أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الثانى - السنة 12 - صـ 570

جلسة 16 من مايو سنة 1961

برياسة السيد مصطفى كامل المستشار، وبحضور السادة: محمد عطية اسماعيل، وعادل يونس، وعبد الحسيب عدى، وحسن خالد المستشارين.

(109)
الطعن رقم 219 لسنة 31 القضائية

(أ) تفتيش.
صدور إذنى تفتيش متلاحقين. الإذن الجديد لا يفسخ القديم إلا عند تضاربهما. الإلغاء الضمنى. ماهيته.
(ب) رشوة. صفة الموظف العمومى.
ندب موظف عمومى نائبا للحارس فى شركة موضوعة تحت الحراسة الإدارية. بعد تكليفا بخدمة عامة، ويعتبر كالموظفين فى حكم الرشوة. المادة 111/ 5 من قانون العقوبات المعدلة بالمرسوم بقانون رقم 69 لسنة 1953.
1 - ما يثيره الطاعن من سقوط إذن التفتيش الأول ونسخه بالإذن اللاحق عليه، مردود بأنه لا يجادل فى طعنه فى أن الإذن الثانى لا يختلف عن الإذن الأول إلا من حيث امتداد نطاقه إلى آخرين غيره فلا يعد ناسخا للإذن السابق - ذلك بأن الإلغاء الضمنى لا يكون إلا عند تعارض حكمين متلاحقين فيعتبر الأمر الجديد ناسخا للقديم لاستحالة إعمال كلا الأمرين المتضاربين فى وقت واحد وهو ما لا يتوافر فى خصوص الدعوى المطروحة.
2 - تنصيب الطاعن - وهو موظف فى وزارة الصناعة - نائبا للحارس على الشركة (الموضوعة تحت الحراسة الإدارية) بتكليف ممن يملكه للسهر على نشاط الشركة وإخضاعها لرقابة الدولة المباشرة يعد تكليفا بخدمة عامة ويعتبر كالموظفين فى حكم الرشوة عملا بالفقرة الخامسة من المادة 111 من قانون العقوبات المعدلة بالمرسوم بقانون رقم 69 لسنة 1953.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخر بأنهم فى الجناية رقم 1914 سنة 1957 الدرب الأحمر. متهمون بأنهم فى المدة ما بين 16 فبراير سنة 1957 و 18 مارس سنة 1957 بدائرة قسم الدرب الأحمر محافظة القاهرة - المتهم الأول - بوصفه موظفا عموميا (كاتبا بنيابة جنوب القاهرة) ارتكب تزويرا فى محرر رسمى هو محضر تحقيق النيابة رقم 879 سنة 1957 قصر النيل المتهم فيها... (المتهم الثانى فى هذه القضية) وذلك بتغيير المحرر وزيادة كلمات فيه بأن محا بمحلول كيماوى فى السطر التاسع عشر بالصحيفة الثالثة والخمسين من المحضر المذكور كلمة (الجيب) واستبدل بها كلمة (الورثة) بقصد تغيير مفهوم العبارة التى تضمنت تلك الكلمة كما حشر بالسطر العشرين من الصحيفة الرابعة والخمسين من المحضر المذكور كلمتى "وبها" ليستقيم المعنى المستفاد من هذا الوضع بعد التزوير مع معنى العبارة الأولى المزورة. والمتهمان الثانى والثالث اشتركا مع المتهم الأول بطريقى التحريض والاتفاق فى ارتكاب الجريمة سالفة الذكر بأن حرضاه على ارتكابها واتفقا معه على التغيير والإضافة المشار إليها فى التهمة الأولى فوقعت الجريمة بناء على هذا التحريض وذلك الاتفاق. وطلبت من غرفة الإتهام إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم بالمواد 212 للأول و 40/ 1 - 2 و 41/ 1 - 2 من قانون العقوبات للثانى والثالث، فقررت ذلك. وفى الجناية رقم 879 سنة 1957 قصر النيل اتهمت النيابة العامة المتهم الثانى بأنه فى الفترة من يوم أول نوفمبر سنة 1956 إلى 12 فبراير سنة 1957 - بدائرة قسم قصر النيل محافظة القاهرة بصفته موظفا عموميا "كبير محاسبى مصلحة الوقود التابعة لوزارة الصناعة ومنتدبا بلجنة الاستيلاء الخاصة بالحراسة على شركة الغاز المصرية (سب) طلب لنفسه وقبل عطية لأداء أعمال وظيفته بأن طلب المبالغ الآتية الذكر فى أربع دفعات متكررة من السيد يوسف نسيم مدير شركة سترا للنقل والتجارة على سبيل الرشوة ليسهل له عملية إجراءات صرف الشيكات المستحقة للشركة لدى شركة سب وقبل منه خمسين جنيها ثم مائة وخمسين جنيها ثم مائتى جنيه وأخيرا الخمسين جنيها التى ضبطت معه. وطلبت من غرفة الإتهام إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقا للمواد 103 و 110 عقوبات المعدل بالقانون رقم 69 سنة 1953، فقررت بذلك. وفى الجناية رقم 1 سنة 1957 قصر النيل اتهمت النيابة العامة المتهم الثانى أيضا بأنه فى يوم 13/ 2/ 1957 بدائرة قسم قصر النيل محافظة القاهرة. أحرز جواهر مخدرة (حشيشا وأفيونا) فى غير الأحوال المرخص بها قانونا. وطلبت من غرفة الإتهام إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمواد 1 و 2 و 33جـ و 35 من المرسوم بقانون 351 لسنة 1952 والجدول الملحق به. فقررت بذلك. وقررت المحكمة ضم الجنايتين رقمى 879 سنة 1957 قصر النيل و 1 سنة 1957 قصر النيل للجناية رقم 1914 سنة 1957 الدرب الأحمر ليصدر فيها حكم واحد. وفى أثناء نظر الدعوى أمام محكمة الجنايات دفع الحاضر عن المتهم الثانى ببطلان الإذن بالتفتيش وما تلاه من إجراءات. والمحكمة المذكورة بعد أن أتمت سماع الدعوى قضت فيها حضوريا عملا بالمادة 211 من قانون العقوبات بالنسبة للمتهم الأول والمواد 103 و 110 من القانون المذكور بالنسبة للمتهم الثانى عن جريمة الرشوة وبالمواد 40 و 41 و 211 عقوبات بالنسبة له أيضا عن جريمة التزوير مع تطبيق المادة 32 عقوبات بالنسبة لهاتين العقوبتين وبالمواد 1 و 2 و 37 و 42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 والبندين 1 و 12 من الجدول المرافق بالنسبة له أيضا عن جريمة إحراز المخدرات وبالمادتين 304/ 1 و 381/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية بالنسبة للثالث - أولا - بمعاقبة المتهم الأول بالسجن لمدة خمس سنوات. ثانيا - بمعاقبة المتهم الثانى بالسجن لمدة عشر سنوات وبتغريمه ألف جنيه وذلك عن تهمتى الرشوة والاشتراك فى التزوير وبمعاقبته عن إحراز الجواهر المخدرة بالسجن لمدة ثلاث سنوات وبغرامة قدرها 500 جنيه وبمصادرة الجواهر المخدرة المضبوطة - وثالثا - ببراءة المتهم الثالث مما أسند إليه. فطعن المحكوم عليهما فى هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

أولا - تقرير الأسباب المقدم من الطاعن الأول... ... ... ... ... ...
من حيث إن مبنى الوجه الأول من الطعن هو أن الحكم المطعون فيه شابه البطلان لخلوه من بيان جوهرى بإغفاله إسم وكيل النيابة ممثل الإتهام فى الدعوى.
وحيث إنه يبين من الإطلاع على الأوراق أن الحكم المطعون فيه قد خلت ديباجته من بيان إسم وكيل النيابة الذى حضر الجلسة التى صدر فيها الحكم إلا أن محضر تلك الجلسة قد تضمن إسم وكيل النيابة المذكور، ولما كان محضر الجلسة يكمل الحكم فى إثبات ما يتم أمام المحكمة من إجراءات وقد تضمن أسماء هيئة المحكمة بما فى ذلك إسم عضو النيابة، وكان الطاعن لا يدعى عدم حضور العضو المذكور، فإن هذا الوجه يكون غير سديد.
وحيث إن مبنى الوجه الثانى هو أن الحكم المطعون فيه مشوب بالقصور فى التسبيب والفساد فى التدليل، ذلك بأنه التفت عن الرد على وجوه الدفاع التى أثارها المدافع عن الطاعن والتى تنفى عنه ارتكاب التزوير الذى دين به، فضلا عن أن ما استدل به الحكم من بقاء ملف التحقيق لدى الطاعن بعد نظر المعارضة فى أمر حبس الطاعن الثانى وثبوت وجود التغيير فى المحضر فى ذلك الوقت واتخاذ ذلك سندا لإدانة الطاعن لا يصلح لما رتبه الحكم عليه، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى وأورد على ثبوتها فى حق الطاعن أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها وتتوافر بها كافة العناصر القانونية لجريمة التزوير فى محرر رسمى التى دين الطاعن بها، عرض إلى دفاع الطاعن وإنكاره ما أسند إليه ففنده بما يصلح ردا عليه واطرح التقرير الاستشارى المقدم منه وأخذ بتقرير قسم بحوث التزييف والتزوير. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن محكمة الموضوع لا تلتزم بتتبع المتهم فى مناحى دفاعه الموضوعى المختلفة وأن ترد عليه فى كل جزئية يثيرها إذ الرد عليه يستفاد دلالة من أدلة الثبوت التى اطمأن إليها الحكم فى تكوين عقيدته بإدانته، ولا يضير الحكم أن يضيف إلى ما ساقه من الأدلة السائغة التى أوردها القرينة المستمدة من احتفاظ الطاعن بملف الدعوى لديه بعد صدور الأمر بإحالتها إلى غرفة الإتهام وإبقائها لديه أكثر من أسبوعين، ذلك بأنه لا يلزم أن يكون الدليل الذى يعتمد عليه الحكم فى استنباط معتقده بالإدانة مباشرا بل يصح أن يكون ذلك مستخلصا بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية مادام ذلك سليما متفقا مع حكم العقل والمنطق - كما هو واقع الحال فى الدعوى المطروحة. لما كان ما تقدم، فإن ما ينعاه الطاعن لا يعدو الجدل فى موضوع الدعوى وسلطة محكمة الموضوع فى وزن أدلتها مما لا معقب عليها فى تقديرها.
وحيث إنه لما تقدم يكون هذا الطعن لا محل له ويتعين رفضه موضوعا.
.
ثانيا - تقرير الأسباب الأول المقدم عن الطاعن الثانى من الأستاذ محمد عزمى المحامى بتاريخ 1/ 1/ 1961.
من حيث إن مبنى أوجه الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجرائم الرشوة والاشتراك فى التزوير الرسمى وإحراز المخدر قد أخطأ فى تطبيق القانون وانطوى على بطلان فى الإجراءات أثر فيه، كما شابه قصور فى التسبيب وفساد فى الاستدلال، ذلك بأن النيابة العامة أصدرت بتاريخ 11 من فبراير سنة 1957 إذنا بضبط الطاعن بمنزل المبلغ عن الرشوة وتفتيشه وتفتيش مسكنه ومن يتواجدون به وقت تنفيذ الإذن وذلك فى أثناء حصوله على الورقة المالية موضوع الرشوة، ثم أصدر وكيل النيابة نفسه فى اليوم التالى إذنا آخر بضبط الطاعن وآخرين بمنزل المبلغ المذكور وتفتيشهم ومساكنهم ومن يتواجدون بها وقت تنفيذ الإذن لضبط الجريمة سالفة البيان. وتمسك المدافع عن الطاعن بسقوط إذن التفتيش الأول ونسخه بإحلال الإذن الثانى محله مستندا فى ذلك إلى ما جرى به الشق الأخير من المادة الثانية من القانون المدنى فى صدر حالة الإلغاء الضمنى للتشريع السابق بصدور تشريع لا حق ينظم من جديد أحكام التشريع القديم، ولكن الحكم لم يرد على هذا الدفاع الجوهرى معتبرا الإذن الأول هو القائم دون سواه، وهو فى هذا أخطأ وترتب على هذا الخطأ عدم أخذه بما دفع به الطاعن من بطلان إذن التفتيش الثانى لقيامه على إجراء غير مشروع هو استراق رجال الشرطة السمع على أحاديث الطاعن التليفونية مع المبلغ بغير إذن من القاضى الجزئى المختص طبقا للمادتين 95 و 206 من قانون الإجراءات الجنائية وما يترتب على ذلك من بطلان إجراءات الضبط والتفتيش وجميع التحقيقات التى بنيت عليها - كما أن الحكم حين تصدى إلى هذا الشق من الدفع عمد أولا إلى الحد من نطاقه وعده مقصورا على إذن التفتيش الثانى على رغم شموله جميع إجراءات التحقيق ثم تخلص من الرد عليه قولا منه بعدم اعتماد المحكمة على التسمع بدعوى أنه غير واضح وضوحا تطمئن إليه مع أن الثابت من الأوراق أن التسمع كان جوهر إجراءات الضبط وقوامها. كما تمسك الطاعن ببطلان التفتيش الذى أسفر عن ضبط الجواهر المخدرة معه تأسيسا على أن إذن التفتيش كان مقصورا على ضبط الورقة المالية موضوع جريمة الرشوة وإذ استنفد غرضة بعثور الضابط على الورقة المالية المذكورة فى الجيب الصغير الأمامى "لبنطلون" الطاعن فلم يعد هناك محل لإعادة البحث فى هذا الجيب عن شئ آخر فإذا أدخل الضابط يده فيه مرة أخرى فيكون العثور على المخدر قد وقع باطلا، وقد التفت الحكم عن الرد على هذا الدفع واعتمد فى الوقت نفسه على هذا الدليل الباطل. كما تمسك الطاعن فى دفاعه باستحالة اشتراكه فى ارتكاب التزوير فى محضر تحقيق النيابة عن طريق اتفاقه مع كاتب النيابة (الطاعن الأول) فى الوقت الذى كان الطاعن فيه محبوسا احتياطيا وأغفل الحكم الرد على هذا الدفاع وأسس إدانته بهذه التهمة على ما لا يؤدى عقلا إلى هذه النتيجة. هذا إلى أنه من بين ما اعتمد عليه الحكم من أدلة الإدانة التقرير المقدم من أحد مفتشى المباحث الجنائية إلى مديرها المتضمن نتيجة تحرياته عن الطاعن منذ كان يعمل بدائرة مدينة السويس وذلك دون سماع محرر هذا التقرير سواء بمعرفة النيابة العامة أو أمام المحكمة فضلا عن جهالة مقدره وعدم ثبوت ما تضمنه بطرق التحقيق القانونية مما لا يجوز معه الاستدلال به، مما يعيب الحكم ويوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن حصل واقعة الدعوى وأدلتها عرض إلى دفاع الطاعن الموضوعى وما دفع به المدافع عنه من بطلان إذ التفتيش وما تلاه من إجراءات لعدم جدية التحريات التى بنى عليها والاستعانة فى تلك التحريات بمحادثات تليفونية لم يستأذن بشأنها القاضى الجزئى ورد عليه فى قوله "وحيث إن إنكار المتهم عبد النظير عبد الجواد محمد (الطاعن) لا يجديه فتيلا ولا يقوم فى أوجه أدلة الإثبات السالف إيرادها والقاطعة فى إدانته على ما سلف بيانه، وما دفع به من بطلان الإذن بالتفتيش مردود بشطريه لأن الإذن صدر بعد تحريات جدية حيث أكد يوسف نسيم وهو مدير شركة أنه سبق أن دفع رشاوى للمتهم عبد النظير وأنه فى سبيل تقديم دفعة جديدة تتلوها دفع تستمر ما استمرت شركته تعمل فى نقل بترول شركة سب الموضوعة تحت الحراسة - والتسمع لم يكن سابقا على الإذن بل لاحقا له ولم تعتمد عليه المحكمة فى شئ لأنه غير واضح وضوحا تطمئن إليه المحكمة". وما أورده الحكم من ذلك واضح الدلالة على أن المحكمة قد أقرت النيابة العامة على ما ارتأته مسوغا لإصدار إذن التفتيش الأول المؤرخ 11 من فبراير سنة 1957 وهو الإذن الذى أشار الحكم إليه وحده وهو فى معرض تحصيله لواقعة الدعوى دون إشارة إلى الإذن اللاحق عليه - والحكم فى هذا لم يخطئ إذ أن يبين من مدوناته ومن الاطلاع على المفردات التى أمرت المحكمة بضمها تحقيقا لوجه الطعن أن سلطة التحقيق قد اتصلت بالواقعة الجنائية المراد تحقيقها اتصالا صحيحا عن طريق البلاغ المقدم من المبلغ يوسف نسيم ومحضرى جمع الاستدلالات المؤرخين 7 و 10 من فبراير سنة 1957 وأجرت تحقيقا بسؤال مفتش مباحث جنوب القاهرة وركنت إلى جدية البلاغ واطمئنان مفتش المباحث إلى جديته وهو ما يخول السلطة المذكورة اتخاذ كافة الإجراءات التى تقتضيها مصلحة التحقيق ويرخص القانون فى اتخاذها ومنها تفتيش مسكن المتهم دون توقف على اتخاذ إجراء شكلى كان أو غير شكلى إذ الأمر فى ذلك يتوقف على طبيعة الجريمة وطريقة مقارفتها ومتى أقرت محكمة الموضوع سلطة التحقيق على مسوغات الإذن بالتفتيش وجريانها طبقا للقانون فلا تقبل المجادلة فيما انتهت إليه المحكمة من ذلك - وما يثيره الطاعن من سقوط إذن التفتيش الأول ونسخه بالإذن اللاحق عليه مردود بأن الطاعن لا يجادل فى طعنه فى أن الإذن الثانى لا يختلف عن الإذن الأول إلا من حيث امتداد نطاقه إلى آخرين غيره فلا يعد ناسخا للإذن السابق، ذلك بأن الإلغاء الضمنى لا يكون إلا عند تعارض حكمين متلاحقين فيعتبر الأمر الجديد ناسخا للقديم لاستحالة إعمال كلا الأمرين المتضاربين فى وقت واحد، وهو ما لا يتوافر فى خصوص الدعوى المطروحة. ولا يضير الحكم إغفاله الرد على ما دفع به الطاعن فى هذا الشأن إذ الرد عليه مستفاد دلالة من إقراره النيابة العامة على إذنها الأول وهو ما يتفق وصحيح القانون. ولما كان الحكم لم يبن قضاءه على الدليل المستمد من استراق السمع فلا جدوى مما يثيره الطاعن فى هذا الخصوص لخروج الأمر عن نطاق الأدلة التى اعتمدت عليها المحكمة فى تكوين عقيدتها بالإدانة. لم كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن فى شأن قصور الحكم عن الرد عما دفع به من بطلان التفتيش والضبط بالنسبة إلى المخدر المضبوط لاستنفاد الغرض من إذن التفتيش بمجرد ضبط مبلغ الرشوة، مردودا بأنه وإن كان يبين من محاضر جلسات المحاكمة أن المدافع عن الطاعن أثار هذا الدفع إلا أنه لا يضير الحكم أن يلتفت عن الرد عليه مادام ظاهر الفساد، ذلك أن ضبط المخدر إنما تم فى وقت واحد مع ضبط مبلغ الرشوة وقد تم تنفيذا للغرض من التفتيش لضبط ما عساه يريد جريمة الرشوة وهو ما أفصح عنه صراحة الضابط الذى أجرى التفتيش حين سؤاله بالجلسة مما لا يستأهل ردا لسلامة الإجراء المذكور. وكان لا جدوى للطاعن مما يثيره من قصور الحكم فى التدليل على اشتراكه فى جريمة التزوير وفى الرد على دفاعه فى شأنها طالما أن الحكم قد دانه بجريمتى الاشتراك فى التزوير وارتكاب الرشوة وطبق عليه المادة 32 من قانون العقوبات وأوقع عليه عقوبة داخلة فى حدود العقوبة المقررة للجريمة الأخيرة. ولما كان ما ينعاه الطاعن على الحكم من اعتماده على تقرير المباحث مردودا بأنه من المقرر أن لمحكمة الموضوع فى سبيل تكوين عقيدتها أن تعول على تحريات الشرطة باعتبارها معززة للأدلة الأخرى طالما أنها كانت مطروحة على بساط البحث. وكان يبين من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن المدافع عن الطاعن إذ تناول محضر التحريات المذكور فى مرافعته فإنه لم يطلب إلى المحكمة سماع محرره فلا يقبل منه أن ينعى على المحكمة التفاتها عن إجابة طلب لم يتقدم به إليها. لما كان ما تقدم، فإن ما يثيره الطاعن فى طعنه لا يكون له محل.
ثالثا - تقرير الأسباب الثانى المقدم عن الطاعن الثانى من الأستاذ حسين أبوزيد المحامى بتاريخ 2/ 1/ 1961.
من حيث إن الطاعن قد أثار فى الأوجه الثانى والسادس والسابع من هذا التقرير الأسباب ذاتها التى تناولها فى الأوجه الأول والثالث والرابع من التقرير السابق فى خصوص النعى على الحكم قصوره فى الرد على الدفع ببطلان إن التفتيش الثانى لابتنائه على تسمع غير مشروع، وبطلان ضبط المخدر لاستنفاد الغرض من التفتيش بضبط مبلغ الرشوة، وقصور الحكم فى الرد على دفاعه فى شأن استحالة اشتراكه فى جريمة التزوير، وأضاف الطاعن إلى ذلك ما أثاره من بطلان إذن التفتيش لعدم جدية التحريات التى بنى عليها، وقصور الحكم فى الرد على هذا الدفع. وقد سبق الرد على ما جاء بهذه الأوجه فيما تقدم من أسباب هذا الحكم.
وحيث إن مبنى سائر أوجه الطعن هو أن الحكم المطعون فيه انطوى على بطلان فى الإجراءات أثر فيه وأخطأ فى تطبيق القانون وتأويله كما شابه قصور فى التسبيب، ذلك بأنه استند أساسا إلى شهادة شاهد الإثبات الأول السيد / نسيم يوسف فى إدانة الطاعن بجريمتى الرشوة وإحراز المخدر مع أن الشاهد المذكور لم يسمع قولا من المحكمة بعدم الاستدلال عليه وهو ما سلم به الدفاع اعتمادا على ما سجلته المحكمة فى هذا الشأن، إلا أنه تبين بعد الحكم فى الدعوى أن إعلان هذا الشاهد لم يرد به أنه لم يستدل عليه بل إن كل ما ورد به أنه نقل من العنوان الذى وجه إليه الإعلان فيه من مدة ثلاث سنوات تقريبا وهو ما لا يفيد تعذر الاستدلال عليه، فضلا عن أن مساهم فى شركة ولابد أن عنوانه لا يغيب عن الجهات الرسمية، وبذلك تكون المحكمة قد خالفت حكم المادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية إذا ما كان يصح تلاوة أقوال الشاهد المذكور فى التحقيق لعدم ثبوت تعذر الاستدلال عليه وفى هذا إخلال بحق الطاعن فى الدفاع، وما ورد فى الحكم من أن المحكمة تلك أقوال الشاهد المذكور بالجلسة يخالف المثبت بالأوراق لخلو محضر الجلسة من ذلك وجاء تسجيل الحكم لهذه لواقعة من قبيل السهو ظنا منه أنها حدثت مع أنها لم تحدث أصلا. كما أن الثابت من وقائع الدعوى أن تنفيذ الضبط والتفتيش تما بالإكراه والعنف الشديد إذ شهر رجال الشرطة أسلحتهم فى وجه الطاعن وهو أعزل وحيد فى منزل المبلغ مما يجاوز القدر اللازم لتنفيذ هذا الإجراء بما يبطله. وقد أشار المدافع عن الطاعن فى دفاعه إلى ظروف هذا الإكراه الذى تنطق به مدونات الحكم نفسها ودفع ببطلان التفتيش عامة مما يحقق له إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض. كما التفت الحكم عن الرد على ما دفع به الطاعن من نفى قبوله الرشوة قبولا اختياريا لمسارعة المبلغ إلى دس مبلغها فى جيبه وتنبيهه الضابط فى سرعة خاطفة ومهاجمته. كما أغفل الرد على ما أثاره من تلفيق الإتهام للطاعن من المبلغ لخصومة بينهما، وجاء رده على شهادة شاهدى النفى الدالة على نفى التهمة عن الطاعن غير سائغ - هذا إلى أن الطاعن أثار أمام غرفة الاتهام أن ندبه للحراسة على الشركة لا يتصل بالوظيفة العامة التى يشغلها لانقطاع صلته بها وعلى رغم أن النيابة أثارت هذه النقطة فإن الحكم لم يرد على دفاع الطاعن فى خصوصها ولم يدلل على توافر صفة الموظف العمومى فى حقه مادام قد أنكرها فى خلال عمله بالحراسة - وقد أوقع الحكم على الطاعن عقوبة مستقلة عن جريمة إحراز المخدر على رغم قيام الارتباط بينها وبين باقى التهم مما كان يقتضى إنزال عقوبة واحدة به عن جميع التهم عملا بالمادة 32 من قانون العقوبات، مما يعيب الحكم ويوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعى مردود بأنه يبين من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن أو المدافع عنه لم يطلب من المحكمة سماع شاهد الإثبات الأول الغائب مما يعد نزولا ضمنيا عن سماعه وفقا للمادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة بالقانون رقم 113 لسنة 1957. ولما كان الطاعن يسلم فى طعنه بأن الشاهد المذكور لم يعلن لنقله من العنوان الذى وجه إليه الإعلان فيه منذ ثلاث سنوات سابقة على الإعلان فيكون ما انتهى إليه الحكم من عده غير مستدل عليه سائغا ولا يقبل من الطاعن أن يجادل فى سلامة هذا الاستخلاص، وقد كان فى وسعه أن يثير ما شاء فى شأن ما ورد بهذا الإعلان طالما كان مطروحا على بساط البحث أمام محكمة الموضوع. ولما كان الحكم يكمل محضر الجلسة فى إثبات ما تم أمام المحكمة من إجراءات وإذ أثبت الحكم تلاوة أقوال الشاهد المذكور فلا يقبل من الطاعن المجادلة فيما ذكره الحكم من ذلك، ولا سبيل له لإثبات عكسه إلا بطريق الطعن بالتزوير وهو ما لم يسلكه. ولما كان ما يثيره الطاعن فى خصوص بطلان إجراءات، التفتيش بدعوى ما استخدم فيها من إكراه يجاوز القدر اللازم لتنفيذها مردودا بأنه لا يبين من الإطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن أو المدافعين عنه قد أثار أى منهم شيئا فى هذا الصدد - وهو ما يستدعى تحقيقا موضوعيا - ومن ثم لا تقبل إثارته لأول مرة أمام هذه المحكمة - لما كان ذلك، وكان الحكم قد دلل بأدلة سائغة على أن الطاعن هو الذى طلب مبلغ الرشوة وقبله من الراشى مما يفيد دلالة اطراحه لما أثاره المدافع عن الطاعن من دس المبلغ له بمعرفة المبلغ. وكان الدفاع بأن الاتهام ملفق على المتهم هو من أوجه الدفاع الموضوعية التى لا تستوجب ردا صريحا بل الرد عليها يستفاد من أدلة الثبوت التى ساقها الحكم بالإدانة. وكان ما يثيره الطاعن فى خصوص صفته كموظف عمومى مردودا بأنه لا يبين من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن أو المدافعين عنه قد أثاروا أية منازعة حول هذه الصفة، وقد ذكر الحكم فى معرض تحصيله لواقعة الدعوى صفة الطاعن كموظف فى مصلحة الوقود التابعة لوزارة الصناعة وهو ما يكفى لتوافر هذا العنصر من عناصر الجريمة التى دان الطاعن بها. أما ما يثيره فى خصوص انقطاع صلته بالوظيفة بمجرد ندبه للعمل بالحراسة على الشركة، فإنه فضلا عن أنه لم يسبق له طرح هذا الدفاع على محكمة الموضوع مما لا يجوز معه إثارته أمام هذه المحكمة لأول مرة، فإن تنصيب الطاعن نائبا للحارس على الشركة المذكورة بتكليف ممن يملكه - وهو ما لا يجادل الطاعن فيه، للسهر على نشاط الشركة وإخضاعها لرقابة الدولة المباشرة، يعد تكليفا بخدمة عامة ويعتبر كالموظفين فى حكم الرشوة عملا بالفقرة الخامسة من المادة 111 من قانون العقوبات المعدلة بالمرسوم بقانون رقم 69 لسنة 1953. ولما كان تقدير توافر الشروط المقررة فى المادة 32 من قانون العقوبات أو عدم توافرها هو من شأن محكمة الموضوع وحدها ما لم تكن وقائع الدعوى كما أثبتها الحكم توجب تطبيق المادة المذكورة، وكان الطاعن أو المدافعين عنه لم يثر أى منهم ارتباط جريمة إحراز المخدر بجريمتى الاشتراك فى التزوير والرشوة المسندتين إليه، وكانت واقعة الدعوى لا ترشح لقيام هذا الارتباط، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم فى هذا الشأن لا يكون سديدا. لما كان ما تقدم، فإن ما يثيره الطاعن فى طعنه لا يكون له محل.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.