوت وتوقيع الدكتور مصطفى أبو علم على صفحات منها لاستعمالها في إنذار المزارعين لا ينفي قيام التوقيع على الروشتات, بل إن المحكمة ترى إنه كان الأولى بالدكتور أبو علم إذا كان يستعمل البلوك نوت أن يحرر سند المديونية عليه لا على تذكرة طبية". وهو رد سائغ يكفي لتفنيد دفاع الطاعن فضلا عما أورده الحكم من الأدلة والاعتبارات التي أستدل بها - مطمئنا إليها - على صحة حصول الواقعة على الصورة التي انتهى إليها, لما كان ذلك فإن ما جاء بهذا الوجه لا يكون سديدا.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن بوجهيه على غير أساس ويتعين رفضه موضوعا.


[(1)] أيد هذا الاتجاه القانوني مشروع قانون العقوبات الموحد في المادة 405 منه.